أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هيفاء أحمد الجندي - مهدي عامل ومفهوم التخلف ...الحلقة الثانية















المزيد.....

مهدي عامل ومفهوم التخلف ...الحلقة الثانية


هيفاء أحمد الجندي

الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 17:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مهدي عامل ومفهوم التخلف
الحلقة الثانية....
قراءة مفيدة وأتمنى أن تحفز الشباب على الشغل والتفكير

لقد انتقل الفكر العربي السابق الى فكر البورجوازية
الكولونيالية ،مع انتقال هذه الطبقة من وجودها المسيطر في بنية علاقات الانتاج السابقة على الرأسمالية ، الى وجودها المسيطر في بنية علاقات الانتاج الكولونيالية ، ان هذه الطبقة حملت ذلك الفكر معها بتحول عناصرها من عناصر ارستقراطية أو اقطاعية ، الى عناصر مكونة للبورجوازية الكولونيالية لم تتكون هذه الطبقة من تناقض تناحري مع الطبقة المسيطرة السابقة ، أي بصراع طبقي بين طبقتين مهيمنتين نقيتضين ، بل بتكيف داخلي للطبقة المسيطرة السابقة نفسها ،بشكل تحولت هذه الطبقة بعناصرها الأساسية الى بورجوازية كولونيالية ، فكان بالتالي على الفكر السابق أن يتكيف مع هذا التكيف الطبقي ،أي كان عليه أن ينهض بذاته دون أن يكون في نهضته هذه ضرورة قطع مع جذوره الأصلية أي ضرورة ولادة جديدة ينبت فيها من جذور جديدة .
على أرض هذا التكيف الايديولوجي الطبقي، نبت مفهوم الأصالة ونبت مفهوم الاصلاح من حيث هو تجدد الأصل ، ومع هذا التكيف البورجوازي الكولونيالي تشوه الفكر العربي السابق وفقد أصالته بانتقاله هذا من موقع تاريخي ، كان فيه فكرا لطبقة مسيطرة قادرة على أن تسيطر بذاتها على تطور حركة الفكر الاجتماعي ، بسيطرة فكرها الطبقي الى موقع تاريخي أخر صار فيه فكرا لطبقة مسيطرة ، عاجزة عن أن تسيطر الا بتبعية تخضع فيها بالضرورة لسيطرة الامبريالية، فكان في سيطرة فكرها المشوه هذا لجم لتطور حركة الفكر الاجتماعي وحال فكرها الطبقي هذا دون ولادة الفكر الجديد .
ان هذا الفكر المتكيف بالذات ، من حيث هو فكر البورجوازية الكولونيالية لا الفكر العربي الجديد ،معنى هذا ان نهضة البورجوازية هذه بالفكر العربي ،هي التي حالت دون نهضته الفعلية التي هي ولادة فكر جديد ، والمشكلة في هذه الايديولوجية البورجوازية المسيطرة في تيارات الفكر العربي كلها ، الذين يقولون بأن المجتمع العربي مريض بالتخلف والتخلف يكمن في أن علاقات الانتاج الاجتماعية الموروثة القبلية الاقطاعية ما تزال هي السائدة ، والأزمة تكمن في التراث والاغتراب عن العصر .
جوهر القضية هو هذا التضليل الايديولوجي البورجوازي الذي يقلب السبب اثرا والأثر سببا ،والعلة هي في عجز الفكر عن الوثب الى علميته والعجز هذا ليس في الفكر قدرا ، وليس في الانسان جوهرا انه بكل بساطة ممارسة ايديولوجية للصراع الطبقي من موقع الطبقة المسيطرة والتخلف بنيوي، كامن في التبعية البنيوية للامبريالية . ونستحضر هنا أدونيس الذي جعل من العلاقة الاجتماعية أو من بنية علاقات الانتاج الخاصة ببنية اجتماعية تاريخية محددة ،علاقة انسانية عامة وبالتالي جوهرية لا تاريخية لأنه بالتحديد جعل منها علاقة ذاتية فردية ،والعلاقة الفعلية القائمة ببنية هذه العلاقات وبين الشكل الذي يتصور فيه الفكر علاقته بها ، ولئن كانت الاولى علاقة فعلية موضوعية فان الثانية علاقة وهمية ايديولوجية ، اعتمدها أدونيس في بحثه فاستوى عنده ظاهر الشيء والشيء في حقيقته وهذا نقيض العلم ، من هنا بالضبط أتى في تحليله ما هو مرفوض تاريخيا وعلميا ،من اسقاط للشكل الذي يظهر فيه علاقات الانتاج الفعلية القائمة في البنية الاجتماعية الرأسمالية من زاوية نظر البورجوازية نفسها ،على علاقات الانتاج الفعلية السابقة على الرأسمالية في البنية الاجتماعية العربية الاسلامية، فعلاقة الانتاج الطبقية تظهر في البنية الاجتماعية الرأسمالية وحدها بمظهر العلاقة الفردية الذاتية بين الذات والموضوع ،أي أنها في هذه البنية الاجتماعية تظهر بهذا المظهر الذي يتواجد فيه مالك قوة العمل كفرد ،ومالك رأس المال في علاقة حرة ينظمها العقد الاجتماعي ، بشكل تختفي فيه علاقات الانتاج القبلية التي يتواجه فيها طبقة لا تملك من عناصر الانتاج الا قوة العمل ، وطبقة تملك وسائل الانتاج والعلاقة الطبقية لا تظهر بمظهر العلاقة الفردية ، الا من زاوية نظر الايديولوجية البورجوازية ، وهي في تاريخ الفكر الفلسفي حديثة العهد تحددت مع ديكارت، بشكل رئيسي بين الذات والموضوع وكأن الذات فيها الفرد من حيث هو الجوهر، فليس من الجائز علميا ومنهجيا اسقاط هذا الشكل التاريخي المحدد من ظهور علاقة الانتاج ، بمظهر تتميز به البنية الاجتماعية الرأسمالية دون غيرها ،على علاقات سابقة من الانتاج قبلية أو استبدادية ،كان فيها الفكر يجهل مفهوم الذات الفرد لسبب مادي هو أن الفرد كفرد لم يكن له وجود أو كيان اجتماعي في تلك البنية من علاقات الانتاج ،هذا النهج من التفكير الذي يسقط الحاضر على الماضي في محاولة فهمه الحاضر بالماضي ،يستند في أساسه الى منطق لا تاريخي ، يجوهر الفكر والواقع معا والفكر لا يقوم بذاته بل بالعلاقة الاجتماعية التي تحدده، في وجوده التاريخي وفي تحركه كممارسة ايديولوجية محددة معنى هذا ان الفكر لا وجود له الا في حقله الايديولوجي وبالتالي التاريخي، الذي يتحدد كحقل للممارسات الايديولوجية الطبقية ،في بنية اجتماعية محددة فالاسلام مثلا ليس واحدا في وجوده الاجتماعي الايديولوجي في العصر العباسي وفي العصر الحاضر الذي يتميز بسيادة علاقات الانتاج الرأسمالية في بنياتنا الاجتماعية، فهو في تحدده كايديولوجية لا يوجد الا في ممارسات ايديولوجية طبقية محددة، وبالشكل الذي يوجد فيه في هذه الممارسات بالذات ،معنى هذا أن الاسلام الذي نراه في تياره العقلاني عند ابن رشد ، ليس هو الاسلام نفسه الذي نراه عند حسن البنا والاخوان فهو في الحالة الاولى موجود بالشكل الذي تتحدد فيه بالممارسة الايديولوجية، لما يمكن أن نسميه بالطبقة الارستقراطية العربية المسيطرة في المجتمع الاستبدادي، وهو يمثل في تياره العقلاني هذا ايديولوجية هذه الطبقة المسيطرة بالذات في صراعها من أجل الحفاظ على نظامها الاجاتماعي، أي العقل والحكمة خاصة باولي الأمر أي بأصحاب الحل والربط أو بتعبير عصري بأصحاب الحل والربط أو بتعبير عصري بالطبقة المسيطرة ،والعامة عليهم الخضوع أما في الحالة الثانية فالاسلام موجود بالشكل الذي يتحدد فيه كحقل أخر من الممارسات الايديولوجية الطبقية، خاص ببنية اجتماعية مختلفة يغلب عليها الطابع الكولونيالي في انتمائها التاريخي الى نمط الانتاج الرأسمالي ، وعندما يقول أدونيس عن الايديولوجية الدينية انها السائدة في الماضي والحاضر وأن جوهر الفكر هو ديني فهو ينقل مركز الثقل في الممارسة الايديولوجية للصراع الطبقي ضد البورجوازية المسيطرة ،من صراع ضد ايديولوجية هذه الطبقة بمختلف تياراتها ، الى صراع ضد الشكل الديني أو الطابع الديني من هذه الايديولوجية فعلاقة التماثل الجوهري بينها وبين الذين تجعل من نقد الدين نقضا لها ،وتحصد في هذا النقد أي نقد هذا الجوهر كل ممارسة ايديولوجية للصراع الطبقي ضد البورجوازية المسيطرة، بل ان هذه الممارسة من حيث هي ممارسة محددة للصراع الطبقي ،تنتفي في تلك العملية الذهنية من النقد الديني فتعود بها الى ما قبل ماركس، ان هذا المنطق الغيبي هو الذي قاد الى انزلاق الفكر من تحليل الايديولوجية الطبقية في وجودها الممارسي داخل حقل محدد من الصراع الطبقي خاص ببنية اجتماعية محددة الى نقد الدين في وجوده الاجتماعي ،ثم ان ايديولوجية البورجوازية الكولونيالية المسيطرة في البنيات الاجتماعية العربية ليست الايديولوجية الدينية، بل الايديولوجية البورجوازية هذا يعني ان ايديولوجية البورجوازية المسيطرة لها الشكل نفسه الذي هو لسيطرة هذه الطبقة، فعلاقة التبعية البنيوية للامبريالية التي تحدد شكل السيطرة الطبقية للبورجوازية الكولونيالية ،تنعكس ايضا في الحقل الايديولوجي في شكل من التبعية الايديولوجية تمارس فيه البورجوازية هذه سيطرتها الايديولوجية، فكما ان هذه الطبقة المسيطرة هي فئات متعددة في التحالف الطبقي المسيطر تعود فيها الهيمنة الطبقية دوما لفئة من هذه الطبقة ،او لطبقة من هذا التحالف كذلك الأمر في الايديولوجية المسيطرة ففيها تيارات ايديولوجية متعددة ،ينعكس فيها الوعي الطبقي لتلك الفئات أو الطبقات لتيار من هذه التيارات يمثل مصالح الفئة المهيمنة من الطبقة المسيطرة ، وكما ان هيمنة هذه الفئة اساسية لسيطرة هذه الطبقة ككل ،فان هيمنة التيار الايديولوجي المهيمن في الايديولوجية المسيطرة ،اساسية للسيطرة لايديولوجية الطبقة ككل وبالتالي لتأبد علاقات الانتاج .
والفئة المهيمنة تسمح بتعدد هذه التيارات الايديولوجية في ايديولوجيتها المسيطرة ،طالما ترى في هذا التعدد مصلحة طبقية لها ،و لا سيما في ممارسة صراعها الايديولوجي الطبقي ضد الطبقة المهيمنة النقيض أي ضد الطبقة العاملة ، ولكنها قد ترتد ضد هذا التيار أو ذاك حين ترى فيه خطرا على وجودها الطبقي المسيطر في ظل هيمنة الفئة المهيمنة ، وانتعاش هذا التيار في فترة أخرى لا يدل على أنه التيار المهيمن في ايديولوجية البورجوازية الكولونيالية، بقدر ما يدل على أن الفئة المهيمنة من هذه الطبقة المسيطرة ، ترى في هذه المرحلة بالذات من تطور حركة الصراع الطبقي ضد الطبقة العاملة بالذات بالفئة المهيمنة الاجتماعية التي تسمى بالبورجوازية الريفية ، خير حليف يشكل عائق ايديولوجي ،يمنع تحالف الطبقة العاملة مع فئات البورجوازية الصغيرة المسحوقة بخضوعها لسيطرة البورجوازية الكولونيالية .ان هذه البورجوازية هي التي تقود عملية الصراع الطبقي باسم العصرية والحداثة والتقدم والعلم والتقنية الى غير ذلك من مفاهيم الايديولوجية البورجوازية ، تضع الدين في مجابهة مع الايديولوجية البروليتارية ،انها في استخدامها الراهن للايديولوجية الدينية ،لا تمارس صراعها الطبقي باسم الدين أو باسم مفاهيم هذه الايديولوجية، بل هي تمارسه في منطلقاتها الطبقية المتجددة نحو الحداثة باسم مفاهيم العصر ،التي هي مفاهيم الايديولوجية نفسها هذه الايديولوجية الطبقية هي الايديولوجية المسيطرة في حقل الفكر العربي الراهن.
وكيف نفسر هذا الانزلاق الى المنطق الغيبي المثالي ؟ ان الفكر المسيطر في اي مجتمع هو بشكل عام فكر الطبقة المسيطرة أي ايديولوجيتها ، ووجب حكما أن ترفض علاقة التماثل التي يقيمها أدونيس بين ايديولوجية البورجوازيات العربية وبين الفكر العربي، ثم أن الانزلاق الأخر أخطر من هذا لأنه يستخلص الانسان بعملية ذهنية من هذه الايديولوجية المسيطرة فيأمن بهذا شر القيام بتحليل مادي لبنية علاقات الانتاج الاجتماعية التي يتجدد بها ذلك الكائن الاجتماعي التاريخي.
ان المنطق الغيبي من حيث هو منطق تماثل الجوهر بذاته ،يقود بالضرورة الى الوقوع في تلك الانزلاقات كلها ، التي تقود بدورها الى مآزق فكرية لا يمكن الخروج منها الا بمنطق التحليل المادي ، اي بمنطق التناقض الماركسي والمآزق التي يصل اليها الفكر الغيبي في كتابات المفكرين كثيرة ويفوح من هذا الفكر الغيبي رائحة هيغلية تجد في الفرد مركزها أي نقطة البدء .
ان قراءة الفكر العربي في ضوء هذا المنطق الغيبي هي قراءة له من زاوية نظر الايديولوجية المسيطرة نفسها، اي من زاوية نظر هذه الايديولوجية بالذات التي يرفضها ادونيس والتي يرى في سيطرتها على الفكر العربي ، مصدر ما رأه في هذا الفكر من اتباع فالعلاقة التي أقامها بين الفرد والجماعة ، والتي في ضوئها قرأ الفكر العربي الى ما هو فيه فكر اتباعي هو فكر الجماعة السائدة ، والى ما هو فكر ابداعي هو استثناء من القاعدة كالفرد يخرج عن الجماعة
اولعلاقة الاجتماعية من حيث هي علاقة طبقية ، معنى هذا أن علاقة التناقض الاجتماعي تظهر من هذه الزاوية الطبقية، في شكل علاقة من التناقض بين الفرد والجماعة أو بين الفرد والدولة تختفي فيها علاقة التناقض الطبقي .
ليست القراءة هذه رفضا بقدر ما هي تملك لفكر يستحضره شكل من القراءة هو في تحققه أثر لسيطرة تلك الايديولوجية المسيطرة، التي يعبر أدونيس عن رفضها انه اذن بهذه القراءة ينتج فكرا يرفضه بايديولوجية يرفضها ، أو قل على الاصح ان هذه الايديولوجية التي يرفضها هي التي انتجت الفكر الذي يرفض ، لانه قرأ هذا الفكر بأدوات تلك الايديولوجية أي في ضوء مفاهيمها ، وفي زاوية نظرها فأكد سيطرتها من حيث هو يرفضها .ليست بالرفض وحده يتحرر الفكر الفردي من سيطرة الايديولوجية الطبقية عليه ، وكيف يكون له مثل هذا التحرر طالما أن اداة الرفض هي أثر الوهم الذي تولده في الوعي تلك السيطرة بالذات ، وليس التناقض بين الفرد والجماعة قائما الا بفضل الايديولوجية المسيطرة التي تنقله من حيث هو في وجوده الفعلي في علاقات الانتاج الطبقية ، وفي الممارسات الايديولوجية الطبقية للصراع الطبقي ، الى حيث هو في وجوده الوهمي، أي الى حيث يجب ان يظهر بشكل يختفي فيه وجوده الفعلي في وجوده الوهمي ،كي تتأكد سيطرة الايديولوجية المسيطرة التي تؤمن تأبد تلك العلاقات من الانتاج بالتحقق الآلي لعملية اعادة انتاجها .لا شك في أن التحرر من سيطرة هذه الايديولوجية المسيطرة هي عملية صراع طبقي في ممارسة ايديولوجية فيه تستلزم بالضرورة نقدا ،أي تفكيرا بالمفاهيم البورجوازية التي تمارس بها الطبقة المسيطرة هذا الصراع .
لا يكون التحرر من سيطرة الايديولوجية الا بممارسة تنتج أدوات نقضها .
بين الرفض والنقض فارق اساسي ،هو الذي بين السحر والعلم في تغيير الواقع الاجتماعي هو بالتحديد رفض المنطق فيه لكونه منطقا لا لكونه شكلا طبقيا محدد من المنطق ،هو منطق الطبقة المسيطرة الذي يكمن في محاولة ضبط حركة الواقع الاجتماعي، بشكل يمنعها فيه من تحقيق منطقها الضروري ،في الانتقال الى اطار بنيوي أخر اي الى نمط اخر من الانتاج .من هنا أتت ضرورة القمع الطبقي كشرط أساسي لابقاء ذاك الواقع ،في اطار منطق الطبقة المسيطرة من هنا أتت ضرورة الممارسة الثورية للصراع الطبقي كشرط اساسي للانتقال بهذا الواقع الى ما هو سائر اليه بحكم منطق الضرورة .
معنى هذا أن بين منطق الطبقة المسيطرة الذي ينتظم به الواقع الاجتماعي في شكل ظهوره العقلاني ،وبين منطق الضرورة هذا، تناقض يتحدد فيه الأول كرفض للثاني ،ورفض الضرورة هو رفض للعقل والعلم معا ، لذا وجب القول ان منطق الطبقة المسيطرة يقوم في تنظيمه المجتمع على أساس هذا الرفض بالذات بمنطق العلم في ضرورته، فلا عجب أن نجد في فكر البورجوازية لا سيما بعد تحولها الامبريالي ودخول نظامها طوره الهابط ، تيارا لا عقلانيا متنوع الاشكال لا يتناقض مع التيار العقلاني الاخر لانهما وجهان لايديولوجيا طبقية واحدة.
التناقض بين منطق الرفض ومنطق التغيير الثوري هو منطق السحر للأول والسحر هو تملك وهمي للواقع لأنه عجز عن تملكه الفعلي ، فالتملك هذا لا يكون الا بتملك منطق الضرورة في الواقع . ليس بمنطق الرفض اذن يتحقق التغيير الثوري الذي هو تحويل لبنية علاقات الانتاج القائمة ، بل بمنطق النقض في الممارسة الثورية للصراع الطبقي وعملية التحويل هذه هي العملية التي بها يتحقق منطق الضرورة في حركة البنية الاجتماعية .
الثورة اذا هي علم وليست رفضا للعلم والعلم هذا هو السياسة أي علم التاريخ، ولا يصنع التاريخ الا من يتملك علمه والذي تتحدد فيه الارادة الثورية ،كارادة للضرورة لا كرفض لها والضرورة هذه هي ضرورة تحويل لبنية علاقات الانتاج بالذات ،والجماهير بتنظيمها العلمي الذي له شكل تلك الضرورة العقلانية ، هي التي تقوم بعملية التحويل هذه وليس الفرد أكان واحدا متفردا أم جماعة من الأفراد المتوحدين، ارادة الرفض نفسها هي التي تقود اذن الى ضرورة رفض منطق الرفض بالذات، لأن تحققها العلمي لا يتم الا بمنطق اخر هو منطق العلم في التغيير أي في الممارسة البروليتارية للصراع الطبقي.
هذا المنطق هو نفسه الذي نراه ينطلق في حركة تكون الفكر العلمي عند ماركس بالذات من ارادة الثورة ، فيصل الى علم الثورة ومع الوصول الى هذا العلم لم يعد ممكنا بالتوقف عند مراحل من الوعي هي مراحل ما قبل العلم، أي الرجوع في العملية الثورية الى ما قبل علمها الى اليسار الهيغلي ، فعلى الفكر العربي كي يصير ثوريا ، أن يقفز الى هذا العلم بالذات وعلى الفكر الثوري فيه ، أن ينطلق في ممارساته من هذا العلم اي من الماركسية اللينينية .
الثورة الجديدة التي نراها في نقد الفكر العربي وغير العربي المعاصر أو الثورة الفكرية في نظرية الاغتراب هي رجوع الى ما قبل علميته ، اي الى هيغل أو فورباخ أو برونو باور الى ما قبل ماركس. كما أن كثيرا من النظريات الاجتماعية التاريخية الجديدة تعود بالفكر الى ما قبل ابن خلدون . وليس العجز في العقل العربي وليس التخلف فيه بل العجز في هذه البورجوازية الكولونيالية ، التي تطرح بوهمها الطبقي الى التمثل عبثا بالبورجوازية الامبريالية دون أن يكون لها ما كان من شروط تاريخية اجتماعية خاصة بتكون الرأسمالية وتطورها، تمكنها أن تقفز بالعقل العربي الى علميته في صيرورته الاجتماعية داخل البنيات الاجتماعية العربية ،اي في انتاجه علم هذه البنيات وانتاج هذا العلم في صيرورة العقل العربي لا يتم الا بنقض الايديولوجية البورجوازية في فكر البورجوازيات العربية الذي هو يلجم الصيرورة العلمية في صيرورة العقل العربي .
وتجاوز الماضي في الواقع وفي الفكر لا يتم بعملية ذهنية ذاتية ، بل بعملية من التحويل الثوري للبنية الاجتماعية التي بتجددها الدائم يتجدد الماضي الذي فيها عنصر مكون لها ،ولكن المنطق المثالي للنظر في التاريخ يجعل من الفكر القوة المحركة له ، فبتحول النظرة من الفكر الى التاريخ نفسه يتحول التاريخ نفسه وبمجرد الأخذ بمنطق العصر، يقفز الفكر العربي من تخلفه الى تقدمه ،ويقفز بالتالي الواقع العربي من حاضره الماضي الى المستقبل وتجد أزمة الحضارة العربية بهذه القفزة السحرية حلها السحري.
.



#هيفاء_أحمد_الجندي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهدي عامل ومفهوم التخلف
- نظرية الثورة كضرورة موضوعية لمواجهة التضليل الأيديولوجي البو ...
- نظرية الثورة كضرورة موضوعية لمواجهة التضليل الأيديولوجي البو ...
- مهدي عامل والاستبدال الطبقي كمفهوم لفهم التطور التاريخي الخا ...
- مهدي عامل والتناقضات
- كم مرة ينبغي أن ينتصر كارل ماركس على مفكر البورجوازية الرجعي ...
- البورجوازية العربية البيروقراطية الهرمة والركود التاريخي
- مهدي عامل وأسباب فشل الإصلاح الشهابي
- هيمنة امبريالية جماعية جديدة لإدارة أزمة الرأسمالية الاحتكار ...
- مهدي عامل -مفهوم الدولة - الجزء الثالث
- مهدي عامل ومفهوم الدولة ....الجزء الثاني
- مهدي عامل و -مفهوم الدولة-
- التعيين الواقعي للطبقات والشرائح الاجتماعية المتضررة من الرأ ...
- كيف نفهم الامبريالية اليوم
- صندوق النقد الدولي ... مفقر للشعوب ومحفزعلى الثورات..
- بحث في بنية التركيب الاقتصادي-الاجتماعي للمجتمعات الكولونيال ...
- التغيير الجذري من منظور أزمنة البنية الاجتماعية الكولونيالية ...
- الامبريالية والتطور اللامتكافىء
- الميركنتيلية الجديدة
- رأسمالية الدولة الاحتكارية تحتضر والبديل لم يولد بعد!!


المزيد.....




- الفياض: فتوى المرجعية الدينية أسقطت مخطط تفتيت العراق
- قوة دولية -إسلامية- محتملة بغزة والأردن وألمانيا يشترطان
- صحف عالمية: قوة إسلامية لسلام غزة والاغتيال السياسي ممكن بإس ...
- ترامب: -المسيحيون في نيجيريا يواجهون تهديداً وجوديّاً وسننقذ ...
- ديانة زوجة نائب رئيس أمريكا وعدم اعتناقها المسيحية يشعل ضجة ...
- ترامب: المسيحيون في نيجيريا يواجهون تهديدا وجوديا
- ولايتي: ترامب لا يسعى للسلام في غزة بل يطارد أموال الدول الإ ...
- مصر.. هكذا علق شيخ الأزهر على افتتاح المتحف المصري الكبير
- شاهد.. والد فتى فلسطيني أمريكي يروي لـCNN تفاصيل معاناة ابنه ...
- وزير الخارجية البحريني يستقبل رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية ...


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هيفاء أحمد الجندي - مهدي عامل ومفهوم التخلف ...الحلقة الثانية