أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - الحكم الإيراني في ورطة من صنعه















المزيد.....

الحكم الإيراني في ورطة من صنعه


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 09:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



من أشهر الأقوال الخاصة بالثورات ذلك المنسوب لأحد أبرز قادة الثورة الفرنسية في مرحلتها الأكثر تجذراً، لويس أنطوان دي سان-جوست (1767 ـ 1794) وهو القول القائل: «إن الذين يقفون بالثورات عند منتصفها لم يفعلوا سوى حفر قبرهم». وينطبق القول على العداوات المسلّحة، حيث تشير العبرة التاريخية إلى أن الذين يخوضون في هذه العداوات والمواجهات بطريقة نصفية إزاء من نصبوه عدوّاً مطلقاً لهم وخلقوا لديه بالتالي تصميماً على دحرهم، إنما يتعرّضون للهزيمة. وهذه بالفعل حال «الجمهورية الإسلامية» الإيرانية. فمنذ قيامها إثر الإطاحة بالحكم الشاهنشاهي، وهي تعلن عداءها المطلَق لمن أسمتهما «الشيطان الأكبر»، أي الولايات المتحدة الأمريكية، و«الشيطان الأصغر»، أي دولة إسرائيل.
بيد أن سلوك طهران كان ملتوياً للغاية قياساً بتلك المزاعم. فقد قبلت المعونتين الإسرائيلية والأمريكية خلال حرب الثماني سنوات التي خاضتها ضد العراق، ثم تعاونت مع الاجتياح الأمريكي لذاك البلد وقد شارك أعوانها العراقيون في السلطة الانتقالية التي نصّبها المحتل. ثم رأينا القوات التي نشرتها في سوريا إثر تدخّلها لإنقاذ نظام آل الأسد تتلقى ضربات متتالية من قِبل الدولة الصهيونية دون الردّ عليها، إلى أن طفح الكيل عند القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق، فشنّت على إسرائيل هجوماً محدوداً كاد يكون رمزياً. هذا وقد قامت «حماس» بتنفيذ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023 مراهِنة على دخول «محور المقاومة» بصورة حاسمة، بتصديق ساذج للتصريحات الطنّانة التي ما انفكت تصدر عن أرباب ذلك المحور في طهران، والتي وجدت صداها في تصريحات مماثلة صدرت عن «حزب الله» اللبناني وميليشيات «الحشد الشعبي» العراقي وحكم «أنصار الله» الحوثيين في شمال اليمن (وحده نظام آل الأسد امتنع عن الدخول في المزايدة، محافظةً على رضى إسرائيل عنه، هو الذي طالما ضمن أمن احتلالها لهضبة الجولان السورية).
وكانت النتيجة على المنوال المعهود، إذ وقفت طهران بالمواجهة عند منتصفها، فامتنعت عن زجّ نفسها في المعركة إلى جانب «حماس» وجعلت حلفاءها في لبنان واليمن يدخلونها بصورة محدودة، وذلك برشق الصواريخ من بعيد في الحالة اليمنية والخوض في حرب استنزاف محدودة الرقعة في الحالة اللبنانية. وكانت النتيجة أن إسرائيل، التي أقلّ ما يُقال فيها أنها لا تقف في عداواتها عند منتصف الطريق، شنّت هجوماً قاضياً على «حزب الله» حالما أنجزت إعادة اجتياحها لقطاع غزة في حرب إبادة لم يشهد العالم مثيلاً لقساوتها في التاريخ المعاصر، ثم وجّهت للحكم الحوثيّ ضربات مؤلمة ولا تزال، إلى أن انقضّت على إيران ذاتها في هجوم واسع النطاق.
والحال أن وقوف «الجمهورية الإسلامية» عند منتصف الطريق يصحّ أيضاً فيما يخصّ برنامجها النووي: فقد خاضت فيه بصورة غير مكتملة. ذلك أنها، عوضاً عن التزوّد بالسلاح النووي بصورة سرّية مثلما فعلت إسرائيل في ستينيات القرن المنصرم وفعلت الهند في السبعينيات وباكستان في الثمانينيات وكوريا الشمالية في مطلع القرن الجديد، قامت طهران بتخصيب علني لليورانيوم تعدّى بجلاء حدود ما تحتاج إليه لاستخدام سلمي للطاقة الذرّية، لكنّها وقفت عند عتبة الستين في المئة دون تخطيها إلى الدرجة اللازمة لبرنامج عسكري. وقد صعّدت سلوكها النصفي هذا إثر انسحاب الولايات المتحدة في عام 2018 من الاتفاق النووي المعقود معها قبل ثلاث سنوات، وذلك بقرار من دونالد ترامب في ولايته الرئاسية الأولى، بما فاقم القلق الإسرائيلي من حصول طهران على السلاح النووي، لكن بدون أن تكون لديها القدرة الرادعة الملازمة لهذا السلاح.


لذا بات مؤكداً أن الدولة الصهيونية سوف تضرب عاجلاً أو آجلاً الأراضي الإيرانية في سعي لتدمير طاقاتها العسكرية وعلى الأخص برنامجها النووي، وهو ما لم ننفك نؤكد عليه (أنظر على سبيل المثال لا الحصر، «الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران»، القدس العربي، 23/4/2024). إنها لمعركة مصيرية في نظر الدولة الصهيونية خلافاً لتعامل «الجمهورية الإسلامية» مع مواجهة إسرائيل على طريقة الأنظمة القومجية العربية في العراق وليبيا التي كانت تنبح من بعيد، من باب المزايدة على محيطها العربي، ظنّاً منها أنها في منأى عن حرب مباشرة. أما مصيرية المعركة بالنسبة لإسرائيل، فهي ناجمة في المقام الأول عن حرصها الشديد على المحافظة على احتكارها للسلاح النووي في مواجهة أعدائها، بل وحتى من يصادقها من الأنظمة العربية. وهي تعتبر أن إبطال مفعول ردعها النووي سوف يعرّضها للخطر ومن شأنه أن يحدّ من سلوكها العدواني في الشرق الأوسط الذي بلغت طلاقته ذروتها في الأشهر الماضية، مع انقضاضها على «حزب الله»، وتدميرها للطاقة العسكرية السورية، والآن هجومها على إيران.
وبالطبع، فإن طلاقة إسرائيل هذه لا تستند إلى قوتها الرادعة وحسب، بل إلى الحماية والمشاركة التي تنعم بهما من حلفائها الغربيين، وعلى الأخص الولايات المتحدة. وقد وقع قسم كبير من الإعلام العالمي مرة أخرى في الانخداع بسراب «الخلاف» المزعوم بين نوايا ترامب «السلمية» ونوايا نتنياهو العدوانية، بينما الحقيقة هي تلازم الرجلين في لعبة «الشرطي الشرير والشرطي اللطيف» (good cop, bad cop) سعياً وراء غاية واحدة، هي فرض الاستسلام على إيران وتفكيك برنامج تخصيب اليورانيوم لديها تفكيكاً كاملاً. أما بلوغ هذه الغاية، فيتمّ في نظر واشنطن بالتي هي أسهل، سواء أكان سلمياً من خلال رضوخ طهران أمام الوعيد العسكري الصادر عن إسرائيل وواشنطن، أو حربياً من خلال تعرّض إيران لهجوم كاسح من طرفهما كالذي يدور الآن أمام أعيننا.
وقد منح ترامب «الجمهورية الإسلامية» ستين يوماً كي تقبل بشروطه الاستسلامية وهو وحليفه نتنياهو يعِدون بالحرب إن لم تستجب. ومع انقضاء المهلة المذكورة وأمام استمرار طهران في رفض التخلّي عن برنامج التخصيب لديها، أعطى ترامب ضوءه الأخضر للدولة الصهيونية كي تشنّ هجومها في اليوم الواحد والستين، وهو يتظاهر بحياد كاذب لم يخدع سوى هواة إسقاط الرغبات على الواقع. أما تظاهر ترامب بشيء من الحياد إزاء المعركة (المدعومة بصورة كاملة من طرف قواته، لكن بلا ولوجٍ مباشر في المعركة حتى الآن) فغايته إقناع العالم بأنه قام بكل ما يستطيع لتفادي زجّ قواته في حرب مع إيران. وهذه حالة أخرى من وقوف طهران في منتصف الطريق، إذ هدّدت مراراً، وبلسان «المرشد الأعلى» نفسه، بأنها تعتبر أن أي عدوان إسرائيلي عليها لا بدّ من أن يكون مدعوماً من واشنطن، ولن توفّر بالتالي القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة في ردّها. وقد امتنعت عن تنفيذ هذا التهديد، حتى من خلال أعوانها الإقليميين، وهي تعلم أن ترامب سوف يتذرّع بأي ضربة إيرانية موجّهة إلى القوات الأمريكية كي ينضم إلى المجهود الحربي الإسرائيلي بصورة مباشرة، في شروط سياسية من شأنها إخراس ذلك القسم من حاشيته الذي يعارض زجّ أمريكا في حروب الغير.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دموع تماسيح الليبرالية المُحتضَرة
- ارحموا أهل غزة!
- عن منطق الجناح القصوي في «حماس»
- حول زيارة دونالد ترامب لدول الخليج
- سوريا والصيد في الماء العكر
- الصراع على سوريا… مجدداً
- الكارثة الأخرى: إبادة ومجاعة في السودان
- أبو ظبي وقطر: متنافسان في خدمة الإمبراطوريّة الأمريكيّة
- غزة وحكمة سليمان
- تركيا والعدوى النيوفاشية
- اليمن «على كف عفريت»!
- سوريا إلى أين؟ تكرارٌ للسؤال
- «أمريكا أولاً» والانقلاب الكبير في العلاقات الدولية
- «لو كنتُ أعلم» موسى أبو مرزوق
- سلامٌ بين الفاشيين الجدد وحربٌ على الشعوب المقهورة
- حماس: «نحن الطوفان… نحن اليوم التالي»
- عصر الفاشية الجديدة وبما يتميّز
- في خطورة مواقف ترامب بشأن غزّة وفلسطين
- أسطورتان متعلقتان بوقف إطلاق النار في غزّة
- بعد خمسة أيام غيّرت وجهه… ما مصير لبنان؟


المزيد.....




- -حظا سعيدا- و-استمر-.. ترامب يوجه رسالتين منفصلتين إلى خامنئ ...
- متى تندلع الحرب؟ عند عامل توصيل البيتزا الخبر اليقين!
- إصبع طهران على الزناد: هذه خطة إيران لمواجهة حرب محتملة مع أ ...
- ترامب: سئمت من الوضع في إيران وأريد استسلاما غير مشروط
- واشنطن بوست: ترامب يسعى لتفادي أي صراع مع إيران
- وزير الدفاع الإسرائيلي: سلاح الجو دمر مقر قيادة الأمن الداخل ...
- انقسام داخل إدارة ترامب بشأن التدخل في الحرب الإسرائيلية الإ ...
- استراتيجية إسرائيل في حربها ضد إيران: تدمير القدرات النووية ...
- صحة الفم، كيف تؤثر على صحتنا الجسدية والنفسية؟
- الإقطاعيون الرقميون.. من فلاحة الأرض إلى حرث البيانات


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - الحكم الإيراني في ورطة من صنعه