هيفاء أحمد الجندي
الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 09:03
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
كم مرة ينبغي أن ينتصر كارل ماركس على مفكر البورجوازية الرجعية ماكس فيبر؟!
شكلت ما يسمى "بالروح" عند ماكس فيبر عاملاً أساسيا في نشأة الرأسمالية ، واعتبرها موجودة حتى قبل أن تخلق الرأسمالية وبنى تحليله هذا ، بناء على تأثره البليغ ب "هيغل" الذي جعل من الروح المطلقة والعقل الشامل أساسا لحركة هذا العالم وتطوره، وانتقلت هذه الفكرة لماكس فيبرفيما بعد والذي استند تحليله على علم الاجتماع الديني ورأى أن روح الجماعة الغربية عبرت عن نفسها في روح البورجوازية البروتستانتية ، وكان واضحا تأثر "فيبر" بدوها التاريخي في الثقافة الغربية كما بدا ذلك جليا في أطروحته عن الأخلاق البروتستانتية .
وحلل فيبر الرأسمالية بمنظار العقلنة الكونية الحتمية ، و جعل من العقلانية المنبثقة من المفهوم نسقا للنمو الاقتصادي وأسلوب الحياة العقلاني سمح للرأسمالية بالنمو حتى أصبحت قوة مهيمنة ، ولذلك لم تظهر وفق "فيبر" الرأسمالية في المجتمعات والدول التقليدية ، لأن الروح المتحكمة بها كانت معادية للعقل كقيمة عليا ، بينما ظهرت في أوربا الغربية لأنها عقلانية ومعقلنة وحتى مفهوم المواطن بالنسبة "لفيبر" لم يوجد خارج القارة الأوربية الحديثة ، ولذلك اعتبر نظام الطائفة الهندية كما هيغل تقليدي لا عقلاني وغير قابل للتغيير.
ورأى بأن الرأسمالي لم ينم رأسماله كنتاج لفائض القيمة ، بل نشأ في مدرسة الحياة الصعبة ولذلك هو معتدل و مضحي في ذات الوقت من أجل عمله، وقياسا على ذلك للرأسمالي الحق أن يفعل ما يريد ما دام يعمل على تراكم الرأسمال ، وهنا يبرر فيبر استغال الرأسمالي للعامل نظرا لأنه سوف يحصل على الأجر من خلال ساعات انتاج قليلة ،التي تؤهله أن يشبع حاجاته ووجد بالعامل كائنا محدود الحاجات ليس له إرادة فيما يتعلق بعملية التراكم، وفضلا عن أنه خلق تبريرا بيولوجيا وفيزيقيا للتباين الاجتماعي كما زميله دوركهايم ، الذي اختلف معه ولكنهما كانا متفقين فيما يتعلق بتأكيدهما على التباين البيولوجي بين الأفراد ، بالنظر إلى قدراتهم الانسانية والامكانيات التي لديهم ، وفي هذا الخصوص يؤكد دوركهايم وفيبر على أنه ينبغي أن يكون تقسيم العمل الاجتماعي مراعيا لتباين الأفراد من حيث قدراتهم ، ومن ثم يتم توزيعهم على الأعمال الملائمة لهم ، وهو ما يعكس إيمانه بالتفاوت النظري بين الأفراد المشكلين للمجتمع، وتأسيس أساس بيولوجي للتباين الاجتماعي، من حيث أن البشر متباينين من النواحي الأخلاقية والعقلية، ولا تتكامل مواقفه الرجعية من دون أن نذكر بموقفه من مفهوم السلطة الكارزمية وكيف تتحول الى تقليدية ، والذي جسد نابليون بونابرت مثاله الأعلى وعقل الدولة الرأسمالية كما هيغل، الذي رأى بطبقة الملاكين العقاريين ركيزة من ركائز العرش البروسي ، واليها ينتمي كبار قادة الجيش والوزراء وبذلك يكون هيغل فيلسوفا رجعيا وفق تعبير ماركس ، لانه برر للوضع الاجتماعي المحافظ كما تجسد ذلك بالدولة البروسية ، كما برر ماكس فيبر للوضع السائد من خلال الحفاظ على التناقضات ضمن انتظام الدولة المطلق، وطبقة الملاكين العقاريين لاتتمتع بنفوذ لانها مرتبطة بالأرض والأسرة ، بل لأنها تملك العقار والسلطة ليست سلطة العقل بل سلطة الملكية الخاصة !
لا ضير من القول بان ماكس فيبر هو الفيلسوف المبشر برأسمالية الدولة الاحتكارية والامبريالية والنازية ، باسم تحقيق العقلانية وهو العدو اللدود للاشتراكية والذي رأى بها خطأ تاريخيا ويعتبر عدوا لدودا للمادية التاريخية ، وتفكيره الرجعي هو قلبا للتحليل المادي رافضا العوامل الاقتصادية والاجتماعية عند تحليله للرأسمالية ونشأتها الدموية ، لأنه لم ينظر اليها كقوة متشكلة من قوى وعلاقات انتاج على عكس ماركس، الذي عمد الى تحليل التماسك التام للمجتمعات استنادا الى مفهوم الاستلاب والاغتراب بعدما حصل الانفصال التاريخي للمنتجين عن أدوات انتاجهم ، والذي فسر التاريخ بموجب صراع الطبقات والرأسمال والبيان الشيوعي جعلا من ماركس قوة تاريخية ذات أهمية عالمية ، الذي ربط نشأة جهازالدولة بالملكية الخاصة وانقسام المجتمع الى منتجين ومالكين لوسائل الانتاج ، و نظر الى علاقات الانتاج على انها علاقات ملكية، وتتحدد العلاقة الرأسمالية بالية انتاج وتوليد واستخلاص وتوزيع القيمة الفائضة والعامل يسلف الرأسمالي قوة عمله ويستهلكها قبل أن يتلقى ثمنها ، والتي تتحدد قيمتها بوقت العمل الضروري لانتاجها ، ولما كان انتاج فائض القيمة هو غاية الانتاج الرأسمالي فمن الجلي أن الثروة ينبغي أن تقاس لا على أساس المقدار المطلق للمنتوج الفائض ، بل وفقا للمقدار النسبي لهذا المنتوج ، والعامل هو مجرد آلة لانتاج فائض القيمة والذي يحوله الرأسمالي الى رأسمال والرأسمال ليس علاقة شخصية بين أفراد ، بل هو علاقة اجتماعية بين طبقة رأسمالية تستغل الطبقة العاملة من أجل الحصول على فائض قيمة ، وذلك من خلال زيادة ساعات العمل ويتقاسم فائض القيمة رأسماليين اخرين والتي تأخذ شكل الربح والريع العقاري والفائدة ، وكان يتم جلد العمال وكيهم بالحديد لكي يتم الزامهم بقوانين صارمة لارغامهم على قبول انضباط العمل المأجور ، وعملية الانتاج الرأسمالية لا تنطوي على انتاج سلع بل انها عملية تمتص العمل الغير مدفوع ، وتجعل من وسائل الانتاج وسائلا لاعتصار هذا العمل لأن غاية الرأسمالي ليس الاستهلاك ، بل الظفر بفائض القيمة والذي يتحول الى رأسمال متراكم ، وعملية التراكم هذه وثيقة الصلة بالافقار والنهب والاستغلال ، وخلقت الطغمة المالية ، وحولت الدول الرأسمالية الى دول ريعية ، تعيش على عوائد الرساميل الموظفة في الخارج والتي تلقي على كاهل البشرية العمل الجسدي في الزراعة، فضلا عن أن الاستخراج والاستغلال المفرط في المستعمرات والأطراف لعب دورا هاما في تعزيز فائض القيمة النسبي في المراكز، ومصدر فائض القيمة الداعم للأرباح في المراكز كان مصدره الجنوب ، وفوضى الانتاج التي دافع عنها ماكس فيبر كانت سببا في التوسع الرأسمالي واحتلال البلدان النامية وقطع الطريق على نموها وتطورها ، لان تناقض الرأسمالية المتمثل في الطابع الاجتماعي للانتاج والتملك الخاص كان سببا لكل الأزمات التي عصفت بالرأسمالية ، فإليه يعود التنافض بين العمل والرأسمال الانتاج والسوق والقطاع المنتج للسلع والقدرة على الانتاج ، اذ بمرحلة الانتعاش يكون مجموع رأس المال المتغير وفائض القيمة في القطاع المنتج لوسائل الانتاج ، أعلى من قيمة الرأسمال الثابت وتتميز هذه المرحلة بوجود طلبات متزايدة على وسائل الانتاج والمواد الخام ، مما يرفع اسعارها الأمر الذي يغري على التوسع في انتاج وسائل الانتاج باستغلال نسبي على الطلب على سلع الاستهلاك ، ومع زيادة تراكم الرأسمال يتزايد الطلب على العمال وتنخفض البطالة ويرتفع معدل الأجر وينخفض معدل فائض القيمة ، وعندما يرتفع التركيب العضوي للرأسمال مع ادخال الالات وتطورها ، يقل فائض القيمة وتصبح هناك حركة افلاسات، وهكذا يحمل الانتعاش في أحشائه بذور الازمة بسبب فوضى الانتاج ، وتدخل عندها الرأسمالية مرحلة الركود ويصبح هناك بطالة وتتدهور الأجور وتتراكم السلع في المخازن، وحل الأزمة يكون باتلاف قسم من السلع وتدمير القوى المنتجة واستعمار البلدان النامية ، وبدء عملية الرسملة وتدمير الاقتصاد الطبيعي لهذه البلدان ، كما فعلت الكولونيالية البريطانية في الهند والتي دمرت نظام الطائفة الهندي والذي اعتبره" فيبر" وكما هيغل معاديا للعقل وساكن وراكدا ، وحولت أشكال ملكية الأراضي الضاربة في القدم ، الى ملكية خاصة في أيدي المرابين والمضاربين وأدت السياسة البريطانية في الهند ، الى تسريع وتعميق الاتجاه نحو الملكية الطفيلية وكانت تجمع الفوائد من الفلاحين من دون وسطاء ، وقضت على قطاع الصناعات اليدوية المحلية وكانت الهند بلدا صناعيا ناشئا ، عندما حولها البريطاني الى بلد زراعي لأسباب امبريالية وتم ادخال الملكية الخاصة لصالح طبقة جديدة ، تكونت من الصفوف العليا في منظومة السلطة ودمروا صناعة النسيج والغزل الهندية التي شكلت جزءا متكاملا من وحدة الانتاج الصناعي الهندي ، وخلقوا صورة كاريكاتورية للملكية العقارية بعدما دمروا المشاعات الجماعية ، وهكذا بدأت مرحلة تدويل الرأسمال وتوحيد السوق العالمي باخضاع المستعمرات التي دمرت صناعتها المحلية ، وحولتها الى مزارع كولونيالية تنتج المواد الاولية للصناعة الرأسمالية في المراكز ، ولولا الغزو الكولونيالي لانهارت الرأسمالية تحت ثقل تناقضاتها التي أفقرت الفلاحين وجردتهم من ملكياتهم ، وهي المعادل الموضوعي للهمجية والبربرية واللاعقلانية والاغتراب والاستلاب، ولا يمكن اصلاحها وعقلنتها لانها قائمة على النهب والتوسع والابادة ، وهي استقطابية بطبيعتها واذا كان من عقلانية فهي الماركسية ، لانها رأت بالطبقة العاملة طبقة ثورية وبالبورجوازية طبقة رجعية والطبقة العاملة هي النفي الذاتي الثوري للسلطة البورجوازية الكارزمية ، وباستلابها تطور الطبقة العاملة وعيها الطبقي الثوري وتتجاوز تناقضات البورجوازية الى مجتمع خال من الطبقات ، وهي فلسفة الحرية الحقة لأنها تحرر العامل من عبوديته الطبقية من خلال التحويل الثوري للواقع، و هذه الحرية تفرض على الطبقة الثورية أن تغير العلاقات الانتاجية الرأسمالية القائمة وكامل البناء الفوقي وتحطيمه ، كي تبني علاقات انتاج جديدة ويستعيد عندها العامل ملكيته لوسائل الانتاج ، وبالطبع الرأسمالية لن تتخلى بسهولة عن السلطة للطبقة الثورية الجديدة ، وهي اي الراسمالية تمتلك جهاز الدولة الطبقي الذي دافع عنه ماكس فيبر، وهذا يحتم على الطبقة الثورية ان تزج بنفسها في معركة الصراع الطبقي وهذا الصراع سيحسم طال الزمن أو قصر لمصلحة الطبقة العاملة ، ومن هنا تأتي أهمية نظرية ماركس حول حتمية الثورة العنفية ضد الدولة البورجوازية ، اذ من غير الممكن أن تبنى الدولة الثورية بعد ذبول البورجوازية ، بل بالعنف الثوري يتم سحق جهاز الدولة القديم والذي هو جهاز قمع طبقة تملك وتحتكر كل وسائل العنف ، ضد طبقة مستغلة ومضطهدة لا تملك وليس لديها ما تخسره سوى قيودها ، والتي ستحطمها فوق رأس الطبقة الرأسمالية سيما وأن خلق يوم عمل اعتيادي كان نتاجا حروب طويلة بين الرأسمالية والطبقة العاملة ....
#هيفاء_أحمد_الجندي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟