المصريون يمثلون بأنهم أحفاد للفراعنة

محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 09:41
المحور: قضايا ثقافية
    

مع إفتتاح المتحف الجديد (باكر ).. دارمؤشر البوصلة نصف دورة ..و تحول من الإشارة إلي الإنتماء العربي أوالإسلامي .. الذى لا يزيد عمره عن بضع مئات من الاعوام .. إلي الإشادة بأيام المجد و العز الذى شهدته هذة الأرض منذ الاف السنين .
الغريب أنه كلما إقتربنا من يوم الحدث ترتفع أصوات دقات الطبول .. لبس البعض ملابس القدماء ..و تزى بحليهم ..و حرص علي وضع صورته بالجلد الجديد علي الفيس بوك ..يغني بكلماتهم و يتحدث من عادى (كميت ) لعشرات السنين عن أنه من الأحفاد للقوم الذين كانوا في زمن سابق يمثلون الخطوات الأولي لمسيرة تحضر البشر ..ناسخا سخطة علي فرعون و ال فرغون .
مندهش تماما .. من هذا الإنقلاب الفكرى و الإعلامي و السلوكي .. كما لو كان لدى هؤلاء الناس سويتش يديرونه فيصبحون مهمومين بقضايا العرب و العروبة و الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة .. و أخر يجعلهم يحفون الشَّوَارِبَ ويعفون اللِّحَى..و يقصرون الجلباب ..و يكثرون من الزوجات و البنين ..
ثم فجأة يتحولون لفراعنة من الذين تلعنهم نصوص الأديان( يهودية و مسيحية و إسلامية ) و تسخر منهم .. و تقدمهم علي أساس أنهم النموذج للكفر و العتو وعدم الصلاح ... عايز اسال الباشوات اللي مزقططين لانهم فراعنة اية الفرق بين التماثيل في الدولة القديمة و المتوسطة و الحديثة وفترة اخناتون ..اطفال اليابان يعرفون..
نعم ..قد يكون لمصر أقدم تاريخ مدون في العالم .. لانهم ( حسب المعلومات المتيسرة ) مع اهل سومر كانوا أول من كتب و قرأ ..
لكن للاسف نحن سكان هذا المكان لا نعرف هذه السيرة بعد أن باعدت فيما بيننا إختلافات اللغة .. و تركنا دراسة تاريخنا لمن هم أفضل منا .. في إستخدام العلم و المنطق .. و وسائل البحث المتقدمة .. ليحلوا طلسمات القدماء .. و يستنطقوا الأدلة من الحجارة و الفخار و الأدوات المدفونه في القبور مع الموميات و ما تركه الأولون من منشئات تصارع الزمن و الجهل و الإهمال.
لنظل حتي مدخل القرن الحادى و العشرين نردد قشورا علقت في ذاكرتنا .. إما من زمن كان يصور أهلنا كفراعنة ظلمة متجبرين .. أومن محفوظات الأستاذ حبيب مدرس التاريخ عن إنتصارات تحتمس الثالث و رمسيس الثاني المشكوك فيها ..أوعناوين الصحف و المجلات عن أن أهل أم الدنيا هم بناة الأهرامات الذين علموا العالم التحضر.
تاريخ القدماء الممتد لالاف السنين لم يكن كله نجاحات ..لقد صادف الناس هنا العديد من العثرات التي دامت لعصور طويلة تمتد لقرون ..ساد فيها التخلف و الإنحطاط..
لكن في كل الأحوال تبق معجزة مسكوت عنها بيننا ..و هي معرفة كيف عمرالمصريون بادوات بدائية واديا خطرا تتخلله مجموعة من السبخات والبرك و المستنقعات و الأحراش التي تتكاثر فيها وحوش الماء و الحشرات.. ليصبح جنة مثمرة ممتدة يعيش فوقها بشر متمدنون بينما كان سكان أوروبا لازالوا يبنون أعشاش فوق الشجر .
إنه التاريخ الذى من المفترض أن يتأمله من يبيعون الأرض لسكان دول الخليج ليعمرونها ..و يسعون لتكرار نماذج مدنهم و إسلوب حياتهم .
الحديث عن النهضة التي إنبثقت علي هذه البقعة من الأرض بعد إصلاحها و تهذيبها و إستمرت لثمانية الاف سنة.. أصبح العالم يعرفة بدقة و تفصيل.. كما جرى دون مكياج و محسنات قسرية.. و ذلك بفضل العلماء و الباحثين و الدراسات و الكتب المدونة بكل اللغات .
بعرفونه بكل نجاحاته و فشله .. بتقدمة و إندحارة ..و كيف إعتلي سكان هذا المكان القمة عدة مرات يوم إستوعبوا الأخر و إمتلكوا الجسارة و الطموح .. يخوضون في المجهول .. ثم كيف خسف الزمن بهم إلي أسفل السافلين ..عندما تجمدوا و إستسلموا ..لا يناقشون أحاديث الكهان السقيمة و لا يقاومون قهر عساكر السلطان.
مشكلة تدوين تاريخ مصر.. واجهها عائقين أساسين .. اولهما الإستعمار اليوناني ثم الروماني اللذان داما لالف سنة .. فقد فيها الناس القدرة علي قراءة لغتهم ..ثم المد المسيحي و الإسلامي الذى جعل من القدماء فراعنة وثنين .. يلزم معاداتهم و تدمير أثارهم لمن يبغي صلاح دينه .
و هكذا جرى تداول حواديت لا علاقة لها بالتاريخ .. تحكي عن الملكة دلوكة و الساحرة ريا .. و تصف الأحداث و ما جرى في بداية الزمن..تفخر بإبادة جيش مصر و إذلال أهلها بواسطة لعنات يحفظون نصوصها .. و تتعلمها الأجيال .. لتمجد موسي و تزدرى فرعون .
اليهود كرهوا مصر و بابل .. و دونوا عنهم كل كل قبيح..و المسيحيون والمسلمون أخذوا ما كتبوا علي اساس انه حقيقة التاريخ .. ليتولد لديهم كرها متأصلا لبلدهم و أهلها و تاريخها لازال قائما .
علماء المصريات (مانيتون و أخرون ) يقسمون التاريخ المصرى الي ثلاث مساحات زمنية واسعه ..
عصر ما قبل التاريخ الذى دام لمدة 3000 سنة ( من 6000 ق.م إلي 3100 ق.م )
العصر التاريخى القديم ..المقسم إلي 31 أسرة و إستمر ل 2500 سنة من (3100 ق.م إلي 332 ق.م )
ثم زمن الفقد و التوهه و الإحتلال و السقوط دون قيام .. الذى دام ل 2300 سنة .. منذ (332 ق.م ) مع غزو الإسكندر .و هي فترة لم نبل من أسرها حتي يومنا.
بكلمات أخرى تاريخ مصر.. 3000 سنة كانوا يحاولون فيها الإنتقال من الوحشية للإنسانية و.. 2500 سنة كانت كلمتهم بين الأمم مسموعة .. و 2300 سنة إستسلام و ضعف و فقد و تخلف
هذة المساحات الثلاث.. عادة ما يتجاهل المصريون المحدثون أولها و أخرها ..و لا يملون من الحديث ( دون تعمق أوفهم ) عن جزئين من المرحلة الوسيطة .. أى .. زمن بناة الأهرامات من الأسرة الثالثة حتي السادسة .. ثم زمن الإمبراطورية من الأسرة الثامنة عشر حتي العشرين .
اما أنا فلا أخجل من توضيح أن مصر عاشت عصور إضمحلال و سقوط عدة مرات خلال تاريخها الطويل.. تم فيها إستعمارها لمدة 2400 سنة من أغلب الشعوب المجاورة....أو أحكي عن تدهورها العلمي و المعرفي الذى إستمر دون إنقطاع منذ إنقلاب بكباشية عام 1952 .
علي المصرى المعاصر دراسة تلك الفترات المخفية عمدا من تاريخه و يتعلم منها... دون حواجز الشوفونية
عصر ما قبل التاريخ.. و الدولة القديمة .. وعصر الإضمحلال الأول مائة و عشرون سنة فوضي...و الدولة المتوسطة ..ثم عصر الإضمحلال الثاني .. مائة و خمسون سنة سقوط .. والاحتلال الهكسوسي حتي قام أمراء طيبة سقنن رع وابنيه كامس ثم أحمس بطرد الغزاة و مطاردتهم و إنشاء الدولة الحديثة في طيبة وبناء أعظم المعابد والمقابر...
ثم عصر الإضمحلال الثالث 400 سنة سيطر فيها الكهنة خلال الأسر 21- 25 وحكمها ملوك من أصل ليبى و نوبى. و غزا البلاد الأشوريون ..ثم كيف تحررت منهم
وعصر النهضة الذى إنتهي بغزو الفرس و طردهم، وعودتهم .. حتي إحتل الإسكندر البلدوطردالفرس332ق.م .ومهد لإستعمار استيطاني بطلمي .. روماني .. عربي .. مملوكي .. تركي .. أوروبي ..ينتهي يحكم أسرة محمد علي ..و تمكن العسكر .
عندما تتحركون في المتحف الجديد و ترون تمثال خفرع و تقفون مندهشين من دقة الصناعة بادوات بدائية ..و من ثراء توت عنخ أمون و ذهبه المعروض .. أو من إنجازات حتشبسوت ..
و دقة رسومات عصر اخناتون و حوائط المقابر و المعابد ..و ثراء المكتوب علي ورق البردى .. أو أزياء الراقصات و المغنيات ..
فلا تحسبن أنك صاحب هذا المكان .. إنه في الحق ملك لمن كشفوا أسرار اللغة .. و أعادوا كتابه التاريخ ..و أمضوا السنين يبحثون عن المقابر و يستخرجون الكنوز و يحافظون عليها .. و يزيلون الأتربة و ستائر النسيان عن المعابد و النماثيل و منها ابو الهول ..
و يدونون كل كبيرة و صغيرة .. عن حياة المصريين
عبر الاف السنين ..في علم مسمي بإسمها ( الإيجبتيلوجي ) .
هذا المكان ملك لمن صممه ..و تبرع لإنشائة .. و مثل ثروة مرتقبة يجنيها المرتزقة من حجهم و
ولعهم و تقديرهم للحضارة الجدة التي أنجبت حضارة كريت .. و إنتقلت لاثينا .
حياة المصرى .. لم تكن متعة وفخامة .. و قدرة علي الإبداع .. فهو بسبب الكهنة .. و الملوك الضعاف .. كان فريسة سهلة للاجلاف الذين إستعمروه .. و دمروا مبانية .. و كسروا إنسانيته .. حتي بعدما إستقل و حكمه أنصاف الهه من الأبناء .
في يوم ما بعد أن ينفض المولد ..و يعود مؤشر البوصلة .. في إتجاة تمجيد أعراب الخليج .. سوف أحكي لحضراتكم .. ما كشفة الغرباء .. عن أحداث زمن مخفي عنكم يقص كيف تحولت برارى ..و مخاضات .. النهر و الدغل و قطعان الضوارى التي تتجول في الغابات المجاورة .. إلي حياة إنسانية .. كانت الفجر الكاشف لحضارة البشر

#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل