|
|
ألقاب الفخامة!
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 23:29
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
احتجَّ أحد المتابعين لصفحات الفيس بوك على قيام أحد المواطنين الفلسطينيين وهو مواطنٌ عادي بتقليد كبار الرؤساء والوزراء في مجال توقيع (برتوكول) تعاون بين قبيلته وعشيرته وبين إحدى الجمعيات غير الحكومية، وقلَّد ما يفعله الرؤساء والوزراء في الحكومات والدول، أوقف شخصا من عشيرته وراءه، وأمسك بالقلم للتوقيع، هذا المغرم بتقليد الرؤساء نسي أنه يعيش في عصر حرب الإبادة ودمار تسعين في المائة من قطاع غزة، وتدمير مقر الجمعية التي يوقع معها برتوكول التعاون، ونسي حتى قصف بيته! قال المحتج: "كنتُ أظنه فعل ذلك من منطلق السخرية، ولكنني أعرف هذا الشخص، أعرف أنه كان جادا في ذلك، لأنه لم يجد ما يفتخر به، فهو يقرأ بوستات غيره ممن يُلصقون الألقاب الفخرية قبل أسمائهم، مثل برفسور، ودكتور، وكاتب ومحلل، وخبير، فأراد أن ينافسهم في ابتكار حدث أكبر من الألقاب، وهو الاحتفال بتوقيع برتوكول تعاون مشترك"! كما أن أحد البسطاء ممن يعشقون ألقاب الفخر والمدح، لم يكتف بلقب الأستاذ والبرفسور والدكتور بل وضع قبل اسمه، الشاعر، والناثر، والأديب، والمختار، ليحظى بالإعجاب، هؤلاء جميعهم لا يعلمون أن لهذه الألقاب أثرا سيئا على القارئين، فهم يتخذونها مجالا للسخرية والاستهزاء في مجالسهم السرية الخاصة، كما أن ادعاء الفخر هو علامة على مرضً نفسي يصيبُ بعض الناس ممن قصر باعهم في العمل الجاد المثمر، هؤلاء يكمن في داخلهم إمبراطور قامع يستعد للخروج في أية لحظة! ولا زلتُ أتذكر أن مقدما في أحد الاحتفالات، قدّم شخصا باسمه المجرد بدون أن يمنحه اللقب الأكاديمي (دكتور) فاحتج هذا الشخص عندما صعد للمنبر، وقال غاضبا: "أنفقت كل مدخراتي للحصول على لقب دكتور، وها هو مقدم الاحتفال يسلبني هذا اللقب"! لا تنزعج من حاملي الأوسمة والألقاب لأنني تذكرتُ أن أكبر جامع للألقاب الفخرية كان شاعرا فلسطينيا في القرن العاشر الميلادي وهو من مواليد مدينة الرملة في فلسطين وتوفي فيها عام 920م، هذا الشاعر ابتدع حروفا بديلة لاسمه الشخصي الحقيقي، أبو الفتح محمد محمود السندي، وقد كان هذا الشاعر والأديب من مادحي، سيف الدولة نفسه، هذا الشاعر ابتدع له اسما يجمع كل صفات الفخر، ففي كل حرف صفةٌ فخرية، أسمى نفسَه، كشاجم، مع العلم أن كشاجم ليس اسما عاديا، بل هو مكوَّنٌ من خمسة حروف، تشير إلى صفاته المحبوبة الخاصة؛ فحرف الكاف هي اختصار (كاتب) أما حرف الشين فهو (شاعر) والألف تشير إلى (أديب) أما الجيم فهو محاورٌ (جدلي)، أما الميم فهي تشير إلى أنه فيلسوف (منطقي) ولم يكتفِ كشاجم بذلك، بل أضاف حرف الطاء للإشارة إلى أنه (طبيب) أيضا! لا تنسَ أن جامع الألقاب والمفوض من رب العالمين، كان أيضا حاكما عربيا، وهو قد أسمى نفسه اسما خارقا للعادة وهو، الحاكم بأمر الله، وأخفى اسمه الحقيقي، المنصور بن عبد العزيز، عاش أيضا في القرن العاشر الميلادي، حكم مصر كما يُشاع بواسطة الطغيان والقتل، وإجبار الناس على أن يناموا في النهار ويعملوا في الليل، وحاول كما يشاع أن يتحكم في ظهور واختفاء القمر والشمس في جبل المقطم، لذلك اعتاد أن يرصد النجوم والقمر في الليل، اتفق كثيرون من الباحثين على أنه كان مريضا نفسيا، اضطهد المسيحيين واليهود، وهدم الكنائس، وعده باحثون مسؤولا عن بدء الحروب الصليبية، بسبب هدمه كنيسة القيامة في القدس، بينما اعتبره آخرون عاملا متواضعا وأنه صاحب إنجازات عديدة في مجال الثقافة والبناء! ولا أنسى أنني كتبت عن الطغاة في تاريخنا العربي، وأشرت إلى الخطيب الذي نسبت له جملة (أُنجُ سعد فقد هلكَ سُعيد) وهو زعيم التهديد، زياد بن أبيه، وكتبتُ أيضا عن سيرة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قَتَلَ، عبد الله بن الزبير وعلق رأسه في مكة ليُذل أُمه! لا تنسَ، إن انتشار الفخر والمدح للذات هو الصفة الأوسع انتشارا في حياتنا، وبخاصة إذا أجرى المتحدثون العرب لقاءات مع وسائل الإعلام، حين يُسألون عن أنظمة الحكم في أوطانهم، فإنهم يستخدمون ألفاظ التعظيم والقداسة للمسؤولين، كما أن الفخر بالذات هو اليوم من أبرز سمات وسائل التواصل الاجتماعي، وقد انتشرت ألقاب الرفعة والسمو مثل الفخر بالإنجازات العلمية ووضعها أمام أسماء أصحابها لإقناعهم بما يكتبون، مثل البرفسور والمهندس والدكتور والتربوي والناقد والخبير، هذه الألقاب مشتقةٌ من ألقاب وسائل الإعلام الموالية للسلطات مثل السعادة والنيافة والعظمة، والجلالة! أسهمتْ وسائلُ التواصل الرقمية في انتشار هذه الظاهرة، لأنها تعتمد سياسة التجارة وإعلانات التسويق في مجال النشر لتحقيق الأرباح المادية، عبر أهم مكاسب هذا العصر في الدعاية والإعلان، وليس هناك ما يزيد الأرباح سوى منح رواد التواصل الاجتماعي جرعات من الفخر، ففي كل مرة يمنح مسيرو الشبكات الرقمية زبائنهم الفرصة لكي يُلصقوا بأنفسهم ألقابَ فخرٍ جديدة، كدكتور أو قائد أو مهندس أو ملك ورئيس متوج، وإمبراطور كبير! أرجع، عبد الرحمن الكواكبي مؤلف كتاب، طبائع الاستبداد ومصارع الفساد المحظور نشرُه وتوزيعه في كثير من دول العرب هذه الصفة عند العرب على وجه الخصوص إلى ظاهرة انتشار الاستبداد عندهم، قال: "يعود السبب إلى انتشار ألقاب التعظيم والتفخيم بين العامة والرؤساء إلى انتشار الاستبداد والطغيان"! كما أنه وضع أروع التعريفات للحاكم المستبد قال: "أشد مراتب الاستبداد، والتي يتعوذ بها من الشيطان، هو الحاكم المستبد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على لقب ديني، ما مِن مستبدٍ سياسي، إلا ويتخذ له صفة قُدسية، يُشارك بها الله"!! نحن العرب نملك تراثا شعريا ونثريا لا يُبارى في باب المدح، وقد وصلت درجات المدح عندنا، نحن العرب الغاية القصوى حين خصصنا أكثر من ثلثي الشِّعر العربي للمدح، حتى أن الشاعر ابن هانئ الأندلسي قال يمدح الخليفة المُعز لدين الله: ما شئتَ لا ما شاءتْ الأقدار.... فاحكمْ فأـنتَ الواحدُ القهَّارُ! سأظل أتذكر الحكام العرب في الأندلس ممن نحتوا لهم ألقابا فخرية بديلا عن أسمائهم، ازدهرت في هذا العصر ألقابُ، منتصر، ومعتصم، ومؤمن، وواثق، ومنصور، ومهدي، وهادي، ورشيد، ومُعز، ومأمون، ومعتمد، ومعتضد، وأمين، وسيف الدولة، وركن الدولة، هذه الألقاب جعلت الشاعر الأندلسي، أبو بكر بن عمار يقول بيتين من الشعر ظلا يترددان على ألسنة من يرفضون هذه الظاهرة قال: مما يُزَهِّدني في أرضِ أندلسٍ.. القابُ معتضدٍ فيها ومعتمـد.... ألقابُ مملكة في غير موضعها.... كالهِرِّ يحكي انتفاخا صولة َالأسد!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل فوز، ممداني غزو ديني؟!
-
الاعتراف بالدولة مقابل الاعتذار عن وعد بلفور!
-
قصة مدينتين إسرائيليتين!
-
هل سينهي مشروع ترامب مأساة غزة؟
-
غزل بالسلاح!
-
من هم عرب اسرائيل؟
-
أثر التجويع على الأخلاقَ!
-
استعدادات إسرائيل للإعتراف بدولة فلسطين!
-
من قصص الترحيل والتجويع في غزة!
-
المستوطنات تملك دولة إسرائيل!
-
حلف الناتو في غزة!
-
ميكافيللي الثاني
-
الديكتاتورية مرض أم عبقرية؟
-
(هرتسل) دولة فلسطين!
-
سنطعم غزة بالملعقة!
-
احتجاج سفير أمريكا في إسرائيل!
-
هل كان هرتسل علمانيا؟
-
لا تنتقدوا المقاومة!!
-
غزة صفقة تجارية!
-
إسرائيل والأسلحة النووية!
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن عن -تفاهم مشترك- مع الولايات المتحدة بشأن خطة
...
-
400 ألف يورو غرامة لناشطين بيئيين بعد تعطيل مطار هامبورغ
-
ألبانيزي: الإبادة في غزة محت 69 عاما من التنمية
-
مسؤول روسي: وقف الحرب مع أوكرانيا مرهون بهذه الأهداف
-
وداعا لندن.. استطلاع يكشف سر جاذبية الإمارات للبريطانيين
-
اجتماع ثلاثي في مصر.. لبحث المرحلة الثانية من اتفاق غزة
-
زيلينسكي يسعى للقاء ترامب -في أسرع وقت-
-
حمدوك يحذر من عودة السودان إلى -الإرث المظلم-
-
إسرائيل.. نتنياهو يدرس إقالة كاتس وتغيير حقائب وزارية
-
فرنسا.. السجن لثلاثة أشخاص بتهمة التجسس لصالح لروسيا
المزيد.....
-
كتاب : العولمة وآثارها على الوضع الدولي والعربي
/ غازي الصوراني
-
نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي
...
/ زهير الخويلدي
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|