أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - الفاسدون لا يبنون وطنًا... إنما يبنون لذواتهم














المزيد.....

الفاسدون لا يبنون وطنًا... إنما يبنون لذواتهم


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 12:32
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


✍️ بقلم: المحامي علي أبو حبلة
بين بناء الدولة وتشييد الذات
لم تُبنَ دولة في التاريخ على أسس متينة إلا حين وضعت الشفافية والنزاهة في صلب مشروعها الوطني.
أما حين يتسلل الفساد إلى مفاصل الحكم، فإنه لا يكتفي بنهب المال العام، بل ينهش روح الوطن ويُسقط قيم الانتماء.
فالفساد ليس مجرد ظاهرة مالية أو إدارية، بل هو بنية فكرية ونفسية تتغذى على الأنانية واستغلال السلطة، ليغدو الوطن عند الفاسد وسيلة لتحقيق الذات لا غاية للبناء الجمعي.
الفساد وتآكل فكرة الدولة
يقول المؤرخ البريطاني اللورد أكتون: "السلطة تفسد، والسلطة المطلقة تفسد فسادًا مطلقًا."
هذه المقولة ليست وصفًا أدبيًا بل قاعدة تاريخية تكررت في سقوط دول كانت في ذروة قوتها.
حين تتحول مؤسسات الدولة إلى أداة لحماية الفاسدين، تذوب الكفاءات، وتُقصى العقول، وتصبح الولاءات الشخصية بديلاً عن المواطنة، والمال معيارًا للنفوذ بدلًا من العطاء الوطني.
وقد أشار المؤرخ الأمريكي ويليام ديورانت في موسوعته قصة الحضارة إلى أن:
"الأمم لا تُدمّر من الخارج إلا بعد أن تكون قد نُخرت من الداخل بالفساد والترف وسوء الإدارة."
الفساد إذًا ليس خطأً عرضيًا، بل مرضٌ بنيويّ يقوّض فكرة الدولة من جذورها.
الفاسدون يبنون لذواتهم لا للأوطان
الفاسد لا يرى في الوطن سوى مشروعٍ خاصّ لتضخيم ذاته.
يشيّد قصورًا من أموال الناس، ويقيم مجده على أنقاض كرامتهم.
وفي هذا السياق قال جبران خليل جبران:
"ويلٌ لأمةٍ يكثر فيها الفاسدون وقلّ فيها الأحرار، ويُكرَّم فيها المتسلّقون ويُهان فيها المخلصون."
الفاسد لا يصنع مؤسسات بل شبكات نفوذ.
يبني حول نفسه دائرة من المنتفعين تحميه، ويظن أنه بذلك يُحكم قبضته على الوطن، بينما هو في الحقيقة يُفكك بنيانه من الداخل
الأوطان تُبنى بالمخلصين لا بالانتهازيين
الدول التي نهضت بعد دمار الحروب، مثل اليابان وألمانيا، لم تُبنَ بالخطابات ولا بالمحسوبيات، بل بضمير وطني جمعي قاده المخلصون والنزيهون.
كتب الفيلسوف الألماني أوسفالد شبينغلر في أفول الغرب:
"حين يتسلل الفساد إلى القيم، تتحول الحضارة إلى شكلٍ بلا روح، وعندها يبدأ العدّ التنازلي لسقوطها."
النزاهة إذن ليست فضيلة فردية فحسب، بل شرطٌ لبقاء الأمة.
فحين تغيب الثقة بالمؤسسات، تنهار شرعية النظام، وتصبح الدولة هيكلاً بلا روح.
الفساد في التجربة العربية: من الدولة إلى الملكية الخاصة
الواقع العربي المعاصر حافل بأمثلةٍ لدولٍ تحولت مؤسساتها إلى إقطاعياتٍ سياسية واقتصادية بسبب استشراء الفساد.
تُستغل الموارد العامة لمصالح خاصة، وتُدار الوزارات كأنها شركات عائلية.
وفي هذا قال المفكر مالك بن نبي:
"لا تُبنى الحضارة إلا على الأخلاق، ولا تنهض إلا على ضمير حيّ، أما حين يموت الضمير فكل بناءٍ ماديّ يتحول إلى رماد."
إن الفساد لا يُدمّر فقط بنية الاقتصاد، بل يُضعف روح الانتماء ويقتل الإبداع، ويفتح الباب أمام الانقسام الاجتماعي والتبعية السياسية.
مواجهة الفساد: معركة وعي قبل أن تكون قانونًا
مكافحة الفساد لا تُختصر في تشريع القوانين، بل تتطلب ثورة أخلاقية وثقافية تعيد الاعتبار لقيمة العمل والمسؤولية والمساءلة.
يقول المفكر الفرنسي ألكسي دو توكفيل في الديمقراطية في أمريكا:
"ما من قانون يمكن أن يصون الحرية إذا لم يكن في روح الناس إيمان بالمسؤولية."
فالوعي الشعبي هو خط الدفاع الأول ضد الفساد.
وحين يصمت المواطن عن المطالبة بحقه، يتضخم نفوذ الفاسد ويترسخ فساده.
الفاسدون يصنعون دولة الخوف
الفاسد يدرك أن بقاءه رهنٌ بإسكات النقد، فيسعى لتكميم الأفواه وتطويع القضاء والسيطرة على الإعلام.
حينها تُقلب المعايير: يُتهم الشرفاء بالتخريب، ويُكرم المنافقون بالولاء، وتُستبدل الكفاءة بالطاعة العمياء.
كما قال المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد:
"السلطة حين تخشى المثقف، فهي تعرف أنه الوحيد القادر على كشف فسادها."
الوطن لا يُبنى بالولاءات بل بالكفاءات
الوطن ليس غنيمة، ولا منصبًا، ولا وسيلة للتكسب، بل هو أمانة ومسؤولية تاريخية.
الدولة التي يسودها الفاسدون لا تبني مؤسسات، بل تجهز مقابر لأحلام الأجيال.
الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بتبديل الوجوه، بل بإعادة بناء منظومة القيم والمحاسبة.
الوطن يبنيه من يزرع شجرةً في ترابه لا من يسرق جذورها، ومن يترك أثرًا في الأجيال لا من يترك حسابًا في المصارف.
وكما قال محمد الماغوط:
"الوطن ليس فندقًا نغادره حين تسوء الخدمة، بل بيتٌ نحاول إصلاحه مهما كانت الأعطال."
خاتمة القول
الفاسدون لا يبنون وطنًا، لأنهم ببساطة لا يؤمنون بفكرته.
يبنون لأنفسهم، ويهدمون في الناس ما تبقى من الحلم.
أما الأوطان، فلا يرفعها إلا المخلصون الذين يضعون ضميرهم فوق مناصبهم، ووطنهم فوق ذواتهم.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آية أبو نصر... صوت غزة الذي دوّى تحت الركام ولم يُسمع: حين ي ...
- بن غفير وسومتريتش يرسيان -شريعة الغاب-
- زهران ممداني يتحدى إمبراطورية المال والإيباك في نيويورك: معر ...
- 📘 سندات الدين الحكومية الفلسطينية: دراسة اقتصادية وق ...
- غزة بين الأمن والسياسة والتحديات الإقليمية
- -غزة الجديدة-: مشروع تفكيك جغرافي وإعادة هندسة سياسية بإدارة ...
- سموتريتش يهاجم السعودية مجددًا
- غزة بعد وقف النار: الفوضى المستمرة وسلطة الاحتلال
- قانون التجنيد الأجنبي وملاحقة المتطوعين في الجيش الإسرائيلي: ...
- قراءة في الاتفاق الفلسطيني والتوازنات الإقليمية المقبلة
- ما بين الحرية والمصيدة (رحلة ليلى بين الفكر والقانون)
- القاهرة مركز الحراك الفلسطيني: جهود مصرية لتوحيد الموقف قبل ...
- المشروع الأمريكي في غزة... وصاية جديدة أم إعادة إعمار مشروطة ...
- إسرائيل لا تملك صلاحية تغيير الوضع القانوني للأراضي الفلسطين ...
- زيتون على حافة النار رواية توثيقية تحليلية عن الصمود الفلسطي ...
- شعب يريد الحياة
- استقالة تساحي هنغبي تهز حكومة نتنياهو: تصدع داخلي وأزمة ثقة ...
- زيارة أفيخاي أدرعي إلى طولكرم: قراءة ميدانية واستراتيجية في ...
- الحركة التعاونية: رافعة للاقتصاد الوطني بين الواقع المشوّه و ...
- حين سرقوا الوطن


المزيد.....




- السعودية.. مقتل مقيم هندي بإطلاق نار في جدة والأمن يعتقل إثي ...
- إسرائيل تدرس مقترحًا مصريًا للسماح بعبور مسلحين -الخط الأصفر ...
- هل يصبح زهران ممداني الشاب المسلم ذو الأصول الهندية عمدة لني ...
- تنزانيا: سامية صولحو حسن تؤدي اليمين رئيسة للبلاد وسط احتجاج ...
- غزة: وزارة الصحة تتسلم جثامين 45 فلسطينيا من إسرائيل عبر الص ...
- ?نصائح للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية
- هل تغلق -وول مارت- الأميركية أبوابها أمام الملايين المهددين ...
- ?أجهزة السمع.. هكذا تواجه آلام والتهابات الأذن
- ما ?مخاطر مشروبات الطاقة على صحة المراهقين؟
- بين تصريحات عون وحزب الله.. أزمة لبنان -تتجه إلى المجهول-


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - الفاسدون لا يبنون وطنًا... إنما يبنون لذواتهم