|
|
مراحل نشوء وتطور الحزب الشيوعي السوري /3 - 4/
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 16:48
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مراحل نشوء وتطور الحزب الشيوعي السوري /3 – 4/ المرحلة الرابعة (2000 – 2025): مرحلة تبلور الانشقاقات على قاعدة الموقف من سياسات سلطة آل الأسد والموقف من الثورة السورية، والتغيير في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. إذ لم تكن واضحة لدى الحزب مواصفات الدولة الوطنية الحديثة التي تسهّل إمكانيات التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، بل كانت شعاراته " التقدمية " فضفاضة بلا معايير واضحة، إذ يكفي أن تكون السلطة صديقة للاتحاد السوفياتي حتى يسبغ عليها أوصافاً وطنية وتقدمية، بل واشتراكية أحياناً. وقد ظهر ذلك واضحاً منذ انقلاب حزب البعث في 8 آذار/مارس 1963، وعلى الخصوص بعد انقلاب حافظ الأسد في عام 1970. إذ إنّ توسّع التأميمات وبناء قطاع الدولة الاقتصادي جعلا الحزب يبشّر بـ " الطريق اللارأسمالي " للتطور نحو " الاشتراكية "، كما أنه وقع في ابتذال شديد حين جعل طريق التطور الاجتماعي " اختياراً " يتحدد بوعي السلطة الحاكمة وعلاقاتها مع الاتحاد السوفياتي. وهكذا فقد التقى الاتجاهان القومي - العسكري - الفلاحي والماركسي - الستاليني في نقطة واحدة هي " الشعبوية " التي راحت، باسم " الديمقراطية الشعبية " والشعارات " الاشتراكية "، تنفذ برنامجاً رأسمالياً تابعاً من طراز خاص، وتنهي الديمقراطية السياسية والحريات الاجتماعية، والمؤسسات القانونية. لقد وصّف الحزب الشيوعي السوري نظام حكم " حزب البعث " بأنه " وطني وتقدمي موجّه ضد حكم كبار الملاكيين الإقطاعيين والبورجوازية الكبرى "، وقد أوجد انقلاب 23 شباط/فبراير 1966 أسساً أفضل للتعاون بين الحزبين، ولقيام تعاون جزئي محدود بينهما، من خلال وجود وزيـر شيوعي في الحكومة التي تشكلت بعد الانقلاب. بالرغم من ترافق ذلك مع حملات إرهاب وقمع موجهة ضد العديد من القوى الديمقراطية والقومية السورية. حيث وصل الأمر بقيادة الحزب الشيوعي إلى الدعوة لتوحيد الحزبين (البعث اليساري والشيوعيين) " إنّ العمل المشترك والثقة المتبادلة يمكن أن تؤدي إلى اندماج جميع القوى التقدمية المؤمنة بالاشتراكية في حركة واحدة تهتدي بالاشتراكية العلمية...وإنّ الوصول إلى الاشتراكية يمكن أن يتم بقيادة عدة أحزاب لأنّ مميّزات العصر هو أنه عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية " . لقد أشاد الحزب الشيوعي السوري بتوسّع دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع، دون أن يولي أهمية حقيقية تُذكَر لتطوير صيغ الحكم السياسية نحو مزيد من الديمقراطية والدستورية، بل أنه غطّى الإرهاب المنظّم لسلطة " بورجوازية الدولة " حين اكتفى بالمطالبة بالديمقراطية للقوى الوطنية والتقدمية دون سواها. كما لم يولِ أهمية للخلل البنيوي الذي صاحب حكومات " حزب البعث " المتتابعة، خاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي (الانفاق غير المتوازن على التسليح العسكري والأجهزة الأمنية، والخلل في توزيع الدخل بين الفئات الاجتماعية المختلفة خاصة بين الريف والمدينة...). كما غاب عنه أنّ ما يسمى بـ " قطاع الدولة "، في ظل غياب الضوابط الدستورية - الديمقراطية التي تضمن مراقبة مؤسسات المجتمع المدني للدولة، لا يعني الملكية العامة لوسائل الإنتاج. ولعلّ الأخطاء التي ارتكبها الحزب قد تقاسمها مع التيار القومي، حيث أنهما لم يريا معاً طبيعة التحدي التاريخي أمام الدول العربية وهو " التأخر العربي ". كما أنّ الحزب قد وجد ركيزته الاجتماعية في نفس الفئات البينية، من البورجوازية الصغيرة والمتوسطة، التي أنتجت وساندت مشروع الانقلابات العسكرية. وهكذا، لم يرَ الحزب عمق التحوّلات التي نتجت عن انقلاب 8 آذار/مارس 1963، خاصة تسلّط الدولة على المجتمع، بل رأى فيها السير على طريق " التقدم الاجتماعي " و " التطور اللارأسمالي " و" معاداة الإمبريالية " و" الصداقة مع الاتحاد السوفياتي "، لذلك فإنّ رؤيته لهذه المرحلة كانت أسوأ، بنتائجها وحصيلتها الفكرية والسياسية، من المراحل السابقة. ولولا بروز تيار تجديدي (ماركسي- قومي – ديمقراطي)، من صفوفه، منذ أوائل السبعينات، حاول أن يفهم قوانين تطور المجتمع السوري، وواقع حركة التحرر الوطني العربية، برؤية ماركسية نقدية، لكان التاريخ الطويل للحزب في مهب الريح. لقد استقبل الشعب السوري انقلاب الفريق حافظ الأسد بالارتياح، على أمل التخلص من إرهاب سلطة الدولة الموروث عن العهد السابق، خاصة عندما أعلن الأسد بأنه يريد تحقيق الوحدة الوطنية وإعلان دستور دائم للبلاد في أقرب الآجال. وبالرغم من ذلك فإنّ " عسكرة المجتمع " ازدادت منذ سنة 1970، والحياة السياسية الفعلية أُلغيت، والتفاوت الاجتماعي ازداد بشكل واضح، وأهل الولاء تنعّمــوا بعطايا السلطة في حين أنّ أهل الكفاءة قد استُبعدوا وهُمّشوا، أو هاجروا نهائياً. لقد كان استيلاء الجيش والمؤسسات الأمنية على السلطة ذا نتائج مباشرة على بنى وأدوار الطبقات الاجتماعية المختلفة، حين استهدف تحويلها إلى " طبقات أدواتية " ذات طابع سياسي غالب، ترتبط بأجهزة الدولة الجديدة، وباقتصادها، وبنمط إنتاجها ذي الطابع السياسي الغالب لدوره، تبلورت سلطة الدولة بوصفها محصّلة سلطة الأجهزة من جهة، وحدث انتقال على مستوى القوى المكوّنة للدولة من جهة أخرى. لقد زادت سلطة الأجهزة الأمنية، لأنّ الانتماء إلى هذا الجهاز أو ذاك كان يعني في الواقع الانتماء إلى هذه الشريحة الطبقية أو إلى هذه الطبقة أو تلك. كما أنّ الانتماء إلى الأجهزة المختلفة كان يعني الانتماء إلى احتمالات تقدّم وصعود شخصي مختلفة. وليس سراً أنّ إقامة الرأسمالية على مستوى الدولة دون المجتمع قد مرَّ بسيرورة توطيد متواصل لجهازها القائد، لمؤسستها العسكرية، التي أخذت على عاتقها - منذ البداية - مهمة القيام بدور الطبقة الرأسمالية الغائبة، وفعّلت أجهزتها في هذا الاتجاه، ورسملت دولة غدت دولتها وحدها بصورة متزايدة، وحملت صفاتها بصورة متعاظمة. ذلك كان يعني مركزة الدولة وحصرها بها، وإمساكها المتعاظم بمركز القرار الحقيقي، وتعديل الشكل القانوني والدستوري للسلطة، كي يناسب حاجاتها في الإدارة والحكم، وتحويل نفسها إلى قناة يصعد عبرها الكادر الجديد في طبقة الدولة، تركّز بين يديها الموارد التي ستقوم بإعادة توزيعها على ضوء اعتباراتها السياسية الخاصة ونظرتها إلى آفاق التطور السياسي والاجتماعي لسورية. وكما حدث في أجهزة الإدارة المدنية انتقال باتجاه أجهزة الأمن، كذلك حصل في المؤسسة العسكرية انتقال مماثل جعلها روح الجيش وجهازه العصبي والقيادي الفعلي. وإزاء هذا الواقع السوري، الموصوف أعلاه، لم يتمكن الحزب، بأدواته النظرية المعهودة ووسائل عمله، أن يشكل قوة جذب لقوى التغيير في مجتمعه ومحيطه، مما سبّب أزمة عميقة داخله، أدت إلى تمايز الانشقاقات. ففي مشروع البرنامج، الذي طرحه الحزب للمناقشة في المؤتمر الثالث عام 1969، جرى الحديث عن " إنّ التحولات الجارية في سورية العربية تدفع البلاد باتجاه الاشتراكية. إنّ بلادنا تريد التطور دون الرأسماليين ودون استثمار الإنسان للإنسان، وواضح أنّ هذه المهمة، مهمة بناء الاشتراكية، ليست سهلة، ويتوجب على بلادنا كي تحلَّها، أن تنشئ قوى منتجة يتفق مستواها مع متطلبات الاشتراكية، وأن تقيم علاقات إنتاج جديدة تماماً، وأن تحوّل عقلية الناس، وأن تكوّن جهازاً إدارياً جديداً يعتمد على الجماهيــــــر الكادحة ..." . وواضح أنّ الحديث السابق عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية التقدمية في سورية يرضي كل الجهات: الدولة، والحزب الحاكم، والطبقة العاملة وحركتها النقابية، والفلاحين وحركتهم وتعاونياتهم، وقطاع الدولة، والبورجوازية الصغيرة والمتوسطة، لكنه ليس واقعياً ولا عقلانياً، خاصة في ظروف ما بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967، لآنه لا يساعد على بلورة رؤية صحيحة لدى الشيوعيين والشعب والدولة، وحتى حزب البعث الحاكم، إذ إنّ الواقع يقول : (1) ـ سورية بلد متخلف يعاني من تسعة أعشار أوصاف حالة التخلف: ضعف الدخل القومي، وضعف وتيرة نموه، وسرعة ازدياد السكان، وضعف التصنيع، وغلبة الزراعة، وضخامة القطاع التجاري وطفيليته، وضخامة البطالة واستفحالها، والعلاقات الاقتصادية الخارجية غير المتكافئة. (2) ـ إنّ معدلات نمو الدخل معدلات ضعيفة، تقدر بمتوسط سنوي هو 4,2 % في الفترة ما بين 1956 و1966، يقابله معدل نمو سكاني سنوي هو 3,1 %. وخسارة الميزان التجاري كبيرة، وأحياناً متزايدة ... (3) ـ التراكم ضعيف، و" المسارب " كثيرة، فبالإضافة إلى البيروقراطية الموروثة هناك بيروقراطية جديدة " ثورية "، أحياناً جاهلة. و" الطبقة العاملة " لا تنمو بالسرعة التي يتصورها مشروع البرنامج. والقطاع العام، والحركة النقابية، والتعاونيات الفلاحية، تعاني من أمراض لا يراها مشروع البرنامج أيضاً ... (4) ـ نحن بحاجة إلى " ثورة " تشمل الدولة والمجتمع والشعب، ولا نقول إننا بحاجة إلى استلام " حزب الطبقة العاملة وحلفائه " السلطة، لأنّ هذا القول لا معنى له. (5) ـ إنّ مشروع البرنامج أعطى صورة وردية عن الحاضر والمستقبل " عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية التقدمية الجارية في سورية العربية ". (6) ـ بصدد موضوع السلطة، لا يكفي تكرار بعض الصيغ الماركسية - اللينينية الكلاسيكية للهروب من مسألة " السلطة "، مما يفسح المجال لتأويلات انتهازية " يمينية ذيلية "، ولتأويلات مغامرة هي أيضاً " انتهازية وذيلية ". وبما أنّ مشروع البرنامج يهرب من مواجهة واقع سورية وبشرها وطبقاتها الواقعية، فإنه في معالجته لمسألة السلطة يضيّع، يتناقض، يقيم توازنات صعبة ... وفي توصيف مشروع البرنامج لـ " حزب البعث العربي الاشتراكي "، في عهد انقلابيي 23 شباط/فبراير 1966 وقبل انقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، جرى الحديث عن أنّ الحزب الذي يتولى الحكم، وإن كان أخذ يعبّر، بدرجات مختلفة عن بعض المطامح الأساسية للطبقة العاملة وجماهير الفلاحين، وأخذ يعلن تبنّي الماركسية - اللينينية كأحد مصادر تفكيره، ويرفع شعارات ويطرح برامج متأثرة، بأفكار الاشتراكية العلمية، إلا أنه ما يزال يمثل طبقياً فئات من البورجوازية الصغيرة، لذلك " ما يزال يحتدم في داخل هذا الحزب، بين الفترة والأخرى، صراع فكري وسياسي حادٍّ، حول آفاق تطور سورية المقبل. وهو صراع يعبّر عن احتدام النضال الطبقي في البلاد وانعكاسه في داخل هذا الحزب، كما يجري في داخل البعث صراع حول الموقف من الماركسية - اللينينية، وحول العلاقة مع الحلفاء من القوى الاشتراكية والتقدمية الداخلية وخصوصاً مع الحزب الشيوعي السوري، وكذلك حول آفاق تطور العلاقة مع المعسكر الاشتراكي وسائر القوى الاشتراكية والتقدمية في العالم " . إنّ التوصيف السابق للصراعات داخل صفوف البعث إنما يعكس صعوبة " التوازنات " التي يريد الحزب أن يؤسس عليها وجوده ودوره في تلك المرحلة، مما جعله بعيداً عن الواقع كل البعد، إذ إنّ النضال الطبقي واحتدامه الذي تحدّث عنه مشروع البرنامج هو " وهم بوهم ". وعندما أُقيمت "الجبهة الوطنية التقدمية" بسورية في 7 آذار/مارس 1972، اعتبر الحزب أنها تشكل تطوراً تاريخياً بارزاً بالنسبة لسورية ولمجمل حركة التحـــــرر الوطني العربية، طالما أنّ الحزب الشيوعي مُمَثَّلٌ فيها بعضوين، وطالما أنه قد تم توزير إطارين من إطارات الحزب! وقد ورد في مشروع برنامج الحزب " إنّ توطيد هذا التحالف يمكنه أن يؤدي، تدريجياً، إلى أن تصبح جماهير العمال والفلاحين وسائر الكادحين هي القاعدة الاجتماعية الأساسية التي يستند إليها النظام" . إنّ المناقشات التي جرت في المجلس الوطني للحزب الشيوعي السوري حول مشروع البرنامج وآراء " الرفاق والعلماء السوفييت " بيّنت أنّ هناك تيارين متمايزين واضحين حول أغلب القضايا التي تناولها مشروع البرنامج. الانشقاق الكبير وتمايز البرامج لقد أدت حركة الجدل الواسع حول القضايا التنظيمية والفكرية والسياسية، وخاصة حول مشروع البرنامج السياسي للحزب، إلى أول انشقاق كبير في العام 1973، حيث برز جناح تبنّى أطروحات جديدة في مجمل القضايا التنظيمية والفكرية والسياسية، سُمي أصحابه بـ " أنصار مشروع البرنامج " أو " جماعة المكتب السياسي " أو " جماعة رياض الترك ". وقد ساهم هذا الجناح في تطوير الفكر السياسي العربي المعاصر، وفي دفع جزء من أعضاء وإطارات الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية إلى إعادة التفكير بتاريخ أحزابها وتجديد خطابها ودمقرطة نضالها وتوجهاتها. (أ) ـ الحزب الشيوعي السوري (خالد بكداش) كانت مقوّمات سياسة الحزب تتمثل في : توطيد النظام الوطني التقدمي في سورية واستمرار سياسته التحررية والتقدمية، ورصِّ صفوف القوى المعادية للاستعمار، وخصوصاً الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي والقوى التقدمية الأخرى، وتوطيد وتوثيق أواصر التعاون والتحالف، في جميع الميادين العسكرية والسياسية والاقتصادية، مع الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، وتوطيد أواصر التعاون والإخاء بين البلدان العربية التقدمية، ورفع مستوى الشعب المعاشي باستمرار، واتخاذ جميع التدابير لحماية الشعب من ألاعيب كبار المحتكرين والسماسرة، ومكافحة الغلاء، ومعالجة أزمة السكن والمواصلات وغيرها. وبقي بكداش يردد العبارات نفسها بترتيب مختلف، ففي العام 1977 سُئل عن " الديمقراطية في سورية "، وعن "عدم وجود صحيفة علنية تنطق باسم الحزب في حين أنّ الحزب له وزيران في الحكومة وممثلان في القيادة المركزية لـ" الجبهة الوطنية التقدمية " وعدد من النواب في " مجلس الشعب "، فأجاب بكداش " إنّ أهم ما يهمنا في بلادنا هو النضال ضد الإمبريالية وخصوصاً الإمبريالية الأميركية، وضد تغلغها السياسي والاقتصادي وضد مكائدها العدوانية على استقلالنا وسلامة أرضنا، وتوحيد جميع القوى الوطنية التقدمية في هذا السبيل، والمهمة الوطنية الكبرى الموضوعة أمام بلادنا الآن في هذا المجال يناضل حزبنا مع فئات واسعة من القوى التقدمية، في سبيل المطالب المعاشية والاجتماعية للعمال والفلاحين وسائر الكادحين، وفي سبيل تطور اقتصادي سليم والسير إلى الأمام في طريق التقدم الاجتماعي... ونحن لسنا راضين عن الوضع في ما يتعلق بالحريات الديمقراطية ونعمل في سبيل توسيعها، وخصوصاً نريد جريدة علنية لحزبنا، ولكن إذا كنا نناضل في سبيل توسيع الديمقراطية للقوى التقدمية في بلادنا، فإننا، في الوقت نفسه، ضد منح هذه الحريات الديمقراطية لعملاء الاستعمار ومواليه وللرجعيين الذين هم ضد التقدم الاجتماعي. أي أننا ضد مفاهيم الديمقراطية البورجوازية، إنما نريد ديمقراطية شعبية ... " . وفي المؤتمر الخامس للحزب، الذي انعقد في صيف العام 1980، جرى الحديث عن أنّ السياسة الداخلية للنظام " مشوّشة، غير واضحة، ومليئة بالتناقضات، بينما سياسته الخارجية " واضحة " إلى حد كبير، وبالرغم من وصف السياسة الداخلية للنظام الحاكم بأنها " مشوّشة "، فإنّ التقرير أشاد بمواجهة النظام لـ" جماعة الإخوان المسلمين "، إذ ورد فيه " حدث تطور من الناحية السياسية بإعلان التصميم على الوقوف بحزم في وجه الرجعية الداخلية وأعمالها وجرائمها، وخصوصاً جرائم جماعة الإخوان المسلمين، واتسع نطاق الاعتراف بأنّ الصراع القائم داخلياً هو صراع طبقي أيضاً، وليس صراعاً وطنياً فقط، وإن كانت قوى الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية تدعم هذا الصراع الطبقي وتسعى لتأجيجه في صالح الرجعية. كل هذا حسن، وقد أيدناه ونؤيده. وفي ختام التقرير اقترحت اللجنة المركزية للحزب مجموعة تدابير من أجل العودة إلى طريق التقدم الاجتماعي، هي : اجتثاث البورجوازية الطفيلية من جذورها كلياً في العلاقات الاقتصادية جميعها خارجياً وداخلياً، وتثبيت وترسيخ وتطوير القطاع العام ومنع التخريب والتبذير فيه وتوسيع وتوطيد دوره القيادي في الاقتصاد الوطني وتطهير أجهزته من المخربين والمرتشين، ومحاربة الفساد والرشوة والهدر والتبذير والبذخ والاحتكار والتهريب والحد من الإنفاق غير المنتج وغير الضروري وطنيا واجتماعيا ". وعن رؤيته لدور " الجبهة الوطنية التقدمية "، قال بكداش " ... إنّ الجبهة الوطنية التقدمية ليست، في رأي حزبنا، مرحلة تكتيكية عابرة، بل يجب في رأينا أن تكون مرحلة استراتيجية طويلة المدى، موجّهة خصوصاً ضد مكائد الإمبريالية ومخططاتها، وفي سبيل مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، وتهيئة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل السير نحو المجتمع الاشتراكي " . ولكنّ الحزب بدأ يمارس نقداً مرناً، منذ أواخر العام 1984، ضد السياسات الداخلية في سورية، بينما بقي محافظاً على موقفه المعهود ومؤيداً للسياسة الخارجية السورية. وبعد التغيّرات العاصفة التي شهدها الاتحاد السوفياتي والدول " الاشتراكية " الأخرى مع " البيروسترويكا " و" الغلاسنوست "، ازداد - نسبياً - نقد الحزب الشيوعي السوري للنظام الحاكم، والمطالبة بإصلاح النظام السياسي، من مواقعه وليس من مواقع العداء له. وهكذا، بعد سنوات طويلة، بدأت تعود إلى الحزب تعابير ومصطلحات " الدستور " و" القانون " و" الديمقراطية السياسية " و" التعددية "، بعد سقوط الأنظمة " الاشتراكية " في أوروبا الشرقية. ومما قاله بكداش في ذلك " إنّ موجة الديمقراطية تدق أبواب العالم بأسره بشكل يشبه الهجوم، وفي منطقتنا العربية تجاوبت مع الموجة العديد من البلدان العربية كالجزائر وتونس والأردن، فألغت نظام الحزب الواحد، وسارت في طريق التعددية السياسية، ولكن ينبغي ألا يكون ذلك شكلياً بل فعلياً، فتكون للأحزاب السياسية مجالات عملها وتأثيرها في مسيرة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية " . لقد كان للتغيّرات التي عرفها الاتحاد السوفياتي في عهد غورباتشوف تأثير، ولكنه محدود، في مواقف وكتابات الحزب. إذ إنّ بكداش، على الأقل في البداية، كان يكرر مواقفه السابقة، فمن ذلك مثلاً قوله في أوائل العام 1990، عندما سُئل عن " البيروسترويكا " وتأثيراتها على المقوّمات والاستنتاجات التقليدية، أجاب " البيروسترويكا، هي تحديداً، عملية في دولة اشتراكية عظمى هي الاتحاد السوفياتي، تهدف إلى تحسين الاقتصاد داخلياً، والتحوّل بالوضع العالمي من المجابهة إلى الحوار خارجياً.. وتأثيراتها تمتد إلى عدد من البلدان الاشتراكية الاخرى، كما هو واضح، وليس إلى أبعد من ذلك. إدراك ذلك شيء هام جداً. فمثلاً الأحزاب الشيوعية في غير البلدان الاشتراكية لا تدخل في نطاق البيريسترويكا، وهذا أيضاً شيء واضح وملموس وواقعي في الأكثرية العظمى لهذه الأحزاب في العالم. فنحن مثلاً في سورية لن نغيّر اسم حزبنا، ولن نتخلى عن المركزية الديمقراطية في تنظيمنا ونؤكد تمسكنا الكامل بمبادئ الماركسية - اللينينية والأممية البروليتارية، والنضال في سبيل الاشتراكية سنتابع التوفيق بين الوطنية الحقة والأممية الحقة، وسنوثّق علاقات الصداقة مع الحزب الشيوعي السوفياتي، حزب لينين المجيد ". وفي المقابلة الصحافية نفسها سئل بكداش عما إذا كان يجد من ضرورة التخلّي عن بعض ما كان يعتقده؟ فأجاب " قناعاتي هي هي، ورغم كل ما يجري في العالم، وحتى في بعض البلدان الاشتراكية. في أوائل السنة الحالية 1990 يكون قد مضت عليّ ستون عاماً وأنا عضو في الحزب الشيوعي، ولو كان عليّ أن أختار من جديد لاخترت الطريق نفسها، طريق الشيوعية. إنّ الثوري لا يغيّر قناعاته كما يغير الإنسان ملابسه " . وبعد وفاته عام 1995 أصبح الحزب ملكاً لعائلته، إذ انتقلت الأمانة العامة إلى زوجته وصال، التي بقيت على كرسي الأمانة العامة إلى عام 2010، فارتأت نقل الزعامة إلى الابن عمّار بعد الأب والأم وذلك في المؤتمر الحادي عشر للحزب. واستمرت سياسة الموالاة للنظام السوري في عهدي الأم والابن، من خلال نقد سياساته الاقتصادية والاجتماعية وتأييد سياساته الأمنية الداخلية. وقد ظهر ذلك جليّاً مع انطلاق الحراك الشعبي السوري في آذار/مارس 2011، إذ اعتبره الحزب " مؤامرة إمبريالية استعمارية مغرضة متجاهلاً أسبابها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ". ومما ذكره عضو هيئة تحرير صحيفة الحزب " صوت الشعب " نذكر " مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سورية بدأت مواقف الحزب تظهر مبتعدة تماماً عن أي تحليل منطقي ومنحازة كلياً إلى الحل الأمني بتركيزه على (مؤامرة استعمارية) وترك كل العناصر الأخرى المسببة للاحتجاجات وطريقة تعاطي السلطات معها، وكان بذلك يحاول التزلف إلى السلطة " . وبعد التغيير وسقوط بشار الأسد وهروبه إلى موسكو، حلّت السلطة الانتقالية أحزاب " الجبهة الوطنية التقدمية "، بما فيها حزب عمار بكداش، الذي توفي باليونان في تموز/يوليو الماضي. وهكذا، فإنّ رحيل ثلاثة من كبار العائلة، الأب والزوجة والابن، قد يغلق سجلها السياسي والتنظيمي التوريثي في الحزب البكداشي، إلا إذا تنطح خالد عمار خالد بكداش، لوراثة أبيه في الأمانة العامة لحزب باتت قيادته مقتصرة على العائلة منذ 30 سنة.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحوّلات ثقافة حراك شباب المغرب
-
مراحل نشوء وتطور الحزب الشيوعي السوري /2 - 4/
-
أسئلة الدولة والمواطنة في سوريا الجديدة
-
مراحل نشوء وتطور الحزب الشيوعي السوري /1 - 4/
-
في ضرورة التشاركية السياسية لضمان الوطنية السورية الجامعة
-
إدواود سعيد /1932 - 2003/: المثقف الكوني والهوية المركبة
-
قراءة نقدية في خارطة طريق حل الأزمة في السويداء
-
حول جدل الثقافة والعولمة /2 - 2/
-
كيفية تعاطي الخبرة الإنسانية مع العلمانية
-
تداعيات هجمات نيويورك على العالم العربي
-
حول جدل الثقافة والعولمة /1 - 2/ /*/
-
نقد تخوّفات بعض التيارات الإسلامية من حيادية الدولة
-
أهمية حيادية الدولة للاجتماع السياسي السوري /*/
-
في العلاقة بين المجتمعين المدني والسياسي
-
سوريا ميدان تنافس تركي إسرائيلي /*/
-
تطلعات السوريين إلى التشاركية السياسية
-
جردة حساب لسوريا الجديدة
-
تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /4 - 4/
-
تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /*/ /3 - 4/
-
الإرهاب يهدد السلم الأهلي في سوريا الجديدة
المزيد.....
-
افتتاحية: حراكات الشباب ودور القوى المناضلة
-
What’s New About the “New Middle East”?
-
The Post-Gaza Rebalancing in the Middle East
-
The World Confronts the Genocide Washington is Trying to Bur
...
-
حزب العمّال يجدّد إدانته للمحاكمات الجائرة ويدعو إلى التصدي
...
-
-حزب الشعوب- يعلن استكمال حزب العمال أولى مراحل عملية السلام
...
-
ماذا يعني انتخاب الأيرلنديين رئيسة جديدة من أقصى اليسار؟
-
تأسس بهدف إقامة دولة للأكراد.. تعرف على حزب العمال الكردستان
...
-
النظام يقصي معارضيه من الانتخابات.. فمتى تتوحد المعارضة الجا
...
-
فلسطين: التحرير، وليس الصهيونية الليبرالية
المزيد.....
-
كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة
/ رزكار عقراوي
-
كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية!
/ طلال الربيعي
-
مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي
...
/ مسعد عربيد
المزيد.....
|