أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - الولايات المنقسمة العربية














المزيد.....

الولايات المنقسمة العربية


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 08:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



رأى المراقبون في سقوط مدينة الفاشر في دارفور بيد «قوات الدعم السريع» تكريساً لتقسيم السودان بين غرب واقع تحت سيطرة القوات المذكورة ووسط وشرق واقعين تحت سيطرة الجيش السوداني، ناهيك من زعامات أخرى محلية. وتنضاف حالة السودان إلى حالات تقسيم أخرى تكرست خلال الأعوام العشرة المنصرمة، بحيث غدا المشهد العربي في وضع كان يجوز أن نقول عنه إنه «يُرثى له» لو لم يتضمن الرثاء، بالمعنى المعهود للتعبير، مديحاً بالمرثي. فلننتهز هذه المناسبة لتأمل سريع في المسار التاريخي الذي وصل بنا إلى الوضع الراهن.
في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تسارع حصول الدول العربية على استقلالها وهي تنضم تباعاً إلى جامعة الدول العربية، التي تأسست قبل تأسيس منظمة الأمم المتحدة بقليل، في زمن اتسم بما حملته هذه الأخيرة من وعد بتصفية الإرث الاستعماري. غير أن الدول العربية الفتية ما لبثت أن صُدمت بترافق نهاية الانتداب البريطاني في فلسطين مع قيام دولة الاستعمار الاستيطاني الصهيونية في خاصرة المشرق العربي. وجاءت نكبة 1948 والهزيمة العربية التي تكرست باستيلاء دولة إسرائيل على أربعة أخماس مساحة فلسطين بين البحر والنهر، لتحفّز صعود القومية العربية التي غدا جمال عبد الناصر نجمها وبطلها. وقد تجسّد حلم الوحدة العربية الذي عبّر عنه الزعيم المصري في قيام الوحدة بين مصر وسوريا في عام 1958 تحت تسمية الجمهورية العربية المتحدة.
لكنّ الحلم اصطدم بالفشل وسريعاً ما حلّ الانفصال محلّ الوحدة: كان ذلك في عام 1961. أما التجذّر الإقليمي الذي شهدته حقبة الستينيات، فقد سدّدت له الدولة الصهيونية ضربة قاضية في «حرب الأيام الستة». وشهد عام 1970 استكمال ذلك المنعطف بتصفية المقاومة الفلسطينية في الأردن، بعد أن شكّل صعودها أقوى ردّ إقليمي على هزيمة 1967. كما شهد العام ذاته إطاحة حافظ الأسد بيسار حزب البعث، وشهد وفاة عبد الناصر نفسه. فانتقلت المنطقة العربية في السبعينيات من العصر القومي إلى العصر النفطي، لا سيما بعد ارتفاع أسعار النفط وبالتالي مداخيله على خلفية «حرب أكتوبر» لعام 1973، التي قادها أنور السادات، مفكك الناصرية، وحافظ الأسد. وقد أصاب الانحطاط ما تبقّى من الحركة القومية العربية، وصولاً إلى المسخ الكاريكاتوري للدعوة القومية العربية الذي جسّده معمّر القذافي. وتحت شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، أشرف النظامان البعثيان في بغداد ودمشق على سياسات طائفية أفضت إلى تفكيك كل من المجتمعين العراقي والسوري بدل صهرهما في دولة عربية واحدة.

في هذه الأثناء، فإن الارتداد من «الاشتراكية العربية» إلى النيوليبرالية المدفوعة من واشنطن، وعودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى السيطرة العسكرية المباشرة على المنطقة بدءاً من حربها على العراق في عام 1991، أمران ساهما في مراكمة عناصر أزمة إقليمية بنيوية، اقتصادية واجتماعية وسياسية. وقد انفجرت الأزمة في عام 2011 فيما عُرف باسم «الربيع العربي»: للمرة الأولى في تاريخ المنطقة الحديث، عدا استثناءات نادرة سابقة، جاءت المبادرة من الجماهير واتخذت شكل انتفاضات عارمة. لكن عقوداً من القمع مصحوباً بالإحباط السياسي جعلت الساحات الإقليمية خالية من بدائل قادرة على تجسيد أماني الجماهير في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وعلى قيادة التغيير المطلوب.
أما النتيجة التي وصلنا إليها فهي بالتأكيد أسوأ ما عرفه تاريخ المنطقة الحديث. انتقلنا من الجمهورية العربية المتحدة إلى ما يمكن تسميته الولايات المنقسمة العربية، مع أربع دول عربية يترسخ فيها التقسيم، هي ليبيا واليمن والسودان وسوريا، ودولتين على أبواب التقسيم الطائفي، هما العراق ولبنان (ولا شك في أن التحول الذي شهدته سوريا خلال العام المنصرم من شأنه تحفيز المنحى التقسيمي في البلدين الأخيرين). أما الدولة الصهيونية، فبعد أن شنّت على سكان غزة أول حرب تتصف بكافة معالم الإبادة الجماعية في تاريخ حروبها، وإذ هي تكرّس هيمنتها على كامل الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية، شرعت في قضم تدريجي لمزيد من الأراضي السورية واللبنانية. وقد بلغت ذروة قوتها الإقليمية بعد أن ألحقت ضربات مؤلمة بمنافستها الإقليمية الرئيسية، إيران. وحيث أدّت هذه الضربات إلى إضعاف نفوذ إيران الإقليمي، الذي كان ولا يزال عاملاً أساسياً في التقسيم الإقليمي الطائفي، أتاح الأمر في المقابل تعزيز نفوذ تركيا، التي ينجم عن تدخلها في سوريا والعراق وليبيا والسودان مفعول تقسيمي هو أيضاً.
هذه الأوضاع الكارثية تزيد من عمق الهوة التي تفصل بين شعوب إقليمية مصابة بالإفقار من جراء التحولات الاقتصادية المحلية والعالمية، كما من جراء الحروب والأزمات في الحالات الخصوصية المذكورة أعلاه وهي الأخطر بالطبع، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى دول بلغت مداخيلها مستويات فائقة للغاية، ليس لسبب سوى لأنها نعمت بموارد عظيمة من المحروقات في أراضيها مقارنةً بعدد سكانها، وهي تجيّر قسماً كبيراً من مداخيلها «الفائضة» لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص. وتشير الهوة المذكورة إلى ما كان يمكن أن يكون الوضع عليه لو تحقق حلم الوحدة العربية في إطار اتحادي ديمقراطي، وجمعت دولة عربية موحدة بين الموارد والشعوب وقواها العاملة، بما خوّلها أن تقف في صفّ القوى العالمية العظمى. ويكفي هذا الحلم بذاته لتفسير حرص القوى الإمبريالية العالمية، وحرص دولة الاستعمار الصهيوني، وحرص القوى الإقليمية الطامحة إلى السيطرة على المنطقة العربية، حرصها جميعاً على إحباط المشروع الوحدوي العربي والإسهام في زرع الفتنة والتقسيم في المنطقة.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «جيل زد» المغربي والبركان الإقليمي
- مهرجان التملّق في الكنيست وشرم الشيخ
- جردة حساب مُرّة بعد عامين
- النيوفاشية والتغيّر المناخي
- في ضعف النظام الإيراني
- الحكم الإيراني في ورطة من صنعه
- دموع تماسيح الليبرالية المُحتضَرة
- ارحموا أهل غزة!
- عن منطق الجناح القصوي في «حماس»
- حول زيارة دونالد ترامب لدول الخليج
- سوريا والصيد في الماء العكر
- الصراع على سوريا… مجدداً
- الكارثة الأخرى: إبادة ومجاعة في السودان
- أبو ظبي وقطر: متنافسان في خدمة الإمبراطوريّة الأمريكيّة
- غزة وحكمة سليمان
- تركيا والعدوى النيوفاشية
- اليمن «على كف عفريت»!
- سوريا إلى أين؟ تكرارٌ للسؤال
- «أمريكا أولاً» والانقلاب الكبير في العلاقات الدولية
- «لو كنتُ أعلم» موسى أبو مرزوق


المزيد.....




- تصريح جديد لترامب حيال جدل ترشحه لولاية رئاسية ثالثة.. ماذا ...
- فيديو إسرائيلي مزعوم يُظهر حماس وهي -تُفبرك- عملية العثور عل ...
- مباشر: مقتل 50 فلسطينيا على الأقل بينهم 22 طفلا في غارات إس ...
- ترامب: التعديل الدستوري لا يسمح لي الترشح لولاية رئاسية ثالث ...
- باكستان تعلن فشل محادثات السلام مع أفغانستان
- 63 شهيدا بينهم 24 طفلا في قصف إسرائيلي على منازل وخيام بغزة ...
- عبد الله حمود.. أول عمدة مسلم لمدينة ديربورن بولاية ميشيغان ...
- طوفان أرهورمان الرئيس السادس لقبرص التركية
- كاثرين كونولي.. رئيسة أيرلندا المدافعة عن فلسطين
- 63 قتيلا منذ استئناف الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - الولايات المنقسمة العربية