أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي ابوحبله - النزوح القسري وانهيار مفهوم المواطنة: قراءة قانونية وإنسانية في ضوء الإبادة الجماعية في غزة والنزوح الفلسطيني المعاصر















المزيد.....

النزوح القسري وانهيار مفهوم المواطنة: قراءة قانونية وإنسانية في ضوء الإبادة الجماعية في غزة والنزوح الفلسطيني المعاصر


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 15:15
المحور: القضية الفلسطينية
    



✍️ إعداد: المحامي علي أبو حبلة
مقدمة
لم يعد النزوح القسري ظاهرة إنسانية فحسب، بل أصبح أداة ممنهجة لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والهوية الوطنية للشعوب. فحين يُجبر الإنسان على ترك موطنه تحت القصف أو بطش الاحتلال، لا يُنتزع من بيته فقط، بل يُقتلع من جذوره السياسية والثقافية والاجتماعية.
وفي الحالة الفلسطينية، يمثل النزوح القسري جوهر المشروع الاستيطاني الصهيوني منذ نكبة 1948 حتى اليوم، مروراً بنكسة 1967 وصولاً إلى حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة (2023–2025)، وما تبعها من تهجير واسع داخل القطاع وإلى محيط الضفة الغربية، خصوصاً في مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين.
لقد تجاوزت الحرب على غزة حدود المعركة العسكرية إلى هندسة ديموغرافية ممنهجة، هدفها إفراغ الأرض من سكانها وتدمير مقومات الحياة، في خرقٍ صريحٍ لأركان القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، وللحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق العودة وتقرير المصير.
أولاً: النزوح القسري كمؤشر لانهيار المواطنة وتهشيم الهوية الوطنية
تُعرّف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) النزوح القسري بأنه "التحرك غير الطوعي للأفراد نتيجة العنف أو الاضطهاد أو الكوارث أو انتهاكات الحقوق الأساسية"، وهو ما ينطبق بدقة على الحالة الفلسطينية منذ أكثر من سبعة عقود.
إن النزوح لا يهدد مجرد حق الإقامة، بل يهدم البنية القانونية والسياسية للمواطنة، إذ يُجرد المواطن من الحماية الدستورية والتمثيل السياسي ويحوّله إلى “رقم إنساني” في قوائم اللجوء.
وفي السياق الفلسطيني، فإن النزوح المتجدد داخل مخيمات الضفة الغربية، كما في طولكرم ونور شمس وجنين، يعيد إنتاج النكبة بشكل متواصل؛ فالمواطن الفلسطيني لم يخرج من دائرة اللجوء منذ عام 1948، بل ورثها الأبناء عن الآباء.
وهذا الانقطاع المستمر في العلاقة بين الفرد والدولة، وبين المواطن والأرض، يشكّل انهياراً تدريجياً لمفهوم المواطنة، إذ يصبح الوطن فكرة معلقة في الذاكرة أكثر منه واقعاً قانونياً أو جغرافياً
ثانياً: البعد النفسي والاجتماعي للنزوح – من فقدان الأمان إلى تصدّع الذاكرة الجمعية
النزوح القسري ليس مجرد حركة انتقالية بل جرح وجودي يصيب الإنسان في أعمق طبقات وعيه.
تشير تقارير الأونروا ومنظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 70% من النازحين الفلسطينيين في غزة يعانون من اضطرابات نفسية مزمنة، بينها القلق، والاكتئاب، وفقدان الثقة بالحياة، وصدمة الفقد الجماعي.
وفي مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين، التي تعرّضت لحملات اقتحام متكررة منذ عام 2023، تتزايد مظاهر الصدمة الجماعية، حيث فقدت مئات الأسر مساكنها ومصادر رزقها، وتحوّل المخيم من فضاء مقاومة وصمود إلى بيئة إنسانية متأزمة يعيش فيها المواطن بين الخوف واليأس.
اجتماعياً، يؤدي النزوح إلى تفكك البنى التقليدية للعائلة والمجتمع، وظهور اقتصاد هش قائم على المساعدات، وتآكل منظومة القيم التي كانت تشكل لحمة المجتمع الفلسطيني. ويصبح الطفل الذي نشأ في بيئة اللجوء عرضة لفقدان الإحساس بالاستقرار والهوية، وهو ما يهدد على المدى الطويل تواصل الذاكرة الوطنية واستمرارية الانتماء.
ثالثاً: البعد الاقتصادي – من التهجير إلى الإفقار الممنهج
تنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على حظر النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو أي أراضٍ أخرى، بصرف النظر عن دوافعه.
غير أن الاحتلال الإسرائيلي جعل من هذا الحظر أداة انتهاك يومية، من خلال تدمير المنازل، وتجريف الأراضي، واستهداف المرافق الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والبنية التحتية المدنية.
وفي غزة، أدت الإبادة الجماعية إلى شلّ الاقتصاد المحلي كلياً، وتحويل أكثر من مليوني إنسان إلى نازحين داخل وطنهم، فيما تحولت المخيمات في الضفة إلى جيوب فقر وبطالة، تُدار عبر مساعدات إنسانية مؤقتة.
هذا الواقع يُسقط البعد الاقتصادي للمواطنة، الذي يقوم على الحق في العمل والكرامة والملكية، ويُكرّس التبعية المطلقة للمؤسسات الدولية التي تحل محل الدولة الغائبة أو المقموعة.
رابعاً: النزوح كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية
وفقاً لـ المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، يُعتبر "الإبعاد أو النقل القسري للسكان" جريمة ضد الإنسانية عندما يتم على نطاق واسع أو منهجي.
كما نصت المادة 8 من النظام ذاته على اعتبار استهداف المدنيين أو تدمير الممتلكات دون ضرورة عسكرية جريمة حرب.
وعليه، فإن ما يجري في غزة والضفة الغربية – من تهجير ممنهج وقصف متعمد للأحياء السكنية ومخيمات اللاجئين – لا يمكن تفسيره كأعمال عسكرية بل كسياسة تهدف إلى اقتلاع الوجود الفلسطيني.
أما اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الملحق لعام 1967، فقد أكدا في المادة (33) على مبدأ عدم الإعادة القسرية (Non-Refoulement)، الذي يمنع إعادة اللاجئين إلى أماكن يتعرضون فيها للخطر، وهو مبدأ تنتهكه إسرائيل بشكل صارخ بإجبار المدنيين على النزوح جنوباً تحت القصف دون ضمان العودة أو الحماية.
وبذلك، يُصنف النزوح الفلسطيني القائم اليوم ضمن جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري التي تُعد من أخطر الانتهاكات في منظومة العدالة الجنائية الدولية.
خامساً: البعد الثقافي والهوياتي – محو الذاكرة واغتيال التراث
إن فقدان المكان لا يعني فقدان الجغرافيا فحسب، بل اغتيال الذاكرة الجمعية والثقافة الوطنية.
تؤكد اتفاقية اليونسكو لعام 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي أن حماية التراث واجب دولي لا يسقط حتى في حالات النزاع. غير أن الاحتلال جعل من تدمير الرموز الثقافية والدينية جزءاً من استراتيجيته، إذ قصف المساجد والكنائس والمكتبات ودور التراث في غزة، في محاولة لطمس معالم الهوية الفلسطينية وإعادة كتابة التاريخ وفق الرواية الصهيونية.
وفي مخيمات الضفة الغربية، يجري استهداف المراكز الثقافية والرياضية والاجتماعية التي تشكل ركائز الوعي الوطني، لتفكيك الروابط التي تحفظ الذاكرة وتمنح الانتماء بعده الجمعي.
سادساً: نحو إعادة بناء المواطنة في ظل التهجير والإبادة
إعادة الاعتبار للمواطنة الفلسطينية في ظل النزوح القسري تتطلب رؤية قانونية وسياسية ومجتمعية شاملة، تنطلق من الأسس التالية:
1. المساءلة الدولية: إلزام المجتمع الدولي ومحكمة الجنايات الدولية بتفعيل المواد (6 و7 و8) من نظام روما ضد قادة الاحتلال الذين ارتكبوا جرائم الإبادة والتهجير.
2. تفعيل الحق في العودة المنصوص عليه في القرار الأممي رقم 194 لعام 1948، كحق غير قابل للتفاوض أو التقادم.
3. تمكين النازحين اقتصادياً وتعليمياً ضمن برامج إعادة إعمار مستدامة تضمن كرامة الإنسان واستقلاله، لا مجرد بقائه.
4. صون الهوية الثقافية الفلسطينية وتوثيق الذاكرة الجماعية كمكوّن من مكونات المقاومة القانونية والسياسية.
5. تدويل قضية النزوح الفلسطيني باعتبارها قضية عدالة وكرامة إنسانية، لا مجرد أزمة إنسانية مؤقتة.
خاتمة
إن النزوح القسري ليس نتيجة عرضية للحرب، بل أداة استعمارية تُستخدم لإعادة تشكيل هوية الأرض وسكانها. وما يحدث في غزة ومخيمات الضفة الغربية اليوم هو استمرار للنظام الكولونيالي الذي يسعى لطمس الفلسطيني جسداً وذاكرةً وحقاً.
في مواجهة هذا الواقع، تصبح المواطنة الفلسطينية فعلاً مقاوماً، يتجدد بالتمسك بالحق في الأرض والكرامة والعدالة، وباستعادة مكانة القانون الدولي الإنساني كمرجعية تُحاسب لا كبيان يُتلى.
المراجع القانونية والدولية
1. اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في زمن الحرب، جنيف 12 آب/أغسطس 1949، المواد (27–49).
2. اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الإضافي لعام 1967، المادة (33).
3. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، 17 تموز/يوليو 1998، المواد (6، 7، 😎.
4. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، المواد (13، 14، 15).
5. اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي (2003).
6. تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والأونروا، ومنظمة الصحة العالمية حول أوضاع النزوح في غزة والضفة الغربية (2023–2025).
7. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) لعام 1948 بشأن حق اللاجئين في العودة والتعويض.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صباح الخير يا عرب... متى تستفيقون من نومكم؟
- فضيحة يافات تومر–يروشلمي: أزمة أخلاقية وقانونية تهز الجيش ال ...
- الفاسدون لا يبنون وطنًا... إنما يبنون لذواتهم
- رواية: ظلال خلف الجدار
- آية أبو نصر... صوت غزة الذي دوّى تحت الركام ولم يُسمع: حين ي ...
- بن غفير وسومتريتش يرسيان -شريعة الغاب-
- زهران ممداني يتحدى إمبراطورية المال والإيباك في نيويورك: معر ...
- 📘 سندات الدين الحكومية الفلسطينية: دراسة اقتصادية وق ...
- غزة بين الأمن والسياسة والتحديات الإقليمية
- -غزة الجديدة-: مشروع تفكيك جغرافي وإعادة هندسة سياسية بإدارة ...
- سموتريتش يهاجم السعودية مجددًا
- غزة بعد وقف النار: الفوضى المستمرة وسلطة الاحتلال
- قانون التجنيد الأجنبي وملاحقة المتطوعين في الجيش الإسرائيلي: ...
- قراءة في الاتفاق الفلسطيني والتوازنات الإقليمية المقبلة
- ما بين الحرية والمصيدة (رحلة ليلى بين الفكر والقانون)
- القاهرة مركز الحراك الفلسطيني: جهود مصرية لتوحيد الموقف قبل ...
- المشروع الأمريكي في غزة... وصاية جديدة أم إعادة إعمار مشروطة ...
- إسرائيل لا تملك صلاحية تغيير الوضع القانوني للأراضي الفلسطين ...
- زيتون على حافة النار رواية توثيقية تحليلية عن الصمود الفلسطي ...
- شعب يريد الحياة


المزيد.....




- ممداني يرد على انتقاد خطاب حملته بشأن غزة: -آخذ معاداة السام ...
- ممداني يحقق فوزاً لافتاً، لكن ما التحديات الحقيقية التي تنتظ ...
- كيف تخبرنا فضلات الأطفال حديثي الولادة عن صحتهم في المستقبل؟ ...
- بعد تصريحات ترامب.. بوتين: روسيا ستفكر في استئناف التجارب ال ...
- سوريا: إسرائيل تجدد توغلها في بلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة ...
- مشاركة عزاء للرفيق الدكتور خلدون الجعافرة بوفاة والدته
- من الشفرات إلى البطارية.. دليلك لاختيار ماكينة الحلاقة الرجا ...
- هل يعني إعلان الحكومة السودانية للتعبئة رفضها للهدنة الإنسان ...
- كيف يؤثر سقوط الفاشر على مستقبل الحرب في السودان؟
- تسلُّم جثامين 15 أسيرا فلسطينيا من الاحتلال الإسرائيلي


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي ابوحبله - النزوح القسري وانهيار مفهوم المواطنة: قراءة قانونية وإنسانية في ضوء الإبادة الجماعية في غزة والنزوح الفلسطيني المعاصر