أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - دموع تماسيح الليبرالية المُحتضَرة














المزيد.....

دموع تماسيح الليبرالية المُحتضَرة


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 08:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



انتظر زعماء الحكومات الليبرالية الغربية ـ ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا ـ انقضاء سنة ونصف السنة من حرب الإبادة التي يقترفها الجيش الصهيوني إزاء شعب غزة الشهيد، حتى بدأوا، وبخجل ملحوظ، إعلان بعض الاحتجاج على مغالاة دولة إسرائيل في ارتكاب المجزرة الآثمة. بيد أنهم لم يفلحوا بسلوكهم هذا سوى بتسليط مزيد من الأضواء على صمتهم السابق الشبيه بصمت المقابر، بل على تواطؤهم الصريح مع الحكم الصهيوني، عندما وقفوا جميعاً مع إدارة بايدن ليس في تبريرها إعادة غزو ذاك الحكم لقطاع غزة وحسب، بل في تصدّيها لأي دعوة لوقف «إطلاق النار»، أي وقف الإبادة في هذه الحال.
استمرّ ذلك طوال أشهر عدّة، إلى أن بدأت الحشمة تتملّكهم من هذا الموقف المُشين في وجه سخط شعبي على المجزرة لم تتوقف رقعته عن التوسّع مع مرور الزمن وتزايد رقم ضحايا آلة القتل الإسرائيلية. وحتى في ذلك الحين، لم يتميّز موقفهم عن موقف إدارة بايدن في الامتناع عن نقد حكومة بنيامين نتنياهو علناً وعن ممارسة أي ضغط فعلي عليها، بل في القبول بشتى الحجج التي ساقتها تلك الحكومة كي تبرّر مواصلتها للإبادة، إلى أن اضطرّوا للتمايز عن الإدارة الأمريكية الجديدة، إدارة ترامب، عندما اتضح لهم أنها أكثر تواطؤاً بعد مع نتنياهو مما كانت سالفتها.
إن هذا المشهد المثير للاشمئزاز هو أحد أسطع التعبيرات، إن لم يكن أسطعها على الإطلاق، عمّا سبق أن أسميته قبل عشرة أشهر «سقوط الليبرالية الأطلسية» (أنظر «مناهضة الفاشية وسقوط الليبرالية الأطلسية»، القدس العربي، 13/8/2024). والحال أن حرب الإبادة التي تخوضها الدولة الصهيونية فاقت في الوحشية والسادية كل ما عهدناه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ذلك أن هاتين الوحشية والسادية ليستا من الصنف الذي مارسته جماعات مسعورة في بلدان «متخلّفة»، على غرار الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا والكونغو قبل نهاية القرن الماضي أو التي شهدتها دارفور في مطلع القرن الجديد أو التي ارتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق قبل حوالي عشر سنوات، ولا من الصنف الذي مارسته حكومات مصنّفة في خانة «الهمجية» على غرار القوات المسلّحة في بنغلاديش أو حكومة «الخمير الحمر» في كمبوديا في سبعينيات القرن المنصرم، بل وحشية وسادية تمارسهما حكومة دولة متقدّمة صناعياً تنتمي إلى نادي الأغنياء العالمي، الذي يدّعي تمثيل «الحضارة» في وجه الهمجية مثلما لا يني نتنياهو يؤكد في الخطب التي يوجّهها إلى الرأي العام الغربي، واصفاً الحرب التي يقودها.


أي أننا بصدد إحدى حالات الإبادة الجماعية المقترَفة باسم «الحضارة»، والتي عرف التاريخ العديد منها سواء أتمّت باسم الحضارة بالمطلق أو الحضارة الغربية أو «الآريّة»، على غرار الإبادة التي اقترفها الاستعمار البلجيكي في الكونغو في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أو تلك التي اقترفتها الإمبراطورية الألمانية في ناميبيا أو تلك التي ارتكبها حكم «تركيا الفتاة» إزاء الأرمن وسواهم من الأقليات في مطلع القرن ذاته، أو التي اقترفتها ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. بل ثمة فرق عظيم الشأن بين كافة حروب الإبادة سابقة الذكر وحرب الإبادة التي تخوضها الدولة الصهيونية في قطاع غزة، ألا وهو أن هذه الأخيرة متلفزة على مرأى من العالم أجمع. فحيث كان النازيون يخفون الإبادة الجماعية التي ارتكبوها إزاء اليهود وسواهم من الأقليات خلف سياجات معسكرات الإبادة، وذلك لتضاربها مع مزاعمهم الحضارية (خلافاً لشتى حالات الإبادة الجماعية التي رافقت غزوهم لبولندا ومن ثم لروسيا والتي لفّها وأخفاها ضباب الحرب) نجد الحكم الصهيوني يواصل اليوم إبادته الجماعية للغزّاويين وهو يعلم أنها مكشوفة أمام أعين العالم.
صحيح أن الجيش الصهيوني تعمّد قتل عدد قياسي من الصحافيين داخل القطاع، لكنّه يعلم تمام العلم أن ما من شيء يستطيع ستر وحشية قواته المسلّحة وساديتها، التي يشهد عليهما بصورة مقزّزة اصطيادها اليومي الراهن لعشرات الغزّاويين المنكوبين الذين يلهثون وراء المساعدات الشحيحة التي تتكرّم حكومة نتنياهو وحليفها الأمريكي بتقطيرها عليهم. بل رأينا الجنود الإسرائيليين أنفسهم يساهمون في ترويج صور الممارسات السادية التي يرتكبونها افتخاراً بها في معظم الحالات، وليس من باب الكشف عنها لإدانتها.
فإن حرب الإبادة الصهيونية في غزة وتواطؤ الحكومات الليبرالية الغربية معها، اللذين ساهما مساهمة جبّارة في حفز صعود النيوفاشية على الصعيد العالمي، وصولاً إلى سيادتها على رأس أعظم القوى العظمى العالمية، تلك القوة العظمى التي طالما زعمت تمثيل الإرث الحضاري الليبرالي الأطلسي الناجم عن مناهضة الفاشية في الحرب العالمية الثانية، إن الحرب والتواطؤ المذكورين إنما أنجزا قبل ذلك، وفي السبيل إليه، سقوط الإرث الليبرالي الأطلسي المنافق أصلاً بحيث أفقداه أي مصداقية كانت لا تزال لاصقة به وحفّزا بالتالي غلبة نقيضه النيوفاشي.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارحموا أهل غزة!
- عن منطق الجناح القصوي في «حماس»
- حول زيارة دونالد ترامب لدول الخليج
- سوريا والصيد في الماء العكر
- الصراع على سوريا… مجدداً
- الكارثة الأخرى: إبادة ومجاعة في السودان
- أبو ظبي وقطر: متنافسان في خدمة الإمبراطوريّة الأمريكيّة
- غزة وحكمة سليمان
- تركيا والعدوى النيوفاشية
- اليمن «على كف عفريت»!
- سوريا إلى أين؟ تكرارٌ للسؤال
- «أمريكا أولاً» والانقلاب الكبير في العلاقات الدولية
- «لو كنتُ أعلم» موسى أبو مرزوق
- سلامٌ بين الفاشيين الجدد وحربٌ على الشعوب المقهورة
- حماس: «نحن الطوفان… نحن اليوم التالي»
- عصر الفاشية الجديدة وبما يتميّز
- في خطورة مواقف ترامب بشأن غزّة وفلسطين
- أسطورتان متعلقتان بوقف إطلاق النار في غزّة
- بعد خمسة أيام غيّرت وجهه… ما مصير لبنان؟
- سلطة رام الله واستكمال الحصار


المزيد.....




- بعد سنوات من الغموض.. ماذا كشف هجوم إسرائيل -غير المسبوق- عل ...
- سماع دوي انفجارات في سماء القدس مع انطلاق موجة جديدة من الصو ...
- شركة سويسرية أخطر على السيادة الأمريكية من تيك توك
- خصوم حماس يَعِدون بإدارة قطاع غزة
- الرد الإيراني بدأ.. صليات متتالية من الصواريخ على إسرائيل ود ...
- ضربات جوية إسرائيلية تطال مواقع استراتيجية في إيران
- +++تغطية متواصلة ـ الهجوم الإسرئيلي على إيران ورد طهران+++
- باحث مصري: مكتب تابع للموساد بدولة آسيوية جارة لإيران نفذ ال ...
- علامات غامضة في الحواس تنذر بالخرف قبل سنوات من فقدان الذاكر ...
- المنتجات الأكثر فائدة للأمعاء


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - دموع تماسيح الليبرالية المُحتضَرة