أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فراس عوض - أثر حرمان الطفل من حضانة الأب: قراءة علمية توازنية في حق الطفل في أبوّة حيّة














المزيد.....

أثر حرمان الطفل من حضانة الأب: قراءة علمية توازنية في حق الطفل في أبوّة حيّة


فراس عوض
كاتب وباحث سياسي واجتماعي، ماجستير في دراسات الجندر، نقابي وناشط حقوقي

(Feras Awd)


الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 20:13
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


باحث في دراسات الاجتماع و الجندر الصحة النفسية

عندما يُختزل حضور الأب بعد الطلاق إلى زيارة عابرة أو دور مالي بارد، لا يخسر الأب وحده مكانته الطبيعية، بل يخسر الطفل أحد أعمدة أمانه النفسي والعاطفي. فالطفل وفق الرؤية التوازنية ليس امتدادًا لأمه ولا لأبيه، بل كيان مستقل يحتاج إلى أبوَّة وأمومة معًا، مهما اختلف حجم الزمن الذي يقضيه مع كل منهما. هذا يتوافق مع ما أكده Bowlby (1988) بأن الطفل يبني استقراره الداخلي من خلال علاقات ثابتة ومتوقعة مع مقدّمي الرعاية، وليس من خلال الارتباط بطرف واحد فقط.

الأبحاث الحديثة حول دور الأب في حياة الطفل تُظهر بوضوح أن الأب ليس عنصرًا ثانويًا في التربية، بل قوة نفسية وتربوية جوهرية. فقد بينت مراجعات واسعة مثل دراسة Sarkadi وآخرين (2008) أن مشاركة الأب في حياة الأبناء ترتبط بانخفاض المشكلات السلوكية، وتحسّن القدرة على التكيّف، وارتفاع المهارات الاجتماعية، حتى عندما تُضبط العوامل الاقتصادية والتعليمية. وفي المقابل، عندما يُقصى الأب عن ممارسة دوره الفعلي - رغم استعداده وقدرته - يتراجع هذا الأثر البنّاء، ويجد الطفل نفسه ممزقًا بين روايتين بدل أن يكون جسرًا يصل بين أب وأم.

وتُظهر دراسات حديثة حول غياب الأب أو ضعف العلاقة معه أن المسألة تتجاوز الوجود الجسدي إلى عمق العلاقة نفسها. فقد وجدت Culpin وآخرين (2022) في دراسة طويلة المدى أن غياب الأب في الطفولة المبكرة يزيد من احتمالات الاكتئاب في المراهقة، خصوصًا لدى البنات، حتى عند ضبط الظروف الاجتماعية والاقتصادية. كما كشفت Peng وآخرين (2024) أن انخفاض شعور الطفل بالحب الأبوي يرفع مستويات الوحدة ويقلّل الرضا عن الحياة. وأظهرت نتائج Zhou وآخرين (2024) أن هشاشة الرابط العاطفي بالأب تُضعف قدرة الطفل على بناء علاقات صحية مع أقرانه وتزيد حساسيته الانفعالية.

وتبرز مسألة شكل الحضانة بعد الطلاق كعامل حاسم في تحديد مسار الطفل النفسي. فقد حللت Vowels وآخرين (2023) نتائج 39 دراسة وأظهرت أن الأطفال الذين ينشؤون ضمن ترتيبات تسمح بمشاركة الأب والأم في الرعاية الفعلية يحققون نتائج نفسية وسلوكية واجتماعية أفضل من الأطفال الذين يعيشون في حضانة أحد الوالدين فقط. وبينت Nielsen (2018) أن مشاركة الوالدين في الرعاية ما بعد الطلاق تُعدّ عامل حماية للطفل حتى عند وجود قدر متوسط من الخلافات بينهما، شرط حماية الطفل من الانخراط في تلك الخلافات.

وفي دراسة حديثة لــ Riser وآخرين (2025) تبين أن 80% من الأطفال الذين يشتركون مع والديهم في ترتيبات رعاية فعلية يتمتعون بصحة نفسية أفضل، مقارنة بـ 70% فقط ممن يعيشون في حضانة أحد الوالدين دون مشاركة حقيقية. كما أظهرت Turunen وآخرين (2023) أن الأطفال في هذا النوع من الترتيبات يشعرون بأن والديهم أكثر دعمًا لهم وأكثر معرفة بتفاصيل حياتهم اليومية، ما يعزز شعورهم بالأمان والثقة.

وعند النظر للموضوع من زاوية كلاننية شمولية ، والتي تنظر إلى الأسرة كمنظومة مترابطة، يتضح أن حرمان الطفل من حضانة الأب ليس قرارًا فرديًا بين رجل وامرأة، بل قرار له ارتدادات تمتد إلى دوائر أوسع: بناء الهوية، النمو الانفعالي، العلاقات الاجتماعية، والاستقرار النفسي. فقد بينت دراسات Mashudi وآخرين (2024) أن مشاركة الأب في الرعاية اليومية والتعليم تعزز الأداء الدراسي، وتنمّي الثقة بالنفس، وتقوي مهارات حل المشكلات. في حين أشارت نتائج Yeh & Chang (2024) وAlemu (2023) إلى أن غياب هذا الدور يزيد من الاندفاعية وصعوبات الضبط الانفعالي، خصوصًا لدى الأولاد.

ومن منظور توازني، لا ينبغي أن يكون السؤال: "إلى من تُعطى الحضانة؟" بل: "كيف نضمن أن يظل كلا الوالدين جزءًا فعليًا من حياة الطفل بعد الانفصال؟". الهدف ليس المساواة الشكلية بين الأب والأم، بل العدالة التي تضع مصلحة الطفل فوق رغبات الطرفين. وقد بينت أبحاث Mashayekh & Al-Shami (2023) وSankaran (2024) أن مشاركة الأب في الرعاية اليومية تُنتج آثارًا إيجابية حتى في البيئات الفقيرة أو المضطربة سياسيًا.

ولذلك، فالنموذج التوازني الذي نتبناه في هذه القراءة لا ينكر وجود حالات تستوجب حماية الطفل من والد مؤذٍ، لكنه يرفض تحويل الحالات الاستثنائية إلى قاعدة قانونية عامة تقصي الأب مسبقًا. وتؤكد دراسات Vowels (2023) وNielsen (2018) أن أفضل النتائج تتحقق عندما يحافظ الطفل على علاقة متوازنة مع كلا الوالدين، ما دام الأب قادرًا على الرعاية وغير خطر على الطفل. أما عندما يُستبعد الأب ظلمًا، فإن ذلك يشكل شكلًا من الإساءة غير المرئية المغلفة تحت شعار "مصلحة الطفل"، رغم أن الأدلة العلمية تشير إلى العكس تمامًا.

ولا يتوقف أثر حرمان الطفل من أبيه عند حدود الطفل فقط، بل يمتد إلى الأب والأم والمجتمع. فقد بينت Wilson & Prior (2024) أن الآباء الذين يُقصون من دورهم الطبيعي يصبحون أكثر عرضة للاكتئاب والشعور بالعجز والانسحاب الاجتماعي. كما تتحمل الأم عبئًا مضاعفًا من الرعاية والقرار التربوي، ما يزيد مستويات الإرهاق النفسي لديها. أما المجتمع فيخسر نموذجًا صحيًا يساهم في نشوء جيل متوازن، ويخسر طفلًا كان يمكن أن ينمو داخل شبكتي حب بدل خريطة علاقات مقطّعة.

وعندما ننظر للصورة من خلال العدسة التوازنية، يصبح السؤال العلمي والأخلاقي واحدًا:
هل يمكن حقًا حماية الطفل إذا أُغلِقَ في وجهه نصف حضنه الطبيعي؟



#فراس_عوض (هاشتاغ)       Feras_Awd#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فراس عوض يكتب: انت نرجسي.. انتي ناشز
- فلنعطي العلاقات وقتها
- بين قهوتين... ومصير: مقهى البازلاء رواية من نار الحبر ونور ا ...
- نساء غزة والأردن: النسوية المقاومة وتحطيم الهبمنات امام النس ...
- الإعلان الدستوري السوري، مدني ام ديني ام علماني!!
- مع المقاومة ولا لوقف اطلاق النار
- جميعها أسباب لنهاية الحرب خلال فبراير
- مهزلة الاحتلال في مائة يوم
- الذكاء النسوي..
- يسقط المجتمع الأبوي والأمومي أيضا
- لذة الحب...
- الذكاء النّسوي..
- فراس عوض : جارة العميد
- ذكاء نسوي
- دك معاقل العلم أمام فهلوة الاعلام والساسة الكورونية
- الكورونا السياسية والتهويل الاعلامي الطبقي
- يوم المراة العالمي.. نشوء النسوية الأردنية وملاحظات
- سن اليأس أم الثقافة اليأسة!
- الأردن.. محاكمة برلمانية لجسد المرأة
- فراس عوض يكتب:أن تكن أجمل


المزيد.....




- البرلمان النمساوي يقر قانون حظر الحجاب في المدارس الابتدائية ...
- برلمان النمسا يحظر حجاب الفتيات ومنظمات حقوقية تندد
- النمسا تحظر الحجاب في المدارس لمن هن دون 14 عاماً
- -كل المهاجرين يدفعون مالاً للمهرب، لكن يطلب من النساء دفع ال ...
- النمسا تقر حظر ارتداء الحجاب في المدارس لمن هن دون 14 عاما
- لوموند: في الفاشر شاهدت عائشة شنق شقيقها وقتل زوجها واغتصاب ...
- تعويض 4500 امرأة من جرينلاند زُرعت لوالب لهن دون موافقتهن
- أزمة ملكة جمال الكون.. هل فقدت مسابقات الجمال بريقها؟
- جنيفر لورنس خسرت لقب -الفتاة الرائعة- لتفوز بلقبٍ آخر غير مت ...
- بزشكيان يمنح شهادة تقدير لوزير الرياضة لتطوير الرياضة النسائ ...


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فراس عوض - أثر حرمان الطفل من حضانة الأب: قراءة علمية توازنية في حق الطفل في أبوّة حيّة