أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - الجمهور في مسرح الشارع حسام موسى














المزيد.....

الجمهور في مسرح الشارع حسام موسى


حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري


الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 16:55
المحور: الادب والفن
    


يُعد مسرح الشارع واحدًا من أكثر الفنون التي تعيد صياغة العلاقة بين الفنان والمتلقي بصورة جذرية. فإذا كان المسرح التقليدي يعتمد على خشبة محددة وجمهور يجلس في مقاعد ثابتة، فإن مسرح الشارع ينسف هذه الحدود، واضعًا الفن في قلب الحياة اليومية، في الساحات والميادين والطرقات. هنا يصبح الجمهور عنصرًا أصيلًا في المعادلة، لا مجرد متلقٍ سلبي، إنما شريكًا في صياغة التجربة الفنية.

إن ما يميز جمهور مسرح الشارع أنه متنوع وغير متجانس، يتألف من أشخاص يلتقون بالعرض صدفة كعابر طريق، بائع، طفل يلهو، أو عامل أنهكه يومه الطويل. هؤلاء جميعًا يجدون أنفسهم أمام حدث مسرحي يفاجئهم ويجذب انتباههم. وهذا ما يجعل التفاعل عفويًا وصادقًا، بعيدًا عن النمطية المألوفة في قاعات العرض. فالجمهور هنا ليس جمهورًا مُعَدًا مسبقًا لشراء تذاكر وحضور عرض محدد، إنما هو جمهور حيّ، متغيّر، متقلب، يكشف بوضوح مدى قدرة العمل الفني على اختراق الواقع والتأثير فيه.

لقد شكّل هذا التحول نقلة جوهرية في تاريخ المسرح؛ إذ لم يعد العرض في الشارع مجرد ترفيه عابر أو فعل احتفالي، ولكن أصبح وسيلة للتعبير الحر ومنبرًا للاحتجاج وكشف التناقضات الاجتماعية. في هذا السياق، غدا الشارع مساحة يتقاطع فيها الفن مع السياسة والحياة اليومية، حيث يلتقي الفنان بجمهور متنوع، غير مُعَد مسبقًا، ليصنع معه لحظة مسرحية نابضة بالحياة. بالإضافة إلي إن مسرح الشارع لا يكتفي بتقديم الجماليات الفنية، وإنما يربطها دائمًا بالبعد الإنساني المباشر، فيتجاوز وظيفة الفرجة التقليدية ليصبح أداة للتغيير والتأثير، ومختبرًا دائمًا للتجريب وطرح الأسئلة.

ولعل ما يمنح جمهور مسرح الشارع فرادته هو طبيعة الحرية التي يعيشها. فهو غير مقيد بإملاءات مكان أو بروتوكولات حضور، وإنما يملك حرية البقاء أو المغادرة، التفاعل أو الصمت، المشاركة أو الاكتفاء بالمشاهدة. هذه الحرية تضفي على العرض توترًا إيجابيًا، إذ يظل الممثلون في حالة يقظة دائمة، يبحثون عن طرق لاستبقاء الجمهور وشد انتباهه. فنجاح العرض يُقاس بقدرة الممثل على فتح حوار حي مع المتلقي، وعلى تحويل اللحظة العابرة إلى خبرة إنسانية مشتركة.

من هنا، تبرز سمات خاصة يجب أن يتحلى بها ممثل مسرح الشارع: الجرأة، سرعة البديهة، القدرة على الارتجال، وحساسية عالية تجاه الجمهور ومزاجه اللحظي. فالممثل في الشارع لا يحتمي بجدار رابع أو مسافة آمنة، وإنما يواجه جمهوره مباشرة، بعينيه وصوته وجسده. كما أن نجاحه يعتمد على فهمه العميق لطبيعة المكان، إذ أن الساحة أو الميدان ليست مجرد فضاء محايد، وإنما هي عنصر درامي بحد ذاته يفرض إيقاعه وظروفه على العرض.

الجمهور في مسرح الشارع إذن ليس مجرد متلقٍ عابر، ولكن هو المحك الحقيقي لتجربة الممثل ورؤيته الفنية. من خلال ردود أفعال هذا الجمهور، يُختبر مدى صدق العرض وفاعليته. إنه جمهور صعب، لكنه في الوقت نفسه أكثر الجماهير صدقًا وعفوية. فهو لا يجامل ولا يتصنع، وإنما يستجيب بما يشعر به في اللحظة ذاتها، سواء كان ذلك بالضحك أو الغضب أو المشاركة المباشرة. وهذا ما يمنح التجربة طابعها الحي والمتجدد، ويجعلها قادرة على مقاومة الجمود والتكرار.

إن الحديث عن جمهور مسرح الشارع هو حديث عن قلب هذا الفن وروحه. فهو الجمهور الذي يذكّرنا بأن المسرح ليس حكرًا على قاعات مغلقة أو نخبة محدودة، وإنما هو ملك للجميع. وفي فضاء الشارع، يتجلى المسرح كحق إنساني أصيل، وكوسيلة للتواصل والتغيير وإعادة اكتشاف الذات والآخر في آن واحد.



#حسام_موسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرح الشارع في زمن الغضب: صوت الشعب حين تعجز المنصات الرسمية
- أين ذهبت الجمل المضيئة في المسرح العربي؟
- مسرح الشارع .. حين تتحول الساحات العامة إلى منصة للتغيير
- فن الاختفاء: حين يذوب الممثل في بوتقة الشخصية
- الخصوصية المحلية والمعنى الكوني في مسرح الشارع
- مسرح الشارع بين اللحظة العابرة وصناعة المعنى
- مهزلة النهاية: مسرحية تحاكم فكرة النهاية بين العبث والفلسفة ...
- مهزلة النهاية: مسرحية تحاكم فكرة النهاية بين العبث والفلسفة
- عزلة.. حشرات.. خروج
- كارمن: تراجيديا العشق والتمرد في رؤية مسرحية جديدة
- التلقائية في التمثيل
- مسرحية -بلاي- كنموذج لاستخدام مصطلح Teatrum Mundi في المسرح ...
- فن التمثيل بين الرسالة والانحراف
- الناقد المسرحي: نظرة معمقة في قلب العرض
- كيف يمكن للمسرح أن يستعيد جمهوره؟
- تقليص مدد مهرجانات المسرح: أزمة استخفاف أم تحديات معقدة؟
- دنيس ديدرو: المؤلف الموسوعي ورائد الدراما البرجوازية
- رؤية الواقع وثقافة العلوم الإنسانية: أسس النقد والمسرح الحقي ...
- لعبة النهاية: عبثية الوجود بين النص والعرض
- مسرحية الحياة حلم: الباروك وتجلّياته في أدب العصر الذهبي الإ ...


المزيد.....




- -ليلة السكاكين- للكاتب والمخرج عروة المقداد: تغذية الأسطورة ...
- بابا كريستوفر والعم سام
- ميغان ماركل تعود إلى التمثيل بعدغياب 8 سنوات
- بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.. مهرجان الأقصر للسينما الأف ...
- دراسة علمية: زيارة المتاحف تقلل الكورتيزول وتحسن الصحة النفس ...
- على مدى 5 سنوات.. لماذا زيّن فنان طائرة نفاثة بـ35 مليون خرز ...
- راما دوجي.. الفنانة السورية الأميركية زوجة زهران ممداني
- الجزائر: تتويج الفيلم العراقي -أناشيد آدم- للمخرج عدي رشيد ف ...
- بريندان فريزر وريتشل قد يجتمعان مجددًا في فيلم -The Mummy 4- ...
- الكاتب الفرنسي إيمانويل كارير يحصد جائزة ميديسيس الأدبية


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - الجمهور في مسرح الشارع حسام موسى