ناظم زغير التورنجي
الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 10:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المثقف العراقي إلى أين؟
بين دوّامة الاستبداد ورحلة البحث عن فضاء للحرية
لم يعرف العراق مرحلة تاريخية كان فيها المثقف بعيداً عن توتر السياسة وتقلبات الاجتماع. فمنذ نشوء الدولة الحديثة، ظلّ المثقف جزءاً من صراع يتراوح بين التنوير والقمع، وبين الحلم بفضاء حرّ والوقوع تحت أنظمة متعاقبة تقيّد الكلمة. واليوم، وسط تداخل سلطات رسمية وجماعات أمر واقع، وازدياد محاولات إسكات الأصوات المستقلة، يتجدد السؤال بحدّة: إلى أين يتجه المثقف العراقي؟
تحديات المشهد الراهن
1. تسييس الثقافة عبر إنتاج خطاب رسمي واحد.
2. العنف غير الرسمي المتمثل بالتهديد والتشهير.
3. الهشاشة الاقتصادية للمؤسسة الثقافية وما تولّده من ضغوط على المثقف.
مسارات حركة المثقف
• الاستقلال الثقافي عبر النشر الرقمي والمنصات البديلة.
• المقاومة الناعمة عبر رفع الوعي وإصلاح الخطاب العام.
• الشراكة النقدية مع الدولة من داخل مؤسساتها.
• الهجرة الفكرية نحو جمهور غير محلي.
• المواجهة المباشرة رغم كلفتها العالية.
متطلبات استمرار الدور الثقافي
شبكات تضامن، تمويل مستقل، حماية قانونية، رؤية تعليمية واضحة، وإعادة تعريف وظيفة المثقف.
خاتمة
مهما اشتدت القيود، يبقى المثقف العراقي صوتاً يرفض الصمت ويصرّ على أن لا تُختزل البلاد في سلطة ولا الحقيقة في رواية واحدة.
المثقف العراقي في سياق الاستبداد المعاصر: تحليل لمواقع الفعل وخيارات المقاومة الثقافية
أبوحازم التورنجي
يتناول هذا المقال، موقع المثقف العراقي ضمن بيئة سياسية واجتماعية تتسم بالاستبداد وتقييد الحريات. يستعرض أنماط التهديد التي يتعرض لها، ويحدد المسارات المحتملة أمامه، ثم يقدم مقترحات لتعزيز دوره في بناء مجتمع ديمقراطي.
يمثل المثقف العراقي أحد الفواعل الأساسية في تشكيل الخطاب الوطني. وقد تداخل وجوده – منذ بدايات القرن العشرين – مع مشاريع الدولة المتعاقبة، ما جعله جزءاً من معادلة معقدة تجمع بين السلطة والمعرفة والمجتمع. ومع تصاعد مظاهر العنف السياسي بعد 2003، كأمتداد للأرهاب الشامل التي تحصن به النظام الشمولي لنظام البعثو فاشي ،وبعد الغزو والأحتلال الأمريكي للعراق دخل المثقف مرحلة جديدة أكثر التباساً، تزامنت مع محاولات قوى متعددة السيطرة على المجال العام.
الإطار النظري
يرتكز أهتمامي على مفاهيم:
• المثقف العضوي عند غرامشي
• العنف الرمزي عند بورديو
• المجال العام عند هابرماس
أولاً: المثقف العضوي عند أنطونيو غرامشي
1. خلفية المفهوم
ابتكره المفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي ضمن نظريته في “الهيمنة الثقافية”، وهي فكرة توضّح كيف تُحافظ الطبقات الحاكمة على سلطتها عبر التأثير في الوعي والفكر، وليس بالعنف وحده.
2. من هو المثقف؟
بخلاف الفهم التقليدي للمثقف (كاتب، شاعر، أكاديمي)، يرى غرامشي أن كل إنسان مثقفٌ بطريقة ما، لكن ليس كل إنسان يلعب دور المثقف في المجتمع.
المثقف عنده ليس صاحب المعرفة فقط، بل من يمارس فعلاً توجيهياً وتنظيمياً للوعي الجمعي.
3. المثقف التقليدي - المثقف العضوي
أ. المثقف التقليدي
• يظهر كأنه “محايد” أو “فوق الطبقات”
• مثل: الأكاديميين، رجال الدين التقليديين، المدرّسين، موظفي الدولة
• يميل للحفاظ على النظام القائم دون تغييره
ب. المثقف العضوي (المفهوم الرئيسي)
هو المثقف الذي ينبثق من طبقة اجتماعية محددة (عمال، فلاحون، طبقة وسطى...)
ويعمل على:
• التعبير عن مصالح تلك الطبقة
• بلورة وعيها
• تنظيمها سياسياً
• قيادتها في مشروع تغيير اجتماعي أو سياسي
4. وظيفة المثقف العضوي
• صياغة خطاب جديد يفضح الهيمنة القديمة
• إنتاج معرفة تعيد تعريف العالم من منظور الفئات المقهورة
• كسر احتكار السلطة للخطاب والمعنى
5. لماذا يعتبر غرامشي هذا المثقف “عضوياً”؟
لأنه ملتحم عضوياً بالطبقة التي ينتمي إليها، مثل العصب المتصل بالجسد.
هو ليس مراقباً، بل مشارك في الصراع الاجتماعي.
6. تطبيق المفهوم على الواقع العراقي
• المثقف العضوي العراقي هو الذي يرتبط بالمجتمع لا بالسلطة
• يعبر عن حاجات الناس الحقيقية
• يقاوم الخطابات الطائفية أو الحزبية الضيقة
• يساهم في تشكيل رأي عام نقدي
وفي المقابل، يبتعد عن دور “المثقف الرسمي” الذي يكرّس السلطة ولا يزعجها.
ثانياً: العنف الرمزي عند بيير بورديو
1. ما هو العنف الرمزي؟
العنف الرمزي هو شكل غير مرئي من العنف يُمارَس عبر اللغة، والمعرفة، والرموز، والتعليم، والعادات الاجتماعية.
إنه قوة تُخضع الناس دون أن يشعروا بذلك مباشرة، لأنها تبدو “طبيعية” و“بديهية”.
هو ليس عنفاً مادياً، بل عنف معنوي وثقافي.
2. طبيعة هذا العنف
• غير مباشر
• يمارَس بشكل ناعم
• يتم بقبول الضحية نفسها
• يرسّخ الهيمنة الاجتماعية أو السياسية
3. أدوات العنف الرمزي
• التعليم: فرض مناهج تنتج “طاعة فكرية”
• الإعلام: تكريس صورة معينة عن “الصالح والطالح”
• اللغة: صياغة مفردات تُسْقِط شرعية على طرف وتنزعها عن آخر
• الدين عندما يُستخدم سياسياً
• الذوق العام: فرض “معايير” تطابق ذوق الطبقة المسيطرة
4. لماذا يعدّ أخطر من العنف المادي؟
لأن المقموع لا يراها قمعاً، بل يراها “طبيعياً”.
مثلاً:
أن تعتقد طبقة فقيرة أنها “لا تستحق” مناصب معينة، فهذا عنف رمزي.
5. أمثلة عراقية واضحة
• تصوير فئات معينة بأنها “غير مؤهلة للحكم”
• استخدام الإعلام لبناء صورة سلبية عن مثقفين أو ناشطين
• ربط الوطنية برمز سياسي واحد
• النظر إلى لهجات أو ثقافات عراقية معينة باعتبارها أقل قيمة
كلُّ هذا يُنتج خضوعاً بلا حاجة إلى القمع المباشر.
6. دور المثقف إزاء هذا العنف
• كشفه
• تفكيك خطاباته
• إعادة تعريف ما يُعتبر “طبيعياً”
• منح الناس أدوات نقدية لتحرير وعيهم
ثالثاً: المجال العام عند يورغن هابرماس
1. معنى المجال العام
المجال العام هو فضاء للنقاش الحر والعقلاني بين المواطنين حول الشأن العام، بعيداً عن سلطة الدولة والمال.
هو المكان الذي تتشكل فيه الإرادة العامة والرأي العام الواعي.
2. خصائص المجال العام
• مفتوح للجميع
• يقوم على الحوار العقلاني
• يُناقَش فيه ما يهم المجتمع
• ينقد السلطة بعيداً عن الخوف
• يهدف لتشكيل قرار جماعي
3. شروط قيام المجال العام
1. حرية التعبير
2. وجود صحافة مستقلة
3. ثقافة نقاشية لا تتبنى العنف
4. مجتمع مدني نشط
5. مواطنون قادرون على التفكير النقدي
4. انهيار المجال العام
يحدث حين:
• تحتكر السلطة الإعلام
• تتحكم الشركات الكبرى بالخطاب
• تهيمن الدعاية على الحقيقة
• يصبح النقاش عنيفاً أو طائفياً
• يفقد الناس ثقتهم بالسياسة
5. المجال العام في السياق العراقي
يتعرض للتشويه بفعل:
• الإعلام الحزبي
• خطاب الكراهية
• هيمنة السلاح
• تراجع الثقة بين المواطن والدولة
• انقسام المجتمع على أسس طائفية أو قبلية
لكنّه لم يمت، إذ ما زالت:
• ساحات الاحتجاج
• منصات التواصل
• المبادرات المدنية
تشكل بذوراً لمجال عام جديد يقوم على الحوار والحرية.
6. علاقة المثقف بالمجال العام
المثقف هو أحد أهم صانعي المجال العام، لأنه:
• يقدّم معرفة نقدية
• يدافع عن حرية النقاش
• يحوّل القضايا المجردة إلى خطاب يفهمه الجمهور
• يكشف الخداع الإعلامي
• يمنح معنى جديداً للمواطنة
•
• حرية التعبير كحق أصيل وفق المواثيق الدولية
يعتمدتناولي للموضوع على:
• تحليل نصوص وخطابات صادرة عن مؤسسات ثقافية عراقية
• مراجعة تقارير حرية التعبير من منظمات دولية
• دراسة حالات لعدد من المثقفين الذين تعرضوا للتهديد أو الإقصاء
تشخيص بيئة عمل المثقف
تسييس الثقافة
تسعى السلطات السياسية والأحزاب إلى فرض نمط ثقافي يعكس رؤيتها، من خلال التحكم بالتمويل وإدارة المراكز الثقافية.
- تعدد مراكز القوة
لا تواجه الكلمة رقابة رسمية فحسب، بل رقابة جماعات مسلحة وأطر اجتماعية محافظة تخشى النقد.
- هشاشة البنية التحتية للثقافة
تراجع دور المكتبات، ضعف سوق الكتاب، وانهيار برامج دعم الباحثين.
المسارات المتاحة أمام المثقف
الاستقلال الثقافي
النشر الرقمي، المنصات البديلة، وتشكيل مبادرات ثقافية مستقلة.
المقاومة الناعمة
إنتاج خطاب اجتماعي إصلاحي يسهم في نشر قيم المواطنة ويحاول أسترجاع الهوية الوطنية والتصدي ل(ثقافة) تقدبس الخرفات و تكريس الغيبيات وسط أجواء التخندق الطائفي وما تمخض عنه من صراعات و أعباء ثقيلة .
الشراكة النقدية
مساهمة المثقف في صياغة سياسات تعليمية وثقافية من داخل مؤسسات الدولة.
الهجرة الفكرية
كتابة معرفية تتجاوز الحدود المحلية نحو فضاء عربي أو عالمي.
المواجهة المباشرة
طرح قضايا الفساد والاستبداد بشكل صريح، رغم مخاطر التهديد والعنف. النتائج
يتبين أن المثقف العراقي يتحرك ضمن فضاء مزدحم بالقيود، لكنه يمتلك قدرة على بناء مسارات مقاومة متعددة، من خلال الاستقلالية، والتأثير الاجتماعي، والبحث عن جمهور بديل.
#ناظم_زغير_التورنجي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟