أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - الحرزـ 5














المزيد.....

الحرزـ 5


سعاد الراعي
كاتبة وناقدة

(Suad Alraee)


الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


من رواية تحت الطبع.
حين هدأت ضجّة الألم في عروقها، وهي تستند برأسها إلى الوسادة كما لو أنّها تستند إلى آخر ما تبقّى لها من يقين في هذا العالم. سحبت الغطاء حول جسدها النحيل، تلفّه وكأنها تحتمي به من غدر الليل، ثم أغمضت عينيها ببطء يشبه انسحاب الروح إلى صمتها الداخلي. كانت تسمع أنفاسها تتهادَى، تتراجع من فوضى الاضطراب إلى همسٍ متقطّع يوحي بأن جسدها يحاول أن يعقد هدنة قصيرة مع التعب.
غير أنّ يدها لم تفلت القلم؛ ظلّ مربوطًا بكفّها كما لو كان شريانًا من إرادةٍ لا تريد أن تنطفئ. كان القلم سلاحها الوحيد، صديقها الأخير، والنبض الذي تتذكّر به أنّها لا تزال في قيد الصراع. حتى وهي تغفو بين يقظةٍ وسبات، كانت أصابعها تمسّكه بتوتر يشبه اليقظة على حافة الخوف.
تداخل الوعي بالحلم، وتمازج اليأس بالخوف، وومضت في روحها خيوط ضئيلة من أمل لم تعد تعرف مصدره. ربما كان ذلك الأمل آخر ما يتمسّك به الإنسان حين تتكالب عليه الحياة من كل الجهات. تسربت الساعات أو الدقائق، لم تعد قادرة على التمييز، كأنّ الزمن أصبح ماءً يتسرّب بين أصابعها.
وفجأة، اخترق سكون الغرفة انتزاعٌ عنيف لشيء ما من يدها، شعور مباغت جعلها تجفل وترتجّ ارتجافًا كمن سقط في غياهب بئر. فتحت عينيها على عتمة معتمة، وإذا به، هيكل عمّها المقيت، ينهض من الظلّ بوجهٍ غارق في السواد، يدور حول سريرها بقلقٍ وحركةٍ متوترَة توحي بنيّةٍ خبيثة.
أرادت الصراخ. أرادت أن تستنجد بمن يمكن أن يسمعها خلف جدران المستشفى الساكن، لكن صوتها اختفى مثل ريحٍ انطفأت فجأة. حاولت أن تستعيده، خنقت المحاولات حنجرتها، فخرج الصمت يجلّل الموقف برعب أكبر.
قرب وجهه منها، وعيناه تقدحان بما يَشي بما هو آتٍ. مدّ ذراعيه نحوها، يريد حملها كما تُحمل الغنيمة. همست روحها بالرفض قبل أن يهمس فمها، فرفعت يدها لتدفعه، وركلته بكل ما تبقّى فيها من قوة يائسة. لكنها بدت كعصفورة تصفع حجراً.
انقضّ عليها بغلظة، وضرب رأسها بيده الثقيلة ضربة أراد منها أن تطفئ وعيها كما تُطفأ شمعة في ليل بلا رحمة. ترنّح الألم في رأسها، لكن شيئًا ما في أعماقها رفض السقوط، رفض الاستسلام، رفض ذلك المصير الذي يحاول أن يسوقها إليه.
ولأن الروح حين تُحاصَر تُخرج أنيابها، امتدت يدها تحت الغطاء، التقطت القلم كما يلتقط المرء آخر رمحٍ في معركة غير متكافئة. وفي لحظة خاطفة، تلاقت يداها مع حدّ الغضب، فغرست القلم بقوة في وجهه. صرخة ألم غليظة انطلقت منه، وظهر الدم يغلي على خده الأيسر، يشقّ طريقه من الجلد إلى طرف فمه، لينزف بغزارة أربكته ودفعته إلى الترنّح كمن فقد توازنه أمام زلزال داخلي.
اغتنمت اللحظة. دفعت نفسها إلى حافة السرير محاولة الهرب، محاولة النجاة ولو بفرصة ضئيلة. لكن جسدها لم يتجاوز السرير.. رأته ينتزع المسدس من حزامه، بحركة يأس وحقد تفوّقا على الألم الذي سبّبته له.
لم تنتظر روحها سوى ثانية واحدة لتفهم المصير.
انطلقت ثلاث رصاصات كصفعات قدرٍ لا يتردّد.. اخترقت صدرها، شعرت بأن العالم ينكمش حولها، وأن دفء الحياة ينسحب من بين أضلاعها كما ينسحب الضوء من آخر النهار. سقطت فوق فراشها، والدم يلوّن الغطاء بلون الحقيقة الأخيرة.
لكن عينيها ظلّتا مفتوحتين. لم تنكسر. لم تستسلم. ظلت تحدّق في قاتلها بصلابة لا يمتلكها سوى من خاض معركته حتى النفس الأخير. تحدّق فيه وكأنّها تقول: "حتى ولو قتلتني، فقد هزمتك."
اقترب منها، والغضب يعمي ملامحه، والدم المتجلّط على وجهه يزيده وحشية. رفع سلاحه مرّة أخرى، وصوّبه إلى عينيها مباشرة، إلى آخر منفذين تتنفس منهما روحها. وأطلق الرصاصة الأخيرة، كأنّه يحاول أن يطفئ التحدّي قبل أن يبرد.
ثم استدار، تاركًا الغرفة بظلّه المتعجّل، متّجهاً إلى السيارة التي كانت تنتظره، بينما بقيت هي هناك… لا جسدًا وحسب، بل شهادةً على شجاعةٍ لم تُمنحا الحياة، لكنها منحَتها لحظتها الأخيرة.
***
يتبع



#سعاد_الراعي (هاشتاغ)       Suad_Alraee#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرز. 2
- الحرز
- قصة الانبعاث
- جمعة عبد الله: خلع خاتم الطائفية في رواية -خلع الخاتم- للأدي ...
- وقفة عند كتاب -الإنسان الذي سبق الثورة- بقلم الناقد والروائي ...
- حين يتوهّج الطينُ نبوءةً في قصيدة -الهلال الخصيب- للشاعر مصط ...
- ذاكرة في ظلال الغياب
- الواقعية المستنيرة في مواجهة العنف الجمعي في رواية -خلع الخا ...
- الذات تكتب سيرتها
- من كتاب الانسان الذي سبق الثورة، الجوانب الإنسانية في سيرة س ...
- خلع خاتم الطائفية،الفصل الخامس والسادس من رواية تحت الطبع
- أنا القربان... قسوة التضحية
- من رواية خلع خاتم الطائفية
- بين خيوط العزلة وسيف المصير
- من رواية، خلعُ خاتَم الطائفية
- قصة، طيف، على حدود العدم
- سلام عادل: سيرة إنسانٍ سبق الثورة (2 6) قراءة إنسانية في ملا ...
- سلام عادل: الإنسان الذي سبق الثورة، قراءة إنسانية لسيرة بطل، ...
- سلام عادل: الإنسان الذي سبق الثورة، قراءة إنسانية لسيرة بطل، ...
- سلام عادل: الإنسان الذي سبق الثورة، قراءة إنسانية لسيرة بطل، ...


المزيد.....




- وفاة الممثلة الجزائرية بيونة عن 73 عاما
- إيران تحظر دخول غابات مدرجة على قائمة التراث العالمي بعد أن ...
- اكتشافات بجنوب شرق تركيا تشرح حياة البشر في العصر الحجري الح ...
- عمليات جراحية على نغمات الموسيقى: اكتشاف علمي يغير قواعد الت ...
- متاحف قطر تحصد جوائز مرموقة في النسخة الثالثة من جوائز قطر ل ...
- الألكسو تكرم ستيفاني دوجول عن ترجمة -حكاية جدار- وتختار -كتا ...
- تشييع الممثلة الراحلة -بيونة- إلى مثواها الأخير في مقبرة الع ...
- نساء غانا المنفيات إلى -مخيمات الساحرات-
- شاب من الأنبار يصارع التحديات لإحياء الثقافة والكتاب
- -الشامي- يرد على نوال الزغبي بعد تعليقها على أغانيه


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - الحرزـ 5