أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - التطرف فيما رُوي عن يسوع















المزيد.....

التطرف فيما رُوي عن يسوع


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 04:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Gemini AI

المتأمل لخطاب يسوع وسلوكه كما جاء بالأناجيل الأربعة، يجد تطرفاً وذهاباً لحدود قصوى. تجعل التعاليم والمواقف غير عملية وغير مستساغة أو مقبولة. بل وتخرج بها عن حدود المنطق والعقلانية.
وقد يكون المسؤول عن هذا كتاب الأناجيل. الذين أرادوا أن يضيفوا لرواياتهم جِدَّة وغرابة وبهارات للتشويق والإثارة!!

عند تحليل تعاليم وسلوك يسوع كما وردت في الأناجيل الأربعة بمعزل عن التفسيرات الدينية، يمكن تصنيف العديد من أقواله وأفعاله كمطالب جذرية أو مبالغات (Hyperbole) تتجاوز النفعية العقلانية والمنطق الاجتماعي السائد.
يظهر هذا التطرف في أربعة مجالات رئيسية: الأخلاق الشخصية، والسلوك الاجتماعي، والولاء المطلق والنظرة للآخر.
1. التطرف في الأخلاق الشخصية (المغالاة في الإحسان)
تتميز تعاليمه بمغالاة في تطبيق الفضائل إلى حد إهدار الحقوق الشخصية والمنطق النفعي. حيث يُطلب من الفرد التنازل عن الدفاع عن الذات وكرامتها وحقوقها الأساسية:

• المغالاة في السلبية وعدم المقاومة:
في تعليمه "من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً" (متى 5: 39).
يطالب يسوع هنا بالتخلي عن غريزة الدفاع عن النفس وحفظ الكرامة الشخصية.
يُنظر إلى هذا المطلب على أنه إهدار للحصانة الشخصية وتشجيع للمعتدي.
وهو موقف يتنافى مع المنطق النفعي للدفاع عن الذات.

• المغالاة في التنازل عن الحقوق:
في مطالبته "ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضاً" (متى 5: 40).
يرفض يسوع مبدأ التملك وحفظ الحقوق الأساسية، حتى الضرورية منها (الثوب والرداء).
هذا الموقف غير عملي في أي نظام قانوني أو اقتصادي.

• المغالاة في الخضوع غير المبرر:
الأمر بـ "ومن سخرك ميلاً واحداً، فاذهب معه اثنين" (متى 5: 41)
هو بذل جهد مضاعف دون مقابل أو سبب نفعي. هذا يتجاوز العقلانية في التعامل مع علاقة القوة والسلطة المفروضة.

• المغالاة في الحلول الجذرية:
تعليم "إن أعثرتك عينك، فاقلعها وألقها عنك" (متى 5: 29)
هو استخدام مبالغ فيه للتعبير عن أن القضاء على مصدر الخطيئة يجب أن يكون على حساب سلامة الجسد أو راحته.
مما يؤكد على أن الحلول يجب أن تكون جذرية ومؤلمة.

• وضع معيار غير بشري للكمال:
المطالبة بـ "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (متى 5: 48)
هي وضع معيار للكمال المطلق لا يمكن تحقيقه منطقياً من قبل كائن بشري محدود. مما يمثل أقصى درجات التطرف الأخلاقي.

2. التطرف في التخلي عن الروابط الاجتماعية والمنطق النفعي:
أظهر يسوع مطالبة بولاء تفكك العلاقات الاجتماعية والالتزامات العائلية الأساسية، إلى جانب دعوته للعيش بالتوكل المطلق:

• تفكيك الروابط العائلية:
في لوقا 14: 26، طالب يسوع بـ "كراهية" الأهل والأبناء والزوجة ليكون المرء تلميذاً له. يعد هذا المطلب هدمًا لمؤسسة الأسرة (الوحدة الأساسية للمجتمع) ويتعارض مع مبادئ البر بالوالدين والحفاظ على النسل.

• إلغاء الواجبات الاجتماعية: عندما طلب شخص الإذن لدفن أبيه، أمره يسوع بـ "اتبعني، ودع الموتى يدفنون موتاهم" (متى 8: 21-22).
هذا الموقف يلغي الواجبات الاجتماعية/الدينية المقدسة (دفن الميت) لصالح ولاء فوري غير قابل للتأجيل. وهو غير مقبول اجتماعياً.

• إلغاء الاهتمام بالحاجات الأساسية والتوكل المطلق:
أمر التلاميذ بـ "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون... ولا لأجسادكم بما تلبسون" (متى 6: 25-26).
هذا الموقف يضع معيارًا غير عملي للمعيشة. حيث يلغي التخطيط للمستقبل ويتوقع أن تُلبى الحاجات الضرورية بالتوكل وحده، مما يتناقض مع النفعية الاقتصادية ومبدأ العمل.

كذلك حالة الرجل الرجل الذي طلب منه يسوع أن يوزع أمواله كلها على الفقراء ويتبعه هو الشاب الغني.
"قال له يسوع: إن أردت أن تكون كاملاً، فاذهب بعْ أملاكك وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني ." (متى 19: 21)
فليس من المنطقي ولا الطبيعي أن يفعل المؤمن هذا. فيصير معدماً، ويتبع يسوع ليعيش بعد ذلك على التسول!!

• الولاء الذي يلغي أي انتماء آخر:
قوله "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لوقا 9: 62)
يطالب بولاء فوري وكامل يلغي أي تردد أو انشغال بأي تفاصيل من الحياة القديمة أو التفكير في الماضي.

3. التطرف في السلوك المناهض للنظام
على الصعيد السلوكي:
اتخذ يسوع مواقف حادة ضد المؤسسات القائمة، مما يدل على تحديه الصريح للوضع الديني والاجتماعي الراهن:

• تطهير الهيكل (متى 21: 12-13): قام بالاعتداء على التجار في المعبد. هذا العمل يمثل عملية تخريبية عنيفة موجهة ضد النظام الاقتصادي المعتمد داخل المؤسسة الدينية، ويعد تحدياً للسلطة الدينية والمدنية القائمة.
الخلاصة العقلانية:
لقد اتبع يسوع أسلوباً تعليمياً جذرياً. لم تكن تعاليمه تدعو إلى تحسين أخلاقي تدريجي، بل إلى ثورة أخلاقية شاملة تتطلب التخلي التام عن المنطق النفعي والاجتماعي المعتاد.
هذا السلوك والتعليم يمكن وصفه بأنه "متطرف" لأنه يذهب إلى أقصى حدود الفكرة الحسنة (كالإحسان والتسامح) لدرجة تصبح فيها غير مستساغة أو غير عقلانية من منظور الحفاظ على الذات والحقوق الشخصية والروابط الاجتماعية.

4. 🐶 التطرف في الخطاب: وصف الآخر بـ "الكلاب"
يظهر هذا الشاهد بوضوح في إنجيلي متى ومرقس، ويُعتبر من النصوص الأكثر إثارة للجدل في وصف تعامل يسوع مع "الآخر" (غير اليهودي):

السياق: جاءت امرأة كنعانية (من خارج بني إسرائيل) تطلب منه شفاء ابنتها المريضة. في البداية، رفض يسوع التحدث إليها.
الخطاب المتطرف (متى 15: 26):
"فأجاب وقال: ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب."

التحليل العقلاني للمغالاة في الخطاب
إذا جردنا هذا التصريح من أي تبريرات لاهوتية (مثل تفسيره على أنه اختبار لإيمانها)، فإن استخدامه لمصطلح "الكلاب" يحمل الدلالات التالية:

1. التمييز والإقصاء: استخدام مصطلح "الكلاب" (الذي كان يستخدمه اليهود بشكل عام لوصف غير اليهود أو "الأمم") يضع غير اليهود في مرتبة أدنى بشكل عنصري أو طبقي. هذا يعكس تطرفاً في منطق الأولوية، حيث يُصَرَّح بأن استحقاق بني إسرائيل (البنين) هو مطلق وكامل، بينما استحقاق الآخرين هو معدوم أو مشروط بفتات.

2. المغالاة في الإهانة: بالرغم من أن بعض التفسيرات اللاهوتية تشير إلى أن الكلمة اليونانية المستخدمة هنا (-kappa-upsilon-nu-acute{-alpha}-rho-iota-alpha, kynaria) تعني "الكلاب الصغيرة المدللة" أو "الجِراء"، إلا أن المصطلح يحمل في سياقه الثقافي درجة من الإهانة والتحقير للشخص طالب المساعدة، وهو سلوك يتعارض مع مبدأ الشفقة المطلقة.

3. التراجع عن المبدأ: يظهر التطرف في هذا الخطاب ثم يتبعه تراجع سريع بعد رد المرأة الذكي، مما يشير إلى أن الخطاب المتطرف الأولي لم يكن حاسماً، بل كان عرضة للتغيير عندما قُوبل بذكاء وإيمان.
يُعد هذا الشاهد مثالاً واضحاً على أن التطرف في أفكار يسوع لم يقتصر فقط على مطالبه الأخلاقية الجذرية من أتباعه، بل امتد أحياناً إلى الخطاب الإقصائي عند تحديد دائرة المستحقين لعمله أو رحمته.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإله -يهوه- وجذوره التاريخية
- العلاقة بين فلسفة إبكتيتوس والأخلاق المسيحية
- إبيكتيتوس الجذر الفلسفي للأخلاق المسيحية
- القبطية الأرثوذكسية وكراهية العالم
- طيور الشرق الغارقة
- فراق الإنسان عن الشمبانزي
- محاكمة ذبيحة- قصة قصيرة
- الفُلك- قصة قصيرة
- موسى التوراتي بين التاريخية والأسطورة
- مختلف مقاربات الموروث المقدس
- تطور اللاهوت العبراني من التعدد للتوحيد
- معضلة مسؤولية القمة والقاعدة
- القاعدة أم القمة
- الچينات واختلاف ذكاء الشعوب
- رسالة يسوع
- قراءة في فنجان الإنسانية
- -ربّنا بالمقاس-. . عفواً د. حسام بدراوي
- مقال قديم سنوات اللاحسم
- القرن الرابع وتأليه يسوع
- حكاية لاهوت آريوس


المزيد.....




- تراجع الوجود المسيحي في العراق.. قرنٌ من الهزّات والنزوح وال ...
- نتنياهو يوجه بإخلاء بؤر استيطانية مع تعزيز الأمن لليهود وسط ...
- البرلمان يستجوب جان لوك ميلانشون بشأن شبهات تربط حزبه بالإخو ...
- علماء يحذرون: المسجد الأقصى يواجه أخطر المراحل في تاريخه
- تحذيرات إسرائيلية من تنامي نفوذ الإخوان المسلمين في أوروبا
- -أسف- بشأن إلغاء حفل مالك جندلي ورأي لرئيس لجنة الإفتاء بحمص ...
- كتاب مثير لساركوزي: هكذا عشت بالزنزانة وعرفت أهمية الجذور ال ...
- كتاب مثير لساركوزي: هكذا عشت بالزنزانة وعرفت أهمية الجذور ال ...
- دعوة إلى إضراب عام في سوريا.. الطائفة العلوية تتحتج على سياس ...
- أندريه زكي يواصل جولته بالأردن: حوارات موسّعة حول واقع الكني ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - التطرف فيما رُوي عن يسوع