|
قراءة نقدية في خارطة طريق حل الأزمة في السويداء
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 20:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قراءة نقدية لخارطة طريق حلّ الأزمة في السويداء / */ هل تُطوى صفحة الاتفاق دون التعاطي مع جذور المشكلة السورية؟ تُشير مجزرتا الساحل والسويداء إلى هشاشة عملية الانتقال، التي بدأت في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024 بقيادة هيئة تحرير الشام ذات المنشأ السلفي الجهادي. وبعد الإعلان عن خارطة الطريق «لحل الأزمة في السويداء واستقرار جنوب سوريا»، التي أُعلنت برعاية أميركية وأردنية في 16 أيلول (سبتمبر) الجاري، نتساءل: هل سيكون الاتفاق مدخلاً لمصالحة وطنية شاملة؟ لا شكّ أنّ للضامنَين مصالحَ وأهدافاً، إذ إنّ وراءَ مشاركة الأردن مصلحة أمنية محكومة بالجغرافيا والديمغرافيا. في حين أنّ الإدارة الأميركية تهدف إلى صياغة التوازنات الإقليمية، من خلال ضمان عدم تحوّل الجنوب السوري إلى منصة تهديد لإسرائيل، إضافة إلى محاولة قطع الطريق على نفوذ الصين وروسيا. وينطوي الاتفاق، في جانبه المتعلق بالسويداء، على إمكانية فتح أفق جديد لإعادة بناء الدولة السورية على أساس التشاركية واللامركزية الإدارية الموسّعة، على أساس جغرافي وليس قومياً أو طائفياً. إذ إننا إزاء رعاية عربية ودولية لهذه التشاركية، إضافة إلى رعاية ترتيبات أمنية لصالح إسرائيل في الجنوب السوري، خاصة وأنّ الاتفاق سيتم اعتماده كوثيقة رسمية في مجلس الأمن الدولي. ويبدو واضحاً من القراءة المتمعنة لخارطة الطريق أنّ سلطة المرحلة الانتقالية، من خلال وزير خارجيتها، قد أقرّت بمسؤوليتها المباشرة عن مجزرة السويداء، ليس بقوات أمنها فقط وإنما من خلال رعايتها لفزعة العشائر. وقد نصّت المادة 13 على آلية عمل لمراقبة تطبيق الخارطة من قبل الأطراف الثلاثة، بما ينتقص من السيادة السورية. ولكنّ الأهم هو مسؤولية السلطة عن عدم كبح جماح مقاتلي الفصائل في الجيش وقوات الأمن، والامتناع عن الفزعات المذهبية والعشائرية. وفي هذا السياق، اعتُمدت منهجية متدرجة لتطبيق ما ورد في الاتفاق، بهدف إنهاء فجوة الثقة بين الحكومة ومواطني السويداء، من خلال حلول انتقالية تؤدي إلى إعادة المحافظة إلى الحضن السوري، باعتبارها جزءاً أصيل منه، وباعتبار أبنائها مواطنين سوريين متساوين بالحقوق والواجبات مع كل السوريين. ومما قد يسهّل ذلك أنّ على الحكومة السورية دعوة لجنة التحقيق المستقلة الدولية لإجراء تحقيق حول المجزرة التي شهدتها محافظة السويداء، وتلتزم الحكومة بمحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في تلك الأحداث «وفق القانون السوري»، ومن المرجح أن تتضمن مخرجات اللجنة نتائج وتوصيات محرجة للسلطة، مثل إدانة بعض قيادات الفصائل وطلب محاسبتهم. أما الدور الأمني للحكومة السورية في حماية المحافظة، فهو يقتصر على حماية الحدود الإدارية للمحافظة وضمان أمن الطريق الذي يصلها مع دمشق، أما في الداخل فسيتم تشكيل قوة شرطية محلية من مكوّنات السويداء. ولكنّ المشكلة تكمن في غياب من يمثل السويداء، بل استخدم الاتفاق عبارات من قبيل «المحافظة – المجتمعات في المحافظة – المجتمعات المحلية في السويداء» إشارة إلى الطرف المقابل للحكومة دون تسميته. وتكمن أهمية الاتفاق في تأكيده على أنّ «محافظة السويداء جزء أصيل من سوريا ولا مستقبل لها خارجها»، ما قد يساعد على قطع الطريق على النزعات الانفصالية المدعومة من إسرائيل وغير الواقعية ديمغرافياً وجغرافياً واقتصادياً، ولكن يضع السلطة الانتقالية في حرج، حيث قبلت عبر الضغط الخارجي ما لم تقبله بالحوار الداخلي مع ممثلي مواطني السويداء، الذين كان شعارهم منذ بداية الحراك الشعبي السوري عام 2011: «دم السوري على السوري حرام». ولا شكَّ أنّ تطبيق الاتفاق مرهون بموافقة قيادة السويداء، التي لحظت أنّ لجنة التحقيق الدولية تُدعى من قبل حكومة دمشق، وأنّ عملها يكون ضمن إطار القوانين السورية، بل إنّ الحكومة استبقت الاتفاق بتعيين العميد حسام الطحان قائداً للأمن الداخلي في السويداء، كما استقبل وزير الداخلية أنس خطاب أعضاء لجنة التحقيق الخاصة بأحداث السويداء، التي تمَّ تشكيلها في 31 تموز (يوليو)، وبحث معهم المعوّقات التي تعترض عمل اللجنة، وأعلن تكليف قائد تجمع «أحرار جبل العرب» سليمان عبد الباقي بإدارة الأمن في مدينة السويداء مركز المحافظة. وعليه فقد رفضت اللجنة القانونية العليا في السويداء خارطة الطريق، مُعتبِرة أنها «محاولة لفرض وصاية جديدة على المحافظة»، من خلال ربط التحقيق الدولي للانتهاكات بالقانون السوري، وهو ما اعتبرته اللجنة «إفراغاً للتحقيق الدولي من مضمونه، لأن المتهم لا يمكن أن يكون القاضي». كذلك، رأت اللجنة أنّ الحديث عن تشكيل مجالس محلية وقوات شرطية مشتركة هو «محاولة لزرع الفتنة بين أبناء السويداء»، مؤكدة أنّ مثل هذه الإجراءات «لن تفضي إلا إلى تعميق الانقسام الداخلي». ورأت أن «الجرائم المرتكبة في السويداء، إلى جانب عقود من التهميش والحرمان، تمنح أبناء المحافظة الحق القانوني والأخلاقي في تقرير مصيرهم بحرية واستقلال، سواء عبر الإدارة الذاتية أو حتى الانفصال كخيار أخير لضمان أمنهم وكرامتهم». وفي هذا السياق ذكر الشيخ الهجري أنّ «أهل الجبل غير معنيين بالاتفاق الذي أُعلنَ عنه لأنهم لم يُشرَكوا بشيء، ولم تتم استشارتهم أصلاً»، واعتبرَ في تصريحات لقناة العربية، في 17 أيلول، أنّ حل أزمة السويداء «يتطلب تغييراً جذرياً، وأنّ لا مفاوضات مع الإدارة الحالية.. لم نسعَ يوماً للانقسام لكنه فُرض علينا». أمّا على مستوى الهدف الأميركي بشأن التوصل إلى تفاهمات أمنية مع إسرائيل، فإن الاتفاق نص في المادة 12 على مراعاة «الشواغل الأمنية المشروعة لكل من سوريا وإسرائيل»، وهذا يقود إلى مباشرة إلى ربط الاتفاق الأمني الإسرائيلي – السوري بالاتفاق الثلاثي بشأن السويداء، فإن فشلَ أحدهما انهارَ الآخر بشكل تلقائي. ومن خلال متابعة تقارير مراكز تفكير إسرائيلية، يبدو أنّ حكومة نتنياهو لن تمنح الحكومة السورية الضوء الأخضر للسيطرة على السويداء، وإنما ستعزز موقف المحافظة في أية مفاوضات مقبلة. تغيبُ الشفافية عن المفاوضات السورية – الإسرائيلية، في باكو وباريس ولندن وواشنطن، تحت ضغط التوغلات والاعتداءات الإسرائيلية منذ 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024. والخشية اليوم أن تتحول سورية اليوم إلى حديقة خلفية لأمن إسرائيل، ترسّخها الاتفاقات الأمنية المزمع توقيعها، خاصة إذا ما تمت ضمن إطار الاقتراح الإسرائيلي بـ «تشكيل منطقة منزوعة السلاح شرق المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، يحظر فيها تواجد القوات العسكرية والأسلحة الثقيلة. كما يتضمن توسيع المنطقة العازلة في منطقة القنيطرة، على أن تبقى تحت إشراف قوة الأندوف الأممية». كما يتضمن الاقتراح استمرار السيطرة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة منذ العام 1967، وكذلك على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، ويصل الاقتراح إلى «إنشاء منطقة يُحظَر على الطيران السوري التحليق في أجوائها، تشمل الجنوب السوري بما في ذلك محافظة السويداء بالكامل مع اقتراح بتوسيعها لتشمل مناطق في جنوب العاصمة دمشق». وقد ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أنّ الاتفاق الذي يجري التفاوض بشأنه يهدف إلى استبدال اتفاق فصل القوات الموقّع بين الجانبين عام 1974، حيث أنّ المنطقة الواقعة جنوب غرب دمشق ستُقسم إلى ثلاث مناطق، «يُحدَّد في كل منها نوع القوات المسموح بانتشارها وحجمها وطبيعة السلاح الذي يمكن أن تحتفظ به سورية. وعلى توسيع المنطقة العازلة على الحدود بمسافة كيلومترين إضافيين من الجانب السوري، بحيث يُمنع انتشار الجيش السوري أو الأسلحة الثقيلة في المنطقة الأقرب للحدود، بينما يُسمح بوجود قوات شرطة وأمن داخلي فقط». أما عن تعاطي خارطة الطريق الثلاثية مع نجاح العملية السياسية في سورية، بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، فقد دعت إلى بناء المؤسسات السورية بما يضمن تمثيل جميع السوريين فيها، تحترم تعددية المجتمع السوري وتضمن المساواة بين جميع السوريين بموجب القانون وعلى أساس المواطنة. إذ ورد في المادة 9 أنه «ستقود الحكومة السورية جهود تكريس سردية وطنية تحتفي بالوحدة والتعددية والمساواة بين جميع السوريين وسيادة القانون، كما ستسرع جهودها المستهدفة احتواء وإنهاء خطاب الكراهية الذي يروج للانقسام والعنف والطائفية والتمييز العرقي والطائفي، وبما في ذلك من خلال اعتماد التشريعات التي تُجرِّمُ خطاب الكراهية». ويبدو أنّ موقّعي الاتفاق لم يأخذوا بعين الاعتبار أنّ مطلبهم يتعارض مع شعار «من يحرّر يقرّر» الذي يردده أنصار السلطة والذي تتصرف السلطة على أساسه، ويتعارض مع ممارساتها التي تُقدِّمُ الولاء على الكفاءة. ولكن بالرغم من ذلك، فإنّ الاتفاق يضع قوى التغيير السورية أمام مسؤوليتها في تفعيل ما هو إيجابي فيه، منها مثلاً إقرار الاتفاق عملياً بأن سوريا تحتاج نظام إدارة لا مركزي. ولعلَّ قيادة السويداء تقلع عن المطالبة بالانفصال، وتطالب بدلاً من ذلك بلامركزية إدارية موسّعة، بما يؤدي إلى عدم تفكك سوريا ويفتح الأفق أمام نموذج جديد للحكم في كامل الجغرافيا السورية، يضمن حقوق المواطنين ويساهم في إعادة بناء الثقة. وتبقى الخشية أن تُطوى صفحة الاتفاق كما حصل مع اتفاقات سابقة، دون التعاطي مع جذور المشكلة السورية، وخاصة إعادة بناء الثقة بين مكوّنات الشعب السوري، وضمان تشاركية حقيقية في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، من خلال إشراك ممثلي المجتمع السوري بشكل فعلي لا رمزي كما يحصل حالياً فيما يسمى «انتخابات مجلس الشعب». أما المأزق السوري الحالي بقيادة فصائل «مؤتمر النصر»، التي تُقدِّمُ التنازلات للخارج وتمتنعُ عن أن تكون شفافة مع الداخل، فهو يتطلب مؤتمراً وطنياً شاملاً يكون بمثابة جمعية تأسيسية، يَخرج بإعلان دستوري جديد ومجلس حكم يشرف على عملية الانتقال السياسي من الاستبداد إلى أفق ديمقراطي، ودولة وطنية حديثة جامعة لكل مواطنيها المتساوين في الحقوق والواجبات. /*/ - نُشرت في صحيفة " الجمهورية " – 25 أيلول 2025.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول جدل الثقافة والعولمة /2 - 2/
-
كيفية تعاطي الخبرة الإنسانية مع العلمانية
-
تداعيات هجمات نيويورك على العالم العربي
-
حول جدل الثقافة والعولمة /1 - 2/ /*/
-
نقد تخوّفات بعض التيارات الإسلامية من حيادية الدولة
-
أهمية حيادية الدولة للاجتماع السياسي السوري /*/
-
في العلاقة بين المجتمعين المدني والسياسي
-
سوريا ميدان تنافس تركي إسرائيلي /*/
-
تطلعات السوريين إلى التشاركية السياسية
-
جردة حساب لسوريا الجديدة
-
تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /4 - 4/
-
تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /*/ /3 - 4/
-
الإرهاب يهدد السلم الأهلي في سوريا الجديدة
-
هل سوريا أمام استحقاق جمعية تأسيسية؟
-
تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /2 - 4/
-
افتقاد الدولة الأنموذج في العالم العربي
-
تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /1 - 4/
-
من الثورة إلى الدولة.. تفكيك الثنائية
-
ياسين الحافظ ينتقد قصور وعي الماركسيين والقوميين في العالم ا
...
-
مكانة سوريا الجديدة في تحوّلات الشرق الأوسط
المزيد.....
-
الأمين العام لحلف الناتو لـCNN: تسلل الطائرات المسيرة فوق أج
...
-
ترامب يتحدث عن -قُرب- توصل إسرائيل و-حماس- لاتفاق بشأن غزة
-
ترامب: أردوغان كان مسؤولا عن المساعدة بإزاحة نظام الأسد في س
...
-
ترامب يطلق ممشى المشاهير الرئاسي في البيت الأبيض ويستبدل باي
...
-
روسيا دب وليست نمر من ورق .. الكرملين يرد على تصريحات ترامب
...
-
بزفّة طبول عراقية وبصحبة سبايدرمان مصري… كيف شجع آباء أطفاله
...
-
-خطة ترامب- لإنهاء الحرب في غزة: صمت رسمي إسرائيلي وردود فعل
...
-
واشنطن بوست: هيغسيث يجمع 800 من كبار مسؤولي البنتاغون بشكل
...
-
سلوفينيا تمنع نتنياهو من دخول أراضيها وتعتبره شخصاً غير مرغو
...
-
تنامي شعور الاغتراب لدى المسلمين الشباب في ألمانيا بفعل تجار
...
المزيد.....
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|