أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - صناعة الأدوية زمن العَوْلَمَة















المزيد.....

صناعة الأدوية زمن العَوْلَمَة


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 13:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منافسة أمريكية صينية
بدأ نمو قطاع الأدوية الصيني خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين، ويلعب اليوم دورًا مهيمنًا في القطاعات الاستراتيجية للسوق العالمية، بما في ذلك المواد الخام الرئيسية (CRMs)، وهي مكونات أساسية لإنتاج المكونات الصيدلانية النشط ة المعرفة برمز (APIs)، فقد اشتهرت الصين في بداية القرن الواحد والعشرين بإنتاج الأدوية الجنيسة، وتوفير المواد الخام، وإدارة التجارب السريرية لصناعة الأدوية، لكن شركاتها الدوائية أصبحت الآن رائدة في مجال التكنولوجيا، حيث تنتج أدوية مبتكرة بأسعار أقل من منافسيها، وأصبحت الصين ثاني أكبر مُطوّر للأدوية الجديدة، بعد الولايات المتحدة...
يُعَدّ دواء السرطان "كيترودا"، من أكثر الأدوية ربحيةً على الإطلاق. منذ إطلاقه سنة 2014، حيث حققت مبيعاته أكثر من 130 مليار دولار لشركة ميرك، الشركة الدوائية التي طورته في الولايات المتحدة، وتحاول الصين منافسة الشركات الأمريكية، وحققت أحيانًا نتائج مُذْهِلَة، كما هو الحال مع شركة التكنولوجيا الحيوية الصينية التي طورتها "أكيسو"، ففي أيلول/سبتمبر 2024، حقق دواء تجريبي نتائج غير مسبوقة في مجال سرطان الرّئة ذي الخلايا "غير الصغيرة"، ففي المراحل الأخير للتجارب السريرية ضاعف الدواء تقريبًا مدة بقاء المرضى على قيد الحياة دون مرض، لتصل إلى 11,1 شهرًا، مقارنةً بـ 5,8 أشهر لدواء كيترودا...
قد يؤدّي انتهاء صلاحية براءات اختراع أدوية الشركات "الغربية" إلى خسارة قد تصل إلى 140 مليار دولار من مبيعاتها السنوية بحلول سنة 2030، ولذا تتطلع شركات الأدوية الغربية نحو آسيا بحثًا عن أفكار جديدة، وخصوصًا في الهند والصين، حيث أبرمت هذه الشركات "الغربية"، سنة 2024، نحو ثُلُثِ صفقات براءات الاختراع الكبيرة مع شركات صينية أي ثلاثة أضعاف قيمتها سنة 2020، وارتفعت القيمة الإجمالية للأدوية الحاصلة على براءات اختراع من شركات صينية حول العالم خمسة عشر ضعفًا، بين سنتَيْ 2020 و 2024، لتصل إلى 48 مليار دولار، ما دَفَع شركة "ميرك" للإتفاق مع شركة صينية مختصة في مجال التكنولوجيا الحيوية (لانوفا ميديسنز ) نحو 588 مليون دولارا خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مقابل حقوق علاج مشابه للعلاج الذي تنتجه شركة أكيسو.
أعلنت الحكومة الصينية - في بداية القرن الواحد والعشرين - التكنولوجيا الحيوية أولوية استراتيجية، وأطلقت هيئة تنظيم الأدوية إصلاحات كبيرة، سنة 2015، لإنجاز هذا البرنامج الطموح ووظّفت الهيئة اختصاصيين وموظفين لمعالجة عشرين ألف طلب دواء على مدار سنتَيْن، وتمت ملاءمة التجارب السريرية مع المعايير الدولية، وانخفض الوقت اللازم للموافقة على أول سلسلة من التجارب البشرية من أكثر من خمسمائة يوم إلى أقل من تسعين يوم، وأدّت هذه التغييرات إلى ارتفاع استثمارات القطاع الخاص لشركات التكنولوجيا الحيوية الصينية من مليار دولار سنة 2016 إلى 13,4 مليار دولارا سنة 2021، وساعد عدد السّكّان المرتفع، أي اتّساع السّوق المحلية، على جذب كبرى شركات تصنيع الأدوية إلى البلاد، وتشترط الصين نقل التكنولوجيا والإبتكارات والبحوث، وعدم الإكتفاء بالتنفيذ والإنجاز، وخلال سنوات قليلة تجاوزت الشركات الصينية مجرد تقليد الأدوية الغربية، فبدلاً من انتظار انتهاء صلاحية براءات الاختراع وتصنيع الأدوية الجنيسة، اعتمدت استراتيجية "المتابعة السريعة"، إذ تنطلق من الأدوية الموجودة فتُعدّلها لتحسين سلامتها وفعاليتها وطريقة توصيلها، وإجراء تجارب أسرع وأقل تكلفة، وبذلك تضاعف عدد الأدوية الصينية قيد التطوير بين سنتَيْ 2021 و 2024، ليصل إلى 4391 دواءً، وتمثل العلاجات المبتكرة أو الأصلية بالكامل حوالي 42% من هذا الإجمالي. وقد أثبت النهج الصيني فعاليته بشكل خاص مع مُقترنات الأجسام المضادة الدوائية (ADCs) وهي نوع من أدوية السرطان يرتبط فيه الجسم المضاد بحمولة العلاج الكيميائي عبر رابطة كيميائية، ونظرًا لتوافر المكونات الأساسية للعلاج، فإن نجاحه يعتمد على فعالية تركيبها.
هيّأت الدّولة البُنية التّحتية واللُّوجستية الضرورية لإنجاح برنامجها، ومن ضمنها تسريع عملية التجارب السريرية التي أصبحت أسرع من تلك الموجودة في الغرب، ووجب التذكير إن التجارب السريرية هي أطول وأغلى مراحل تطوير الأدوية، وأصبحت في الصين أسرع بمرتين أو ثلاث مرات من أي مكان آخر في العالم، بفعل تشجيع المستشفيات والأطباء على دعم الأبحاث، والإستفادة من العدد الكبير من المرضى لاستقطاب الأعداد الكافية للتجارب السريرية، وتحسين جودة البيانات، وأدّت جُملة هذه العوامل إلى جعل الأدوية الصينية أكثر جاذبيةً لاستثمارات شركات الأدوية العالمية التي تبحث عن العلاجات الواعدة، ولذلك كانت نتائج التجارب الصينية على دواء أكيسو مقنعةً بما يكفي لتُقرر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) نقل الدواء مباشرةً إلى التجارب السريرية في مراحلها الأخيرة.
لا تبيع معظم الشركات الصينية أدويتها مُباشرة في الولايات المتحدة، بل تُوَقِّعُ اتفاقيات براءات اختراع، فتبيع حقوق تسويق دوائها خارج الصين مقابل دفعة مقدمة وتكاليف أخرى، ووقّعت الشركة المنافسة لشركة كيترودا اتفاقية ترخيص مع شركة سوميت ثيرابيوتكس، وهي شركة أمريكية للتكنولوجيا الحيوية، بقيمة مبدئية قدرها 500 مليون دولار، بالإضافة إلى مدفوعات إضافية تصل إلى 5 مليارات دولار وحصة من العائدات، كما ابتكرت الصين نموذج "الشركة الجديدة"، حيث تؤجر شركة أدوية صينية عيادتها لشركة أمريكية يديرها فريق محلي ذو خبرة، لتحتفظ الشركة الأم بحصة، مما يسمح لها بالاستفادة من مزايا تتجاوز الإتاوات في حال نجاح الدواء.

تأثيرات الحرب التجارية على قطاع الأدوية
يُشكّل المرضى الأمريكيون مَصْدَرَ دخل هام لشركات التكنولوجيا الحيوية الصينية لأن أسعار الأدوية أقل تنظيمًا في الولايات المتحدة منها في الصين، ولذلك تُشكّل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة مصدر قلق لشركات الأدوية الصينية، رغم اقتصار القيود التجارية الأمريكية – لحدّ الآن - على المنتجات عالية التقنية؛ بينما أفلتت شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية من العقاب بسبب تَعثُّر محاولات الكونغرس الأمريكي مَنْعَ الشركات الصينية من تقديم بعض خدمات ومعدات التكنولوجيا الحيوية، ولكن مع تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الأدوية، قد لا تبقى التكنولوجيا الحيوية سالمة لفترة طويلة.
لا يُوفّر بيع الإنتاج إلى الولايات المتحدة عبر اتفاقيات الترخيص سوى حماية محدودة، فقد تحصل شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية على حقوق ترخيص أضيق لأدويتها التجريبية مقارنةً بنظيراتها الأمريكية بسبب مخاطر الرّسوم الجمركية، مما قد يضطر الشركات الصينية إلى مواجهة القوى السياسية التي تسعى إلى تجزئة السوق العالمية وعرقلة وتيرة الابتكار الصينية التي استفادت من العولمة الرأسمالية، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وخصوصًا منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية...
تشير تقارير بلومبرغ إلى أن اعتماد الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى على المواد الخام الدوائية المنتجة في الصين، ومن ضمنها المواد الدّوائية، إذ يأتي ما يقرب من نصف الأدوية المُستهلكة في الولايات المتحدة من مصدر واحد، وتُوفر الصين مركبًا كيميائيًا أساسيًا واحدًا على الأقل لأكثر من 700 دواء استراتيجي، وما الأموكسيسيلين سوى مثال على ذلك، ورغم أنه يُستورد ظاهريًا من عدة دول، إلا أن مكوناته الكيميائية الأساسية الأربعة تُنتج بالكامل في الصين، كما تعتمد الهند، أكبر منتج للأدوية الجنيسة في العالم، بشكل كبير على الصين في توريد عقار كيه إس إم، وهو مستوى الاعتماد الذي يتم تجاهله تقريبا في التقارير الرسمية الأميركية، وبحسب التقرير السنوي للجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين، تعتقد واشنطن أن هذا الاعتماد يجب أن يُعالج على الفور، وتدعو إلى مراجعة قانون سنة 2020 لتعزيز صلاحيات إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وإلزام شركات الأدوية بالكشف بدقة عن أصل المواد الخام التي تستخدمها، وتحذر الحكومة الأميركية في نفس الوقت من أن أي تصعيد للتوترات بين واشنطن وبكين قد يؤدي إلى تعطيل إنتاج وتصدير الأدوية على نطاق دولي، ويؤكد خبراء لجنة الغذاء والدواء الأمريكية إن الصين تسيطر حاليًا على جزء كبير من إنتاج المكونات الدوائية الفعالة، ولذا وجب إنشاء شبكة توريد بديلة تشمل الهند وشركاء استراتيجيين آخرين، ولكن إنتاج عقار كيه إس إم مثلاً غير مربح للغاية، مع هوامش ربح ضيقة للغاية، وقد يؤدّي الإنفصال عن شبكة التوريد الصينية إلى فَرْض تكلفة مرتفعة على شركات الأدوية المتعددة الجنسيات ذات المنشأ الأمريكي، ويقترح خُبراء أمريكيون تطبيق الإطار التعاقدي الذي اعتمدته وزارة الحرب سابقًا مع شركة MP Materials على صناعة الأدوية، والذي تضمن سعرًا أدنى مضمونًا لدعم المنتجين الأميركيين للعناصر الأرضية النادرة، لكن، ورغم الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لتقليص الاعتماد على الصين، فإن إنشاء سلسلة توريد عالمية بديلة يعد عملية مكلفة وطويلة ومعقدة للغاية، لتجد الولايات المتحدة نفسها في ورطة، فهي تعتبر هيمنة الصين على المواد الخام الدوائية تهديد للأمن القومي، لكن الصين تملك العديد من أوراق الضّغط في الحرب الاقتصادية الحالية.



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا في ظل الإستعمار الإيطالي
- الدُّيُون تُعَرْقِلُ التّنمية
- أفريقيا في قلب المعركة العالمية على المعادن الاستراتيجية
- مُتابعات – العدد الثالث والخمسون بعد المائة بتاريخ السّادس م ...
- بإيجاز - الغذاء والصّحّة
- مَنْ صاحِبُ القرار، الولايات المتحدة أم الكيان الصهيوني؟
- سوريا – السنة الأولى لسلطة المنظمات الإرهابية
- الإستخدام السّلْبِي ل-الذّكاء- الإصطناعي
- مُتابعات – العدد الثاني والخمسون بعد المائة بتاريخ التاسع وا ...
- انتخابات نيويورك وفوز زهران ممداني
- اقتصاد العراق بين وَفْرَة النّفط وارتفاع حجم الدُّيُون
- حركة التضامن الأوروبية مع الشعب الفلسطيني
- فلسطين - خطة استعمارية أمريكية
- مُتابعات – العدد الواحد والخمسون بعد المائة بتاريخ الثاني وا ...
- التدخلات الأمريكية في امريكا الجنوبية
- أوروبا - الفساد في أعلى هرم السّلطة
- غزة، من -ريفييرا الشرق الأوسط- إلى -خطة السّلام-
- بإيجاز - خطوات أمريكية على طريق إنجاز -الشرق الأوسط الكبير-
- تفاوت طبقي بالأرقام
- الصين والولايات المتحدة ومكانة الدّولار والصناعة والتكنولوجي ...


المزيد.....




- ترتيب الجناة الرئيسيين خلف مقتل 67 إعلاميا وفقا لمراسلون بلا ...
- -الغبيات القذرات-… عبارة بريجيت ماكرون التي أشعلت فرنسا
- الكونغرس الأمريكي يوافق على إلغاء قانون قيصر ورفع العقوبات ع ...
- تشيكيا تشرّع استخدام مادة السيلوسيبين المستخلص من الفطر السح ...
- إسرائيل تقر بناء 764 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية ا ...
- لوموند: إسرائيل تفرض نظاما غير مسبوق من الإرهاب في الضفة الغ ...
- الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تف ...
- قوة إسرائيلية تفجر منزلا بعد تسللها في جنوب لبنان
- صحف عالمية: غزة تتعرض لوصاية استعمارية غير قانونية بقيادة تر ...
- زعيم الانقلاب الفاشل في بنين يفر إلى توغو المجاورة


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - صناعة الأدوية زمن العَوْلَمَة