|
هل كان هرتسل علمانيا؟
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 07:08
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ما أكثر المختلفين في الإجابة عن هذا السؤال بمناسبة ذكرى وفاة، بنيامين تيودور هرتسل في شهر يوليو 1904م: هل كان بنيامين تيودور هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية عام 1897م َعلمانيا متنورا، أم كان حاخاما يهوديا، متعصبا يلبس زي العلمانيين، ولكنه عندما يعود إلى البيت يرتدي شال الصلاة اليهودي والتفلين الجلدي وصندوق الوصايا التوراتي؟! ظلَّ هذا السؤال مطروحا منذ أكثر من قرن من الزمان، وما زال هذا السؤال يثير جدلا، بخاصة إذا كان السؤال مطروحا من قادة الأحزاب اليسارية العربية! ولكي أكون منصفا فإنني سأضع بعض الأسئلة المثيرة للجدل، وبعض إجاباتها أيضا عقب السؤال منها: لماذا اختار، هرتسل اسم الصهيونية لحركته العلمانية؟ مع العلم أن الصهيونية مشتقة من جبل صهيون في القدس، وهو مقر الإله الخالد في الشريعة اليهودية، فجبل صهيون هو أم اليهودية، وهو الموطن اليهودي الخالد! لماذا بدأ مؤتمر الصهيونية الأول بجلوس حاخام على المنصة بلباسه الديني، من حركة، مزراحي وهي الحركة الدينية التي كانت هي الشريك الديني الأول لهرتسل، حتى عام 1977 المتمثلة في حزب المفدال الديني؟! لماذا اختار، هرتسل علم إسرائيل الأزرق والأبيض وفي وسطه نجمة الملك داود علما لإسرائيل في قاعة المؤتمر الصهيوني الأول، وهو يعلم أن الملك داود كان يعيش في فلسطين، وليس في أوغندا والأرجنتين! ولماذا فرض هرتسل (العلماني المتنور) عملة (الشيكل) كشرط لقبول العضوية في المؤتمر الصهيوني، مع أن عملة الشيكل كانت مجهولة إلا عند المتدينين المؤمنين بالتلمود والتوراة فقط لا غير؟! لماذا ازدهرت شائعة، اليهود يريدون دولة لهم في أي مكان في العالم، في أي مكان متاح، مثل أوغندا، أو قبرص، أو سوريا، أو في العريش، وفي أنجولا، والموزمبيق أو بيروبيدجان، وغيرها من بلدان العالم؟ هل كان لهذه الشائعة أثرٌ في استقطاب العالم لنُصرة الحركة الصهيونية كحركة تحرير عالمية يجب مناصرتها، لأنها تريد وطنا لليهود المقهورين في أي مكان من العالم؟! وقد أثبتت الوقائع بأن إسرائيل كانت تسعى لإقامة دولة يهودية فوق أرض فلسطين فقط، وأن شائعات التوطين في البلدان السابقة كانت دعاية مغرضة لإثبات أن الصهيونية حركة تحرر عالمية! وهذا ما أثبته، الحاخام، موشيه بن نحمان المتوفى في القرن الثالث عشر عام 1270م، هذا الحاخام كان أستاذ هرتسل في فريضة الاستيطان، طالب كل يهود العالم بالهجرة والاستيطان في أرض الميعاد فقط، وأفتى بأن إقامة شعائر الدين اليهودي غير مقبولة في المهاجر، ولن يقبلها اللهُ إلا عندما يهاجر اليهودي إلى فلسطين، وقد أفتى بجواز طلاق كل امرأة يهودية إذا رفضت الهجرة إلى فلسطين! لماذا تبنَّى هرتسل حركة التنوير أو الهسكالاه، وأصبح من أبرز رموزها، على الرغم من أنه لم يكتب عن نظريات ومبادئ التنوير المشهورة، بل ظل يكتب في إطار تأسيس الدولة اليهودية؟! أعاد كثيرٌ من الباحثين الحركةَ الصهيونية إلى حركة، الهسكالاه، أو حركة التنوير اليهودية، التي ظهرت بين أعوام 1750-1880م برئاسة، موشي مندلسون المولود 1729 في أوديسا، لا يعرف كثيرون إن هذا المتنور لم يكن بعيدا عن الدين اليهودي، فقد ترجم التوراة اليهودية إلى اللغة الألمانية! انضم إلى موشي مندلسون كل من، مندل ليفين، وأحاد هاعام 1727-1856 وقوبلت دعوات حركة الهسكالاه التي كانت لا تمانع في اندماج اليهود في نسيج الأمم (مؤقتا) كتكتيك مرحلي، قوبلت حركة التنوير بترحيب عدد كبير من اليهود، باستثناء الحاسيديم، وهم حركة صوفية دينية يهودية أسست في الفترة نفسها، على يد الحاخام، بعل شيم طوف، وأصدرت هذه الحركة فتوى بتحريم الهسكالاه. إذن، فقد كان مؤسسو الصهيونية يحاولون أن يبعدوها عن التيارات الدينية، بالإيحاء بأنها حركة تنويرية، تدعو إلى حرية الأديان في المجتمعات التي يحيا فيها اليهود بعيدةٌ عن التيارات الدينية. إنَّ المذابح التي راح ضحيتها آلاف اليهود في روسيا 1881م، أفشلت حركات الهسكالاه التنويرية، وكانت تدعو ظاهريا إلى اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها لتأكيد أنها حركة وطنية تنويرية، وإنَّ دعوة الاندماج كانت من أبرز مبادئ التنوير. كتب، المفكر اليهودي ليو بنسكر كتاب التحرر الذاتي 1882م، ولكنه دعا الكتابَ إلى إحياء الأمة اليهودية في فلسطين، فعُقد مؤتمر، كاتوفيتز قبل المؤتمر الصهيوني الأول عام 1884 باسم أحباء صهيون، ثم عقد المؤتمر الثالث 1889 في مدينة فلنا. سمحت روسيا عام 1890 بتكوين جمعية أحباء صهيون، وعندما عقد هرتسل المؤتمر الصهيوني الأول 1897 في بازل كان كثيرٌ من الحاضرين من جمعية أحباء صهيون. "قال هرتسل بعد ذلك: "في بازل أُسست الدولة اليهودية". تمكنت الصهيونية من التستر وراء التنوير، الهسكالاه، والتحرر القومي، أخفت إيمانها بعودة الماشيح" قال الحاخام الأكبر للصهيونية الدينية، تسفي يهودا كوك المتوفى عام 1982م: "هرتسل لم يبتكر اليهودية، بل إن اليهودية هي التي أبرزت هرتسل"! نشر الحاخام اليعزر ميلاميد، وهو من أنصار أرض إسرائيل الكبرى، من الفرات إلى النيل، وكان رئيس بلدية هار براخاه، ومؤسس المدرسة الدينية فيها، مقالا له في صحيفة، إسرائيل ناشيونال نيوز يوم 14-7-2025م عن أصولية، بنيامين زئيف هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية جاء فيه: "كان هرتسل رائدا من رواد الخلاص المشيحاني، المتمثل في الحركة الصهيونية، فقد سخر حياته من أجل خلاص اليهود"! أشار الحاخام ميلاميد إلى أن الحاخام، تسفي يهودا كوك رئيس الحركة الصهيونية الدينية عام 1915م كان يعلق صورة، هرتسل في بيته الخاص كرمز للخلاص المشيحاني! قال الحاخام، إسحق راينس المتوفى عام 1915م "لهرتسل علاقة قوية بالدين اليهودي، فقد أنهى النقاش في المؤتمر الصهيوني الثالث عام 1899م قبل حلول السبت"! وكان الحاخام كوك يقتطف من أقوال هرتسل "لا ننوي المس بالدين اليهودي" قال كوك أيضا: "هرتسل لم يبتكر اليهودية، بل إن اليهودية هي التي أبرزت هرتسل"! كما أورد الحاخام كوك مقتطفات من أقوال هرتسل في افتتاح المؤتمر الصهيوني الأول 1897م قال: "الحركة الصهيونية هي عودة لليهودية، قبل العودة إلى أرض الميعاد" كما أن الحاخام الصهيوني الأكبر، تسفي يهودا كوك قال: "كتابات هرتسل تخلو من الهرطقات الدينية، فهو يقول دائما: أمتنا لا تكون أمة إلا بإيمانها بالدين اليهودي"! علينا أن نتذكر بأن هناك عدة مكياجات زائفة جرى التخلص منها، أبرزها إسرائيل دولة يسارية ديموقراطية، فهي اليوم دولة دينية مغرقة في الهرطقات الدينية، كذلك أزالت إسرائيلُ مكياج الروج الشهير من على شفاهها، فمنذ تأسيسها عمدت إلى وضع روج، الكيبوتسات، مثل ماكياج هرتسل التنويري السابق، هذا الكيبوتس ابتُدع في عصر الاشتراكية والشيوعية، وهو نظام العيش في جماعة، وكانت كيبوتسات اليساريين التي وصل عددها إلى حوالي مائتي كيبوتس حتى بداية الألفية الثالثة، كانت الكيبوتسات أكثر من كونها طريقة حياة يسارية شيوعية، فقد كانت تيارا مُبتَدَعا في إسرائيل فقط، لا شبيه له في العالم سُمِّيَ "ما بعد الشيوعية" هذه الكيبوتسات استقطبتْ مهاجرين يساريين كثيرين وجندتهم في الجيش الإسرائيلي، بادعاء أنه جيشٌ يساري حضاري، وما إن انتهت الشيوعية، وساد قانون القومية العنصرية الدينية اليهودية حتى أصبحت الكيبوتسات ذكرى بائدة، فقد سعى الحارديم إلى إضعاف النظام القضائي، سنوا قانون (التغلب) على المحكمة العليا، وطالبوا بإلغاء قانون (عدم المعقولية) عام 2023م كل ما سبق أفضى للتخلص من ماكياج الكيبوتس، فبقايا الكيبوتس اليوم تتنفس في غرفة الإنعاش الطبية، وسوف تندثر نهائيا ثم يُلقى بها إلى قمامة التاريخ!!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تنتقدوا المقاومة!!
-
غزة صفقة تجارية!
-
إسرائيل والأسلحة النووية!
-
وصية نتنياهو في الحائط الغربي!
-
أديبان إسرائيليان!
-
حرب شمشونية في غزة!
-
الحكومة العميقة لنتنياهو!
-
تهجيري الخامس!
-
ماذا تريد إسرائيل من غزة؟!
-
تشرشل وشكسبيرّ
-
صحغيو فلسطين آهداف عسكرية!
-
في ذكرى المبدع جمال حمدان!
-
أين اختفى اليساريون الإسرائيليون؟!
-
قصتان عالميتان عن مرض الحزبية!
-
مخطط إسرائيل للسلطة!
-
ماذا بعد اغتصاب الضفة العربية؟
-
ما مخططهم لغزة؟
-
احتفالاتهم، واحتفالاتنا!
-
غزة وفندق الكمبردور!
-
مباحثات نتنياهو وترامب!
المزيد.....
-
شاهد.. الأمير هاري يُعيد إحياء مسيرة والدته التاريخية لإزالة
...
-
مطعم كباب يجذب السياح والسكان المحليين في قلب السليمانية بكر
...
-
سوريا.. تحليل خطاب الشرع ومعنى الانسحاب من السويداء ومن الخا
...
-
سوريا.. خريطة لفهم المناطق منزوعة السلاح وموقعها من إسرائيل
...
-
الشرع: إسرائيل تسعى لاستهداف استقرار سوريا ولسنا ممن يخشى ال
...
-
حريق مروع في مركز تجاري بمدينة الكوت العراقية يوقع نحو 50 قت
...
-
مظاهرات في سوريا تندد بالعدوان الإسرائيلي
-
زلزال بقوة 7.3 يضرب سواحل ولاية ألاسكا الأميركية
-
وزير خارجية تركيا يدعو لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة والمن
...
-
ويتكوف: مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة تسير جيدا
المزيد.....
-
حين مشينا للحرب
/ ملهم الملائكة
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
المزيد.....
|