أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جلبير الأشقر - في تبييض أحمد الشرع















المزيد.....

في تبييض أحمد الشرع


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 10:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



الدعوة لزيارة البيت الأبيض هي قمة التبييض السياسي، في المنظور الغربي على الأقل. وها أن أحمد الشرع ـ الذي تحوّل بين ليلة وضحاها من أبو محمد الجولاني، أمير «هيئة تحرير الشام»، «جبهة النصرة» سابقاً، المنشقة عن تنظيم «القاعدة»، إلى أحمد الشرع، رئيس الجمهورية العربية السورية، وخلع بدلة الجهادي باللون الكاكي ليلبس الطقم الغربي وربطة العنق الملازمة له ـ ها أن أحمد الشرع ذاته قد زار البيت الأبيض، حيث استقبله دونالد ترامب من وراء مكتبه، وكأنه يتفحصه قبل منحه شهادة رضاه. وقد سبق الزيارة بثلاثة أيام فقط رفع اسم الشرع-الجولاني من قائمة «الإرهابيين» المطلوبين لدى الولايات المتحدة، مع الوعد بمكافأة قدرها عشرة ملايين من الدولارات لمن يأتي به حياً أو ميتاً كما في أفلام الوسترن. وسبحان من يغيّر ولا يتغيّر!
وقد جاءت زيارة الشرع للبيت الأبيض بعد أقل من شهر من زيارة أخرى أكثر إثارة للعجب بعد، وإن لم تحظَ باهتمام مماثل في الإعلام الغربي، ألا وهي زيارة الشرع لموسكو ولقاؤه مع فلاديمير بوتين في الكرملين. وما هو أعجب في زيارة الشرع لروسيا أنه حاربها لسنوات عديدة، خلافاً للولايات المتحدة التي مدّ لها يد العون، لا سيما في مواجهة «داعش»، من خلال علاقاته الوثيقة بتركيا الأطلسية. والحال أن الشرع لم يتردد في مصافحة الرجل الذي أسهم أكبر إسهام في تدمير سوريا وقتل شعبها دفاعاً عن حكم بشار الأسد، الذي كان الشرع يرى فيه عدوه اللدود وقد وفّرت له موسكو ملاذاً مريحاً وآمناً في روسيا.
ويندرج في سلسلة العجائب ذاتها توافق الدول والمحاور الإقليمية المتنافسة على التودّد للشرع: تركيا، ودول الخليج، وسواها. وحدها إيران لم تنضم إلى الجوقة، ولا شك في أن المنطق الطائفي الذي يتحكم بنهجها كما بنهج «هيئة تحرير الشام» هو العقبة الرئيسية في هذا الصدد. أما إسرائيل، فهي تُعامِل الحكم الجديد في دمشق مثلما تُعامِل الحكم اللبناني: بالضغط العسكري بغية تحقيق مرماها. فهي تبغي انضمام البلدين، سوريا ولبنان، إلى جوقة «التطبيع» العربية، بشرطين: الصدام مع «حزب الله» في لبنان من خلال السعي لنزع سلاحه، وإقرار دمشق بخسارة هضبة الجولان التي احتلّتها الدولة الصهيونية في عام 1967 وضمّتها إلى أراضيها في عام 1981، وهو الضمّ الذي اعترف به دونالد ترامب رسمياً باسم الولايات المتحدة أثناء رئاسته الأولى.
كل هذا بينما لا يزال الوضع السوري على كفّ عفريت: سلطة جديدة لا تحوز على ما يكفي من القوة للسيطرة على البلاد، بل لا تستطيع السيطرة على الجماعات المسلحة التي استندت إليها طوال سنين؛ ومذابح طائفية عزّزت إيمان الأقليات الطائفية السورية بأن لا أمان لها إزاء الحكم الجديد سوى إذا انتزعت استقلال مناطقها بقوة السلاح وحمتها على غرار ما حققه الكُرد في الشمال الشرقي السوري؛ وحكمٌ في دمشق هو عكس ما كانت سوريا في حاجة إليه، إذ لا يمت إلى الحياد الطائفي والديمقراطية والنزاهة بصلة، بل يسير على خطى الشراكة العائلية التي ميّزت حكم آل الأسد والمخلوف.

فما هو سر تكاثر العجائب التي وصفنا أعلاه منذ أن حلّ أحمد الشرع محلّ بشار الأسد في القصر الرئاسي الذي بناه والد الأخير؟ إنه بكل بساطة إسقاط كل طرف لرغباته على الحكم الجديد، وانتهازية هذا الحكم التي لا حدود لها. والحقيقة أن النظام العربي السائد، بكافة أطرافه، كان قد فعل كل ما بوسعه لتحويل الثورة السورية من انتفاضة شعبية ديمقراطية، تشكّل خطراً عليه، إلى حرب جهادية طائفية ضد حكم آل الأسد، تتناسب مع «طبائع الاستبداد» التي تسود المنطقة العربية. وكلهم باتوا يخشون أن تتحول سوريا ما بعد الأسدية إلى أسوأ مما كانت عليه خلال سنوات الحرب الأهلية، أي أن تتأجج نار بؤرة تصدير الإرهاب الجهادي التي اشتعلت في سوريا منذ أكثر من عشر سنوات. وتشاطرهم الخشية ذاتها الدول الغربية مثلما تشاطرها روسيا، بل وحتى الصين التي لا تزال متحفظة إزاء الحكم السوري الجديد وقد اشترطت عليه أن يتخلص من المقاتلين الجهاديين الآتين من أقاليم الصين المسلمة.
ثم، وكما هي العادة في العلاقات الدولية، تسود اعتبارات المصلحة الاقتصادية: فإن سوق إعادة إعمار سوريا سوق ضخمة، يفوق حجمها بكثير حجم سوق إعادة إعمار قطاع غزة التي أثارت رغبات ترامب «السياحية». وقد قدّر البنك الدولي سوق الإعمار السورية بما يتراوح بين 140 ملياراً و340 ملياراً من الدولارات، معتبراً أن الكلفة الأرجح ستكون بين التقديرين وتبلغ ما يناهز 215 مليار دولار. وفي حين استثمرت الدول الخليجية العربية ولا زالت تستثمر مليارات الدولارات في شراء العقارات وتمويل المشاريع السياحية في مصر، على الأخص، فإنها تتطلّع لتحوّل سوريا إلى مجال استثمار مماثل، مثلما بدأت تفعل في زمن بشار الأسد قبل عام 2011.
وبمجرّد قول «عقارات»، يخطر دونالد ترامب وعائلته وأعوانه تلقائياً على البال، حيث إنها إدارة أمريكية تتميّز بطغيان المضاربة العقارية في تحديد سلوكها العام. وقد أدرك الشرع الأمر، إذ لوّح بترحيبه بتشييد «برج ترامب» في دمشق عندما كانت المساعي جارية لترتيب لقاء بينه والرئيس الأمريكي عند زيارة هذا الأخير للمملكة السعودية في أيار/ مايو الماضي. ولا شك في أن أفق الاستفادة من سوق الإعمار السورية، على الرغم من أنها لا تزال افتراضية للغاية، له دور هام في موقف الرئيس الأمريكي. والأمر ذاته ينطبق على الدول الأوروبية، ومنها فرنسا التي يسعى رئيسها إيمانويل ماكرون إلى تقليد أسلافه في محاولة اقتطاع حصة من الكعكة الاقتصادية العربية (جذب دولارات النفط والغاز، الحصول على عقود البناء، تصدير الأسلحة، إلخ) بانتهاج سياسة أقرب إلى الإجماع العربي الرسمي مما هي سياسة واشنطن. وقد أسرع ماكرون لاستقبال الشرع في قصر الإليزيه قبل لقاء الزعيم السوري بترامب في الرياض.
أخيراً، ثمة رغبة مشتركة لدى الحكام الأوروبيين في ممالأة أقصى اليمين في بلدانهم بالسعي للتخلّص من اللاجئين السوريين. فيرون في إعلان ثقتهم بالحكم الجديد في دمشق تمهيداً ضرورياً لترحيل اللاجئين إلى سوريا بحجة أنها باتت آمنة، ولو تناقض هذا الزعم مع الواقع بصورة فاقعة. وقد أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس في الأسبوع الماضي أنه دعا الشرع لزيارته في برلين كي يفحص معه شروط إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهو الذي كان قد انتقد بشدّة قرار المستشارة السابقة أنجيلا ميركل في فتح أبواب ألمانيا أمام اللاجئين قبل عشر سنوات.
هذه الأسباب مجتمعة هي التي تفسّر المفارقة العجيبة التي تجعل شتى الدول تتسابق على تبييض الشرع والتودّد لحكم جماعة كانت تُصنَّف بالإرهابية قبل أشهر. وهو منظر لائق جداً بحال السياسة العالمية في زمننا «الترامبي».



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السودان وزور ادّعاءات ترامب
- الولايات المنقسمة العربية
- «جيل زد» المغربي والبركان الإقليمي
- مهرجان التملّق في الكنيست وشرم الشيخ
- جردة حساب مُرّة بعد عامين
- النيوفاشية والتغيّر المناخي
- في ضعف النظام الإيراني
- الحكم الإيراني في ورطة من صنعه
- دموع تماسيح الليبرالية المُحتضَرة
- ارحموا أهل غزة!
- عن منطق الجناح القصوي في «حماس»
- حول زيارة دونالد ترامب لدول الخليج
- سوريا والصيد في الماء العكر
- الصراع على سوريا… مجدداً
- الكارثة الأخرى: إبادة ومجاعة في السودان
- أبو ظبي وقطر: متنافسان في خدمة الإمبراطوريّة الأمريكيّة
- غزة وحكمة سليمان
- تركيا والعدوى النيوفاشية
- اليمن «على كف عفريت»!
- سوريا إلى أين؟ تكرارٌ للسؤال


المزيد.....




- تهريب المخدرات بالمسيرات من المغرب لإسبانيا
- فرنسا تحيي الذكرى 10 لهجمات باريس 2015 وماكرون يشارك في التك ...
- العاصفة كلوديا تتسبب في فيضانات شديدة وانقطاعات في التيار ال ...
- كم سيكلف تغيير اسم البنتاغون؟ تقرير جديد يكشف الأرقام الصادم ...
- -نسور الجمهورية- في الصالات الفرنسية
- نشر رسائل إلكترونية لإبستين واتهامات لترامب بمعرفة الاعتداء ...
- بحضور ماكرون وعائلات الضحايا.. فرنسا تحيي الذكرى الـ 10 لهجم ...
- تقرير: حفتر يقدم الوقود لقوات الدعم السريع مقابل دعم الإمارا ...
- نيويورك تايمز: جلاد الرقة بقبضة العدالة بعد 12 عاما من التخف ...
- مصر.. وزارة التعليم تحقق في -حبس- مدرسة لتلاميذ بسبب الرسوم ...


المزيد.....

- سبل تعاطي وتفاعل قوى اليسار في الوطن العربي مع الدين الإسلام ... / غازي الصوراني
- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جلبير الأشقر - في تبييض أحمد الشرع