|
|
ف 3: محمد عبده والأزهر ب2 مناهج الازهر الشيطانية ومحاولات الإصلاح . كتاب الأزهر عدو الإسلام الأكبر
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 20:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
1- تحولت شهقات المفاجأة الجبرتية والطهطاوية إلى تأسيس مدرسة فكرية مالبث أن اشتعلت حماسا سياسيا بمجيء الأفغانى ووصل الحماس أوجه بالثورة العرابية، وبفشلها بدأ محمد عبده - أحد الثوار والمفكرين - يراجع نفسه وهو فى منفاه فى لبنان، فاختار تطليق السياسة والتركيز على الاصلاح الدينى الفكرى والعقلي. قام محمد عبده "بإصلاح" حركة الإصلاح وإعادتها إلى الاتجاه السليم، وكانت مهمة عسيرة لأنه تحتم عليه أن يواجه زملاءه فى الأزهر، وإصلاح الأزهر كان مهمة عزف عنها محمد على بكل سطوته وقسوته، ولكن نهض لها محمد عبده فى الزمن الخطأ، حيث كان يتمتع محمد عبده بكثير من الخصوم على رأسهم الخديوي توفيق نفسه. ولا نريد أن نستطرد فى حركة محمد عبده الاصلاحية ومعاناته، ولكن نود الاشارة إلى أن حجم هذه المعاناة وسوء المناخ السياسى والاجتماعى فى هذا الوقت أجبر محمد عبده على التريث فى إعلان كل تفاصيل منهجة الفكرى، وأرغمه على أن يحصر هذا المنهج فى محاولة الإصلاح والاجتهاد داخل الدائرة التقليدية المتوارثة، لأن عصره لم يكن يسمح بقبول منهج فكرى جديد مهما كانت قوة الحجج التى يقوم عليها. 2- باختصار نحن أمام عقلية كبرى تجاوزت عصرها، بل تجاوزت المستوى العقلى للحضارة التى تنتمى إليها، ولكن قسوة الخصوم وسوء المناخ أجبر هذه العقلية على أن تقلص حركتها فى إطار المنهج التقليدى وتجتهد من خلاله، وربما كان يطمع محمد عبده إلى أن يمتد به العمر وأن يتغير المناخ العقلى للأفضل فاختار طريق التدرج، فبدأ الإصلاح فى المنهج التقليدى، وبين سطوره نثر بعض ملامح المنهج الجديد مثل بالونات اختبار يمكن البناء عليها، فإذا عاش استطاع أن يواصل الطريق، وإذا مات فقد أعطى إشارات لمن يخلفه من المفكرين كى يبنى ويتطور، ولكن حدث عكس ذلك، لأنه مات فى السادسة والخمسين من عمره، وهو يلعن الشيوخ أثناء احتضاره، وأفسد خليفته رشيد رضا دعوة أستاذه المستنيرة. مقياس الاستنارة: 1- نكتفى بوضع مقياس قرآنى للاستنارة العقلية ونبدأ بتطبيقة قرآنيا على النبى محمد عليه السلام نفسه، فالنبى هو القدوة وما لا ينطبق عليه لا يمكن أن ينطبق على غيره ، وهو بإختصار، الإجابة على سؤالين:هل كان النبى يعلم الغيب؟ وهل كان النبى يفتى للمسلمين فى التشريع ويجتهد برأيه فى الأمور التشريعية؟. 2- إذا كان النبى يعلم الغيب فالواجب علينا أن نؤمن بكل الأحاديث المنسوبة للنبى فى الغيبيات، بدءا من الحديث عن الأمم السابقة والأمم اللاحقة بعد النبى، والحديث عن علامات الساعة وما يجرى فيها من شفاعات وأحوال، والحديث عن العوالم الآخرى من ملائكة وجن وشياطين، وبالتالى يمكن أن نتسامح فى معرفة الآخرين لهذا الغيب لأنهم على " قدم النبي" أى نؤمن بمقدرة الأولياء الصوفية وغيرهم من القديسين على معرفة الغيب، وبالتالى تتضخم مساحات الخرافة فى عقولنا - وهى فعلا متضخمة - وتتحول تلك الخرافات المتضخمة إلى قدس الأقداس، وبالتالى أيضا تتضاءل المساحة التى يتحرك فيها العقل - وهى فعلا تضاءلت - ونصبح أسرى للخرافة - ونحن فعلا كذلك. وإذا لم يكن النبى يعلم الغيب - وهذا ما يؤكده القرآن الكريم خلال أكثر من ثلاثين آية قرآنية - فإن كل تلك الأحاديث المنسوبة إليه مزيفة، وهى بمعنى آخر كاذبة فى نسبتها للنبى، وإن كانت صادقة فى أنها تعكس الحالة العقلية المتردية للذين صاغوها وللمجتمع الذى يؤمن بها، أى أن صدقها فى تعبيرها عن حال أصحابها ومدى تحكم الخرافة فيهم، والمهم فى ذلك المقياس عن عدم علم النبى بالغيب أنه يفتح كل الأبواب للعقل الإنسانى فى أن يفكر وأن يبدع طالما كانت الغيبيات محصورة فى العلم الإلهى المذكور فى القرآن الكريم وحده، وليس للنبى محمد ولا لأى إنسان آخر أن يتحدث فيها. إذن علينا أن نسعى للبحث فى عالم الشهادة طالما تقلص ميدان الغيب فى آيات القرآن وحدها. 3- ومن ناحية أخرى فإذا كان النبى يفتى ويجتهد فى التشريع فقد وضعت بذلك متاريس كثيرة أمام العقل المسلم، إذ كيف يـجتهـد فى أمر قد أفتى فيه النبى سلفا؟ وكيف يفسر آية فسرها النبى آنفا؟ فمن الطبيعى أن يتحول ذلك الاجتهاد النبوى إلى دين، أو على الاقل يكون مصدرا للتشريع، وعليه فقد كان ينبغى للمذاهب الفقهية أن تبدأ أولا بجمع وتوثيق ذلك الاجتهاد النبوى كما حدث مع القرآن، ولكن ذلك لم يحدث، صحيح أن هناك التفسير بالمأثور، ولكن أعلن الإمام أحمد بن حنبل نفسه عدم الاعتداد به، حين قال " ثلاثة لا أصل لها: التفسير والملاحم والمغازى " ولكن الصحيح أيضا أن المنافسات الفقهية والمذهبية جعلت بعضهم ينسب رأيه فى التفسير أو فى الفقة للنبى عبر سلاسل مفتراة على الله تعالى ورسوله وأنها فى تضخمها أعاقت حركة المسلمين، وإذا كان سهلا أن نتذكر الآيات القرآنية التى تعلن عدم معرفة النبى بالغيب وتأمر النبى بأن يعلن ذلك عن نفسه بوضوح، فإن قضية اجتهاد النبى فى التشريع والتفسير تستحق بعض التوقف بما يتلاءم وهذه الورقة البحثية الموجزة. 4- وهنا نكتفى بالدعوة إلى تدبر الآيات القرآنية التى تبدأ بقوله تعالى " يسألونك" ونعطى عنها لمحات سريعة. أ- فالقرآن الكريم أكد أكثر من مرة على أن علم الساعة وموعدها وما يجرى فيها عند الله تعالى وحده (فصلت 47، لقمان 34، الزخرف 85) وأكد أيضا على أن النبى لا يعلم عن الساعة شيئا (الشورى 17). ومع ذلك سألوا النبى عن الساعة، وكان يمكن أن يكتفى بالإجابة عليهم بترديد الآيات السابقة، ولكن لم يكن له أن يجيب على شيء طالما الوحى ينزل، لذلك انتظر إلى أن نزل قوله تعالى "يسألونك عن الساعة أيان مرساها؟ فيم أنت من ذكراها؟ إلى ربك منتهاها، إنما أنت منذر من يخشاها: النازعات - 46" وبعد هذا التأكيد فى الإجابة على التساؤل بأن النبى لا شأن له بعلم الساعة وأن وظيفته التبليغ والإنذار فقط، عاد نفس التساؤل، وكان يمكن أيضا للنبى أن يتلو الآيات السابقة التى ترد على نفس التساؤل، ولكن ليس له أن يجيب بنفى أو إيجاب، لذلك انتظر إجابة السؤال من السماء، ونزلت الإجابة تؤكد نفس الإجابة السابقة وتزيد تأكيدا عليها بأن النبى ليس له أن يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير وما مسه السوء (الإعراف 187: 188) وعاد نفس التساؤل وظل أيضا معلقا دون إجابة من النبى إلى أن نزل قوله تعالى " يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله، وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا، الأحزاب 63" أى أن النبى لم يكن مسموحا له أن يجيب على أسئلة يعرف مقدما إجابتها من القرآن، حتى لو تكررت الأسئلة وتكررت الإجابة عليها فى القرآن من قبل. 5- وإذا كان هذا الموقف واضحا فى أمور الغيب فإنه بنفس الوضوح فى التشريعات، فعلى سبيل المثال نزلت آيات مكية كثيرة تحض على رعاية اليتيم وإعطائه حقوقه (الأنعام 15، الاسراء24 الفجر 17، الضحى 9، الماعون 2، البلد 15، الكهف 82) ثم نزلت آيات آخرى فى المدينة فى نفس الموضوع (الإنسان 8، البقرة 83، 177، النساء 36،10،8،6،3،2، الأنفال 41، الحشر 7) وتميزت الآيات المدنية بتشريعات تحفظ حقوق اليتيم المالية والاجتماعية والنفسية، وكانت تلك الآيات المكية والمدنية تتلى فى المدينة ويرتلها المسلمون فى صلواتهم ومناسكهم، ومع ذلك سألوا النبى مجددا عن اليتيم، وكان يمكن للنبى أن يتلو عليهم بعض الآيات وفيها الإجابة، وكان يمكنه أن يستشهد بها فى فتواه، إذا كان له حق الفتوى، وكان بإمكانه أن يحيلهم إلى تلك الآيات ويدعوهم للتدبر فيها بأنفسهم، لم يغفل ذلك، وانتظر إلى أن نزل الوحى بالإجابة " ويسألونك عن اليتامى، قل: إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم فإخوانكم: البقرة 22" وهى إجابة تؤكد ما سبق قوله فى الآيات السابقة عن رعاية اليتامى وجاء تساؤل آخر عن اليتامى من النساء، وكالعادة لم يتصدى النبى للفتوى، بل انتظر إلى أن نزل قوله تعالى " ويستفتونك فى النساء، قل: الله يفتيكم فيهن، ومايتلى عليكم فى الكتاب فى يتامى النساء، النساء 27" ويلاحظ هنا أن الرد الإلهى على استفتائهم جاء بقوله تعالى " قل الله يفتيكم" لم يقل قل أنا أفتيكم، وتردد هذا فى قوله تعالى " ويستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة: النساء 176" أى أنه طالما ينزل الوحى الإلهى فإن الله تعالى هو صاحب الفتوى، وما على الرسول إلا البلاغ، أى بتبليغ الوحى كما هو، دون أى أضافة، حتى لا يكون للدين الإلهى إلا مصدر واحد، هو الله تعالى، وحتى يتنزه دين الله تعالى من أى مصدر بشرى. ، وبعد نزول الوحى وموت النبى يكون تدين الناس وفكرهم وتدبرهم وتفسيراتهم للكتاب، وهم عنها مسئولون، ولكن لا يمكن أن تكون دينا، لذلك فإن الله تعالى يوجه نظرهم إلى ما نزل فى الكتاب فى موضوع النساء اليتامى فيقول: قل الله يفتيكم، وما يتلى عليكم فى الكتاب فى يتامى النساء" أى أن للناس - دون النبي- الحق فى الإجتهاد، لانهم ليسوا مبلغين عن الله، ولأنهم يتحملون وزر ما يقولون، وهذا منطقى ومعقول، لأن كل مؤلف من البشر يكتب اسمه على الكتاب الذى يؤلفه ويكون مسئولا عنه، والنبى محمد ليس مؤلفا لأى كتاب، ولكنه قام بتبليغ كتاب الله تعالى وتلك مهمته وتلك مسئوليته وليس عليه غيرها. ج- ونعود إلى لمحات سريعة آخرى عن كلمة "يسألونك" فى القرآن فقد كانوا يسألون النبى عن أمور يعرفها بثقافته العربية والدينية، وكان المنتظر منه أن يجيب عنها من واقع المعرفة والتعود العربى، ولكنه لم يكن يجيب بما يعرف، وانتظر الإجابة من الله تعالى، ولذلك حين سألوه عن الأهله (جمع هلال) لم يرد عليهم إلى أن نزلت الإجابة فى قوله تعالي" يسألونك عن الأهلة، قل هى مواقيت للناس والحج، البقرة 189" وبالتأكيد فإن هذه الإجابة معروفة مسبقا للنبى ولأى عربى، فقد اعتاد العرب اتخاذ التقويم القمرى مواقيت شهرية، وعلى أساسها كان العرب يحجون للبيت الحرام، ولكن لم يبادر النبى بالإجابة برغم أن الإجابة لا تحتاج إلى اجتهاد فى الرأى، لأنه لا يملك الإفتاء أو الاجتهاد فى الدين. د - ونحن نعتقد أن النبى عليه السلام قد بلغ الكمال الإنسانى فى الذوق الرفيع، والله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته: "الأنعام 124" ولذلك فإننا نتوقع أنه يعرف الإجابة مقدما حين يسأل عن مباشرة الزوجة فى المحيض، ومن المتوقع أن تكون إجابته بالنهى عن ذلك لأن المحيض أذى، ذلك هو ذوق الصفوة من الناس، ولكن النبى لا يقول رأيه، وينتظر الإجابة إلى أن ينزل قوله تعالى " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن: "البقرة 222" ويلاحظ أن البخارى أعطى فى باب الحيض فى كتاب الطهارة إجابة مخالفة لهذا التساؤل فى حديث كاذب يزعم أن النبى كان يباشر نساءه فى المحيض" . وتأسيسا على موقف النبى من الرد على تساؤلات واستفتاءات الناس فى عصره، وانتظار الإجابة من الوحى فقد حدث موقف طريف للنبى، فقد ظاهر رجل امرأته كعادة الجاهلية، وجاءت المرأة تستفتى النبى وتطلب منه حلا، ولم تكن حالتها النفسية ترضى بأن يمهلها النبى إلى أن ينزل الوحى بالفتوى، كانت تريد من النبى بأن يسرع بإعطائها فتوى سريعة، والنبى لا يملك حق الفتوى، فظلت تجادل النبى إلى أن نزل الوحى بالفتوى قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله، والله يسمع تحاوركما: المجادلة 1 فالمرأة حين يئست بعد الحوار والجدال اشتكت إلى الله تطلب منه الفتوى، فنزلت الإجابة فى تشريع الظهار (المجادلة 2: 4). 5- باختصار.. ليس للنبى أن يتحدث فى الغيبيات، وليس له أن يتحدث فى التشريع أو التفسير أو أن يجتهد فى هذا وذاك. لم يكن له إلا التبليغ للقرآن كما هو، فالاجتهاد فى التفكير لنا دون النبى فى أمور التشريع. ومن الطبيعى أن الصدمة ستكون هائلة إذا طبقنا هذا المقياس العقيدى والتشريعى على فكر المسلمين فى طوائفهم المختلفة، ولكن ستكون لنا مفاجأة آخرى إذا طبقنا نفس المقياس على فكر محمد عبده ومنهجه، ستكون مفاجأة سارة حين نراه يقترب ويناور ويلتف حول الموضوع إلى درجة تحس معها أنه يريد أن يصرح وأن يعلن لولا أن كابوس التقليد والجمود يرزح فوق أنفاسه ويمنعه من الاسترسال والإفصاح.
6- وفى هذه العجالة السريعة سنأخذ تفسير المنار للشيخين محمد عبده ورشيد رضا كحالة نموذجية نتفهم منها منهج محمد عبده، ومنهج تلميذه رشيد رضا، والفجوة بين هذا وذاك. إن رشيد رضا يؤكد فى مقدمة تفسير المنار أن شيخه محمد عبده توقف فى تفسيره للقرآن عند الآية (126) من سورة النساء، وتوفى بعدها فأكمل رشيد رضا التفسير إلى بعض أجزاء سورة يوسف. وهذا هو محتوى تفسير المنار للشيخين .
منهج محمد عبده:
فماذا قال محمد عبده فى المنار عن علم النبى بالغيب؟ وماذا قال عن تشريع النبى فى تعليقه على آيات يسألونك فى الجزء الذى قام بتفسيره؟
1- فى تفسير قوله تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء: آل عمران 179 يقول محمد عبده إن بعض الناس قد وقع فى الوهم حين ظن أن كل من اجتباهم الله من رسله يعلمون الغيب، وزعم بعضهم أن النبى محمدا قد أطلعه الله تعالى على علم الساعة قبل وفاته، ويؤكد محمد عبده أن كل ذلك من الجرأة على الله، والقول عليه بغير علم، وهنا يستدل محمد عبده بقوله تعالى قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب (الآية الخمسون من سوره الأنعام ) ويقول محمد عبده إن هذا ما أمر الله تعالى خاتم النبيين أن يبلغ عن ربه للناس ويؤكد محمد عبده مجددا عدم علم النبى بالغيب بقوله تعالى ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء: الاعراف 188 ثم يقول محمد عبده إذا أجزنا لأنفسنا أن نقيد كل ما حكاه الله تعالى عن نفسه وأن ذلك يقضى إلى تعطيل صفات الألوهية بالتأويل، فيجب أن نقف عند حدود النصوص فى أمر الغيب لأنه لا يعرف بالقياس ولا مجال فيه لعقول الناس، وسيأتى لهذا البحث مزيد بيان فى سورة الأنعام وغيرها إن شاء الله تعالى أ.هـ. ومات الإمام محمد عبده قبل أن يكمل فى تفسيره إلى سورة الأنعام وما فيها من آيات تنفى عن النبى علم الغيب، وكان ذلك من حظ تلميذه رشيد رضا الذى استخدم كل مهاراته فى التأويل والتحريف لكى يثبت للنبى علما بالغيب خلافا لمنطق القرآن الواضح، وخلافا لتفسير شيخه محمد عبده. وموعدنا مع تفصيل لذلك فيما بعد، ولكن نتوقف مع ما قاله محمد عبده بالمزيد من التأمل. 2- فالآيات التى تقطع بأن النبى محمدا لا يعلم الغيب لم تأت فى الجزء الذى عرض له محمد عبده فى تفسيره ومع ذلك فقد استشهد ببعض الآيات الواردة فى سورتى الأنعام والأعراف قبل أن يصل إليها، ووعد بأن يأتى بمزيد من البحث ليؤكد عدم علم النبى بالغيب. أى أنه كان حاضر الذهن فى الموضوع وقد اكتمل وعيه بحقائق القرآن التى تؤكد عدم علم النبى بالغيب. ويكاد القارى لما بين سطور الكلام أن يقطع بأن الامام محمد عبده كان حاضر الذهن فى نفى الأحاديث التى تنسب للنبى زورا العلم بالغيب، وإن لم يتعرض لها بالهجوم والاستنكار مكتفيا بالدعوة إلى الإعراض عنها تحت عنوان عام يحذر من تعطيل جميع صفات الألوهية بالتأويل . والمفهوم فى منهج محمد عبده فى هذا السياق انه اكتفى بتقرير القرآن فى التأكيد على أن النبى لا يعلم الغيب، واكتفى بالإعراض عن الأحاديث المخالفة للقرآن فى هذه القضية، ولم يشأ إعلان الحرب عليها، لأن المناخ السياسى والثقافى يحول بينه وبين ذلك. وهذا هو موقفه من الجزء العقيدى فى المقياس، أى ما يتعلق بعلم الغيب. فماذا عن الجزء الآخر التشريعى، وهو أن النبى كما لا يعلم الغيب فليس له أيضا أن يجتهد فى التشريع؟
3- وهنا نجد تضاربا فى منهج الإمام محمد عبده. ففى تفسير المنار فى الجزء الخاص به نجده يتبع المنهج التقليدى فى الإصلاح الفكرى، بمناقشة الروايات خصوصا أسباب النزول معتمدا فى ذلك على ماورد فى الرازى والجلالين، ونحن نركز هنا على آيات يسألوك عن الخمر والميسر ويسألونك ماذا ينفقون، يسألونك عن اليتامى، ويسألونك عن المحيض: (البقرة: 189، 222،220،219،217،215) ولم يستشف منها ما قررناه سابقا من أن النبى لم يكن له أن يفتى فى أى تشريع. وفى مقابل هذه النظرة التقليدية نجد الشيخ أكثر جرأة فى إصدار الفتاوى الثورية التى تحل التعامل مع البنوك والتصوير الفوتوغرافى والاستماع إلى الراديو والتى تحل الإضراب للعمال المظلومين، كما نجد ما يؤكد هذه الثورية فى اعتبار الأحاديث (الصحيحة) مجرد أحاديث آحاد تفيد الظن ولا تفيد اليقين. هذا بالإضافة إلى اعتبار النظر العقلى لتحصيل الإيمان هو الأصل الأول للإسلام، وجعل تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض هو الأصل الثانى للإسلام، ثم جعل الأصل الرابع الاعتبار بسنن الله تعالى فى الخلق (الإسلام بين العلم والمدنية 2 :106،105) (ط. الهيئة العامة للكتاب المصرية). وباختصار فإن منهج محمد عبده قد اقترب من المقياس الصحيح فى موضوع الغيب وتقاعس عن ذلك المقياس فى موضوع التشريع والتفسير. كان فى الجانب العقلى سابقا لعصره والعصور السابقة، بينما اكتفى فى الجانب الآخر بالإصلاح التقليدى بمنهج المصلحين السابقين، فى تتبع الروايات ومناقشتها، وتوضيح الصحيح من الفاسد تسليما بالمبدأ نفسه. وهذا بدوره أعطى فرصه لتميذه السلفى رشيد رضا لكى يرسى دعائم منهجه ولكى يفسد الثمرة التى ناضل من أجلها أستاذه . شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور ) https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن : ( أنا )
-
ف 2 / 2 : عن النجاة من مناهج الازهر الشيطانية ب2 مناهج الازه
...
-
عن ( والنبى .. / الريح والرياح )
-
ف 2 / 1 : ناجون من مناهج الازهر الشيطانية ب2 مناهج الازهر ال
...
-
عن ( رابعة العدوية / مولد الحسين في القاهرة )
-
ف 1 : ضحايا مناهج الازهر الشيطانية ب2 مناهج الازهر الشيطانية
...
-
عن الجنة والنار
-
ف 7 : لماذا إستمر الأزهر وحده بعد العصر المملوكى . ب 1 تاريخ
...
-
عن نوعى الأمر ، بالإسم وبالفعل .
-
ف 6 : الأزهر بعد العصر الفاطمى . ب 1 تاريخ الأزهر. كتاب الأز
...
-
عن ( الزلزال / التثبيت / الشقاء )
-
ف 5 : انشاء وثن للحسين بجانب الأزهر . ب 1 تاريخ الأزهر. كتاب
...
-
عن ( عذاب قوم عاد / معنى الضلال / مرجع الضمير وموت النبى )
-
ف 4 : بركات الأزهر على مصر الفاطمية : الشدة العظمى فى عهد ال
...
-
عن ( أمين / آمون ، وعذاب القبر والشفاعة )
-
ف3 : الخليفة الحاكم صريع الأزهر: ب 1 تاريخ الأزهر. كتاب الأز
...
-
عن ( ليلى الأخيلية ) والنقاب .!
-
ف3 : ج 1 الخليفة الحاكم صريع الأزهر: ب 1 تاريخ الأزهر. كتاب
...
-
عن ( شنشنة / السلاح النووي وقيام الساعة )
-
ف2 : المعز الفاطمي يؤّله نفسه: ب 1 تاريخ الأزهر. كتاب الأزهر
...
المزيد.....
-
تكساس تصنف الإخوان و-كير- إرهابيتين.. فهل يتوسع -التصنيف-؟
-
حملة تضليل تستهدف مسلمي تكساس وتروج لادعاءات -محاكم الشريعة-
...
-
معنى فتوى خامنئي عن السلاح النووي وشروط طهران لاستئناف المحا
...
-
تنامي نفوذ الإخوان في فرنسا.. تحذيرات وتحديات معقدة
-
ماذا يعني تصنيف ولاية تكساس الإخوان المسلمين و-كير- منظمات إ
...
-
وزير إسرائيلي: سأتخلى عن التطبيع مع دول عربية وإسلامية إذا ك
...
-
كايروس فلسطين الثانية: صوت المسيحيين الفلسطينيين في لحظة الح
...
-
حين تتحوّل الأرقام إلى عبء على الروح: دعوة إلى قراءة وطنية م
...
-
الاحتلال يهدم منشأة في ديربلوط غرب سلفيت
-
تكساس تدرج -الإخوان- ومنظمة إسلامية أخرى ضمن لائحة الإرهاب
المزيد.....
-
رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي
...
/ سامي الذيب
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
المزيد.....
|