أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صدام الحميد - تَقْدِيسُ الطُّقُوسِ عَلَى حِسَابِ النُّفُوسِ... وَاقِعُ مجالس العَزَاءِ وَالمُعَزِّينَ فِي القَرْنِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ















المزيد.....

تَقْدِيسُ الطُّقُوسِ عَلَى حِسَابِ النُّفُوسِ... وَاقِعُ مجالس العَزَاءِ وَالمُعَزِّينَ فِي القَرْنِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ


صدام الحميد

الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 09:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بَعْدَ وَفَاةِ ابْنِي، سَأَلَنِي أَحَدُ الأَصْدِقَاءِ عَنِ اخْتِلَافِ الحُزْنِ عَلَى الفِرَاقِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ فِي أَعْيُنِ أَحَدِ مَعَارِفِهِ، حَيْثُ إِنَّهُ تَفَاجَأَ مِنْ مَوْقِفِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ العَزَاءِ، حَيْثُ إِنَّهُ وَقَفَ وَفِي عَيْنِهِ الِافْتِخَارُ مِنْ كَثْرَةِ عَدَدِ المُعَزِّينَ!! مُرَدِّدًا لِلتَّبَاهِي: "شُوفِ الفَاتِحَة ثِگِيلَة"!!

فَأَجَبْتُهُ: سَتَتَعَلَّمْ ذٰلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الِابْتِلَاءَاتِ يَا صَدِيقِي.

سَتَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَسْمَعَ هُرَاءَ بَعْضِ الحَاضِرِينَ وَسْطَ العَزَاءِ، وَكَيْفَ تَتَحَمَّلُ كُلَّ تَرَّهَاتِهِمْ. فَفِي الحَاضِرِينَ مِمَّنْ لَيْسُوا مُجْبَرِينَ عَلَى أَنْ يَحْتَرِمُوا الحُزْنَ وَأَهْلَهُ، سَتَتَأَلَّمْ ثُمَّ تَتَأَقْلَمُ وَتَتَحَمَّلُ ذٰلِكَ، حَتَّى تَعْتَادَ عَلَى التَّغَاضِي.

سَيُمَارِسُ بَعْضُهُمْ هِوَايَتَهُ وَسْطَ أَلَمِكَ وَهُوَ الحَاضِرُ لِمُوَاسَاتِكَ، وَعَلَيْكَ أَنْ تُصَدِّقَ أَنَّهُ يُوَاسِيكَ.

حَتَّى إِنَّ فِيهِمْ مَنْ سَيَتَجَوَّلُ وَسْطَ الحَاضِرِينَ، يَلْتَقِطُ الصُّوَرَ مَعَ هٰذَا وَذَاكَ، لِيَنْشُرَهَا فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِي، لِيَصْعَدَ التَّعْلِيقُ بِالنُّورِ بَيْنَمَا أَنْتَ وَسْطَ النَّارِ بِالتَّنُّورِ. فَمَنْ يَفْعَلُ ذٰلِكَ يَشْعُرُ أَنَّهُ زَعِيمٌ سِيَاسِيٌّ حَضَرَ لِعَزَاءِ زَعِيمٍ آخَرَ، يَبْدُو لِي أَنَّ تَقْلِيدَ التَّصْوِيرِ قَدْ جَاءَ مِنْ هُنَا حَسَبَ ظَنِّي، وَأَنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.

وَهٰذَا مَا يَتَطَابَقُ مَعَ كَلِمَاتِ الشَّاعِرِ مَظْفَرِ النَّوَّابِ فِي قَصِيدَتِهِ "حَمَامُ نِسْوَان":
مَطَرٌ… كُلِّشْ مَطَرٌ، وَالشَّارِعُ مَغُوشْ حَجِي، وَرِيحَةُ نَاسٍ مَالِكْ شُغْلٍ بِيهِمْ،
لَاجِنَّ تُحِبُّهُمْ… وَمَا يَدْرُونَ ضَيْمَكَ…
دِنْيَا… لَوْ حَمَامُ نِسْوَان وَحَجِي وَطُوسْ، وَزَغِير… وَتِبْجِي وَحْدَكْ،
أَأَخْ… أَأَأَخْ مِنَ العُمْرِ…

وَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاعِيَ جَانِبَ الكَرَمِ وَحُسْنَ الضِّيَافَةِ، فَهُمْ مُتَفَضِّلُونَ عَلَيْكَ بِالحُضُورِ. فَإِيَّاكَ أَنْ تُخَالِفَ المُجْتَمَعَ وَالجُمْهُورَ، بِعَدَمِ الِاهْتِمَامِ حَتَّى وَلَوْ بِوَاحِدٍ مِنَ الحُضُورِ، فَإِنَّ مُرَاعَاةَ المُجْتَمَعِ أَهَمُّ مِنْ وَصَايَا الرَّسُولِ وَرَبِّهِ. حَتَّى إِنَّ هُنَالِكَ مَنْ قَدْ يَعْتِبُ وَقَدْ يَزْعَلُ لِأَنَّكَ تَرَكْتَهُ سَهْوًا بِلَا ضِيَافَةٍ، وَقَدْ لَا يَسْمَحُ لَكَ الوَقْتُ لِلْوُقُوفِ أَوِ الجُلُوسِ مَعَهُ، وَبِذٰلِكَ أَهَنْتَهُ. وَقَدْ لَا يُعْجِبُهُ المِينُيو المُقَدَّمُ لَهُ. فَعَلَيْكَ أَنْ تَنْسَى المُتَوَفَّى وَتَهْتَمَّ بِالمُعَزِّينَ. وَهٰذَا كَلَامِي سَيُزْعِجُ الكَثِيرِينَ، لِأَنَّ العَادَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةَ تَعْلُو فَوْقَ صَوْتِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَيَكْذِبُ كُلُّ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذٰلِكَ.

سَتُدَجَّنُ عَلَى ذٰلِكَ يَا صَدِيقِي، كَمَا دُجِّنَّا وَأَصْبَحْنَا نَسِيرُ مَعَ القَطِيعِ.

وَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاعِيَ مَسَائِلَ إِظْهَارِ الحُزْنِ بِمَذَلَّةٍ. فَإِيَّاكَ أَنْ تَرْتَدِيَ غَيْرَ الرَّثِّ مِنَ السَّوَادِ، بَيْنَمَا سَيَأْتِيكَ المُعَزُّونَ بِأَبْهَى الأَنَاقَةِ وَالتَّعْطِيرِ.

سَأُخْبِرُكَ شَيْئًا عَنِ أَغْلَبِيَّةِ النَّاسِ، وَدَرْسًا فِي مُرَاعَاتِهِمْ: عَلَيْكَ أَنْ تَمْنَعَ عَقْلَكَ مِنَ التَّفْكِيرِ، كَيْ لَا يَرْجُمُوكَ بِالكُفْرِ وَالتَّكْفِيرِ.

وَلِأُخْبِرَكَ بِتَجْرِبَتِي الشَّخْصِيَّةِ: فَعِنْدَمَا دَفَنْتُ ابْنِي، وَعُمْرُهُ خَمْسُ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَهْرَانِ وَسَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. عُمْرُهُ عُمْرُ الصِّبَا، وَلَكِنَّهُ طِفْلٌ بِالمَعَالِمِ وَإِنْ خَطَّ شَارِبُهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذُقْ مِنَ الحَيَاةِ غَيْرَ حَلِيبِهَا وَمَرَضِهَا.

عَاشَ عَلِيلًا مُتَوَسِّدًا الفِرَاشَ، وَلَمْ يُرَ مِنْهُ شَرٌّ، بَلْ ذَاقَ شَرَّ عِبَادِ اللهِ فِي أَرْضِ بِلادِهِ، عَبْرَ المُسْتَشْفَيَاتِ وَالعِيَادَاتِ الطِّبِّيَّةِ.

وَمَعَ ذٰلِكَ، عَلَيْكَ فِي هٰذَا المَوْقِفِ أَنْ تَتَّبِعَ كُلَّ البُرُوتُوكُولَاتِ وَالسُّنَنِ المُنْسُوبَةِ إِلَى الأَنْبِيَاءِ، مِنْ تَغْسِيلٍ وَتَكْفِينٍ، وَشَعَائِرِ التَّشْيِيعِ وَالجَنَازَةِ، وَتُرَّهَاتِ تَلْقِينِ الطِّفْلِ المُتَوَفَّى الَّذِي أَسْقَطَ اللهُ عَنْهُ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ العِبَادَاتِ. فَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُوَقِّفَ أَيَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هٰذِهِ الشَّعَائِرِ، فَقَدْ غُطِّيَتْ هٰذِهِ الشَّعَائِرُ بِرِدَاءِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَالمُعْتَرِضُ عَلَيْهَا كَافِرٌ بِالقُدْسِيَّةِ.

وَفِي وَسَطِ ذٰلِكَ لَا يُوجَدُ مَنْ يَحْتَرِمُ مَشَاعِرَكَ فِي حَقِّكَ بِاحْتِضَانِ ذٰلِكَ الطِّفْلِ بَعْدَ التَّغْسِيلِ، لِأَنَّكَ لَامَسْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُغَسَّلَ.

فَكَمْ هِيَ تَافِهَةٌ الحَيَاةُ الَّتِي فِيهَا عُقُولٌ تُنَجِّسُ وَتُطَهِّرُ بِكَيْفِيَّةٍ عَجِيبَةٍ غَرِيبَةٍ. ذٰلِكَ هُوَ دُكَّانُ المُغْتَسَلِ وَالدَّفْنِ البَائِسَيْنِ، تِجَارَةٌ رَأْسُ مَالِهَا الجَهْلُ وَالتَّخَلُّفُ وَالتَّلَاعُبُ بِمَشَاعِرِ المُحِبِّينَ لِأَمْوَاتِهِمْ، الخَائِفِينَ عَلَى المُسَجَّى عَلَى دُكَّةِ التَّغْسِيلِ وَرِمَالِ المَدَافِنِ، وَلِكَيْ يَجْعَلُوا لِعَمَلِهِمْ فِي الغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ اخْتِصَاصًا دَقِيقًا لَا يُمْكِنُ القِيَامُ بِهِ إِلَّا مِنْ صَاحِبِ الاخْتِصَاصِ، بَيْنَمَا الحَقِيقَةُ هِيَ أَعْمَالٌ أَبْسَطُ بِكَثِيرٍ مِمَّا يُرَوَّجُ لَها.

اِعْلَمْ يَا صَدِيقِي أَنَّنَا نَعِيشُ فِي مُجْتَمَعٍ قَاسٍ فِي أَحْكَامِ الحَيَاةِ وَالمَوْتِ. اِزْدِوَاجِيٌّ فِي مِزَاجِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، وَهٰذَا مَا قَالَهُ عَلِي الوَرْدِي لِيَحْصُدَ النَّقْدَ وَالتَّسْفِيهَ مِمَّنْ لَا عَقْلَ فِيهِ.

فَنَحْنُ نَعِيشُ فِي مُجْتَمَعٍ يَخْدِمُ الطُّقُوسَ عَلَى حِسَابِ مَشَاعِرِ وَأَحَاسِيسِ الإِنْسَانِ.



#صدام_الحميد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ١٤ تموز ١٩٥٨ بين الإيجابية وال ...
- أمي.. في أول ذكرى الوداع الأخير
- البنك الوطني للتبرع بالأعضاء البشرية في العراق بين القانون ا ...
- تردي الخدمات الصحية في العراق... مدينة الطب انموذج لافضل الخ ...
- شهاب احمد حسن الحميد ... عامل ونقابي عراقي
- الشعائر الحسينية ... السير والتطبير ام التفكر والتبصير
- حكام العرب ... لا يجتمعوا الا للقتل والغدر
- شخصية الفرد العراقي ... بين الاعتبار من تجارب الماضي ... وإن ...


المزيد.....




- ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات في آسيا إلى 1250 شخصا ومئات المف ...
- البابا لاون الرابع عشر يختتم زيارته للبنان بلقاء المرضى، وبق ...
- هندوراس: تقارب شديد بين عصفورة ونصر الله بعد فرز أكثر من نصف ...
- أوروبا توافق على انضمام كندا لبرنامج دفاعي
- مسؤول أميركي: نتنياهو يرى أشباحا في كل مكان
- الخرطوم تفتح الباب لوجود روسي دائم في البحر الأحمر
- ماذا استفاد قيصر الذكاء الاصطناعي من منصبه مع ترامب؟
- شاحنة تصطدم بحاجز وحافلة تعلق في خندق.. كاميرات ترصد حوادث ط ...
- بمشهد يفوق الخيال.. مغامرة تستكشف مسارًا حلزونيًا في قلب الأ ...
- السعودية.. ضبط رجلين و3 نساء وافدين بمنزل شعبي والأمن يكشف م ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صدام الحميد - تَقْدِيسُ الطُّقُوسِ عَلَى حِسَابِ النُّفُوسِ... وَاقِعُ مجالس العَزَاءِ وَالمُعَزِّينَ فِي القَرْنِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ