أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نبهان خريشه - في اللسان العربي المبين واللغه العربية المعاصرة














المزيد.....

في اللسان العربي المبين واللغه العربية المعاصرة


نبهان خريشه

الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 22:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اللسان العربي المبين هو الجذر العميق للغة التي نعرفها اليوم، وهو الوعاء الأصيل الذي وُلدت منه العربية بوصفها منظومة تعبيرية تحمل دلالات دقيقة وصوراً لغوية متماسكة، بينما اللغة العربية المعاصرة هي الامتداد التاريخي والاجتماعي لهذا اللسان، بعد أن خضع لتحولات ثقافية وسياسية وتعليمية وإعلامية عبر القرون. عندما نتحدث عن اللسان العربي المبين فنحن نشير إلى اللغة كما وردت في القرآن الكريم وكما نطق بها العرب الأوائل في بيئتهم الطبيعية، لغة تعتمد على الفطرة السليمة في الدلالة، وعلى الإيقاع الصوتي المتجانس، وعلى المعنى الكلي الذي لا ينفصل فيه اللفظ عن سياقه، ولا عن التجربة الحياتية التي أنتجته. أما العربية المعاصرة فهي اللغة التي نكتب ونتحدث بها اليوم، والتي تأثرت بالحداثة وبالاحتكاك باللغات الأخرى، وبالمؤسسات التعليمية الحديثة التي فصلت بين الملكة اللغوية الطبيعية وبين قواعد النحو والصرف التي تحولت من أدوات مساعدة إلى غايات قائمة بذاتها.

مثلا في اللسان العربي المبين، أي في دلالة اللفظ كما استُخدم في زمن التنزيل، كلمة منتقم او انتقام كما جاءت في سورة ابراهيم، آيه ٤٧ { فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ } تحمل معنى مختلفاً وأكثر دقة من المعنى المتداول اليوم. فالجذر (نقم) في العربية القديمة لا يشير إلى الانتقام القائم على الغضب أو الثأر الشخصي كما نفهمه في اللغة المعاصرة، بل يدل على إنكار الظلم ثم إنزال الجزاء العادل على فاعله بعد طول إمهال. ولذلك فإن النقمة ليست انفعالاً، بل هي عقوبة مشروعة تأتي بعد أن يصرّ الظالم على فعله ويستنفد كل فرص التراجع والتوبة. وعندما يصف القرآن الله بأنه المنتقم، فالمقصود هو الذي يعاقب الظالمين عقاباً مستحقاً بعد أن تقوم عليهم الحجة، وبعد أن يُملي لهم ويمهلهم زمناً طويلاً، فلا يأتي العقاب إلا حين يصبح الظلم ثابتاً والإفساد واضحاً. فانتقام الله ليس فعلاً انفعالياً ولا غضبياً، بل هو تدبير عدلي يعيد الأمور إلى نصابها. ولهذا لا تأتي هذه الصفة في القرآن إلا في سياق الحديث عن أقوام تمادوا في البغي بعد التحذير والإنذار.

في اللسان العربي المبين كانت الكلمة تحمل معناها من أصل اشتقاقها ومن صورتها الحسية أو السلوكية، فالدلالة كانت مرتبطة بالحياة اليومية وبالظاهرة التي تصفها، وكانت البلاغة جزءاً من الكلام العادي لا نتيجة تصنّع أو تقعيد، ولذلك كان العربي القديم يدرك المعنى الحدسي دون حاجة إلى تحليل مطوّل. أما في العربية المعاصرة فقد ابتعد المتلقي كثيراً عن أصل اللفظ، وأصبح الفهم يعتمد على التعريفات المدرسية وعلى القواعد المصطنعة، ففقدت الكلمة شيئاً من حيويتها الأولى، وصار كثير من الناس يخلطون بين اللفظ ومعناه، لأنهم يتعاملون مع اللغة كمادة تدرّس لا كلغة تُعاش.

اللسان العربي المبين كان أيضاً لسان بيئة واحدة، حيث كانت القبائل تتشارك النظام الصوتي والتعبيري ذاته، مما جعل الخطاب واحداً في مساره وبيئته. أما العربية المعاصرة فهي لغة أمم متعددة، تحمل لهجات وأساليب متباينة، وتخضع لتأثير الإعلام والسياسة وثقافة المدن، مما جعلها أقل وحدة من حيث النطق والدلالة. ومع ذلك فإن العربية المعاصرة حافظت على قدْر من الفصحى الموروثة، لكنها لم تعد تحيا في أذهان الناس بالطريقة ذاتها التي كان يعيش بها اللسان العربي المبين.

كما أن اللسان العربي المبين يتميز بأن دلالاته متشابكة ومركّبة، فالكلمة الواحدة قد تحمل طبقات من المعاني لا يدركها إلا من عاش البيئة أو درس السياق القرآني واللغوي بعمق. ولذلك كان القرآن يفهم من خلال تذوق لغته وسياقها وليس فقط عبر تفسير اصطلاحي. بينما العربية الحديثة أصبحت أكثر مباشرة وأقل اعتماداً على الرموز والصور، وذلك نتيجة الحاجة إلى لغة الوظيفة اليومية في التعليم، والمال، والإدارة، والإعلام، وهي لغة تتجه نحو التبسيط والإيجاز على حساب العمق الدلالي والاشتقاقي.

ومع مرور الزمن تباعدت المسافة بين اللسان العربي الأصلي وبين اللغة المعاصرة، فضعفت علاقة المتحدثين بجذور الكلمات ومعانيها الأولى، وازدادت الفجوة بين النصوص القديمة—خصوصاً القرآن والحديث والشعر الجاهلي—وبين القارئ الحديث. وهذا ما يفسّر الحاجة الملحّة إلى إعادة إحياء اللسان العربي المبين، ليس ليحلّ محل العربية المعاصرة، ولكن ليكون مرجعاً حياً يعيد للكلمات أصولها وللدلالات إشراقها، وليساعد المتلقي على فهم النصوص المؤسسة كما فهمها أصحابها.

فالفرق بين اللسان العربي المبين واللغة العربية المعاصرة ليس فرق زمن فقط، بل هو فرق في طبيعة العلاقة بين الإنسان واللغة، بين الفطرة والتقعيد، بين المعنى الحي والدلالة المدرسية، بين لغة تُولد من التجربة ولغة تُفرض عبر المناهج. ومع ذلك يبقى الرابط بينهما قائماً، فالعربية المعاصرة مهما تغيّرت فهي امتداد لذلك اللسان النقي، وكلما قويت علاقتها بجذورها ازداد حضورها وفاعليتها وقدرتها على التعبير والتجديد.



#نبهان_خريشه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليهودية نشأت في اليمن: قراءة في أطروحات الباحثين العرب الجد ...
- اللغة العبرية: من لغة ميتة إلى محكية
- الطوفان: من جلجامش إلى سفر التكوين الى حضارات امريكا الجنوبي ...
- ظاهرة الترامبية بمواجهة الليبرالية
- حضارات العصر الجليدي المندثره أسطورة أم حقيقة ؟
- هل ساهم -الأنوناكي- في بناء الحضارات القديمة ؟؟
- -فليكوفسكي- ومحاولة تحويل أساطيرالتوراة لوقائع تاريخية
- التغيرات المناخية والهجرات من شبه الجزيرة العربية
- حصاد إسرائيل لحربها على غزة
- تصدع جدران الصهيونية
- فشل الإعلام الغربي في تعميم الرواية الإسرائيلية للحرب على غز ...
- في مواجهة تزوير تاريخ الشرق الأدنى القديم
- طريق أوسلو: المواقف الامريكية المبكره من منظمة التحرير الفلس ...
- ماذا يعني ان يكون طالب اللجوء إلى أوروبا ليس أبيض البشره ؟!!
- غربلة التراث


المزيد.....




- بطلب من محمد بن سلمان.. ترامب يُعلن أنه سيعمل على إنهاء الحر ...
- غروسي يجدد دعوته لإيران للسماح بتفتيش المنشآت النووية المتضر ...
- مواجهات شمال الخليل وألبانيزي تنتقد دعم جهات أوروبية لإسرائي ...
- سوتشي.. الريفيرا الروسية على البحر الأسود
- أيام شتوية في لوسيرن السويسرية.. حين يلتقي الجبل بالماء
- شجار بالأيدي بين جنود إسرائيليين يثير سخرية المنصات العربية ...
- دموع هيام عباس تروي نكبة عائلتها خلال تكريمها في مهرجان القا ...
- رسائل كردية لسوريا والعراق في منتدى الشرق الأوسط للأمن والسل ...
- أنباء عن مقترحات أميركية جديدة لإنهاء الحرب بأوكرانيا
- سوريا تندد بزيارة نتنياهو للمنطقة العازلة من أراضيها


المزيد.....

- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم / تاج السر عثمان
- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نبهان خريشه - في اللسان العربي المبين واللغه العربية المعاصرة