|
|
مهدي عامل ومفهوم التخلف
هيفاء أحمد الجندي
الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 19:50
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
مهدي عامل ومفهوم التخلف الحلقة الأولى ....
لم ير مهدي عامل في التخلف مفهوما علميا ، نحدد من خلاله السمة الخاصة ببنية الواقع العربي، والقول بأن المجتمع العربي مجتمعا متخلفا لا يعني من العلم شيئا ، سيما وأن التخلف هو مفهوم ايديولوجي له دور محدد بإخفاء السيطرة الامبريالية وعلاقة التبعية البنيوية بها، ونقل الصراع من صراع طبقي ضد الامبريالية ، الى صراع غير طبقي هو في أحسن حالاته مباراة ذهنية جوهرانية بين ثنائيات متقابلة كالتخلف والتقدم والأصالة والمعاصرة. إن مفهوم التخلف يستند في أساسه النظري إلى منطق ضمني من التقسيم ، هو منطق كمي يأخذ القوى المنتجة مقياسا له ، بمعنى أن تقسيم العالم يتحدد بتطور القوى المنتجة، وهو يفترض أيضا أن تطور القوى ليس محدودا إلا بذاته، أي أن حركته ليس لها حد فهي تسير في خط واحد مستمر، هو خط صاعد دوما وفي ضوء هذا المنطق وحده يمكن التكلم على تقدم أو تخلف ، ولكن هذا المنطق هو منطق طبقي هو منطق الإيديولوجية البورجوازية بالذات ، التي تنظر أي البورجوازية الى الحركة في تطور القوى المنتجة ،على أنها حركة تقدم مستمر لا يحدها عائق ولا تحددها بنية ، ولقد وجدت النظرة الطبقية هذه تعبيرها الايديولوجي في الفلسفة الوضعية التي أسسها أوغست كونت ، وليس غريبا عن منطق الحركة الهيغلية التي تذوب فيها القفزات البنيوية الفعلية لصيرورة البنية الاجتماعية ، في لعبة ذهنية مثالية هي لعبة التنافي تحافظ فيها البنية على ذاتها بنفيها لذاتها ، وانتقالها الى صورة جديدة منها كانت فيها أصلا قبل أن تصير اليها ،فتظهر حينئذ حركة البنية ، كأنها حركة استمرار لها وحفاظ عليها ،هنا بالضبط في لعبة التنافي هذه تذوب القفزات أو الفجاءات البنيوية في الحركة التاريخية للبنية الاجتماعية الفعلية، نفيا أو تنافيا في إطار وحدة الاستمرار في التماثل ،بل هي تحويل ثوري للبنية الاجتماعية بحركة فيها ليست حركة الذات بل حركة الصراعات الطبقية . بهذه العملية من التحويل الثوري ، تقطع البنية الاجتماعية في تكونها الجديد مع شكلها الطبقي السائد الذي تم تحويله أي هدمه ، وتنطلق حينئذ من حركتها التاريخية من أساس جديد ، بمعنى أن تحركها قائم على أساس أخر، أو قل على قاعدة مادية أخرى هي بنية مختلفة من علاقات الانتاج وهذا التحرك يجري في إطار هذه البنية ويتحدد بها . إن النظرة البورجوازية لا تأخذ القوى المنتجة في علاقتها ببنية علاقات الانتاج، مقياسا للتقدم بل تأخذها في انفلاتها من هذه البنية التي تحددها وتحدها ، فتجعل بهذا من طموحها الطبقي الذي يأبد سيطرتها مقياسا للتقدم نفسه ، لأن وضع القوى المنتجة في علاقتها الفعلية ببنية علاقات الانتاج ، يكشف الآلية الاجتماعية لتطور تلك القوى في وصولها في شروط تاريخية محددة إلى أزمة تطورها ، يكشف السبب البنيوي لهذه الأزمة والتي هي هذه العلاقات التي تقف عائقا لتطور القوى المنتجة ،عندها تدخل البنية الاجتماعية في مرحلة تاريخية ثورية تظهر فيها كشرط أساس لتحرر تطور القوى المنتجة ، هذه الضرورة التاريخية هي التي تختفي في تلك النظرة البورجوازية ، وهنا يكمن الدور التضليلي لايديولوجية هذه الطبقة المسيطرة . ولذلك يمكن القول بأن تحليل بعض المفكرين للواقع العربي الحاضر في اعتمادهم مفهوم التخلف أو التقدم أداة لها ، هي تحليلات من زاوية نظر البورجوازية العربية المسيطرة ، وكل نقد للطبقة المسيطرة ينطلق من الموقع الايديولوجي لهذه الطبقة ،هو نقد باطل إذ ليس بمفاهيم الايديولوجية البورجوازية يكون نقد الايديولوجية البورجوازية ، بل بمفاهيم علمية أنتجتها ولا تزال تنتجها ، ممارسة نقض هذه الايديولوجية من موقع الطبقة الثورية النقيض أي من موقع الطبقة العاملة ، إذ ليس بالقوى المنتجة يتحدد الطابع الخاص ببنية اجتماعية بل بعلاقات الانتاج. لو قبلنا بالتخلف صفة نشير بها الى وضع القوى المنتجة في العالم العربي، وحددنا طابع البنيات الاجتماعية فيها ،بإنه طابع كولونيالي أي شكل تاريخي محدد من الانتاج الرأسمالي يتطور فيه الانتاج هذا ، في علاقة من التبعية البنيوية للامبريالية ، تمنعه من أن يصير انتاجا رأسماليا طبيعيا ، فإن أزمة التخلف تتكشف حينئذ على حقيقتها الفعلية ، كأزمة هذه البنية من علاقات الانتاج الكولونيالية ، التي هي العائق البنيوي لتطور القوى المنتجة والقفز من عالم تخلفها الماضي الى عالم التقدم وعملية هذا التحول الثوري ،هو صراع طبقي ضد البورجوازيات العربية المسيطرة . لذاك ينبغي الانطلاق من البنية الاجتماعية القائمة في هذا الواقع ، أي من حاضر بنية علاقات الانتاج فيه ، وليس البحث في جذور الماضي البعيد أي في بنية علاقات الانتاج القبلية والاستبدادية وأن أزمة التخلف كامنة في هيمنة الماضي على الحاضر والأزمة هي أزمة حضارة بيد أن من يملك مفتاح فهم الماضي هو الحاضر وليس العكس ، لأن جركة التاريخ ليست استمرارا أو تواصلا أو تتابعا ، بل هي حركة تقطع تترابط فيها أنماط الانتاج في قفزاتها البنيوية من نمط الى آخر، بشكل يستحيل فيه قراءة نمط الانتاج الرأسمالي مثلا، في بنية نمط الانتاج الاقطاعي أو الاستبدادي، وأن العلاقة بين هذين النمطين من الانتاج في الحركة التاريخية للبنية الاجتماعية ، ليست علاقة استمرارية يتولد فيها الأول تدريجيا من الثاني وبحركة الثاني بل هي علاقة قطع بنيوي، بمعنى أن بين الاثنين اختلافا بنيويا ، هو الاختلاف القائم بين علاقات الانتاج الرأسمالية ، وما يقوم عليها من بناء فوقي كالدولة واجهزتها ومختلف الاشكال الايديولوجية للوعي الاجتماعي، من فن وفلسفة ودين واخلاق، وبين بنية علاقات الانتاج الاقطاعية والاستبدادية ، وما يقوم عليها ايضا من بناء فوقي يتلاءم معها ولا يفهم الا في علاقة تلاؤمه البنيوي بها. وفهم تطور بنية علاقات الانتاج الرأسمالية في البلدان العربية ، وفهم أزمان هذا التطور، يستلزم بالضرورة الانطلاق بالتحليل من هذه البنية بالذات، في شكل وجودها القائم في كل البلدان العربية ، وقد يقود هذا التحليل الى ضرورة الكشف عن تاريخ تكون هذه البنية، الا أن هذا التاريخ من حيث هو تاريخ علاقات الانتاج الرأسمالية في البلدان العربية، لا يبدأ مع ظهور الاسلام ومع الجاهلية وبدء العصر العباسي والأموي، بل يبدأ مع بدء التغلغل الامبريالي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فلماذا اذن الرجوع بالمجتمعات العربية في حاضرها الى هذا التاريخ البعيد الذي يفصلها عنه ، زمان عدة أنماط من الانتاج لفهمها في حاضرها بالذات. لا شك أن اشكالا من الانتاج سابقة على الانتاج الرأسمالي، لا تزال حاضرة في حاضر البنيات الاجتماعية العربية انما هذا لا يبرر على الاطلاق الرجوع هذا في محاولة فهم الحاضر، واستمرار الأشكال من الانتاج لا يمكن فهمها بذاتها ،أو بارجاعها الى ما كانت عليه سابقا حيث كانت مسيطرة ، ففهمها في حضورها الأن في المجتمعات العربية ليس ممكنا الا في علاقتها ببنية علاقات الانتاج الرأسمالية في هذه المجتمعات ، وأن الحاضرهو مفتاح فهم الماضي وليس العكس والانطلاق من بنية الحاضر نفسه ، يتضمن فهما معينا لحركة التاريخ تنقطع فيه الحركة هذه قياسا على حركة أنماط الانتاج نفسها، ولهذا يتضمن أيضا منهجا من التحليل لفهم الواقع الاجتماعي في حاضره ، وفي تطور علاقات الانتاج ، لأن تطور هذا الواقع يتحدد بالضرورة بتطور هذه البنية بالذات ، فإن مر هذا التطور بأزمة وجب تحديد هذه الأزمة على انها أزمة هذا الانتاج المسيطرة في هذا الواقع الاجتماعي، وهي بالتالي أزمة الطبقة المسيطرة أي أزمة سيطرتها الطبقية. ويلاحظ في الأونة الأخيرة غيابا للفكرالعلمي أي غياب للأساس المادي للمشكلة، وهو بنية علاقات الانتاج في المجتمعات العربية، والتي تنفلت منها الحضارة العربية ، من هذا الأساس المادي لوجودها التاريخي المحدد في حركة التحرر الوطني وكما أن اسقاط الشكل التاريخي من العقلانية الخاص ببنية اجتماعية محددة، هي البنية الاجتماعية الرأسمالية على الاشكال التاريخية السابقة عليه، في بنيات اجتماعية سابقة على الرأسمالية فيحمله الى المطلق بعملية ذهنية ، تقيم علاقة من التماثل البنيوي بين هذه الأشكال التاريخية المختلفة من العقلانية ، وبهذه العملية بالذات يتميز المنطق الوضعي وهنا تظهر الدلالة الطبقية لهذا المنطق من التفكير، فانتفاء الطابع التاريخي أي النسبي ،هو شكل من أ شكل العقلانية الخاصة بالبنية الاجتماعية الرأسمالية، يجعل من هذا الشكل الخاص مطلقا فيظهر ما هو طبقي أي ما يحمل فيه ضرورة تأبده ، ويظهر الشكل الطبقي البورجوازي للعقلانية بمظهر العقلانية الانسانية ، أي ما هو طبيعي يلازم الحضارة كحضارة .هنا يكمن بالذات التضليل الايديولوجي وفي ضوء هذا المنطق الوضعي بل التجريبي المثالي ،يظهر الواقع الاجتماعي من زاوية البورجوازية المسيطرة ، بالشكل الذي ينتظم فيه بنظام العقل البورجوازي ، فالعقل ليس واحدا مطلقا ، بل له الشكل التاريخي الذي يتحدد بنظام الطبقة المسيطرة، ولئن كان هو الذي ينظم ظاهرات هذه البنية في عملية المعرفة وانتاجها، فانما هو ينظمها بالشكل الذي يتحدد به أي بنظام الطبقة المسيطرة في هذه البنية الاجتماعية ، فالطبقة المسيطرة لا سيما في البنية الاجتماعية الرأسمالية ، هي التي تريد أن ينظم المجتمع في بنيته والتاريخ في حركته بنظام ارادتها ورغبتها الطبقية ، فتضع تلك العلاقة المتجسدة في نمط سلوكها الاجتماعي، أي في ممارسة صراعها الطبقي مقياسا عاما للعقلانية ، تجد فيه القاسم المشترك لمختلف الأشكال التاريخية للسيطرة الطبقية ، حين يتماثل ظاهر الشيء وماهيته يبطل العلم والعلم باطل في هذه الايديولوجية البورجوازية ، التي تتماثل فيها البنية الموضوعية للواقع الاجتماعي التاريخي وظاهر هذا الواقع أي الشكل الذي يظهر فيه لوعيها الطبقي. ليس المأخذ الرئيسي على منطق التفكير الوضعي، أن يصبح مقياسا عقلانيا للتقدم يخرج بالحضارة العربية ان هي اتبعته من أزمة تخلقها، بل هو في أن يظهر بفعل المقياس العقلاني هذا من جهة ، ومن جهة اخرى انه ينظر الى هذا المقياس البورجوازي لا في ما صار إليه مع التطور الامبريالي للرأسمالية، وبفعل هذا التطور، بل في ما كان عليه قبل التطور الامبريالي، أي في طور صعود الرأسمالية ، فهو يصف عصرنا بأنه عصر تقني بنتامي وبنتام هو مؤسس التيار النفعي في الايديولوجية البورجوازية في نهاية القرن الثامن عشر، يدل بحد ذاته على مدى تخلف الفكر الوضعي في مقاربته لواقعنا المعاصر عن التطور الامبريالي للايديولوجية البورجوازية نفسها، ولهذا التخلف أيضا دلالته الايديولوجية بحيث يظهر التطور الامبريالي للبورجوازية المسيطرة في مجتمعاتنا العربية على بمظهر مقبول أي بمظهر علمي عقلاني مثيل بالمظهر الذي كان لايديولوجية البورجوازية الأوربية قبل تطورها الامبريالي. ان المنطق الطبقي الذي يتضمنه ذلك التخلف الايديولوجي واضح تماما ، فهو يقوم في أساسه على اقامة علاقة من التماثل بين الوضع التاريخي الراهن للبنيات الاجتماعية العربية وبالتالي للطبقة البورجوازية المسيطرة فيها وبين الوضع التاريخي للبنية الاجتماعية الرأسمالية في أوربا الغربية ،قبل دخولها في مرحلة الامبريالية . هذه العلاقة من التماثل بين الوضعين التاريخيين ، تخفي علاقة التبعية البنيوية التي تربط البنية الاجتماعية العربية من حيث هي بنية كولونيالية ،بالبنية الاجتماعية الرأسمالية في أوربا الغربية ،من حيث هي بنية امبريالية وباختفاء علاقة التبعية هذه يختفي الاختلاف البنيوي بين هاتين البنيتين ،من حيث أن الاولى تخضع في تكونها التاريخي وفي تجددها الراهني أي في تطورها المستقبلي ،لسيطرة الثانية وباختفاء هذه السيطرة الامبريالية التي تتحكم بتطور البنية الاجتماعية العربية كبنية اجتماعية كولونيالية، تختفي القضية الاساسية التي تواجه تطور هذه البنية في العالم العربي ، والتي هي قضية تحررها من السيطرة الامبريالية ،هي بالضرورة أي في حقيقتها العلمية عملية تحويل ثوري لبنية علاقات الانتاج الكولونيالية أي لهذه البنية من العلاقات التي تتجدد بالضرورة في اطار تلك العلاقة من التبعية ،وبتجددها يسهل علينا حينئذ فهم آلية التضليل في ايديولوجية البورجوازية العربية، وفي تحليل التيار الوضعي لأزمة الحضارة العربية ، فلو طرحت القضية الاساسية في شكلها الصحيح كقضية التحرر الوطني في ضرورة التحويل الثوري لبنية علاقات الانتاج الكولونيالية، التي بتجددها المستمر تتجدد السيطرة الامبريالية ، وتأبد الخضوع لهذه السيطرة يتأبد بالتالي ما يسمى بالتخلف، ولو تحددت المهمة الاساسية لحركة تاريخنا المعاصر، بهذا الشكل لاتضح لنا أن تحققها يمر بالضرورة عبر عملية معقدة من الصراع الطبقي ضد البورجوازية العربية المسيطرة، التي تجد بالطبع مصلحتها الطبقية الاساسية، في تأمين التحقق الآلي المستمر لعملية تجدد البنية من علاقات الانتاج الكولونيالية، وبتجددها تؤمن لها تأبد سيطرتها الطبقية حين يظهر دور الفكر البورجوازي في ممارسة التضليل الايديولوجي ، فإن تلك العلاقة من التماثل البنيوي بين التطور الراهن لبنياتنا الاجتماعية العربية ، وتطور البنية الاجتماعية الرأسمالية قبل ظهور الامبريالية ، مما يوحي بان الامبريالية ليست ضرورة في بنية التطور الرأسمالي، بل هي ظاهرة عرضية أو حادث تاريخي تطمس قضية التحرر الوطني ، وتظهرها بشكل تبدو فيه كأنها مجرد تخلف كمي أو تأخر زمني في تطور الرأسمالية عندنا عن تقدمها في أوربا الغربية ، فتنقلب المهمة الأساسية لحركة تاريخنا المعاصر، من ضرورة التحويل الثوري لعلاقات الانتاج القائمة في بنياتنا الاجتماعية العربية الى ضرورة اللحاق بتقدم الغرب انطلاقا من الحفاظ على علاقات الانتاج . ومن أسباب التخلف التي ذكرها المفكرين وتصدى لها مهدي تحليلا و تفكيرا هو الاغتراب عن العصر ، واعتبر هؤلاء بأنهم في لب الديالكتيك الهيغلي ، وفي لب آلية التضليل فعلاقة التناقض بين ما يسمى بالذات العربية والعصر ، علاقة تناقض خارجي يتماثل فيها كل طرف بذاته من حيث هو يميز الطرف الآخر .انها علاقة مغايرة وبالتالي علاقة غربة لا تجد حلا لها الا بصيرورة كل من طرفيها ، والخطأ في النظرة الهيغلية لحركة التاريخ بأنه تذوب فيها تقطعات التاريخ وقفزاته البنيوية، وفي حركة تماثل الذات بالذات في تنافيها وتواصلها والقفزات البنيوية ترسمها في أساسها قاعدتها المادية ، أي حركة أنماط الانتاج لذا من الضروري عند البدء في تحليل الواقع العربي أن يحدد نمط الانتاج المسيطر فيه أي تحديد الواقع الحاضر، فالتخلف ليس مفهوما علميا ولا يمكن على الاطلاق أن نحدد به السمة الخاصة ببنية هذا الواقع، فالقول إن المجتمع متخلف لا يعني من العلم شيئا ، ولو قبلنا بالتخلف صفة نشير بها الى وضع القوى المنتجة في العالم العربي وحددنا طابع البنيات الاجتماعية فيه بأنه طابع كولونيالي، أي شكل تاريخي محدد من الانتاج الرأسمالي يتطور فيه الانتاج هذا من علاقة من التبعية البنيوية للامبريالية تمنعه من أنه يصير انتاجا رأسماليا طبيعيا ، فإن أزمة التخلف تتكشف حينئذ على حقيقتها الفعلية كأزمة هذه البنية من علاقات الانتاج الكولونيالية ،التي هي العائق البنيوي لتطور القوى المنتجة وبظهور هذا العائق ، تتحدد معالجة هذه الأزمة بأنها تفرض ضرورة تحويل هذه البنية بالذات من علاقات الانتاج الكولونيالي ، كشرط أساسي لتحرير تطور القوى المنتجة والقفز بها من عالم تخلفها الحاضر الى عالم التقدم ، وعملية هذا التحويل الثوري هو صراع طبقي ضد البورجوازية العربية المسيطرة. لذلك ينبغي الانطلاق من البنية الاجتماعية القائمة في هذا الواقع ، أي من حاضر بنية علاقات الانتاج فيه ، لا أن ينبش في جذور الماضي البعيد ليبحث في بنية علاقات الانتاج الكولونيالي ،هذا المنهج من البحث يستند في أساسه النظري الى منطق لا تاريخي ،هو منطق التماثل، لأنه يقيم ضمنا علاقة من التماثل بين بنية علاقات الانتاج القبلية أو الاستبدادية وبنية علاقات الانتاج الكولونيالية ، بفضل وجود تماثل بين عناصر البنيتين المختلفتين الا لانهما بنية واحدة متماثلة بذاتها وحركة تنافيها الداخلية هذا ،هو المنطق الهيغلي بعينه الذي تتحول فيه الحركة الديالكتيكية المادية في تاريخ تكون البنيات الاجتماعية ،وتحولها في حركة الصراعات الطبقية ، بانتقالها من نمط انتاج الى أخر، الى لعبة ذهنية مثالية تنطمس فيها حركة الصراعات الطبقية ، ولهذا السبب بالذات نرى أن هذا المنطق المثالي الهيغلي هو منطق تجريبي يلتقي مع الوضعية ،في أن حركة التاريخ عنده هي حركة خطية مستمرة في تصاعدها تنتفي فيها الديالكتيكية نفسها ، بسبب من طابعها المثالي، فليس غريبا إذن أن تظهر الايديولوجية البورجوازية ، في بعض تياراتها بمظهر جدلي ، هو جواز سفرها الى التقدمية لهذا يعاني مفهوم الجدلية من أزمة تضخم زائل في شكله الهيغلي . ولا ضير من القول أن المنهج التاريخي المادي هوعلى نقيض المنهج التاريخي الهيغلي الذي ينطلق من البنية الاجتماعية القائمة ، حيث تكونت البورجوازيات المسيطرة في ظل علاقة التبعية البنيوية للامبريالية ، وبفضل التغلغل الامبريالي . وهذا التكون التاريخي للبنية والذي تم في اطار هذه العلاقة بالذات هو الذي يعطينا التفسير العلمي لما يسمى بالتخلف ، وفي اطار هذه العلاقة من السيطرة الامبريالية جرى في العالم العربي بأشكال مختلفة تحويل للبنية الاجتماعية السابقة ،تفككت فيه بشكل معين علاقات الانتاج السابقة على الرأسمالية ، فتولدت بهذا علاقات انتاج جديدة هي شكل تاريخي محدد من علاقات الانتاج الرأسمالية ، معنى هذا أن البنية الاجتماعية الكولونيالية ، قد تكونت بشكل صارت فيه تلك العتاصر القائمة وبتكون هذه البنية الكولونيالية ،لم يعد من الممكن رد عناصرها الى البنية السابقة فالانتاج الحرفي لا يتحدد بالية الانتاج الاقطاعي بل أصبح يتحدد بآلية الشكل الكولونيالي من الانتاج . واذا لم يتم القضاء على الاشكال السابقة على الرأسمالية، فان ذلك لا يعود الى قدرتها الغيبية على الحياة أو الى أسطورة تماثل الذات بالذات ، بل الى هذا الشكل التاريخي الكولونيالي المحدد ، الذي يسيطر فيه هذا الشكل الكولونيالي في تلك العلاقات . معنى هذا أن الاستمرار الاجتماعي لوجود هذه العلاقات السابقة على الرأسمالية ،هو النتاج التاريخي لتطور الانتاج الرأسمالي في شكله الكولونيالي المسيطر على البنيات العربية، فالطابع الرئيسي المميز لهذا الشكل الكولونيالي من نمط الانتاج الرأسمالي ،هو أن تطوره لا يميل في قانونه العام نحو ضرورة القضاء على هذه الأنماط من الانتاج السابقة ، والتي يتعايش معها .بيد أن من نمط الانتاج الامبريالي يميل في قانونه العام بفعل تطوره نحو القضاء على علاقات الانتاج السابقة عليه ، وهذه البورجوازية الكولونيالية والتي تكونت في ظل التغلغل الامبريالية تكيفت مع الشروط الجديدة التي أحدثها التغلغل الامبريالي، أي مع ضرورة التعايش في تحالف تبعي مع الامبريالية ، تظل فيه خاضعة لسيطرتها بشكل يمنعها من القضاء على علاقات الانتاج السابقة التي كانت هي فيها في عناصرها الأساسية الطبقة المسيطرة ،ولكن عملية التكيف تفرض من جهة أخرى ، نوعا محددا من تفكيك العلاقات السابقة، يستدعيه تجدد علاقة التبعية البنيوية للامبريالية ، معنى هذا أن البورجوازية الكولونيالية تجد نفسها في صيرورتها الطبقية في مأزق طبقي ،يولد في وعيها الايديولوجي تمزقا بين ما تطمح اليه من تماثل طبقي بالبورجوازية الامبريالية ، هي في عجز بنيوي عن تحقيقه ،وبين واقع فعلي هي فيه في تخلف مستمر مع ما تطمح اليه ، وهو الذي يضعها في عجز بنيوي عن القضاء على ما هو أصلا في تجدده شرط أساسي لوجودها الطبقي ، فبوهمها الطبقي تنزع الى ذلك التماثل بالبورجوازية الامبريالية ، فينعكس هذا الوهم الذي هو القوة المنتجة لايديولوجيتها ، بالتمثل الدائم بهذه البورجوازية التي تعجز عن التماثل بها ، وعلاقة التماثل هي الشكل الذي ينعكس فيه علاقة التخالف من حيث هي علاقة مسيطرة في الوهم الطبقي ، أي في الوعي الايديولوجي للبورجوازية الكولونيالية.
#هيفاء_أحمد_الجندي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرية الثورة كضرورة موضوعية لمواجهة التضليل الأيديولوجي البو
...
-
نظرية الثورة كضرورة موضوعية لمواجهة التضليل الأيديولوجي البو
...
-
مهدي عامل والاستبدال الطبقي كمفهوم لفهم التطور التاريخي الخا
...
-
مهدي عامل والتناقضات
-
كم مرة ينبغي أن ينتصر كارل ماركس على مفكر البورجوازية الرجعي
...
-
البورجوازية العربية البيروقراطية الهرمة والركود التاريخي
-
مهدي عامل وأسباب فشل الإصلاح الشهابي
-
هيمنة امبريالية جماعية جديدة لإدارة أزمة الرأسمالية الاحتكار
...
-
مهدي عامل -مفهوم الدولة - الجزء الثالث
-
مهدي عامل ومفهوم الدولة ....الجزء الثاني
-
مهدي عامل و -مفهوم الدولة-
-
التعيين الواقعي للطبقات والشرائح الاجتماعية المتضررة من الرأ
...
-
كيف نفهم الامبريالية اليوم
-
صندوق النقد الدولي ... مفقر للشعوب ومحفزعلى الثورات..
-
بحث في بنية التركيب الاقتصادي-الاجتماعي للمجتمعات الكولونيال
...
-
التغيير الجذري من منظور أزمنة البنية الاجتماعية الكولونيالية
...
-
الامبريالية والتطور اللامتكافىء
-
الميركنتيلية الجديدة
-
رأسمالية الدولة الاحتكارية تحتضر والبديل لم يولد بعد!!
-
إعادة إنتاج للرأسمالية المالية أم انتقال إلى الاشتراكية؟!
المزيد.....
-
قراءة في الجونة كمدينة رأسمالية
-
محامو حسين عبد الهادي يطالبون بردّ القاضي بعد امتناعه عن إثب
...
-
Rage Against the ICE Machine
-
The Other October 7th
-
منصة القضاء ليست بيت الطاعة: الحرية الرقميّة حق للجميع
-
على طريق الشعب.. المهرجان العاشر نقطة مضيئة في مسيرة معطاء
-
بلاغ صحفي مشترك عن لقاء الشيوعي العراقي والشيوعي العمالي الع
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
مشاهد فرح في مقري حزبي -دي 66- و-اليسار الأخضر- ليلة الانتخا
...
-
هولندا: استطلاعات تظهر صعود الوسط وتراجع اليمين المتطرف في ا
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|