محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 09:32
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ما يقوله العروبيون (أى الذين يؤمنون بأنهم سلالة عربية ) بثقة عن تاريخ سكان المنطقة القديمة ( الكميتيون و البابليون والأشوريون أو حضارات الشام المتعددة مثل الكنعانيون والفينقيون و الأراميون و الحيثيون ) أصبح بعد قرنين من التنوير حواديت تراثية خارج أطارالعلوم المعاصرة..
لقد كان من الممكن ترديده خلال القرن الثامن عشر و حتي منتصف القرن التالي دون إعتراض و لكن طرحة اليوم بنفس المنطق القديم يمثل نوعا من الغفلة لأى شخص يمكنه أن يفك الخط و يبحث عن الحقيقة في المراجع المتوفرة علي النيت بكل اللغات.
ما دونه القدماء عن مصرو العراق و الشام قد يكون مفهوما إذا وضعنا في الإعتبار أنه قد مر زمن لم يكن بإستطاعتهم فيه قراءة كتابات الأجداد أو تفسيرها أو معرفة ما تحوية من معاني ..فسموها عجزا لغة العصافير أو كتابات الواح الطين أو المسمارية كما أشيع بعد ذلك ..و حكوا حول أهلها أخبارا متخيلة غيرموثقة إلا بان فلان نقل عن فلان ألذى أخبرة جد فلان .. بكذا و كذا و كذا .
ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة المجلد الاول الفصل الثاني (( كشف مصر ))..يزيح الستار عن ما حاول المستعمرون من ( الرومان و العرب و العثمانيون ) حجبه عنا لالفي سنة .. ولا زال أغلب جهالنا و مغيبينا يتجنبونه ويتعاملون مع هذه الإكتشافات بسطحية لا تليق بجدية البحوث التي أضاع فيها العلماء الاوروبين عمرهم ليفهموا كيف سارت الامور في أرجاء هذا الوادى منذ 13000 سنة ق.م.
القصة طويلة .. نحن نتكلم عن 150 قرنا عاش فيها الانسان علي أرضنا في صراع ومواجهة للطبيعة التي لا ترحم .. مع جهله بحقائق الوجود و إفتقادة للادوات التي نستخدمها اليوم بسهولة مثل اللغة و المنطق و مراكمة و نقل الخبرة المدونة .. والامن النسبي من المرض و شراسة الطبيعة وعاديات الزمن.
لذلك فمن السخف أن نجمل أحداث هذه السنين في تعبير إن المصريين كانوا كذا و كذا و كذا ..أو كما دون المسعودى بتعميم يشمل الماضي و المستقبل .. أن (( نيلها عجب و أرضها ذهب و خيرها جلب و ملكها لمن سلب و مالها رغب و من أهلها صخب و طاعتهم رهب و سلامهم نعب و حروبهم حرب و هي لمن غلب ))
لقد تغيرشكل الحياة علي هذه الارض مئات بل الاف المرات .. بحيث كانت كتابات الاجداد من الدولة القديمة علي حوائط المعابد و المدافن مجهولة للاحفاد من كهنة الدولة الحديثة الذين لم يتمكنوا من فك رموز و طلاسم مدونات متون الأهرام ..و الفارق كان حوالي 1500 سنة فقط .
قصة أهل مصر .. لا تناقش بالأغاني و الهتاف و الحماس أو بالتعصب لفترة من فترات تاريخها . بقدر ما تحتاج لبحث و درس و جهد لاجيال خلف أجيال وتراكم للمعلومات المكتشفة التي بدأها الغرب مع مطلع القرن التاسع عشر ..و لم يقدم فيها المصرى إلا أقل القليل .. بحيث أصبح ما يتداوله المثقفون عن سيرتنا ترديدا لما يقوله أبناء اوروبا من الباحثين ...و ما يتمسك به المتجمدون من حواديت الإسرائيليات و اخبار دواوين العرب .
كتب ديورانت ((إن الكشف عن تاريخ مصر لهو أروع فصل في كتاب علم الاثار ، لقد كان كل ما تعرفه العصور الوسطي عنها أنها مستعمرة رومانية و وطن من أوطان المسيحية .. و كان الناس في زمن النهضة يظنون أن الحضارة قد بدأت من بلاد اليونان و حتي عصر الاستنارة لم يكن يعرف من مصر أبعد من الاهرامات .
علم الاثار المصرية جاء كنتيجة ثانوية من نتائج حروب نابليون الاستعمارية فقد شملت هذه الحملة بعض العلماء الذين كانوا يهتمون بمصر إهتماما يظنه الناس سخفا في تلك الايام . و يسعون لفهم التاريخ فهما أوفي و أفضل مما يفهمة المؤرخون وقتئذ
كانت هذه العصبة من الرجال هي التي كشفت للعالم الحديث عن هياكل الاقصر و الكرنك كما جاء بكتاب (( وصف مصر )) الذى أعده المجمع العلمي الفرنسي ((1809 -1813 )).. وكان أول خطوة خطاها العلماء في دراسة هذه الحضارة المنسية )).
((علي أن هؤلاء العلماء ظلوا سنين طويلة عاجزين عن قراءة النقوش البادية علي الاثار المصرية و ليس ما بذلة شامبليون أحد العلماء من جد وصبر علي حل رموز الكتابة الهيروغليفية إلا شاهدا من شواهد كثيرةعلي الروح العلمي الذى إمتاز به علماء هذه الحملة ))...
((عثر شامبليون علي مسلة مغطاه بهذه الرموز المقدسة مكتوبة باللغة المصرية ولكن في أسفلها نقوش باللغة اليوناينة عرف منها أن هذه الكتابة لها صلة ببطليموس و كليوبترا و خطر له أن إحدى العبارات الكثيرة التكرار والتي يحيط بها إطار ملكي (خرطوش ) هي إسم الملك و الملكة فهدته هذه الفكرة عام 1822 إلي تمييز أحد عشر حرفا من الحروف المصرية ولكن هذا كان مجرد حدس و ليس يقينا )).
بالطبع سيعلق البعض بحماس الكارهين لفرنسا و ناسها المتعصبين للمنتج المحلي بان رجل دين قبطي سبق شامبليون و هو الذى أرشده و علمة ..و لكن هذا لم يكن معروفا في زمن ديورانت ..و لم يصبح معلومة مؤكدة حتي اليوم .
(( قدم هذا الكشف أول دليل علي أن مصر كان لها حروف هجائية .. ثم أن شامبليون بعد ذلك طبق هذه الحروف علي رموز وجدها علي حجر إسود عثر عليه الجنود قرب رشيد و كان عليه نقوش دونت بثلاث أنواع من الكتابة أولها الهيروغليفية وثانيها الديموطيقية (الكتابة المصرية الدارجة ) والثالث هي اليونانية و إستطاع شامبليون بفضل علمة باليونانية و بالاحد عشر حرفا التي عرفها من المسلة الاولي و بعد جهد متواصل إستغرق أكثر من عشرين عاما أن يحل رموز هذا النقش و أن يتعرف علي الحروف الهجائية المصرية بأجمعها ))..
السير والس بدج عام 1903 في كتابه (( الهة المصريين )) كتب
((منذ زمن بعيد توقف علماء المصريات عن عادة الاعتماد المطلق علي المعلومات التي كتبها الرحالة الاغريق و الرومان لانهم جميعا قد عجزوا عن إستخلاص الحقائق الكامنة في الحضارة المصرية ))..أستأذن بدج أن أضيف لهم المدونون العرب
عام 1905 كتب جيمس بريستد في مقدمة كتابة (( تاريخ مصر من أقدم العصور حتي الغزو الفارسي ))
((ولا يخفي أن معلوماتنا عن التاريخ القديم لسكان وادى النيل ضئيلة و من الصعب علينا التوفيق بينها لأن معظم الكتب القديمة المعروضة ظهرت قبل التحقق من محتوياتها و التأكد من أخبارها و قصصها المنقولة عن القدماء )) .
وهكذا فتاريخ مصر الممتد لالاف من السنين بل تاريخ المنطقة التي كانت قلب العالم في زمن بداية تحضر البشر يصعب أن نسردة بيقين ديني يعلي من شأن بعض القوميات و يحط من أخرى..
أو يحيط بعض الاشخاص بهالة من القدرة و يدين الإخرين و يخسف بهم الأرض مثل النمرود و فرعون كما دون مبدعو الاسرائيليات الذين نشروا إدعاءات بأن إسم مصر جاء من مصريم إبن نوح .. و أن الملكة دلوكة حكمتها لمئات السنين لان الرجال غرقوا في اليم .. و أنها (أى مصر ) كانت مهدا للسحر بحيث أصبحت نقوش (البرابي )اى المعابد طلسمات تستخدم لأغراض سحرية خاصة بحماية البلاد من غزوات البدو .
بصراحة و علي بلاطة ..أنا أصدق علماء المصريات المحدثين ..فمصر التي عرفها العرب و مؤرخيهم و شيعتهم. و طباليهم و زمرتهم من خلال الإسرائيليات و حكوا عنها عبر الف سنة .. تصف إنجازات خيالية و أنتصارات متوهمة لامة الرحل علي شعوب كانت في يوم ما مهدا للحضارة
ليست تلك التي نتعرف عليها من ابحاث و دراسات علماء اليوم الذين جنبوا ما كتبه الهواة و السياحوالذين سمعوا سخافات الجهلاء و دونوها علي اساس أنها تاريخ الأمة .
.
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟