|  | 
                        
                        
                        
                            
                            
                                
                             
                                
                                    قراءة تحليلية لقصيدة بدون عنوان للشاعر التونسي طاهر الذوادي ( المقطع الثاني)
                                
                            
                               
                                    
                               
                                
                                
                                   
                                     
 
                                        محمد هالي
 
     الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 02:17
 المحور:
                                            الادب والفن
 
 
 
 
 
                                   
                                        
                                            
                                              المحور الاول من أجل فهم دلالات تجليات الواقع شعريا:
 عندما تتفتح القصيدة على معاني اللغة المتقلبة تجد اصور المتعالية المستخدمة تسبح بك إلى عوالم مختلفة، تحتاج لتقلبات كثيرة من أجل فك طلاسم الصور التي تريد ذهنية الشاعر الصانعة للقصيدة ان تبلغها للمتلقي، من هنا يتبختر الفن و يتعالى لتبقى الديمومة الفنية مجسدة في كل رسومات الحروف المتتالية هذا ما تحتشيه صور قصيدة طاهر الذوادي، و ذلك حين تتابع اللغة بصمت المتتبع و المتأمل لما هو خفي في باطن الشعر لا ظاهره، هكذا تنطلق القصيدة من بداية احتمالية متقلبة الزمن "أحيانا" لتكون بداية لصرخة أسطورية الدلالة كحمل الجسد من طرف الذات، ضمن ما هو مستحيل "على شاطئ الأغنيات المكسورة"
 هذا التعالي بلغة المجاز تظهر الذات تائهة مكسورة ضمن الغليان التي ألم بالإنسانية وهي تتخبط بكثير من اللغو و الأصوات تشبه الفيض من الخلط بين الموسيقي و صوت البشر ، تستحق أن توصف ب"الأغنيات المكسورة" مادام الفيض يصب في خانة الإلهاء المتموسق ضمن نذر الأغنيات الملتزمة بصوت الالتزام و الصراخ من أجل الصد القادم و المكتسح لكل صوت يرى الأمور عكس التيار، ليضفر بالإنفلات عن طريق احتمالية الانتقاء من هذه الضبابية عن طريق حمل أسماء الجيران "أحمل أسماء جيراني" هذا الانتقاء مأخوذ من أجل تشكيل قوة ما ، لعله يصد الطوفان الجارف لكل شيء ، حتى لا يسقط الكل في لحن واحد ، و يبقى بصيص أمل من القربى (الجيران) بل من الممكن ان تشمل التعبئة حتى ( بنظرات الغرباء) من أجل فتح المجال للأمل في البقاء، ضمن هذا الصخب الموسيقي القوي، و هذا الوهن الخطير و المتداعي باستمرار يلجأ الشاعر إلى ما تبقى من الذات ليلوح للخيال بان يبقى يقظا مشتعلا كي يصطاد ذاك النتف بأدوات طبيعية بسيطة لكنها بقدرة القصيدة ستكون فارهة الليونة تشبه الإسفنج لكن ضمن مواقف أقوى و متسارعة وسط اشتعال لا بد من الفرار منه(العودة من الحرب) التي لا تترك الأوضاع على حالها تسقط حتى "أصص الورد" هكذا يتجدد الخطاب و الكلام و تتشكل اللغة لتداعب ما هو مموسق باهت تحت فائض من الموت التي تكنه الحروب للبشر و الطبيعة معا ، فيكون الخطاب ضمن حيرة اللغو و ما يسعى الحديث الوصول إليه في "خلوة النتف" الغارق في تجدد المواقف واحتمالية تقلب الأحداث التي لا يمكن التحكم فيها أمام واقع مرهق لكل متأمل لما تسعى إليه الإيديولوجيات في واقع الميل إلى الاحتماء بالمصالح و تحقير الأمم للأمم ، و ما تحمله القوة من إخضاع و إذلال للأضعف، تغطيها تموسقات كثيرة حاول الشاعر أن يرسم بعض تعالمها شعريا .
 فالرجوع الى الذات تبقى ضرورة لقياس المتحكم فيها ، و ما هو قابل للخضوع للضرورة، لكن الكينونة التي يتخبط فيها الشاعر غير محددة بل غامضة ما دامت بعيدة المنال، مما يجعلها تسقط في التيه، تبحث" عن مكان في اللامكان"، ضمن هذه الضبابية تبدو الكينونة تتجه الى العمق الوجودي الحائر بين الوجود و اللاوجود، فعلى ارض الواقع المكان غير متوفر أما في منحى التصور فالمكان كائن في مكان ما، تحاول الذات أن تلف مخازنها لحفظها من النسيان ، لتدخل في معيقات الموجود نفسه حيث تكون الكينونة على شكل: "فم بلا ماء
 يغطي بصمته أقمارنا الميتة
 فم بلا فاكهة"
 هذا الموجود الخاضع لإرادات المعيقات تشبه نفق أسطوري يخرق القوانين الطبيعية كي يعلو الخيال و يسبح داخل متمنيات يصعب الضفر بها واقعيا , لكن على مستوى التثاؤب داخل النفق الى جانب "شرفات الانهار في المجرة العذراء" من الممكن ان تتصاطح بين "أزمة الأرواح حين تتشابك الأطياف"، هذا الوصف المجرد هو ما يمكن أن تصل إليه النظريات الميتافيزيقية عندما تحاول الهروب عن ممكنات الواقع الغير المحققة أصلا لتجعل للحلم مكنونه الخاص وفق تداعيات الأنا الأعلى الهاربة من المعيقات و الصعوبات الجمة التي تلف الكائن الباحت عن المكان الهارب منه، و تبقى ظلال افلاطون المثالية هي الأصح في "جناية الحرير" بهذا يجرنا الشاعر إلى قواسم الخيال من أجل الهروب إلى ما هو أعمق من المكان المستلب إلى مكان تشيده الذات لتعيش في أرقى صورها من أجل تجسيد الكينونة، و تثبيت الذات على شكل تداعي حر تبلغه أعتى التخيلات الممكنة لتحقيق ما هو مستعصي عن التحقق من أجل تحقيق مكانة الذات ضمن كينونتها العاقلة القادرة على صنع الوجود من اللاوجود من اجل "جناية الحرير" المثالي لا الواقعي.
 ففي العالم المتعب من شدة المآسي يأمرنا الشاعر بأن نتلاحم بثنائية الوحدة و الفراغ كلحمة واحدة لا يجب الفصل بينهما هذه الوحدة المجسدة في هذا الوجود هي التي تصنع للذات تأملاتها الحقيقية بحيث تكون كوجود تارة كفراغ تارة أخرى ضمن معركة متواصلة لا تتوقف، لأن قوة السراب في هذا الوجود تحتاج الى معركة حامية الوطيس ، خصوصا ذاك السراب المتجه للفم، يتجسد الفراغ في الوحدة للقيام بأدوار لا حصر لها ، هذه الادوار تتخندق ضمن المستحيلات أو بالأحرى تستمد مقوماتها من الخوارق لا متناهية التحدي ك"الرقص على الثلج"، أو "تجريد الطرائد من الألم"، او "صراخ الليل الوئيدة في صلواتها" فبهذه الصعوبات المتعالية الصور تدخل المرء "ما أوتي من سلام" إن قوة التخيل الذي يتميز به المتن الشعري يجعل المتلقي يجد صعوبة في الكشف عن مكامن الاختفاء، و تعرية ما هو خفي فيما تريد الدلالات اللغوية إيصاله ، من هنا تتكتف الصعوبات أثناء التنقل من خطاب أسطوري إلى خطاب أسطوري آخر أكثر تعقيدا لكي يتم الظفر بالسلام "في وجه الضباب و موائد الغيم
 نجمع فتنة الجنون و الأزهار و الألغاز
 و القناديل المرتعشة في تجاويف الممرات المنتظرة"، يجرنا الشاعر إلى الانتقال من علو التصور الى محك تصورات أخرى أعقد من الأولى ، فتكون الرموز المتشابكة بين العيني و المتخيل، كيف إذن الدخول في وجه الضباب و موائد الغيم؟ و جمع فتنة الجنون و الازهار و الألغاز و القناديل المرتعشة في تجاويف الممرات المنتظرة هذه التخيلات تبرز مدى العلو الذي يدفعنا اليه الشاعر لنسبح معه في تلك المستحيلات مثل "أصوات هاجمها حلم لا يجيد اللغة"، أو "ننهض كأسطورة في خطوة باردة تشبه الجريمة ، كل هذا التعالي التجريدي الذي تتجه إليه لغة القصيدة يحتاج إلى خاصية التأويل لنفهم تعقيدات القصيدة وهي تجسد تعقيدات الواقع المعاش نفسه، لأننا أصبحنا في هذا الزمن نشاهد أشياء متشابكة و معقدة تتسم بالتيه و في كثير من الأحيان نشعر بأننا مكبلين لا نستطيع فعل أي شيء بهذا يجعلنا الشاعر فنيا و لغويا نتجاذب حياة أسطورية و نتخبط في اللامعنى لكننا نعتقد أننا كائنات نسبح في الوجود و نتجه كالريح تتجاذبنا امواجا عاتية لا نعرف وقت الهدوء و لا الهيجان، فقط نكون كالأشياء كباقي أشكال الوجود
 "نلبس التراب"
 و "نعلم الموت شد الرحال إلى الضياء"
 هذا الضياء نفسه متقلب تارة يصبح غيما و تارة أخرى ينقلب إلى ظلام حالك، هذا التيه المتسم بالكثير من التخبط ، يجعلنا نعيش اللامبالاتنا على أكثر من صعيد، يتجسد في عدة تحديدات صعبة المسك بها تشبه "الدفن هاوية لها غطاء" يغزوها استهزاء قاهر من سخرية الزمن و من غيظ الإنسان على الواقع المتدحرج الى الهاوية ك"ضحكة بلهاء تحتفي بانتصاراتنا" في حين أن قوة العجز أمام ما هو متاح في عالمنا المتكدر المنجر الى هاوية الجشع و البطش لا يسمح لبصيص أمل أن يظهر في الأفق نتيجة ما أصبحنا نراه من "بياض يغفو بالدم" لكن ردود الفعل لا تبث بصلة إلى ما يحدث في الوقائع و الأحداث فالحروب المشتعلة بلغت دروة الموت و الفناء، بلغت اللامحدود و اللامنتهى فقط فرجة اللاجدوى و اللاصبر تنبلج أمام محيط محبط يحدد الشاعر طلاسمها بذهول أعمق من التحديد نفسه و أعمق من الوصف "الريات من وراءها أسماء لا تمحى
 ذاكرة بحجم اليابسة "
 لتجسد الصور عمق الأزمات و صعوبة الكشف عن الوقائع فمن حيث الحلم تبدو ك"أجراس العودة على شكل حمامة في عشها نازفة
 و الزيتون واقف وراء الدمع
 و الهوى يفنيه"
 لنكون في الحقيقة أمام اللاعودة مادام أن ما يجري من تقتيل لشعب أعزل في بؤرة صغيرة ضيقة و لا من يحرك ساكنا نتيجة تخاذل أنظمة. و شعوب مقموعة و محبطة ، و محيط أعرج لا يبشر بخير أمام غطرسة القوة المدعمة تقنيا و ماديا من أقوى الدول، من هنا لا يمكن الجمع بين عودة تبدو مستحيلة و حمامة نازفة فتظهر قوانين الطبيعة الجديدة تشبه حد الوصف الشاعر "الزيتون واقف وراء الدمع
 و الهوى يفنيه"
 و اذا كان الشاعر قد بلغ مضمون ما يحدث في غزة من أزمات و تعقيدات يصعب فك طلاسمها فهو يدرك عمق المستحيلات الذي يلف القضية كلها، يدرك أن الصديق هو الآن في خانة المشكلة نفسها، و يدرك أن منطق القوة لا حدود له، و يدرك أن الزيتون لا يخلو من دمع لا يجف و هو يفتقد لمعنى الهوى مادامت الشعوب عاجزة عن الصد، و أن هذا الهوى بقدر ما هو مطمح لكن صعوبة احتضانه يتحول الى عجز ينقلب إلى فناء، فما جدوى العاطفة اذا لم تكن هناك قلوبا قادرة على الفعل و تحقيق التأثير على ما هو حادث، و بهذا تكون العودة بدون صدى بدون جسر بدون خط عبور فيبقى المشهد كما يراه طاهر الذوادي "حمامة في عشها نازفة
 و الزيتون واقف وراء الدمع
 و الهوى يفنيه"
 بهذا العيني المباشر تتقزز الأحداث و تتعقد القتامة إلى درجة العجز إلى حد الفرجة الميتة على أمل الصحو ، و التشبث بالبقاء من جديد .
 هكذا يواصل طاهر الذوادي مساره الشعري بلازمة حبذ أن يجعلها المنطلق "كنت وحدي" لتظهر في أغلب المقاطع كنوع من أنا معزولة أو ذات متفردة لكنها في العمق توجد ضمن محددات أعمق من الوحدة ذاتها كونها مرتبطة بخاصية تفاؤلية ك"بسمة على الصدر" ب"إيقاع لا يشيخ" من حيث ديمومتها داخل الحياة ، لم تتسع و لو ل"شجرة واحدة ينام في جرحها الطير ، هذا الإيقاع الثابت لا يتسع لأي اكتظاظ أو اقتسام المكان فهو لا يصلح حتى لما هو طبيعي في الوجود كشجرة "تحتضن الطير" فقط الوحدة و الصراخ في عبق الألم كجرح لا يلتئم و كأنه مرض خبيث قادر على الاتساع لكل المناداة، و الانفتاح على أقصى درجات المآسي فتكتظ الأسئلة و تتسع بل تنتشر كتدفق مياه الصنبور المنحبسة في مجرى قابل للانفجار في اية لحظة ، فكيف يكون الياسمين مسنونا ؟ و كيف نستطيع المشي في طريق جبلي نحافظ على البقاء وسط ريح مولولة؟ هكذا يستمر في خوض هذا الرهان المتعالي المنغمس في حوافر الأسطورة طيلة هذا المقطع الشعري، ليؤكد بنفس الخطاب و بنفس المناداة ك "القرى المقصوفة الريش"، و "الصراخ المدد في ساحة القلب" ليصل إلى أعمق استعارة شعرية حين يتجه إلى المستحيل نفسه كآخر مد يمكن الوصول إليه الذي يتماثل مع مناداة "الحجر الصامت كقبلة" فيظهر خاصية التفرد الفاقد للمكان فهو لم يتسع و لو
 ل "يد للإتكاء
 و مصافحة الموت"
 هذه الصور البليغة تظهر الوحدة المتعالية المجردة في أقصى عزلتها ضمن لا زمكانية المنحى تسبح في التجريد كقوة خارقة تقصي الأشياء برمتها بل تقصي تفردها أيضا
 بعد هذا التحديد الدقيق للوحدة يتجه بكل فخر الى تحديد دلالة مفهوم الألم ليزيح عنه ما يبدو معقدا فهو مرتبط بالشك و القصف و البعث، و البعث إنه الدروة في المعاناة، فهو يوجد
 " في منتصف الشك،
 في منتصف القصف
 في منتصف البعث"
 مما يفرض على الطير بأن يبحث عن مكان آخر للعيش، حيث لم يبق هناك هواء يستطيع أن يريح الطير ، لم يعد هناك هدف و لا شجر يؤثث الوجود على شكل تفريخ و تجديد النسل من جديد، في الحقيقة المقطع ككل ينطلق من الوحدة التي لزمت كل المقاطع لكنها وحدة انطلقت من خاصية التفاؤل من خلال ابتسامة الصدر الذي كان يظهر مناحي الحياة المتعطشة للفرح و السعادة التي تحافظ على البقاء ضمن إيقاعات الحياة فلا مانعا من الاستمرار دون تحديد عوائق الزمن، إنها الوحدة المتفائلة في عزلة تامة التفرد لا تتسع للاختلاط و لو كان الشيء نفسه من طينة الطير الذي لم يجد مكانا للارتياح ، لتتبدى المتناقضات بين الخير و الشر أو بين التحام غير قابل للتجسد إذ لا يمكن لعطر الياسمين أن يتحول الى اشواك حادة ، كما هو الشأن للطريق الجبلي التي لا تستطيع أن تكون طريقا صالحة للعيش بسلام كما هو الشأن في القرى المقصوفة إلى ما لا يحتمل من تداعيات الأخبار و الآلام المتفشية في كل أمكنة القتال خصوصا في عالمنا العربي إذ لم يعد الصراخ مجديا و لا الإدانات قابلة للتجسيد إنه المستحيل في كل شيء لم يعد هناك فراغات تحتاج للملء ، هناك شقاء متعب و قاس إلى حد الغثيان ، إنه الواقع الظالم يتفشى في كل أمكنة القصف و الموت، ألم يجسد الشاعر هذه المتناقضات على شكل صور تتيح التأمل كما أنها تتيح التيه أثناء البحث عن أجوبة ما عن ما يحدث في واقعنا الحالي؟ الكل الآن يصبح ك"الحجر الصامت كقبلة" بحيث لم يعد هناك مكان للإتكاء بل الكل يرى مصافحة الموت للأطفال و النساء و العجزة بل للشجر و الحجر، بل أصبح الاستنجاد بالألم و مخاطبته بأعتى تقلبات الريبة هو الافضل، إنه يثير الشك و يفوق القصف لم يعد الأمر متقبلا إلا في ميكانزمات البعث الميتافيزيقي مادام البعث الواقعي محاصرا من كل الجوانب، إنه العجز المتفشي في كل ما يدور في فلكنا لم نعد أقوياء و لا كنا كذلك نلاحظ و نتأمل بحيث لم يعد في مقدورنا رفع الهواء لكي يستريح عليه جناح الطير، هذا هو الواقع المر الذي نعيشه في أزمنة التحضر الجديدة لا مكان للبشر و لا لوحدة تفرده بل لا كائنا آخرا أصبح بإمكانه أن يعيش بسلام فوق هذه الأرض أو ينعم بهدوئها و سكونها فقط الحرب المتجهة إلى الإحتماء بالقوة ، و بجبروت لا يقهر، يفوق المستحيل، يفوق الخوارق و إن بدت الإنسانية عرجاء و عاجزة عن الصد فإن الشاعر يخبرنا بذلك
 ،"لا هواء أرفعه عاليا
 كي يستريح عليه جناح الطير"
 بهذا يكون هذا المقطع من القصيدة قد لامس واقعا مرا أقوى من الحنظل، يعري بتمعن ما يقع في أمكنة عديدة التوترات و الصراعات و الحروب بحيث لا يمكن تبليغ قساوة ما يحدث الا بخوارق تأخذ من الأسطورة جوانب كثيرة و تأخذ من الخيال أعتى الصور و من لحم المتناقضات أو من ما يظهر في هذا الوجود للتبليغ، لا يمكن هذا إلا بخلط كل ما هو جميل و خير ضمن ما هو قبيح و شرير، رغم الصعوبة تكمن في كون الشر دائما ينتصر على الخير الى درجة أن "الياسمين مسنونة" و "الحجر الصامت كقبلة" لنردد لا مكان لنا في هذا الوجود نصافح فبه الموت و نتكيف مع الألم في أقصى تجلياته ما دمنا في بؤر متوترة دائما نفتقد للهواء و نحتمي بالقصف و ننتظر البعث، باختصار أصبحنا نلتحم باللاوجود أكثر من الوجود نتيجة العجرفة و الخيانة و الإنتظارية و مشاهد الرعب و ننتشبت باللامكان عوض المكان ، بل نتقبله مادام هو الخيار الوحيد المتبقي ضمن الهدف المسطر من قوى خارج السيطرة، تجسد القوة و الهيمنة على البشر و الحج، لهذا استطاع الشاعر أن يحول طرق التفاعل مع المحددات المحيطة به، كما كان يرقص ضمن محددات كثيرة ظل في نفس الوقت منعزلا متفردا بل مقصيا من التضامن أو التفاعل مع الآخر، مادام هذا الغير تنحى جانبا في فرجة دائمة، و تركه في معمعات الضباب، و القتال و الرصاص، الصورة هنا أبلغ حين يتغير الكلام و الماء و يسقط في الضياع، لم تكن هذه الراقصة سوى منطقة صغرى تطل على شاطئ كان المتنفس الوحيد فاصبح محاصرا بالرصاص و الطائرات و الدرونات و كل أشكال الدمار الشامل، إنه وحده المستمر في اتجاه اللامحدود أو اللاأفق ، بين تبدلات كثيرة تؤثر على هذه الوحدة، فلم يعد شكل الماء ، و لا شكل الكلام كما كان جميلا منفتحا على العالم، إنه الضياع بين القصف المتواصل و الموت المتواصل بل بلغة الشاعر نفسه "أحتطب طرفة الحرائق
 من جنازة النار و الريح
 كي لا تكون أهاتنا صرخة الليل"
 هكذا تبدو المشاهد من حيث تغير كل الأشكال و الأدوار و الاحداث، فالشاعر يضع الذات كآلية تتغير بسرعات زائدة فحين اشتد وطيس التطبيع و الزيادة في تشابك المصالح بين عدو جشع و أصدقاء غضوا الطرف عن القضية ككل، ركض الشهداء و المقاومون و الأسلحة البسيطة و المعقدة محاولين إرجاع القطار إلى سكته المعهودة. كانوا يركضون وراء الزمن كزفير على أرصفة "التاريخ ليعانق كل المنتصفات
 "و سأظل في منتصف الليل
 في منتصف الحريق
 في منتصف الهشيم
 في منتصف الصرخة
 في منتصف القهر "
 بحيث كل هذه الأشكال عايشها الغزيون و يعيشونها على شكل حريق دائم، بل على شكل بقايا أشياء محترقة قابلة للكسر و الذوبان لن يجدي الصراخ و لا العويل و لا البكاء إنه القهر المنتشر في كل الأمكنة قهر السلاح و قهر الأعداء و قهر الإخوة الذين باعوا الهمم، لم يعد هناك من يخبر عن الجرائم الكل مقصوف، و الكل معلول، لم ينج من الكآبة و الحزن أحدا: لا طفلا و لا امرأة و لا صحافة و لا من يدون الخبر، حتى المعالج تقطفه النار على شكل جثة، أو على شكل اشلاء ، يصف الذوادي هذا البلاء و هذا القلق ، و الغضب في منتصف القصيدة ، ليجسد الموقف بالسؤال الافتراضي المغبون: أيوجد أكثر من ذلك؟ سيظل هذا السؤال حائرا مستفزا لكل جواب, و مادام المجيب في حالة غياب أو في حالة ذهول أو رعب أو في حالة تطبيع و عمالة فإن المجيب هي غزة نفسها أو الشاعر نفسه لأنهما انصهرا في قلق واحد أو رعب واحد أو عجز في صد كل هذا الطوفان ، غزة بقيت وحدها تتكبد كل هذا الألم، كل هذه الأنا المتجددة تبدو أنا شاعرية تنصت ل"هدير الجرح و أنين الناي " ليبدو المقطع الشعري الأخير على شكل تراجيديا قلقة مما يحدث، مما يجعل لازمة ،"كنت وحدي" التي جسدت منطلق كل المقاطع تعبيرا عن وحدة غزة في المشهد العالمي كبقعة جغرافية تباد عن آخرها أمام فرجة العالم و خطاب العدالة الدولية و حقوق الإنسان تزف لنا أخبارا مسيئة للإنسان تتصدى لهدير الجراح و أنين القنابل و الرصاص في غفلة عن الانسانية و روح العالم المتحضر المتجذر في العنف و الإقصاء ، و تجسيد منطق القوة خدمة لمصالح الأقوى في هذا العالم.
 
 #محمد_هالي (هاشتاغ)
       
 
 ترجم الموضوع 
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other 
languages
 
 
 
الحوار المتمدن مشروع 
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم 
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. 
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في 
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة 
في دعم هذا المشروع.
 
       
 
 
 
 
			
			كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية 
			على الانترنت؟
    
 
 
 
                        
                            | رأيكم مهم للجميع
                                - شارك في الحوار
                                والتعليق على الموضوع للاطلاع وإضافة
                                التعليقات من خلال
                                الموقع نرجو النقر
                                على - تعليقات الحوار
                                المتمدن -
 |  
                            
                            
                            |  |  | 
                        نسخة  قابلة  للطباعة
  | 
                        ارسل هذا الموضوع الى صديق  | 
                        حفظ - ورد   | 
                        حفظ
  |
                    
                        بحث  |  إضافة إلى المفضلة
                    |  للاتصال بالكاتب-ة عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
 
 | - 
                    
                     
                        
                    قراءة تحليلية لقصيدة بدون عنوان للشاعر التونسي طاهر الذوادي 
                        ... - 
                    
                     
                        
                    قراءة لقصيدة-عطش الأجوبة- للشاعرة -خزامى شبلي-
 - 
                    
                     
                        
                    السلام المغشوش
 - 
                    
                     
                        
                    شيء من صوري
 - 
                    
                     
                        
                    أول عاصفة
 - 
                    
                     
                        
                    ما الانسانية؟
 - 
                    
                     
                        
                    جولة عبر حوافر اليأسمح
 - 
                    
                     
                        
                    وجهة نظر
 - 
                    
                     
                        
                    قصص قصيرة جدا
 - 
                    
                     
                        
                    شرين
 - 
                    
                     
                        
                    عاجل: يجب أن نستوعب الدرس
 - 
                    
                     
                        
                    الابداع المشترك: كاترينا
 - 
                    
                     
                        
                    مرحلة لا مناص منها
 - 
                    
                     
                        
                    القحط
 - 
                    
                     
                        
                    قراءة لنص قصصي-الحاف- للقاصة الزهراء وزيك
 - 
                    
                     
                        
                    قراءة لقصيدة خلود برهان
 - 
                    
                     
                        
                    قراءة لقصيدة -تعالى- لروضة الدخيل
 - 
                    
                     
                        
                    تمردات على عصر التمرد
 - 
                    
                     
                        
                    فلسطين هي فلسطين
 - 
                    
                     
                        
                    قضية شعب
 
 
 المزيد.....
 
 
 
 
 - 
                    
                     
                      
                        
                    كلاكيت: الذكاء الاصطناعي  في السينما
 - 
                    
                     
                      
                        
                    صدر حديثا. رواية للقطط نصيب معلوم
 - 
                    
                     
                      
                        
                    أمستردام.. أكبر مهرجان وثائقي يتبنى المقاطعة ويرفض اعتماد صن
                        ...
 - 
                    
                     
                      
                        
                    كاتب نيجيري حائز نوبل للآداب يؤكد أن الولايات المتحدة ألغت ت
                        ...
 - 
                    
                     
                      
                        
                    إقبال كبير من الشباب الأتراك على تعلم اللغة الألمانية
 - 
                    
                     
                      
                        
                    حي الأمين.. نغمة الوفاء في سيمفونية دمشق
 - 
                    
                     
                      
                        
                    أحمد الفيشاوي يعلن مشاركته بفيلم جديد بعد -سفاح التجمع-
 - 
                    
                     
                      
                        
                    لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
 - 
                    
                     
                      
                        
                    رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
 - 
                    
                     
                      
                        
                    رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
 
 
 المزيد.....
 
 - 
                    
                     
                        
                    إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
                        ...
                    
                     / عبدالرؤوف بطيخ
 - 
                    
                     
                        
                    المرجان في سلة خوص كتاب كامل
                     / كاظم حسن سعيد
 - 
                    
                     
                        
                    بيبي  أمّ الجواريب الطويلة
                     / استريد ليندجرين- ترجمة  حميد كشكولي
 - 
                    
                     
                        
                    قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
                     / كارين بوي
 - 
                    
                     
                        
                    ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
                     / د. خالد زغريت
 - 
                    
                     
                        
                    الممالك السبع
                     / محمد عبد المرضي منصور
 - 
                    
                     
                        
                    الذين لا يحتفلون كتاب كامل
                     / كاظم حسن سعيد
 - 
                    
                     
                        
                    شهريار
                     / كمال التاغوتي
 - 
                    
                     
                        
                    مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
                     / حسين جداونه
 - 
                    
                     
                        
                    شهريار
                     / كمال التاغوتي
 
 
 المزيد.....
 |