|
|
لماذا ابتعدت الجماهير عن الحزب الشيوعي اللبناني
عديد نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 23:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتبت هذه المادة بتاريخ 7/10/2010 ردا على مقالة نشرها الدكتور خالد فوعاني القيادي في الحزب الشيوغي اللبناني آنذاك، وأجد أنه من المفيد إعادة نشرها اليوم في الذكرى الواحدة بعد المئة لتأسيس حزب الشعب، الحزب الشيوعي اللبناني راهنا. (عندما يرى الشيوعي أن الجماهير بدأت تنفضّ عنه عليه أن يتحسس شيوعيته!) هذه العبارة أعلاه وردت في إحدى مداخلاتي في أحد الاجتماعات الحزبية. عديد نصار نعم، فهل كانت الجماهير تلتف حولك لسبب طائفي أو مذهبي؟ هل كانت تلتف حولك لمنافع وضيعة كنت تقدمها كما باقي القوى السياسية أطراف النظام؟ بالتأكيد لا. لقد التفّت حولك الناس لأنها كانت تشعر وتلمس أن الشيوعي، فكرا وممارسة، كان يمثل مصالحها ويقدم لمستقبلها، وانفضاضها عنه اليوم يعني أن خللا ما أو شائبة أصابته في فكره أو في ممارسته أو في كليهما، إذ إن الفكر والممارسة يصقل أحدهما الآخر باستمرار. من هنا أبدأ مناقشة مقالة الرفيق خالد فوعاني المنشورة في "النداء" مجلة الحزب الشيوعي اللبناني، العدد 145 تاريخ الأول من تشرين الأول 2010، المعنونة بـ: "سبب ابتعاد الجماهير عن الحزب الشيوعي" والتي قدم لهابعبارة للشهيد مهدي عامل تقول: " إن الموقف من القضية الوطنية بوجه عام هو المقياس في تحديد الطابع الثوري أو نقيضه للممارسة السياسية للحزب الشيوعي بخطه الطبقي." والرفيق فوعاني ينطلق من بعض هذه العبارة، وتحديدا من الشق الأول منها متكئا على الصعود الجماهيري (1968/1975) ليطرح تساؤله: "ما هي الأسباب التي تقف عائقا أمام التفاف الجماهير حول الحزب الشيوعي؟ هل هي علّة في هذه الجماهير وتأثير العامل الطائفي أم العلّة في الممارسة السياسية للحزب؟ ثمّ، ما هي القضية الرئيسية للحزب الشيوعي اللبناني التي تحدد مدى اقتراب الجماهير والفئات الشعبية منه؟" ليتابع: "فالعزلة السياسية التي وضع الحزب نفسه فيها قبل أن يضعه الآخرون تقوده الى عدم تحديد موقف صريح وواضح ليس للحزب فحسب، إنما لجماهيره أيضا، في الإجابة الصحيحة عن ماهية القضية المركزية لنضال الشيوعيين اللبنانيين قولا وممارسة بغض النظر أن هناك قوى مذهبية تحمل على عاتقها القضية الوطنية بما تعنيه من أولوية في محاربة المشروع الأمريكي الاسرائيلي في فلسطين ولبنان والعراق..." لقد طرح الاقتباس الأول القضية وجاء الاقتباس الثاني بالاجابة والحل! جميل جدا!! من المهم أن يطرح قيادي في حزب شيوعي ومن على جريدة الحزب نفسه قضية ابتعاد الجماهير عن هذا الحزب، فكيف إذا كان هذا الحزب شيوعيا؟! غير أن القضية أصبحت أكبر من ذلك، فليست الجماهير وحدها من ابتعد عن الحزب الشيوعي اللبناني، في الواقع أن قسما واسعا من قواعد الحزب وكوادره أخذت بالابتعاد بعد أن وجدت أنه من المتعذر عليها تغيير السلوك السياسي لهذا الحزب، السلوك الذي يسير بهذا الحزب نحو التحلل والاضمحلال. التساؤلات التي طرحها الرفيق خالد فوعاني صحيحة وقد تأخر في طرحها كثيرا. وصحيح أيضا أن الممارسة، لا بل النهج السياسي التي تخوض فيه القيادة هو سبب ابتعاد الجماهير وجزء كبير من القواعد الحزبية والكوادر الشيوعيين عن الحزب، غير أن القضية هي غير تلك التي حاول الدكتور فوعاني وضعها كعلة أساسية للاشكالية المطروحة. فقد أخذ الرفيق فوعاني الشطر الأول من مقولة مهدي عامل متجاهلا الشطر الثاني والأهم لأنه المرتكز الأساس نظريا وعمليا للشطر الأول، أقصد بذلك عبارة "بخطه الطبقي" والتي لم تؤثر لا من قريب ولا من بعيد في مقالة الدكتور فوعاني ولم يكن لها أية أهمية في تحليله للقضية أو في طرحه للحل. فهل حافظ الحزب الشيوعي أولا وقبل كل شيء على "خطه الطبقي" قبل أن نصل الى ضرورة طرح الإشكالية برمّتها؟ أما فيما خص القضية الوطنية، فمن لا يعرف بعدُ أن الحزب الشيوعي اللبناني هو من أطلق، إلى جانب حلفائه وبصوت أمينه العام جورج حاوي "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" التي مثلت بحق اللحظة الأكثر إشراقا في تاريخ النضال العربي على مدى عقود؟ من لا يعرف أن للحزب الشيوعي اللبناني مئات الشهداء الذين سقطوا في مواجهة الاحتلال الصهيوني للبنان؟ ومن لا يعرف أنور ياسين وسهى بشارة وغيرهما من الأسرى الشيوعيين الذين أمضوا سنوات طوال في المعتقلات الصهيونية على طريق مقاومة الاحتلال ودحره؟ فهل بعدُ من يتساءل عن عمق انخراط الشيوعيين اللبنانيين في القضية الوطنية؟! ثمّ، من لا يعرف أن الحزب الشيوعي كان أقصيَ عنوة عن المقاومة وأبعد مرغما عن متابعة الكفاح المسلح في إطار جبهة المقاومة الوطنية؟ هل نسي الرفيق فوعاني أن قيادة حزبه قد منعت من استقبال الأسرى المحررين ومنهم شيوعيون، في مطار بيروت الدولي؟ وهل نسي أن الحزب الشيوعي لم يجد مكانا للأسير المحرر أنور ياسين على لائحة "الوفاء للمقاومة" التي رشحها حزب الله "المقاوم" للانتخابات النيابية في الجنوب؟ علينا، كشيوعيين، ومن "موقعنا الطبقي" الذي يمثل هويتنا الحقيقية أن ندرك أن المشروع الأمريكي الصهيوني للبنان والمنطقة العربية يرتكز، إلى جانب الوجود الصهيوني وإلى جانب الاحتلال الأمريكي المباشر وغير المباشر، وإلى جانب الأنظمة المرتبطة عضويا بهذا المشروع، يرتكز بشكل وثيق على تفعيل وتنشيط وتجذير الانقسامات الطائفية والمذهبية والإثنية وإذكاء الصراعات المحلية الدموية على أساسها للتورية على الصراع الأساسي الذي، ومن موقعنا الطبقي، علينا تظهيره والإضاءة عليه وتوجيه الأنظار اليه من خلال فضح كل القوى المحلية المرتبطة مباشرة أو بشكل غير مباشر بهذا المشروع أو المتخادمة معه موضوعيا، ومن خلال التأكيد على أن الانقسامات العامودية المذهبية والطائفية والإثنية والمناطقية ... صبت وستبقى تصب في خدمة العدو الوطني ومشاريعه. وأن القوى المذهبية، وإن تفانت في مقاومتها، فإنها تخدم، عن قصد أو عن جهل أو عن مصلحة أو بسبب تركيبتها الطبقية والأيديولوجية، مباشرة وبشكل واضح مشاريع العدو. وعلينا، من موقعنا الطبقي، أن نوضح لقوى المقاومة التي تخوض بعضا من معاركنا، أن في فئويتها مأزقها، وأن مأزقها سيحبط عمل المقاومة وسيطيح بكل إنجازاتها وانتصاراتها. ونحن، من موقعنا الطبقي، علينا أن ندرك أن قوى المقاومة المذهبية، وبسبب من طبيعتها الطبقية والأيديولوجية وارتباطاتها الخارجية، لن تغير نهجها ولن تخرج من فئويتها ولن تكون قادرة على تجاوز مأزقها الذي يتهدد بالأساس المقاومة عموما وكذلك البنى الاجتماعية التي تتموضع فيها هذه القوى والتي انقسمت و ستنقسم على نفسها بفعل فئوية المقاومة تلك وبفعل التحريض الدائم متعدد الأشكال من قبل العدو وأدواته. ومن هنا، ومن موقعنا الطبقي أيضا وأيضا، علينا أن ندرك أن الانقسامات العامودية التي يساهم في إذكائها العدو، تمثل للطبقة المسيطرة ولنظام الفساد والزبائنية متعدد الرؤوس البيئة الاجتماعية الأمثل لخدمة تجديد نظام سيطرتها الفئوي التحاصصي الذي يبقى المجتمع على حافة الحرب الأهلية ما يمكن رموز هذا النظام ومحاسيبهم من الاستمرار في ممارسة النهب والفساد وعلنا متحصنين بالقلاع الطائفية والمذهبية وغير عابئين بالقوانين التي سنها النظام نفسه ولا بما تتركه ممارسة أسوأ أشكال الفساد من آثار عميقة في المجتمع على جميع المستويات وفي كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... ونحن نرى وبشكل واضح كيف أن القوى المذهبية المنخرطة في القضية الوطنية تدرك تماما هذه الأمور وتقايض بها هنا وهناك مع باقي أطراف النظام. لقد أسهمت المقاومة الاسلامية في تعميق الانقسامات الاجتماعية ما أتاح تجديد وإعادة إنتاج نظام سيطرة البرجوازية التابعة ومكن سادتها أن يمعنوا في عمليات النهب والفساد ما أساء للمقاومة نفسها وضيع أروع انتصاراتها في دهاليز تلك الانقسامات وهذا ما أدى إلى تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية بشكل فادح فكانت الهبات الشعبية العفوية المتفرقة محليا وقطاعيا. هذه الهبات التي تعبر عن سخط الجماهير على كافة القوى السياسية التي تركتها يتيمة في الشارع بعد أن سخرتها في معاركها السياسية وحروبها الدموية القذرة. وهنا، ومن موقعنا الطبقي أيضا وأيضا، دعوني أناقش موضوع "العزلة" التي وضع الحزب الشيوعي نفسه فيها قبل أن يضعه "الآخرون"... في هذا مسألتان: طبيعة العزلة وما المقصود بها، وطبيعة "الآخرون". في مقالة الدكتور خالد فوعاني إنهم "الآخرون" دون أدنى شك، القوى السياسية... وتعبير "قوى سياسية" تعبير مراوغ يستخدم بديلا من عبارة "أطراف النظام" الحاكمين والبيادق التابعين لهذه الأطراف على جانبي 8 و14 آذار. فنقول قوى سياسية كي نعفي أنفسنا من التمحيص في الطابع الطبقي لهذه القوى وموقعها في النظام الذي يفترض في الحزب الشيوعي أن يمثل النقيض الطبيعي له، من موقعه الطبقي. إن عزل أو انعزال الحزب الشيوعي بما يفترض به أن يمثل، عن القوى أطراف وأذناب هذا النظام مسألة طبيعية، ولكن تسمية "القوى السياسية" تتيح هامشا معينا "لفك" عزلة الحزب الشيوعي وإيجاد مكان ما له على هامش هذه القوى! أي على هامش هذا النظام. من هنا نلاحظ الأسف الواضح لدى الرفيق فوعاني عندما يقول:" قبل أن يعزله الآخرون". هنا ندرك مفهوم العزلة القاسية التي يعاني منها فوعاني والرفاق في قيادة الحزب. هذه العزلة بالنسبة اليهم عزلة عن "القوى السياسية" أي عن أطراف النظام وملحقاتهم. ففي الوقت الذي يشكو فيه فوعاني من ابتعاد الجماهير عن حزبه، فإنه يعاني من العزلة السياسية، أي عزلته عن "القوى السياسية". وهو بالتالي لا يلحظ أن عزلة الشيوعي تقاس بمدى ابتعاده عن الجماهير وليس عن أطراف النظام الذي يفترض أنه هو نقيضه الطبيعي. ثم أن الجماهير لا تبتعد عن طليعتها الثورية إلا بقدر ابتعاد هذه الأخيرة عن قضاياها وعن الممارسة الثورية التي تجعلها ملتحمة بالجماهير. وفي لبنان مثلا، فإن الضغوطات المعيشية الكبيرة التي تسحق الطبقات الشعبية على كافة الصعد، استغلال شرس وإهمال كافة الخدمات وارتفاع ساحق في الأسعار وتراجع في العمالة والأجور، حيث التحركات العفوية المتنقلة تكاد تكون يومية، إن ابتعاد الشيوعي عن هذه التحركات هو الذي يزيد في عزلة حزبه ليس عن الجماهير فقط وإنما عن قواعده التي سئمت التهميش والنهج التسووي الذي اتبعته القيادة على مدى عقدين من الزمن.
#عديد_نصار (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هو النور يدفق من جرحنا المتفجر
-
مداخلتي في افتتاح منتدى سلامة كيلة الثقافي في دمشق
-
يا ساحري
-
مصر التي تفاجئك..
-
حق النقض الفسطيني ولعبة المحاور
-
من بيروت الى درنة.. عندما تكون الكارثة بعشرات أمثالها
-
في ضرورة الحزب الثوري
-
بين تقيتين الطائفية تنتصر
-
الطبل في بكين والرقص في تبنين!
-
حدثان بين عامي ٢٠٢٢ و٢٠&
...
-
مظاهرة برلين: ضرورة الظهير الخارجي للانتفاضة
-
لبنان: المعارضة الطائفية وترسيم الترسيم
-
الانتفاضة الإيرانية والنظام العالمي
-
فؤاد النمري ارقد بسلام
-
سرٌِيَ التٌوأم
-
كيف لنا أن نتابع ما بدأه سلامة كيلة؟
-
مداخلتي الرئيسية للقاء الحواري الأول لتجمع مصير
-
ماذا لو أهمل بايدن كل تلك الأوراق؟
-
عقد على الانتفاضات الشعبية المفتوحة
-
شهران على تفجير مرفأ بيروت من يحاسب من؟
المزيد.....
-
وفاة الملكة الأم سيريكيت في تايلاند عن 93 سنة
-
أميركا والصين تستبقان قمة ترمب- شي بمحادثات تجارية بناءة
-
جورجيا تعتقل 3 صينيين حاولوا شراء كيلوغرامين من اليورانيوم
-
استنكار واسع في تونس بعد تعليق نشاط -النساء الديمقراطيات-
-
ليتوانيا تغلق مجددا مطار فيلنيوس وحدودها مع بيلاروس بسبب الم
...
-
ليبيا تفتح مطار خليج سرت بعد غلقه 12 عاما
-
كامالا هاريس تلمح إلى إمكان خوضها انتخابات الرئاسة مجددا
-
بوتين يعلن نجاح تجربة لصاروخ -كروز- بالدفع النووي
-
ترمب يبدأ جولة آسيوية بصفقات تجارية قبل زيارة الصين
-
توقيف طالب لجوء -متحرش- في بريطانيا بعد إطلاق سراحه بالخطأ
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
المزيد.....
|