أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - زهير الخويلدي - القيمة الدائمة للفلسفة هي التطوير المستمر للفكر في كل فرد وكل ثقافة














المزيد.....

القيمة الدائمة للفلسفة هي التطوير المستمر للفكر في كل فرد وكل ثقافة


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 10:13
المحور: قضايا ثقافية
    


مقدمة
"الفلسفة ليست ترفاً معرفيا، هي شرط وجود الأمة الفكري في المعمورة"
في الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة الذي تنظمه اليونسكو بتاريخ 20 نومفبر 2025 يجدر التذكير بالحق الكوني في الاشتغال بالفلسفة لأن "التفلسف ممارسة دائمة ولصيقة بالوضع البشري" وهو من أكثر الاهتمامات دقةً وعمقاً لجوهر الفلسفة عبر التاريخ. فهي لا تُقزِّم الفلسفة إلى مجرد منظومةٍ من المذاهب أو إجاباتٍ جاهزة، بل تُعيدها إلى وظيفتها الأنطولوجية والتربوية الأساسية: أن تكون محرّكاً دائماً لنموِّ الوعي الفردي والجماعي. تسعى هذه الدراسة إلى تأكيد هذه القولة وتوسيعها من خلال ثلاثة نقاط رئيسية:
البعد التكويني للفلسفة على مستوى الفرد (تطوير الفكر الشخصي).
البعد الحضاري للفلسفة على مستوى الثقافة (تطوير الفكر الجماعي).
التحدّيات المعاصرة والآفاق المستقبلية لاستمرار هذا التطوير.
أولا: الفلسفة كتكوينٍ دائم للفكر الفردي
منذ سقراط الذي جعل شعاره «اعرف نفسك»، كانت الفلسفة تمريناً شخصياً في التفكير النقدي. لا تُقدِّم الفلسفة إجاباتٍ نهائية بقدر ما تُعلِّم الفرد كيف يسأل، كيف يشكُّ، كيف يُميِّز بين الرأي والمعرفة. أفلاطون في المحاورة المينون يُظهر أن المعرفة ليست تلقيناً بل «تذكُّراً» يكتشفه العبد الهندسي بنفسه تحت توجيه سقراط.
ديكارت في تأملات ميتافيزيقية يجعل الشكّ المنهجي تمريناً فردياً للوصول إلى «أنا أفكّر إذن أنا كائن».
كانط في سؤاله الشهير «ما الذي يجوز لي أن أرجوه؟» يضع الفرد أمام مسؤوليته الذاتية في بناء معنى لحياته.
حتى عند سارتر (الوجودية ملحمة إنسانية) تصبح الفلسفة دعوةً لكل فرد ليخلق ذاته بالاختيار الحرّ.
إذن، القيمة الدائمة ليست في «ما تقوله» الفلسفة، بل في «ما تفعله» بالفرد: تُخرجه من التلقائية، تُحرّره من الأحكام المسبقة، تُعلّمه أن يُفكّر بنفسه. هذا ما عبَّر عنه جيل دولوز بقوله: «الفلسفة لا تُعلّمنا ما نفكّر فيه، بل كيف نفكّر».
ثانيا: الفلسفة كمحرّك لتطوّر الفكر الثقافي والحضاري
الفلسفة ليست رفاهية نخبوية، بل هي القلب النابض لكل نهضة حضارية. كلُّ تقدّم ثقافي كبير كان مصحوباً بثورة فلسفية:
الفلسفة اليونانية (من طاليس إلى أرسطو) هي التي أسّست للعقلانية الغربية وللديمقراطية الأثينية.
الفلسفة الشرقية: الحكمة الخالدة وارتباطها بالبعد الروحي والاخلاقي في بلاد فارس والهند والصين
الفلسفة العربية-الإسلامية في العصر الذهبي (الكندي، الفارابي، ابن سينا، ابن رشد) نقلت التراث اليوناني، طوَّرته، ومهَّدت للحداثة الأوروبية الغربية.
فلسفة الأنوار (لوك، فولتير، روسو، كانط) هي التي فجَّرت الثورة الفرنسية وقدَّمت مفاهيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.
الفلسفة الوجودية والنقدية بعد الحرب العالمية الثانية (سارتر، هوركهايمر، أدورنو، حبيب بورقيبة الفكري) ساعدت المجتمعات على مواجهة آثار الشمولية والاستعمار.
فلسفات التحرّر في أمريكا اللاتينية (باولو فريري) وفي إفريقيا (فانون، نكروما) وفي العالم العربي المعاصر (محمد عابد الجابري، عبد الله العروي) لا تزال تُطوِّر فكرنا الجمعي حول الهوية والحداثة والعدالة.
حتى في الشرق، نجد أن البوذية الزن والطاوية والكونفوشية الحديثة (مثل مفكّري كيوتو في اليابان) طوَّرت الثقافة الآسيوية المعاصرة دون أن تُسمِّي نفسها دائماً «فلسفة» بالمعنى الغربي.
إن الفلسفة إذن هي «الضمير النقدي للثقافة» (هوسرل). كلما توقَّفت ثقافة عن ممارسة الفلسفة، بدأت في التكلّس والتقهقر.
ثالثا: التحدّيات المعاصرة واستمرار التطوير
في عصرنا، تواجه الفلسفة تحدّيات غير مسبوقة قد تجعل البعض يشكّ في قيمتها الدائمة:
سيادة الثقافة التقنية-الاستهلاكية والتفكير السريع (الخوارزميات والمنصات الرقمية).
تراجع تدريس الفلسفة في كثير من المنظومات التربوية (حتى في تونس أصبحت مادةً اختيارية في بعض الشعب).
اختزال المعرفة إلى «المعلومة القابلة للقياس» وتهميش التفكير التأمّلي.
صعود الشمولية والفاشية والشعبوية والتفكير الدوغمائي الديني أو القومي الذي يرفض النقد الفلسفي.
لكن هذه التحدّيات نفسها تُثبت القولة: كلما ازدادت الحاجة إلى التفكير النقدي والتأمّلي، ازدادت القيمة الدائمة للفلسفة. إن أزمة العصر ليست في الفلسفة، بل في غياب الفلسفة.
الآفاق المستقبلية واضحة:
إعادة الفلسفة إلى المدرسة منذ الطفولة وتجويد النظر في برامجها في المعاهد والكليات.
تطوير «فلسفة للجميع» بلغةٍ معاصرةٍ وعبر منصّات رقمية (بودكاست، يوتيوب، كتب مبسَّطة).
ربط الفلسفة بالقضايا الحارّة: البيئة، الذكاء الاصطناعي، العدالة الاجتماعية، الهوية الرقمية.
تشجيع الفلسفة المقارنة بين التراث العربي-الإسلامي والفلسفات الآسيوية والإفريقية والغربية لإنتاج فكرٍ كوكبيٍّ جديد.
خاتمة
القيمة الدائمة للفلسفة ليست في أن تُعطينا إجاباتٍ ثابتة، بل في أن تمنعنا من الاكتفاء بأي إجابة. إنها الجهاز المناعي للعقل الفردي والجماعي ضدّ الدوغمائية، التفاهة، والاستبداد. كلما تقدَّمت البشرية تقنياً، ازدادت حاجتها إلى الفلسفة لتبقى إنسانية. كما قال أدوارد سعيد: «الفكر النقدي هو الحياة نفسها».
وفي عبارة الجابري: «لا يقظة بدون عقلٍ ناقد». إن الفلسفة لا تموت، لأنها الحركة الدائمة للفكر في كل فرد وكل ثقافة. وما دمنا نفكّر، فالفلسفة باقية، ونحن معها أحياء. فكيف يمكن إعادة التوهج الذي كانت عليه الفلسفة في حضارة اقرأ في عصر الازدهار مع الكندي وابن سينا وابن باجة وابن خلدون؟
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع القرار الأمريكي بشأن مستقبل غزة والموقف الفلسطيني منه
- الإبستمولوجيا في الفلسفة الحديثة والمعاصرة
- الحرب هي النواة الإشكالية لأهم المعارك الجيوسياسية بين القوى ...
- القرار الأنطولوجي الحاسم للذات الجمعية بفك الارتباط بالمركزي ...
- أسلوب المقاربات بين المعنى اللغوي والدلالة الاصطلاحية والمفه ...
- مخطط تقسيم السودان بين السياق التاريخي، الأسباب، والتداعيات
- الرؤى المتقاطعة كنسيج معرفي متعدد الأبعاد
- أصل وأسس اللاّمساواة بين البشر حسب جان جاك روسو وشروط تحقيق ...
- ممارسة الفلسفة بطريقة أصلية مفيدة للبشرية عند التفكير في الغ ...
- انعقاد قمة مجموعة اسيان بين التفاهمات الاقليمية وبناء قوة اق ...
- الوضع البشري بين التناول السوسيولوجي والتناول البسيكولوجي، ا ...
- هل سحب جيل زد البساط من الهيكليات الكلاسيكية وامسك بزمام الم ...
- في مديح الإنسانية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري: مقاربة فلسفي ...
- مدى تقديم الفلسفة الإضافة الفكرية للثقافة العربية لمواكبة ال ...
- قراءة تحليلية نقدية في مبادرة ترامب للسلام في الشرق الأوسط
- الفكر الاقتصادي في الحقبة المعاصرة بين الفلسفة الاجتماعية ال ...
- المقاربة الابستيمولوجية عند توماس كون بين تغيير في البرادايم ...
- الإعلان عن وقف الحرب في غزة، انهاء المعاناة وانطلاق اعادة ال ...
- فلسفة الطوفان في سياق القطيعة الكارثية والنضال من أجل التحرر ...
- مخاطر العولمة المتوحشة بين تدمير الوسط الطبيعي واستلاب الذات ...


المزيد.....




- مصر.. رد علاء مبارك بذكرى ميلاد عبدالفتاح السيسي على تدوينة ...
- رجل مسجون يطلب من صديقتيه اختطاف وطعن سيدة و-التأكد من موتها ...
- سوريا.. البيت الأبيض يوضح رش ترامب العطر على أحمد الشرع بفيد ...
- أكثر من 100 قتيل وجريح في غزة جرّاء القصف.. وإسرائيل توسّع ا ...
- نازيون أمام القضاء ـ رمزية محاكمات نورنبرغ وإرثها التاريخي
- خلايا ضد الشيخوخة .. اكتشاف قد يغيّر فهمنا لطول العمر
- مشرعون أمريكيون يحذرون من -سباق تسلح نووي- قد تشعله اتفاقية ...
- ماكرون في جولة أفريقية... -خطوة تعكس إعادة تموضع استراتيجي ل ...
- الاحتلال يعتقل العشرات في الضفة ويخطر بهدم منازل بالقدس
- ترامب يوقع أمر الإفراج عن وثائق إبستين


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - زهير الخويلدي - القيمة الدائمة للفلسفة هي التطوير المستمر للفكر في كل فرد وكل ثقافة