عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 17:43
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مراحل نشوء وتطور الحزب الشيوعي السوري /2 – 4/
المرحلة الثانية: مرحلة انتقالية (1947-1967)
تميزت هذه المرحلة بمرور الحزب الشيوعي السوري - اللبناني بثلاث فترات: أولاها (1947-1954) تحوّل الحزب خلالها إلى العمل السري المنعزل. وثانيتها (1954-1958) كانت فترة ذهبية في تاريخ الحزب. وثالثتها (1958-1967) تميزت بالعودة إلى العمل السري وهروب العديـد من كوادر الحزب إلى خارج البلاد، خاصة خلال فترة الوحدة المصرية - السورية (1958-1961).
إنّ تأييد الاتحاد السوفياتي لتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية سبّب ضرراً كبيراً للحزب الشيوعي في سورية ولبنان، إذ أوقعه في حالة اللاشرعية، وأفقده قوة الدفع في حركة التحرر الوطني العربية، خاصّة وأنّ الحزب لم يتخذ موقفاً معارضاً للتقسيم بعدما صوّت المندوب السوفياتي في الأمم المتحدة لصالح تقسيم فلسطين يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، بل سلك سياسة تابعة للسياسة الخارجية السوفياتية. إذ أصدرت الحكومة السورية بلاغاً إدارياً إلى المحافظات، تطلب فيه إقفال مكاتب الحزب الشيوعي.
كثر الحديث حوالي العام1950 داخل الحزب عن انتقادات البعض لسياسة الحزب، وعن " تيتويين " كانوا يطالبون بديمقراطية حزبية أكثر، ولكنهم كُشفوا كـ " عناصر تجسس على علاقة بالسفارات الأنكلو - أميركية واليوغسلافية، وكذلك بالأوساط التابعة للشعبة الثانية والأمن العام في سورية ولبنان " . ومن العناصر التي أصابتها هذه الحملة، نذكر: هاشم الأمين، قدري قلعجي، محمد الأمين، قره بت بتشريان، إملي فارس ابراهيم، رئيف خوري.
لقد استمرت العقلية التنظيمية السابقة بتعيين أعضاء جدد في الهيئات القيادية وفصل أعضاء لا يروقون لمزاجها الفردي، وكان يتم كل ذلك تحت ستار العمل السري والضرورات الأمنية، والانسجام في الموقف مع مركز الثورة العالمية.
وفي ظروف سياسية ونضالية مواتية (النضال ضد ديكتاتورية العقيد أديب الشيشكلي) استطاع الحزب أن يضرب قيود العزلة، التي كانت تكبله، فاتسع نطاق الأعمال المشتركة مع الأحزاب الوطنية . وتعزز هذا الاتجاه المرن في القرارات الصادرة عن دورة اللجنة المركزية للحزب في أواخر شهر نيسان/أبريل وأوائل أيار/مايو 1956. فأصبحت الجبهة الوطنية تقوم، في سورية، على " التعاون والتفاهم بين الحزبين الوطنيين الشعبيين الكبيرين، الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي، اللذين يستندان إلى جماهير العمّال والفلاّحين والمثقفين التقدميين ". وكذلك مع " الاتجاهات التقدّمية الوطنية في حزب الشعب والحزب الوطني وفي الحركات الدينية الإسلامية "، إذ خصصت اللجنة المركزية أحد قراراتها للحديث عن " دور البورجوازية الوطنية في الجبهة الوطنية على ضوء الأوضاع العالمية الجديدة " ، أي انسجاماً مع توجهات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي.
وهكذا، يمكن القول إنّ مراجعة الحزب بين عامي 1954- 1957 انطوت على جانبين: أحدهما، إيجابي، فكرة القومية العربية والتعاون مع القوى الوطنية. والآخر، سلبي، التهرّب من بحث القضايا التنظيمية بشكل جدي، وعدم إعادة النظر في تاريخ مواقف الحزب.
ولكنّ الجانب الإيجابي في مراجعة الحزب النظرية لم تثمر موقفاً إيجابياً عملياً، فبالرغم من أنّ المعارك المشتركة، التي خاضتها مصر وسورية ضد سياسة الأحلاف الغربية في الخمسينيات، لعبت دوراً كبيراً في بلورة فكرة الوحدة بين البلدين، فإنّ مفاوضات الوحدة في القاهرة كانت " مفاجأة تامة لقيادة الحزب الشيوعي السوري، التي لم تكن قد وضعت أي مشروع للاتحاد بين سورية ومصر، بل لم تكن قد طرحت القضية كهدف محسوس " . ولم يستطع الحزب أن يوفق بين معالجته للقضايا السورية، وفيما فرضته الحياة من ضرورة المعالجة ليس فقط في الإطار السوري، بــل في الإطار العربي الأوسع.
وفي الحقيقة يتسم تاريخ الحزب، خلال فترة الجمهورية العربية المتحدة وحكم الانفصال وبدايات حكم حزب البعث (1958-1966)، بقدر كبير من عدم الوضوح، كنتيجة حتمية لتحوّل الحزب إلى العمل السري المحدود الفعالية في داخل البلاد، وخروج الكثير من كادراته إلى خارج البلاد للعيش والدراسة في دول أوروبا الشرقية. ومن المؤكد أنّ الأخطاء الكبرى التي ظهرت خلال هذه الفترة، إضافة إلى ما ولّدته هزيمة الخامس من حزيران/يونيو 1967 من تفاعلات داخل الحزب، قد نقلته إلى مرحلة أخرى.
المرحلة الثالثة: مرحلة الانشقاقات الكبرى (1967- 2000)
شهدت هذه المرحلة عملية جدل واسعة داخل صفوف الحزب الشيوعي السوري حول: الوحدة المصرية - السورية (1958-1961)، وانفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة (1961-1963)، والحركات الانقلابية لحزب البعث العربي الاشتراكي (8 آذار/مارس 1963 و23 شباط/فبراير 1966، و16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970). كما كانت القضية الفلسطينية، بعد هزيمة حزيران/ يونيو، عاملاً مؤثِّراً في مجمل الجدل الذي عرفه الحزب، وخاصة انقلاب حافظ الأسد في عام 1970 وسياساته حتى توريث السلطة إلى بشار الأسد.
لقد أدت حركة الجدل الواسع حول القضايا التنظيمية والفكرية والسياسية داخل الحزب إلى الانشقاقات الكبرى فيه، حيث انبثقت عنه عدة مجموعات وأحزاب شيوعية من أهمها :
1- الحزب الشيوعي السوري (خالد بكداش)، وهو البنية الأساسية التي تفرعت عنها المجموعات والأحزاب الشيوعية الأخرى.
2- الحزب الشيوعي السوري (رياض الترك) ، عُرف بـ " جماعة المكتب السياسي "، وهو أول جناح يخرج من الحزب ويتبنى أطروحات جديدة في مجمل القضايا التنظيمية والفكرية والسياسية.
3- الحزب الشيوعي السوري (يوسف فيصل ) وهو الجناح الذي خرج عن جناح بكداش في أواسط الثمانينات.
فبعد انقطاع دام خمساً وعشرين سنة عن المؤتمرات الحزبية، انعقد المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوري في شهر حزيران/يونيو 1969، واشترك في أعماله (101) مندوباً. وقد برز، خلال المؤتمر، رياض الترك الذي ركّز في مداخلته أمام المؤتمر على: تأكيد أهمية تطبيق قواعد الديمقراطية داخل صفوف الحزب، والدعوة إلى مصالحة الحركة الشيوعية مع حركة القومية العربية وأهدافها، وإعادة تركيز محور الجهد في العمل السياسي الشيوعي على مهام التحويل الديمقراطي والاجتماعي الوطني.
وليس هناك من شك في " أنّ الترك الذي قاد أكبر حملة تجديد داخل الحركة الشيوعية العربية، قد ساهم مساهمة أساسية في تطوير الفكر السياسي العربي المعاصر، وفي دفع جزء كبير من أعضاء الحركات الشيوعية، التي كانت تعيش غريبة بين ظهراني مجتمعاتها، إلــى العودة إليها واستلهام فكرها وتراثها ومصالحها " .
لقد اتُفق في المؤتمر على إعداد مشروع برنامج سياسي للحزب، يناقَش داخل منظمات الحزب، ثم ينعقد مؤتمر استثنائي في خريف سنة 1970 لإقراره. وخلال مناقشة مشروع البرنامج، الذي دمج المسألة القومية العربية في منظورات ماركسية جديدة (الحزب الشيوعي العربي الموحد، واعتبار الاتحاد السوفياتي مجرد مركز وليس مرجعية مركزية واحدة، ووضع المسألة الفلسطينية والوحدة العربية في واجهات العمل الشيوعي واستراتيجياته)، ظهر اتجاهان واضحان، داخل اللجنة المركزية، أحدهما مؤيد لخالد بكداش ومواقفه الفكرية، والآخر معارض له. وقد أصدر خالد بكداش يوم 3 نيسان/أبريل 1972 بياناً يدين التيار الآخر، ويحرض سلطة الرئيس حافظ الأسد عليـه، باعتباره كان معارضاً لحركته " التصحيحية " في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970.
وهكذا، انقسم الحزب في كل منظماته: تنظيم إلى جانب خالد بكداش ويوسف فيصل، وتنظيم إلى جانب الأعضاء الآخرين في المكتب السياسي للحزب (رياض الترك، فائز الفواز، عمر قشاش، ظهير عبد الصمـــد، دانيال نعمة) (تحت اسم الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي) . وفي أواسط الثمانينات انشق يوسف فيصل عن بكداش (تحت اسم الحزب الشيوعي السوري الموحد)، وبذلك أصبح في سورية ثلاثة أحزاب شيوعية، تحمل الاسم نفسه، وكل منها يصدر جريدة تحمل اسم " نضال الشعب " في البداية.
لقد بقي خالد بكداش محافظاً على ولائه للاتحاد السوفياتي، فعندما سُئل عن موقفه من التغيّرات التي أعلنها ميخائيل غورباتشوف، أجاب " إننا مع الاتحاد السوفياتي في جميع الأحوال والظروف، ولا تؤثر على موقفنا هذا أية تغيّرات داخلية أو خارجية تجري في النهج السوفياتي والسياسة السوفياتية " .
وهكذا، تبلورت مواقف الأحزاب الشيوعية الثلاثة، حيث كان حزبا خالد بكداش ويوسف فيصل حليفين للنظام السوري بينما كان حزب رياض الترك معارضاً. وقد ظهرت هذه المواقف جلية بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد في عام 2000، إذ أيد الحزبان الحليفان توريث بشار الأسد السلطة بطريقة " كاريكتورية " في مجلس الشعب، بينما أعلن الحزب الآخر معارضته.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟