أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - العفوية ليست سداجة














المزيد.....

العفوية ليست سداجة


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 23:11
المحور: قضايا ثقافية
    


العفوية ليست سذاجة، هي واحدة من أصدق الصفات الإنسانية التي تعبّر عن نقاء القلب وصدق النية. حين يكون الإنسان عفوياً، فإنه يتصرّف على سجيته، دون تصنّع أو حسابات مسبقة، فيُظهر حقيقته كما هي، دون أقنعة أو تزويق. وهذا لا يعني بالضرورة أنه جاهل أو غافل عمّا يدور حوله، إنما يعني أنه اختار أن يكون نفسه، أن يعيش بشفافية لا تُثقلها التوقعات الاجتماعية أو الخوف من الأحكام المسبقة.
كثيرون يخلطون بين العفوية والسذاجة، ظناً منهم أن من لا يخطط لكل كلمة يقولها أو لا يحلل كل موقف ببرود منطقي، هو بالضرورة شخص سهل الخداع، ضعيف الحيلة، أو قليل الذكاء. هذا التصور مغلوط وظالم. فالعفوي ليس غبياً، وإنما هو واثق في ذاته بما يكفي ليكون مرتاحاً في التعبير عن نفسه دون حذر مبالغ فيه. لا يخشى أن يُظهر مشاعره الحقيقية، لأنه لا يرى في الصدق ضعفاً، ولا في التلقائية عيباً. يرى في ذلك شجاعة نادرة، في زمن أصبحت فيه المجاملات المبالغ بها والتصنع وسيلة لتفادي الصدام أو الرفض.
العفوية لا تعني غياب الوعي، ففي كثير من الأحيان تعكس وعياً عميقاً يرفض الزيف. العفوي قد يكون أكثر فهماً لما يدور حوله مما يُظن، لكنه يختار ألا يتورط في التمثيل أو المراوغة. هو قادر على التمييز بين الصدق والنفاق، ومع ذلك لا يسمح لهذا الإدراك أن يفسد طبيعته أو يُفسد سلامه الداخلي. وكم من عفوي فهم اللعبة جيداً، لكنه لم يشأ أن يلعبها، مفضلاً أن يحتفظ ببراءته على أن يخسر ذاته في دهاليز التكلّف.
في العلاقات الإنسانية، العفوية تخلق جواً من الراحة والثقة، لأنها تبني الجسور على أساس الصدق والبساطة. الشخص العفوي لا يرهق من حوله بتوقعات خفية أو حسابات دقيقة، بل يمنحهم مساحة ليكونوا على طبيعتهم أيضاً. ومن خلال ذلك يسهم في خلق تواصل أكثر عمقاً وإنسانية. على عكس من يتعامل وفق استراتيجيات مدروسة دائماً، فيبدو تواصله بارداً أو مصلحياً، وإن تزيّن بالكلمات الجميلة.
أن تكون عفوياً لا يعني أنك لا تخطئ، فالعفوية قد تقود أحياناً إلى مواقف غير محسوبة أو ردود فعل مباغتة. لكن جمالها يكمن في أنها تقبل الخطأ كجزء من الرحلة، لا كوصمة دائمة. العفوي حين يخطئ، يعتذر ببساطة، ويُصلح ما أفسده بنية صافية. لا يبرر كثيراً، ولا يراوغ، لأنه لا يرى في الاعتراف عيباً، بل يجده فضيلة.
أما السذاجة فتعني غالباً غياب الوعي، أو الاندفاع غير المدروس، أو التصديق الأعمى. الساذج لا يرى الخطر حين يكون واضحاً، ولا يفرّق بين من يضحك له ومن يضحك عليه. في حين أن العفوي غالباً ما يعرف الفرق جيداً، لكنه لا يدع الخوف من الخداع يسرق منه روحه النقية. هناك فرق كبير بين من لا يعرف الحقيقة، ومن يعرفها ويختار ألّا يفسد قلبه بها.
الدفاع عن العفوية هو دفاع عن حرية الإنسان في أن يكون على طبيعته، لا كما يُراد له أن يكون. وهو تذكير بأن القوة لا تعني القسوة، وأن الذكاء لا يُقاس بقدرتك على التمثيل، وإنما بقدرتك على التوازن بين الصدق والحكمة. العفوية ليست ضعفاً، بل خيار راقٍ لا يستطيع الجميع تحمّل تبعاته، لأنها تتطلب شجاعة أن تُظهر ذاتك بكل ما فيها، في عالم يتقن التخفي.
العفوية إذًا ليست سذاجة، إنما موقف ناضج يتّخذه من يملك من الوعي والطمأنينة ما يكفي ليعيش حياته ببساطة، دون أن يُفرّط في كرامته أو يتنازل عن احترامه لذاته. هي نبل الروح حين تتجلى في الكلمات، وصفاء القلب حين يتحدث بصدق، وهدوء العقل حين يرفض أن تُقيّده أقنعة لا تشبهه.



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام الله منهج حياة من كتاب (رسائل غير مشفرة)
- مناهل تابث من كتاب (أفئدة من ذهب)
- سر نجاح العلاقة الزوجية
- الفرق بين كلمة عبيدي و عبادي
- الأمومة من كتابي (رسائل غير مشفرة )
- الأسرة والدخول المدرسي من كتاب( رسائل غير مشفرة)
- بلغ السيل الزبى من كتاب (رسائل غير مشفرة)
- من وصية أم من كتابي( رسائل غير مشفرة)
- التعافي (من كتاب رسائل غير مشفرة )
- عيشة بنت الحاج امرأة من مزاب من كتابي(أفئدة من ذهب)
- لا تخنثوا أبناءكم
- الفراغ بمعانيه من كتابي (رسائل غير مشفرة)
- أصل الداء و الشفاء(العقل القلب الضمير)من كتابي رسائل غير مشف ...
- الصحة من الأولويات من كتاب (رسائل غير مشفرة )
- سلوكيات تتناوب في النفس البشرية (الغيرة، الغرور ،الغباء ،الغ ...
- من كتابي رسائل غير مشفرة (سلوكيات الغيرة ،الغرور،الغضب،الغبا ...
- العلاقة بين الحماةو الزوجية
- الأمومة والعطاء
- هم أربعة من أزمة مختلفة
- الثقافة نظافة وتربية من كتابي (رسائل غير مشفرة)


المزيد.....




- مصر.. كيف انعكس ارتفاع سعر السولار على الخبز؟
- تقرير أميركي سري: الجيش الإسرائيلي ربما ارتكب مئات الانتهاكا ...
- بين رفض ترامب وخطط حكومة نتنياهو.. ما سيناريوهات ضم الضفة ال ...
- الملك تشارلز يجرد شقيقه أندرو من ألقابه.. ومصادر توضح لـCNN ...
- مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي وتأخير الساعة 60 دقيقة
- القضاء الأميركي يجمّد خطة ترامب لنشر الحرس الوطني في بورتلان ...
- فانس يبرّر قرار استئناف الاختبارات النووية: -ضمان لفعالية ا ...
- واشنطن تمنح الهند ستة أشهر إضافية لتسوية استثماراتها في مينا ...
- إسرائيل تعلن تسلم جثماني رهينتين من حماس والتحقق من هويتهما ...
- إعصار ميليسا يتجه نحو أرخبيل برمودا بعدما تسبب في هلاك 20 شخ ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - العفوية ليست سداجة