|
|
نحو أصطفاف وطني واسع مناهض لسلطة الاسلام السياسي
نسيب عادل حطاب
الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 14:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلمة لابد منها أدرك مسبقا ان ما أريد ان اقوله هنا فيه خروج عن التفكير النمطي السائد وأنه سيفسر من البعض حتما على انه اعتراضا أو انكارا لأمر لاينتطح فيه عنزان باختصار فاني اعترف مقدما وانا اخوض غمار هذا الموضوع باني أسير منفردا في طريق زلق واني قد أواجه استنكارا او امتعاضا أو اعتراضا مشفوعا بشتيمة أو تعليق قاس من البعض لكن مع هذا ومهما كان صوت الجوقه عاليا فلن يجبرني ذلك على ان اكون جزء من الكورال أوالمنشدين فانا أومن بمقولة هيغل ... ليس هناك صح وخطأ انما هناك صح وصح... و يبقى ان ما أريد ان أصل اليه هي وجهة نظر أجتهد فيها و قد يوافقني عليها زيد ويعترض عليهاعمر لكني في كل الاحوال أمل أن يجد هذا الموضوع صدى طيبا ودعوة للتفكير جديا خاصة لاولئك الذين أقصدهم وأعنيهم والذين سيعرفون من خلال قراءة كتابتي هذه انهم المعنيون في الامر . فقط أريد أن أوضح شيئا هاما غاب ومازال عن بال الجميع هو ان الحالة البائسة لواقعنا العراقي وانسداد افاق التغيير يعزو في جزء كبير منه في رأي المتواضع لفقر وتواضع الحياة السياسية وضعف القاعدة الشعبية للتيارات الوطنية والقومية العلمانية باختلاف توجهاتها ففيما عدا اليسار الماركسي المتواطيء منه والمتراجع والذي يمارس التقية و اليسار الماركسي الاخر الضعيف والمشتت فان الساحة الشعبية العراقية يحتكرها تياران فقط التيار الاول وهو العلني و المسيطر على الساحة السياسية ويتمثل بمجموعة الاحزاب الطائفية الاسلاموية الشيعية الحاكمة و المتحالفة مع قيادات سنية سلفية أو فاسدة وتيار أخر سري ناقم يحن الى الحقبة الصدامية والذي يحركه ويقوده البعث الصدامي مع بقايا داعش والقاعدة والذي تتوارد الاخبار انه مافتأ يستجدي عطف الامريكان ودول الخليج والجوار لاعادته الى السلطة باي ثمن والذي يجهد مسؤوليه لتبييض صفحته واغراء الشباب و البسطاء والمسحوقين والمتضررين بانهم البديل الاحسن والممكن والوحيد .. اما التيار الوطني الليبرالي البرجوازي المخلص لعراقيته فهو غائب تماما عن الساحة بفعل غياب القاعدة الطبقية الحاضنة .. بقي التيار القومي الشريف وغير الملوث بكل أشكاله وهذا غائب عن الساحة ايضا خصوصا بعد محاصرة الحركة الاشتراكية العربية وغياب قادتها التاريخيين وانكفاء الكوادر البعثية الشريفة المناهضة للصدامية والمقطوعة عن النشاط والتواصل أظن وانا محق في ذلك ان ثورة تموز التي اخرجت العراق من دائرة النفوذ الاستعماري وحققت طموح العراقيين انذاك وتطلعاتهم كانت ثمرة وتتويج لعمل ونشاط حبهة الاتحاد الوطني التي تأسست عام 1957 والتي تشكلت من كل الاحزاب الوطنية بتياراتها الرئيسية الثلاث الماركسي والليبرالي الوطني والقومي وقد كان الكبير فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي محقا حين قال قولته المشهورة ... قووا تنظيم حزبكم ..قووا تنظيم الحركة الوطنية .. ان غياب التيار القومي الوطني الشريف المناهض للصدامية بكل الوانه والتيار الليبرالي الوطني عن ساحة العمل السياسي في العراق يساهم بشكل كبير في بقاء الداخل العراقي اسيرا تحت سطوة احزاب الاسلام السياسي الطائفية سيما وانها اجادت توزيع الادوار بينها فشكلت موالاة متمثلة بالاطار التنسيقي الحاكم ومعارضة شكلية لخداع بسطاء الناس متمثلة بالتيار الصدري المسلح والممول جيدا والذي يقوم بدور حصان طراودة فيسرع لمشاركة المنتفضين والمحتجين غير المنظمين عند اول اشارة بغية أفشال حراكهم ومصادرته وربما تصفيتهم عند الضرورة كما حدث في انتفاضة تشرين ********************************************** ربما لاني منذ ان بدأت أفهم هذه الدنيا تملكني يقين قاطع انه سيكون من رابع المستحيلات ان يصل أمثالي الى السلطة يوما ما أوأن اكون أنا نفسي جزء من منظومة الحكم والادارة والمسؤولية لا في بغداد ولا في تلعفر ولا حتى في النخيب لهذا لم أتحمس كثيرا لاقتناء كتاب الامير لميكافيللي وقراءته كاملا جـل ماقرأته نتفا وفقرات من ذلك الكتاب كانت تقع بين يدي أحيانا هنا وهناك لكن رغم هذا فأنا متأكد ان ميكافيللي لم يغفل أبدا عن الامر الذي يقول ان الحاكم او الطبقة الحاكمة كلما أحست بخوف أو ضعف لوحت للرعية بخطر داهم وكارثة محدقة . هذا بالضبط ما تفعله سلطة الاحزاب الاسلامية الفاسدة في بغداد فكلما يحين موعد الانتخابات أو تكون هذه السلطة في أزمة تهدد سيطرتها أو وجودها أو تواجه معارضة شعبية متنامية يرفع ممثلو هذه السلطة وزعماؤها عقيرتهم محذرين من عودة البعث للسلطة .. على أية حال فانا أقطع أن الشعب العراقي ليس بحاجة الى ان يقرأ ميكافيللي لكي يفهم طبيعة هذا النهيق المنفر والخطاب البايخ
في لقاء تلفزيوني مع الشاعر والاديب السوري محمد الماغوط سأله المحاور عن بداياته السياسية و كيف انتمى للحزب القومي السوري الاجتماعي فأجاب بسخريته المعهودة ...أبدا كل ما في الامر ان مقر حزب البعث كان بعيدا عن البيت وفي حي اخر والطريق اليه يعج بالكلاب في حين ان مقر الحزب السوري القومي كان قريبا من بيتنا ففضلت الانتساب الى هذا الاخير …. جواب الماغوط الساخر يحمل في طياته صورة عن بعض طرق الانتماء الحزبي في تلك الاوقات المبكرة من مسيرة العمل السياسي في اقطارنا العربية وبنفس التعبير اجاب الاستاذ أحسان وفيق السامرائي الدكنور حميد عبد الله في سؤاله عن بداياته البعثية رغم كل التحامل الذي ابداه السامرائي على سياسات حزب البعث العراقي وسلوكيات قيادته خلال اللقاء التلفزيزني معه فقال كان ابي يعمل في سلك الشرطة ويبغض الشيوعية بحكم عمله فلم يكن امامي وانا شاب متحمس يفيض بالوطنية الا الانحياز للتيار القومي وهكذا وجدت نفسي بعثيا ************************************************************** ترجع بدايات تشكيل الجمعيات والاحزاب السياسية في الاقطار العربية الى أوائل القرن العشرين وتحديدا الى الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الاولى وانحلال الخلافة العثمانية وقيام ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى أنذاك بدأ الوعي الفكري والسياسي والنزوع الى التحرر والاستقلال ينتشر بين الشعوب العربية فبدأت تتشكل الاحزاب والتيارات السياسية فتأسس الحزب الاشتراكي المصري وبدأت الاحزاب الشيوعية العربية بالظهور تباعا وتشكلت الاحزاب الوطنية الليبرالية كحزب الوفد وحزب الهيئة السعدية في مصر وجماعة الاهالي في العراق التي انبثق منها لاحقا الحزب الوطني الديمقراطي في حين تمثل التيار القومي بالحزب القومي السوري الاجتماعي في سوريا وحزب الاستقلال في العراق ليبرز بعدها حزب البعث العربي وحركة القوميين العرب باعتبارهما ممثلين للتيار القومي . كل هذه الحركات والاحزاب بمجملها وبمختلف اتجاهاتها كانت احزابا وطنية تدعو الى التحرر و استقلال الاقطار العربية والخروج من دائرة النفوذ الاستعماري والارتقاء بالمستوى المعيشي والحياتي للشعوب العربية
الضعف الذي اصاب الامبراطورية البريطانية وفرنسا عقب الحرب العالمية الثانية وبداية أفول نفوذهما الاستعماري والسعي الامريكي لأخذ مكانتهما الاستعمارية باعتبارها القوة الغنية الصاعدة لزعامة العالم الراسمالي و المتطلعة لبسط نفوذها في المنطقة دفع امريكا لتبني وتشجيع تطلعات العسكرتريا في الاقطار العربية بالوصول الى السلطة وهكذا كان الامر تقريبا في كل الانقلابات العسكرية التي( تطور بعضها الى ثورات وطنية فيما بعد ) ابتداء من انقلاب حسني الزعيم في سوريا عام 1949 مرورا بحركة الضباط الاحرار في مصر عام 1952 الى ثورة تموز في العراق عام 1958 ثم ثورة الفاتح من ليبيا عام 1969 و اخيرا انقلاب مايو في السودان بقيادة جعفر النميري جميعها تمت أما برعاية مباشرة أو بضوء اخضر أمريكي وفي أحسن الظروف بتشجيع ضمني أوغض نظر من واشنطن على اني في كل الاحوال لااقصد التشكيك بوطنية بعض هؤلاء الضباط بقدر ما أشير الى حقيقة تاريخية افصحت عنها الوثائق و شهادات المسؤولين المعاصرين والمشاركيين بهذه الاحداث فيما بعد فقد كانت السفارة الامريكية في القاهرة مثلا على علم مسبق بحركة جمال عبد الناصر ورفاقه من خلال اتصال هؤلاء الضباط انفسهم بالسفارة ... وصول الزعماء العسكريين للسلطة في الاقطار العربية ومصادرتهم للحريات السياسية الاساسية للجماهير وحضر الحياة الحزبية ضمن للامريكان الوقوف بوجه النفوذ السوفيتي المتصاعد انذاك عبر الحد من نشاط اليسار والحركات الشيوعية والديمقراطية حيث كان الحركات اليسارية والديمقراطية والشيوعية في اوج صعودها التاريخي وحيث كان المزاج الشعبي العام يميل اليها ويتبنى مفاهيمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكن كان لابد لهؤلاء العسكر من رصيد جماهيري يشكل حاضنة شعبية لحكمهم .هنا التقت اهداف هؤلاء الزعماء العسكرين الساعية لتكريس سلطاتهم الديكتاتورية المناهضة لليسار والديمقراطية مع بعض اطراف الجناح القومي العروبي اليمينية المنافسة لليسار والمخترقة والمشحونة بمعاداة الشيوعية او مخاصمتها باعتبارها تهديدا للمشروع العروبي القومي وكان حزب البعث أهمها وأكثرها تنظيما فاستطاع أن يستقطب تحت مظلته كل العسكريتاريا المتطلعة للسلطة والمناهضة لليسار والديمقراطية والمغرمة بامجاد السلف الغابر واحلام الامبراطورية العربية .والحقيقة أن التيار القومي بكل اتجاهاته لم ينشأ من الفراغ فقد كان نتيجة مباشرة لأمرين الاول هو اتفاقية سايكس بيكو التي لم تكرس التقسيم الظالم وغير العادل بالمرة( للمنطقة بأكملها) فقط بل شرعنت الاستعمار ووضعت الاقطار العربية تحت الوصايةالاستعمارية المباشرة واعاقت كثيرا فرص التنمية والتكامل العربي والامر الثاني والاهم هو وعد بلفور ومانتج عنه من ظلم و تشريد الشعب الفلسطيني و اقامة اسرائيل باعتبارها كلب حراسة متقدم و وكيل امني لامريكا وكل الدول الاستعمارية في المنطقة على ان علينا ان لانغفل ان موقف الاتحاد السوفيتي من التقسيم وانشاء اسرائيل والذي تبنته الاحزاب الشيوعية العربية باعتباره الموقف الماركسي الاممي المسلم به ساعد في نشوء حراك قومي يميني معاد لليسار غذته ولعبت عليه امريكا واسرائيل نفسها
********************************************** أستلم البعث السلطة في العراق مرتين المرة الاولى كانت عام 1963 وقد كانت بحق نقطة سوداء مظلمة في تاريخ البعث والعراق مارس فيها البعثيون كل انواع التنكيل والاضطهاد بمعارضيهم لا من الشيوعيين فحسب بل من كل الديمقراطيين والقاسميين والوطنيين ومن لايتفق معهم ويمالائهم وانتهت التجربة بعد حوالي تسعة شهور على يد شريكهم في الانقلاب عبد السلام عارف لينقسم على اثرها الحزب الى جناحين يميني ويساري يحكم علاقتهما العداء والتخوين والمرة الثانية التي استلم فيها البعث السلطة كانت عام 1968 بتحالف بينهم وبين عبد الرزاق النايف مدير الاستخبارات العسكرية قبل الانقلاب وابراهيم الداوود ويقال ان كليهما كان عليه اكثر من علامة استفهام ؟ ابتدأ البعث فترة حكمه الثانية بشكل مغاير لتجربته الاولى في عام 1963 فلم يبادر لتصفية معارضيه فورا ومرة واحدة وبشكل علني انما بدأ بسلسلة من الاغتيالات والتصفيات الفردية التي كانت تسجل ضد مجهول قبل ان يوكل لناظم كزار ادارة الامن العام ويتخذ من قصر النهاية مركزا لاعتقال وتعذيب المعارضيين من مختلف الاتجاهات ليكون مصير هؤلاء محصورا بين التصفية الجسدية أوالتسقيط السياسي و في احسن الاحوال يصار الى اطلاق سراحهم بعد ان يذوقوا مرارة التعذيب الرهيب الذي يوصلهم الى حافة الموت فيخرج واحدهم محطما مجللا بالخوف والقنوط على ان اهم ما ميز الفترة الثانية من حكم البعث هو بروز ظاهرة القائد الفرد والزعيم الاوحد الذي استطاع تدريجيا ان يختصر الحزب في شخصه فيستبدل الولاء للحزب بالولاء له فلم يعد كافيا ان يكون العراقي بعثيا ليسلم على ريشاته وانما صار الولاء لشخص القائد وطاعة حاشيته وعائلته هو الطريق المضمون للصعود والعمل في المراكز المتقدمة لادارة الدولة والنجاح والحد الفاصل بين الحياة والموت احيانا كان صدام قد بدأ بعيد وصول البعث للسلطة وبحكم ادارته للجهاز الامني للحزب بتصفية بعض قيادات البعث التاريخية التي كان يمكن ان تقف عائقا في تحقيق مشروعه بالوصول للزعامة والانفراد بها ثم استمر بعدها بتصفية الشخصيات القيادية العاملة التي يمكن ان تشكل منافسا له او تلك التي اعتقد انه من الصعب أستمالتها فكانت مؤامرة ناظم كزار( المثيرة للجدل ) حلقة مهمه في هذا الامر حيث استطاع من خلالها تصفية كزار نفسه باعتبار واحدا من اهم مراكز القوى التي بدأت تنافس سلطته والاهم من ذلك انه استطاع ان يحشر اسم عبد الخالق السامرائي وهو الشخص الجدير حقا بالزعامة بنظر معظم البعثيين ليكون ضمن قائمة المتأمرين فيودع السجن الانفرادي ثم ليتم تصفيته لاحقا .. . على ان النقطة الفاصلة في تاريخ البعث تمثلت في احداث قاعة الخلد التي ابتدأ بها صدام حكمه حيث تمت تصفية اغلب قيادات وكوادر الحزب التاريخية والمهمة والعاملة بذريعة التأمر.... حينها ادرك اغلب البعثيين ان الصورة التي كانت في أذهانهم عن الحزب ومبادئه وتقاليده التنظيمية أو ماتبقى منها قد انتهت عمليا وتبخرت وقد كان هذا السيناريو مشابها الى حد ما للسيناريو الذي أستخدمه الاسد من قبل في سوريا لتصفية رفاقه في القيادة ومصادرة سلطة الحزب لصالح سلطة القائد والزعيم الاوحد .. في اعتقادي ان احداث قاعة الخلد وسلسلة التجاوزات والمظالم المتراكمه قبلها التي طالت كل العراقيين ووصلت الى البعثيين انفسهم أحدثت صدمة اعادت الوعي الغائب لكثير من مثقفي البعث الذين غضوا النظر عن كثير من التجاوزات بحق الشعب وجعلتهم يعيدون النظر في كثير من قناعاتهم ومواقفهم ويمتلكون فهما مختلفا لطبيعة الحزب ودوره والعلاقة بينه وبين الناس وقد تعمق هذا الامر بعد سقوط الستالينية في الاتحاد السوفيتي عام 1991 خاصة وان البعث كان قد أستعار وتحجج بكثير من تقاليد الاحزاب الشيوعية الستالينية في حياته الداخلية وسلوكياته ومواقفه من السلطة والمعارضة ************************************************************** أمتد حكم البعث في الفترة الثانية لمدة ناهزت خمسة وثلاثين عاما شهدت السنوات العشر الاوائل منها وهي الفترة التي سبقت استلام صدام السلطة بعض النجاحات في التعليم والصحة وكان تأميم النفط الحدث الاكبر الا أن سياسة التبعيث الاجباري ومطاردة العراقيين المشكوك في ولائهم وتضخيم دور الامن والمخابرات في المجتمع والدولة صادرت كل الانجازات وافرغتها من مضمونها جاء ذلك بالتزامن مع هيمنة عائلة صدام وعشيرته على المناصب الامنية والمفاصل العسكرية المهمة وانفراده بالقرارات السيادية المهمة ودخوله في حرب الثمان سنوات مع ايران ثم لاحقا باجتياحه للكويت في الثاني من اب عام 1992 ... خلال هذه الفترة الطويلة نسبيا صار البعث جزء من واقع العراقيين تعايشوا مع ادارته للدولة ومع فكره واهدافه ونظريته السياسية أن طول فترة حكم البعث بالعراق وفرض التبعيث كشرط للدراسة و التوظيف والعمل في بعض المؤسسات الرسمية فرضت على كثير من الكفاءات الوطنية سواء في الادارات والدوائر المدنية او في الجيش الانتماء للبعث فضلا عن ان هناك اصلا كثير من الشخصيات الوطنية كانت قد وجدت في البعث تعبيرا عن طموحاتها في تحقيق الوحده العربية وتحرير فلسطين فانحازت اليه حتى قبل ثورة تموز عام 1958 أو في الفترة التي تلت ذلك... كانت الساحة العراقية بكل مفاصلها تزخر بامثال هؤلاء الذين لا يستطيع احد ان ينكر وطنيتهم ومحبتهم للعراق الذين لم يجدوا في شعارات البعث واهدافه وكتابات منظريه ما يعاب أو مايخجل منه فالوحدة العربية وتحرير فلسطين هدفان ساميان حتى بنظر من يختلف مع البعث أو يناوئه الخطأ الوحيد الذي ارتكبته بعض القيادات البعثية الشريفة والمخلصة لمبادئها انها سكتت وغضت الطرف عن سياسة الاضطهاد التي ابتدأت بها قيادة حزبهم ( البكر وصدام ) ومارسته بحق بقية القوى الوطنية والسياسية الاخرى في السنوات الاولى التي أعقبت تموز 1968 ورغم ان قسم كبير من مثقفيهم كانوا يعترضون في دواخلهم على هذه السياسة الا أن القصور الفكري والسياسي والتنظيمي السائد فضلا عن الخوف أوهمهم أن طاعة قيادة الحزب وتأييدها في كل سلوكياتها وسياستها موقف مقدس يفرضه الانتماء الحزبي وعليه ان يقتنع شاء أم ابى كان حزب البعث جزء من جبهة الاتحاد الوطني التي تكونت عام 1957 وضمت بالاضافة اليه الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال واستنادا الى شهادات الرعيل الاول من البعثيين فقد ساعد الشيوعيون العراقيون حزب البعث في بداياته ودعموه وقاموا بطباعة منشوراته الحزبية وتدريب كوادره على الطباعة. يذكر الشاعر الشيوعي رشدي العامل في شهادته ان صديقه البعثي المرحوم شاذل طاقة كان يسلمه بين حين واخر تبرعا للحزب الشيوعي العراقي .. اما ماينقله رفاق عبد الخالق السامرائي ومعاصروه عن سلوكه ودعوته لتأسيس نظام برلماني جامع لكل القوى الوطنية والقومية يكون فيه لصناديق الانتخاب القول الفصل في اختيار الحكومة فهو فهم رائع ومتقدم لشكل الدولة التي كان العراقيون ومازالوا يطمحون باقامتها
خلاصة القول أن منظومة الحكم البعثية ومنذ عام 1963 لم تحسن في تعاملها مع العراقيين بمختلف انتمائاتهم وكان صدام حسين الذي حكم العراق باسم البعث وخرج من بين ظهرانيه واحد من اكثر الحكام اجراما وبشاعة في التاريخ لم يستثن أحدا او جماعة في ظلمه بما فيهم البعثيين انفسهم
لست بعثيا ولا أميل للفكر القومي الابقدر الدفاع عن الحق بالوجود والحرية والمساواة مع الامم والشعوب الاخرى ولكني لااستطيع أن انكر ان هناك رجالا من البعث ينضحون وطنية وعلم وحب صادق لشعبهم وامتهم جديرون بالاحترام والذكر الطيب فهل يستطيع أحدا أن ينكر على صاحب شرق المتوسط عبد الرحمن منيف وهو البعثي النشأة أنسانيته وصدقه ؟ وهل يستطيع أحد ان لايذكر شاذل طاقة أو عبد الخالق السامرائي أو صلاح عمر العلي أو جعفر المظفر أو احسان وفيق السامرائي واخرين كثيرين بالاحترام والتقدير ؟؟؟؟
لقد قدم البعث نموذجا جميلا في العمل الوطني المشترك في واحدة من اهم تجارب الحكم الناجحة في الوطن العربي فقد اندمج حزب الطليعة الاشتراكية اليمني( البعثي ) بقيادة عبد الله باذيب مع الجبهة القومية(حزب قومي ذوو جذور ناصرية ) وحزب الاتحاد الشعبي( الماركسي) لتشكيل الحزب الاشتراكي اليمني الذي قاد تجربة حكم متقدمه كان ومازال يشار لها رغم كل ماحدث لاحقا من صراعات داخلية ورغم فقر اليمن الجنوبي وشحة امكانياته الاقتصادية ... على ان تجربة البعث الديمقراطي التي اطلقها البعثي السوري ابراهيم ماخوس وتبنيه للماركسية يؤكد ان في البعث تيار وطني تقدمي يساري مناهض لليمين القومي الرجعي الديكتاتوري
يذكرني قانون اجتثاث وتجريم البعث بمناهضة وادانة المتشككين بالرواية الصهيونية في الغرب أو بتجريم المتشككين بالموروث الديني او تجريم الشيوعية ابان حكم نوري السعيد وكأن زرع الافكار والقناعات أو مسحها يتم بالقوة أو انها أبرة دواء او لقاح تحقن للمعارضيين .. انها في الحقيقة اعادة تدوير للمفهوم الفاشي الصدامي--- كل العراقيين بعثيين وان لم ينتموا .. لم يتمكن صدام من نحت افكار الناس بالقوة والتجريم فهل يتصور اصحاب الحل والعقد الان انهم قادرين على الحصول على نتائج مغايرة من خلال قانون اجتثاث البعث
أمر مؤسف حقا ان يتطلع العراقيون لامريكا لتخلصهم من النظام اللصوصي الطائفي المتفسخ وهي التي من جاءت بهذا النظام بل والتي كانت وراء كل النكبات التي احاقت بالشعب العراقي وكل شعوب المنطقة على ان الامر الاكثر رثاثة هو هذا اللهاث الذي يبديه بقايا البعث الصدامي في محاولة ارضاء وأستجداء الامريكان للرجوع للسلطة حكى لي احد الشيوعيين القدماء يقول اثر انقلاب 8 شباط 1963 والضربة التي تعرضت لها تنظيمات الحزب الشيوعي واعتقال اغلب الكوادر العاملة انه بادر شخصيا ومن تلقاء نفسه باعداد بيان يحمل اسم اللجنة المركزية وقام بطباعته واستنساخه وتوزيعه مع عدد قليل من رفاقه بغية بث روح الامل والصمود والمقاومة رغم انه لم يكن الا عضو عادي في الحزب ... لاادري مابال احبتنا من البعثيين الشرفاء المعارضين للنهج الصدامي ان لاينبري أحدهم أو بعضهم فيصدر اعتذارا صريحا للشعب العراقي يستنكر ماقام به صدام من جرائم باسم البعث وباسمهم انذاك ويؤكد فيه الصورة الوطنية الصادقة لبعث جديد يؤمن بالديمقراطية واحترام حرية التعبير ... الا يستحق الشعب العراقي منهم مثل هذا الاعتذار ؟.. الا يحرص هؤلاء ( البعثيون الشرفاء ) على الصورة التي رسمها واحدهم عن البعث في خياله الثوري والانساني الصادق والتي كانت الدافع في انتمائه للبعث ؟ ألا يتمنون استعادة البعث بعد ان سرقه صدام وعائلته وزبانيته منهم فيقطعون الطريق امام بقايا النظام الصدامي الساعي لتدوير نفاياته باسم البعث مرة اخرى ؟ الا يطمح هؤلاء لدعم الحراك الوطني والشعبي الهادف لانتشال العراق من المستنقع الطائفي الرجعي الأسن ؟ أن دعم وبناء قاعدة حزبية وطنية متعددة مناهضة للاستعمار و النفوذ الاجنبي . هو السبيل الوحيد لاستعادة الاستقلال وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية وفي هذا الصدد فان الساحة بحاجة الى كل التيارات الوطنية والديمقراطية شيوعيين بكل اتجاهاتهم , أشتراكين ديمقراطين . ليبراليين وطنيين بكل صورهم, مستقلين. قوميين تقدميين , بعثيين مناهضين للصدامية والديكتاتورية .. اسلاميين علمانيين يرفضون الدولة الدينية والمحاصصه والتبعية
في شهادته مع الاستاذ حميد عبد الله يشير الضابط البعثي سليم الامامي انهم اي البعثيين يتحملون جزء كبير من المسؤولية بسكوتهم على تجاوزات صدام منذ البداية !!! الان وقد ولى صدام الى الابد لم يعد السكوت في رأي مقبولا بعد كل هذه المدة فالسكوت يعني واحدا من ثلاثة اما ان هذا البعثي مازال متمسكا في قرارة نفسه بصدام والحقبة الصدامية وينظر اليها رغم كل شيء باعتبارها فصلا مجيدا من تاريخ البعث الذي ينتمي اليه لايجوز الاساءة اليها وذمها رغم جرائمها وسيئاتها وامثال هذا هم من يساندون البعث الصدامي الذي ينشط على الساحة مادا ذراعه للامريكان والرجعية العربية أو انه ذلك البعثي الذي مابرح مترددا ومكابرا بانتظار ماتسفر عنه غبار الاحداث ليتغير الحال فيخلص من ورطة الاعتذار اما القسم الثالث والاخير فهم البعثيون الشرفاء المثقفين و المعارضين للصدامية وكل اشكال الديكتاتورية ممن تملكهم الاحباط واليأس الى الحد الذي بدا واحدهم انه غير معني بأي شيء فانطوى على نفسه متحسرا حاله حال العراقيين الشرفاء على عمره واحلامه التي صادرها صدام والامريكان زبدة الكلام ان هناك تيار شعبي مؤيد للبعثيين والمشروع القومي في الشارع العراقي وهذا الامر واضح لايمكن انكاره وان من مصلحة العراق الوطنية ان ينحاز هذا التيار ويتم كسبه لبعث وطني ديمقراطي شريف معاد للصدامية والديكتاتورية يعمل مع كل القوى الوطنية والعلمانية الاخرى لاستعادة العراق بدل ان يصار الى استغشامه وتجنيده من قبل البعث الصدامي المشبوه والذي يستجدي الامريكان ودول الخليج للعودة .. ان مسؤولية هذا الامر تقع بالدرجة الاولى على عاتق( المجموعة الثالثة ) من شرفاء البعثيين الرافضين للصدامية والديكتاتورية والعمالة من خلال تجميع انفسهم واصدارهم بيانا يدينون فيه التجربة الصدامية ويحذرون من اعادة أحيائها مرة اخرى ويبشرون بولادة بعث وطني ديمقراطي يساهم مع القوى الاخرى في استعادة سيادة العراق وحريته ( دون ان يعني هذا التزامهم بالعودة للنشاط السياسي فهذا الامر خيار شخصي ) بهذا وحده يتمكن العراق من كسب هذا التيار بل وكل العراقيين واقناعهم بان صدام ومن جاء ليحكم العراق بعد السقوط بنفس الدرجة من السوء وان المعارضة الحقيقية لتجربة الاسلام السياسي ومحاولة التغيير لاتتم بالارتداد الى التجربة الصدامية وانما بتاسيس مشروع وطني جديد يكون مقبولا من كل الشعب العراقي بكل قواه الوطنية العلمانية والمدنية والرافضة لاستخدام الدين للعمالة وسرقة ثروات الشعب العراقي .. أن مثل هذا الموقف وهذا البيان سيشكل مرجعية سياسية يستند عليها الشباب المنحاز للبعث والفكر القومي وستساهم في دعم العمل الوطني الساعي للتحرر من التبعية واستعادة سيادة العراق واستقلاله ودعم وحدة ترابه الوطني وبناء دولة مواطنه ديمقراطية حرة في قرارها السياسي والاقتصادي خالية من القواعد العسكرية مناهضة للصهيونية ولكل اشكال التبعية .
#نسيب_عادل_حطاب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسود ولكن ......
-
الرئيس الهمشري
-
أولويات الصراع
-
أسقط بشار الاسد نفسه قبل أن يسقطه الاخرون
-
شكوى
-
عبد الرزاق عبد الواحد... سلوكه ومواقفه ومنجزه الشعري
-
ماذا لو أن حماس..... وجهة نظر
-
أن تكون أو أن تكون
-
سقوط بغداد ...هزم صدام شعبه فهزمه الامريكان
-
مؤشر غازي الاقتصادي
-
تعليقا على ماكتبه الاستاذ نجم الدليمي في مقاله( وجهة نظر ومو
...
-
تاجر خائب وبضاعة فاسده 3,4 --4
-
تاجر خائب وبضاعة فاسدة 2 --4
-
تاجر خائب وبضاعة فاسدة 1-4
-
الحركة الاشتراكية العربية ..مواقف وطنية مجيدة
-
رساله الى صديق بعثي ... اعطونا عذرا امام شهدائنا لنعبر الماض
...
-
هل اليسار المتمدن موقع لليسار حقا
-
شكرا سامي مهدي ...مازلنا نحفظ لك ذلك الجميل
-
وصية لفتى حالم
-
خيبة
المزيد.....
-
زفاف حاتم صلاح وزواج منّة شلبي و-رد الاعتبار- لمحمد سلّام..
...
-
-لم نصل إلى نقطة اللاعودة-.. هل غيّر رئيس الجزائر لهجته تجاه
...
-
أمجد الشوا: من هو الفلسطيني الذي يُتداول اسمه كمرشح لرئاسة ح
...
-
بعد العقوبات على النفط الروسي.. أوربان: ترمب أخطأ وسأتحدث مع
...
-
عائلات الرهائن تدعو لتعليق تطبيق خطة غزة حتى استعادة الرفات
...
-
برشلونة.. 3 دروس قاسية بعد هزيمة الكلاسيكو المخيبة!
-
ما الجديد في إعلان تولي نائب الرئيس الفلسطيني رئاسة السلطة ح
...
-
عاجل| رئيس مجلس السيادة السوداني: قواتنا قادرة على تحقيق الن
...
-
خبير إيطالي: -حرب بلا أضرار- هي خيار الصين في مواجهة تايوان
...
-
مطالب أممية بفتح الوصول للفاشر ومستشار ترامب يدعو لهدنة إنسا
...
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
المزيد.....
|