|
|
جيل[ زد] والأزمة المتعددة والمركبة للرأسمالية والاحتجاجات والانتفاضات
بن حلمي حاليم
الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 01:47
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ردد الكثيرون في عدة مناسبات، ونشر كما هائلا من المقالات بمختلف الصحف والمواقع الالكترونية بأن جيل أواخر القرن العشرين، وأوائل القرن الحادي والعشرين محظوظ؛ اتخذ هذا بمقارنته مع أجيال من قبله. وارتبط ذلك بالثورة في ميدان الاتصالات الرقمية: الانترنت، الحاسوب المحمول، الهاتف الذكي، البرمجيات،...الخ. وبأنه وجد هذه الوسائل وعاش معها، هذا بالنسبة لأقسام من السكان بالدول الرأسمالية والصناعية الكبرى، أما البلدان المتأخرة ضحية الاستعمار والنهب الامبريالي فنسبة المستفيدين والمستفيدات من تلك الوسائل فإنهم يشكلون أقلية نظرا لكلفتها المالية، والأوضاع الاجتماعية لأغلبية السكان المتصارعين مع الزمن من اجل الحصول على الغذاء وضروريات الحياة، وبالكاد، والشباب العاطل عن العمل رغم الشهادات الأكاديمية وغيرها لا تتوفر له كل وسائل الارتباط، ب (الانترنت).
استعملت بعض الشركات والمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام الكبرى في العالم وصف ( جيل زد)، وبأن حياتهم وحياتهن أصبحت جد متعلقة بالتقنيات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي الواسع، والفضاء المفتوح، وغرف النقاش الحر، الذي يدور حول جميع المواضيع والقضايا وبالأخص [ السياسة والسلطة، و الحب والجنس والحرية، والدين والفلسفة...]. هذا الأمر يهتم به قسم من الشباب فقط. يشكل هذا الجيل بمختلف جنسه ذكور وإناثا نسبة مهمة من سكان العالم مما جعل الشركات الرأسمالية الكبرى وفروعها بكل البقاع تستهدفهم. وقد ظهر ذلك في سلوك حياتهم وحياتهن اليومية، بأشكال متعددة ومتنوعة. يعد هذا صنف من التمرد على الثقافة التي يعتبرونها تقليدية ومحافظة، وقد خلق مشكل وتصادم مع المؤسسات الرسمية، لكن الدول الرأسمالية تهدف إلى استغلال قوة الشباب في الإنتاج والمزيد من الأرباح، ولذلك تكيف سياساتها مع التطورات الحاصلة لدى قسم واسع من هذا الجيل، مثل : الجيش والشرطة والصناعة والتجارة وجل قطاعات الإنتاج. تعيش الإنسانية اليوم في الحروب المدمرة وموت ملايين البشر بالسلاح المتطور والفتاك الذي تتنافس الشركات الرأسمالية على صرف الأموال التي لا تعد [تريليون] في صنعه. وأغلبية سكان العالم الذين بلغوا ثماني مليار نسمة [ 8 مليار نسمة ] فقراء ويحصلون على غذاءهم بصعوبة كبيرة، سواء عن طريق الحصول على المال أو فلاحة فقيرة وبدائية. ومهما كان المقياس المتخذ (دولارين) او (ثلاثة دولارات) في اليوم، فحياة أغلبية السكان بالمدن في الدول الصناعية الرأسمالية والامبريالية صعبة والتدبير اليومي للمعيشة يستهلك وقت طويل؛ العالم يشهد ثورة تكنولوجيا بجل المجالات وأزيد من سبعمائة مليون [ 700 مليون] من سكانه غارقين في الفقر حتى درجاته القصوى، لكن باستعمال معايير أفضل ومحترمة فالعدد سيرتفع إلى أكثر من ذلك بكثير.
الكوارث المتتالية نتيجة سياسات النظام الرأسمالي
ازدياد درجة الحرارة السطحية بسبب كمية ثاني اوكسيد الكربون، وغاز الميثان، وأصناف من الغازات الأخرى في الجو، مما ساهم في تدفئة جو الأرض السطحي [ غاز التدفئة] و هذا خلق ظاهرة الاحتباس الحراري، وازدياد درجة حرارة الهواء، ودرجة حرارة سطح الأرض، نتيجة السياسات الرأسمالية والامبرياليات المتنافسة على نهب ثرواتها بسرعة واستهلاكها المفرط من اجل إغراق الأسواق بالمنتجات الصناعية، وانجاز منشآت عملاقة على حساب غذاء أغلبية سكان الكوكب. الفقر المدقع والحرارة التي لا تطاق والحرائق والنيران الملتهبة، والفيضانات الطوفانية الجارفة، والجوع والعطش والخوف المرعب في كل الفصول، تحت سيطرة الرأسماليين والامبرياليين والاستعماريين الجدد؛ هذه هي الظروف التي يعيشها اليوم جيل [زد] بكل تفاصيلها. الهجرات الجماعية والنزوح بصورة شبه يومية، وفي كل مكان صوب المراكز الرأسمالية حيث تتكدس الأموال نتيجة لازمات المتعددة. ستدفع ثمن هذه الأزمات المركبة الأجيال القادمة بكلفة باهظة، أما جيل[زد] الحالي فإنه يدفعها من عمره بالدقائق. ماذا فعلت الهيئات التي تشرف على تطبيق القانون الدولي لهذا الجيل ولمن قبله ولمن سيأتي بعده؟ أليست خاضعة للرأسماليين والامبرياليين والاستعماريين والشركات الكبرى والمؤسسات المالية الدولية؟ هل سيقف جل زد ضد هذا الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، ويناهضه بقوة؟ هل يستطيع تغيير قوانين جائرة قررت مصير الإنسانية ويصيغ بديل عنها، مفيدة للحياة؟
جيل التكنولوجيا الرقمية والفن الشبابي والطقوس القديمة
ويضم الجيل قسم أخر من الشباب مختلف ثقافيا على جميع المستويات، يتجلى ذلك مظهريا بتصاميم أصناف اللباس وحلاقة الشعر، وتخريم الأنف وعلق الحلقات والأقراص بعدة بأماكن بالرأس والوجه،، والوشم على الجسد بمختلف الأشكال والألوان...الخ إن ظاهرة العودة إلى تقاليد وطقوس ولهجات قديمة حصلت وتحصل عبر الأجيال، وأحيانا تختفي، ومع مرور الزمن تبرز بصورة كبيرة جداً، وهذا حصل في العقدين الآخرين من القرن الحادي والعشرين بعدما ظهرت ثقافة الوشم وخرم الأنف اللذان يعودان من القرون غابرة إلى عصر الثورة الرقمية. جيل استهدفته الشركات متعددة الجنسيات وجعلته مستهلك يومي إلى درجة الإدمان على السلع المتطورة، بالتصاميم والألوان والخدمات المتعددة، والأكلات السريعة، والترفيه والتسلية والألعاب المتنوعة الكترونيا. المال المالي والمصارف الكبرى والشركات يتنافسون على الأسواق العالمية، وجعل أقسام من سكانه مستهلكين لسلعهم، وغارقين في الديون طيلة حياتهم وحياتهن، مثل : [ انتل] و[غوغل]و[مايكرو سوفت، وغيرهم...الخ] الذين يشتغلون بوتيرة سريعة لإنشاء فروع ومشتقات واليات متعددة ومتطورة بكل المجالات منها الذكاء الاصطناعي. وتعد جمهورية الصين الشعبية من البلدان الأكثر تطورا بمجالات الاتصالات الرقمية الذكية وإنتاج أدواتها ووسائلها في العالم؛ وهو المكان الذي يتم فيه استغلال قوة الشباب بإفراط، وبصورة فظيعة تحت الاستبداد والقهر. وهكذا يجد جيل [زد] نفسه في زمن الثورة الرقمية وانتشار طقوس القرون الماضية باعتبارها ثقافة جديدة متمردة؛ طبعا حرية الأشخاص وميولهم واختياراتهم الثقافية والأدبية والفنية، مسألة لا خلاف حولها، على أساس احترام وتقدير الحرية الفردية والديمقراطية الجماعية، لكن الإشارة للمفارقة التي يعيشها جيل زد كذلك واجب. توجهات هذه الثقافة: غناء [ الراب] و[ الهيب هوب] اللذان يعتمدان على اللهجة العامية وقوافي خاصة والتلاعب بالألفاظ دون قواعد لحنية. هذا الصنف من الفن ظهر أوائل 1970 وانتشر بالولايات المتحدة الأمريكية، وتطور مثل كل الإبداعات الشبابية إلى عدة أساليب وطرق. وكما هو معلوم فإن حقول الصراع الاجتماعي والإيديولوجي توظف فيها كل الأدوات والوسائل، وبذلك وظف هذا الفن في هذه المعارك مع هذا الجيل، ونظمت له الدول المهرجانات وصرفت عليه الأموال. ويعد الإبداع والفن مجالا واسعا للتعبير عن المهارات الذهنية والجسدية، وقد وجد شباب أواخر القرن العشرين ذلك في الرقص البهلواني [ بريك دانس] الذي تجمعه علاقة مع [ الهيب هوب] و[ الراب] وانتشر في عدة بلدان لدى الجنسين معا.
جيل التطورات الرقمية الفائقة والإيديولوجيات اليمينية الرجعية
في السنوات الأخيرة برزت على المشهد حركات ومنظمات وأحزاب سياسية يمينية إلى أقصى حد، ورجعية رافضة لكل الأفكار التقدمية وحتى الإنسانية، منها: الأخوة التي تحترم الآخرين القادمين/ات من بلدانهم بسبب ظروف صعبة دفعتهم للهجرة القسرية. وقبول المضطهدين/ات جنسيا. وقد شكل هؤلاء اليمينيين شبكات وجبهات متعددة للتصدي لكل الأفكار التي تدافع عن الحرية والمساواة بين الجنسين وحق النساء بالتصرف بأجسادهن مثل الحمل والإنجاب وغيره. وظفت القوى الرجعية وسائل التواصل الاجتماعي بكل أصنافها في القصف المتتالي لعقول جيل القرن الحادي والعشرين، وبما انه ضحية للسياسات المتبعة التي أجهزت على مكاسب مهمة، استفادت منها أجيال سابقة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، متعلقة بالخدمات الاجتماعية، وجد جيل زد نفسه في وضع تتطور فيه التكنولوجيا الرقمية بسرعة، واكتساح الايدولوجيا الرجعية لجل المجالات ونسف تلك المكتسبات. فشباب هذا الجيل من كل القوميات والملل والعقائد الذي دمرت الرأسمالية تطلعاته وسعيه إلى حياة الرغد والرفاهية من خلال الاستغلال المفرط والفظيع في الإنتاج بمختلف قطاعاته، هذا بالنسبة لمن حصلوا على منصب شغل أو وظيفة مهما كان مركزها وقيمة أجرتها. أما الذين واللواتي وجدوا أنفسهم وأنفسهن في صفوف البطالة الجماهيرية، قوة العمل الاحتياطية فإنهم يعيشون مشاكل كثيرة جداً، اقتصادية واجتماعية وسياسية. ولهذه الأسباب وأخرى متعددة رجعت أقسام واسعة من جيل زد إلى البحث عن بديل ثقافي ونفسي من اجل راحة البال، لكنها سقطت فيما تدافع عنه الرأسمالية والامبريالية والاستعمار الجديد، وهو الانغلاق والتزمت في القومية والوطنية بتصورات يمينية رجعية، والعادات والتقاليد الغابرة واللهجات المحلية الضيقة. وأقسام من هذا الشباب عادت إلى اعتناق التدين بتشدد إلى درجة العدوانية ضد من لا يعتنق ملتهم ويخالف ذلك وينتقده. وهذا حصل مع عدد كبير من الشباب بمختلف الديانات، وفي كل مكان: اليهودية والمسيحية والإسلامية، وكل الملل الموجودة منذ آلاف السنين، و تشهد جل التجمعات الدينية بهذه المناسبات حشود من الشباب يستمعون لرجال الدين بخشوع، لقد استطاع التعليم الرسمي الأكاديمي سواء (العمومي) او (الخاص) قتل التفكير العفوي والنقدي لديهم، وأسئلة الشك، وفضول البحث عن جذور الأشياء؛ غايته هي الحصول على الشهادات والانضباط للسوق الشغل في ظل النظام الرأسمالي. ففي منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، قرن الثورة الرقمية والبحث العلمي اللذان من المفترض يدفعان الناس إلى مزيد من التقدم، تعود أقسام واسعة من الشباب إلى الخلف متمسكة بإيديولوجيات ما وراء الطبيعة، يستعملون كل وسائل وتقنيات هذه العلوم ويدرسون في أشهر المعاهد في مختلف التخصصات العلمية، ومع كل ذلك يؤمنون بالأساطير والنصوص الدينية وينخرطون في الأحزاب اليمينية الرجعية والعنصرية، عكس مسار تاريخ الإنسانية، ويحاربون بكل قوة وعنف شديد الإلحاد والعلمانية والمساواة بين الجنسين. أقسام واسعة جدا من جيل (زد) يدافعون بشدة عن الملكية الخاصة والفردانية رغم وضعهم ووضعهن الاجتماعي المعتمد على الأجور، مما يدفع بكل سهولة إلى الأنانية المفرطة والإيديولوجيات اليمينية الرجعية، وفي الوقت ذاته يبحثون عن حياة الرخاء في ظل النظام الرأسمالي الذي يعتمد على استغلال قوة الشباب في الإنتاج وكسب الأرباح على حساب صحتهم الجسدية والذهنية ووقتهم.
جيل زد والنضال ضد الحكومات والأنظمة
ففي أوائل ديسمبر/ كانون الأول 2018 أشعل الشباب السوداني شرارة الثورة، واكتسحت الاحتجاجات والاعتصامات كل البلد ورفع شعار " إسقاط النظام" وفي 11 ابريل / نيسان 2019، أعلن وزير الدفاع عن اعتقال رئيس الجمهورية السودانية عمر البشير؛ وبعد ذلك بوقت وجيز جداً استقال وزير الدفاع، وتولى عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري المؤقت إدارة شؤون البلد. وبدأ النقاش السياسي والحوارات والمفاوضات ، لكن بين من؟ ومع من؟ وكيف تمت الفترة الانتقالية؟ وماذا حصل؟ ولماذا؟ وكيف؟ شهدت الجزائر حراك شعبي واسع، بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشحه للولاية الخامسة رغم حالته الصحية المزمنة، احتج الناس ضد سياسة المدافعين عن" التمديد" من طرف المستفيدين/ات من عهده، أطلق عليهم" العصابة" بدأت التظاهرات في 22 فبراير / شباط 2019، وانتشرت بكافة البلد بحجم كبير. وقام الشباب بدور مهم في استمرارها، وتطورت الأحداث بسرعة وواكبتها الشعارات، ومنها " إسقاط النظام" و" التغيير الجذري" وفي 11 مارس /آذار من السنة ذاتها أعلن عن تأجيل الانتخابات الرئاسية، وعدم ترشحه، لكن صمود الحراك الشعبي دفعه إلى تقديم استقالته في 2 ابريل / نيسان 2019. لكن ماذا حصل بعد ذلك؟ وكيف سارت الأمور؟ وأين تكمن النواقص؟ ففي مستهل أكتوبر/ تشرين الأول 2019 اندلعت تظاهرات عارمة في العراق تزعمها الشباب وبالأخص العاصمة بغداد، ضد السياسات المتبعة وأجهزة الدولة التي خلفها الاحتلال الامبريالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية : رئاسة الجمهورية ،و الحكومة، ومجلس النواب. ورفعت شعار " إسقاط النظام" وأدت استمراريتها إلى استقالة عادل عبد المهدي من رئاسة الحكومة في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. ماذا حصل بعد ذلك؟ وكيف انتهت الأمور؟ وفي 17 أكتوبر/ تشرن الأول 2019 أعلنت الحكومة اللبنانية بفرض ضريبة مالية على الوقود/البنزين، والتبغ، والاتصالات المجانية ووسائل الاتصال الرقمية مثل [ واتساب] فرسوم هذه الأخيرة دفعت الشباب إلى الانتفاضة ضد سياسات الدولة اللبنانية بكل قوة، رافعين شعارات ضد هذا القرار، سرعان ما تطورت الأمور بعد التدخل العنيف إلى رفع شعار" الشعب يريد إسقاط النظام" وفي اليوم التالي التحق التلاميذ والطلبة بالحراك وأغلقت المدارس والجامعات، ثم المؤسسات العامة، وفي 20 تشرين الأول من السنة نفسها نزل إلى الشوارع أغلبية الشعب بكل النواحي واهتز البلد وعاش أزمة سياسة. لكن الإيديولوجيات اليمينية والرجعية والأديان والعقائد كبلت أقسام من الشباب من كلا الجنسين، وساعدت النظام السياسي الطائفي الذي أسسته الرأسمالية والامبريالية والاستعمار مع البرجوازية المحلية على إجهاض الثورة في 2021، ولماذا حصل كل ذلك؟ وما الخاتمة؟
موجة انتفاضات جيل زد المستمرة
ففي السبت 27 والأحد 28 سبتمبر / أيلول 2025 أعلن الشباب من المغربي عن تنظيم أشكال احتجاجية ببعض المدن كبرى، حصل ذلك بعد احتجاجات سابقة بمناطق مختلفة على تدهور الأوضاع الاجتماعية الأساسية والحيوية مثل: الماء والطرق والإنارة والصحة...الخ. لكن الأزمة الكبرى ظلت حول عدة قضايا منها: قضية ضحايا زلزال الحوز بالأطلس الكبير منذ 9 سبتمبر / أيلول 2023، وعندما انطلقت الدولة بتشييد الملاعب الضخمة تحضيرا لتنظيم كأس لعبة كرة القدم ( الأمم الإفريقية أواخر 2025 وأوائل 2026) وكاس العالم المشترك بين كل من : ( المغرب – اسبانيا – البرتغال) سنة 2030، هذا الإنفاق المالي الضخم دفع أقسام من الشباب إلى طرح الأولويات، منها : سكن المتضررين/ات من اثأر زلزال الحوز. هذا إضافة إلى قضية توطيد علاقات المملكة المغربية بجل القطاعات بصورة علانية مع إسرائيل، وبما أن أغلبية الشعب المغربية متضامن مع شقيقه الشعب الفلسطيني الذي تعرض للإبادة من العدو الصهيوني، اعتبر ذلك احتقار واهانة له. وفي 14 سبتمبر/ أيلول 2025 نظم عدد من الناس ضحايا السياسة المغربية بقطاع الصحة أمام مستشفى جهوي بمدينة اغادير جنوب البلد، ويعد من اكبر مراكز الاستشفاء بجهة سوس ماسة، يقصده سكان الجهة وكذا المدن المجاورة. ونددوا بالمشاكل التي حصلت ووصفوه ب" مستشفى الموت" ومنعتهم السلطة، لكن العدد الغفير تحداها، وفرض غضبه باعتبار ذلك لا سند دستوري وقانوني له؛ وبعد ذلك أرادت الدولة إطفاء سخط السكان، فقامت ببعض الإجراءات الهامشية والطفيفة والتضحية بالموظفين الصغار. قضية الصحة في المغرب الذي يطبق السياسات النيوليبرالية بصورة كبيرة وشبه شاملة، دفعت سكان بعض المدن الكبرى يحتجون مباشرة بعد مدينة اغادير، منها : مدينة مراكش التي نظم فيها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قمة الاجتماعات السنوية في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بينما حينذاك كان سكان الأطلس تحت ركام الزلزال الذي تسبب لهم/ن في مشاكل كبرى، وهي منطقة تشهد أمطار طوفانية وثلوج وتضاريس جبلية وعرة ؛ ودار نقاشا حول إمكانية تأجيل تنظيم قمة دولية في وقت الفاجعة الكبرى، احتراما لأرواح الضحايا، لكن الدولة المغربية الرأسمالية الاستبدادية والمؤسسات المالية الدولية الامبريالية لا تهتم بحياة الكادحين/ات فبالأحرى أرواحهم/ن. فجيل زد بالمغرب يعد ملكي وترجى نظام حكمه أن يلبي مطالبه، ويعتبر المشكل في الحكومة فقط، ويطمح لإصلاحات اجتماعية في دولة استبدادية تنفذ النيوليبرالية الشاملة، ماذا حصل لاحتجاجات الشباب المغربي؟ والى أين يسير؟ وما الآفاق؟
محاولة الإجابة على الأسئلة المطروحة
الشباب العربي والقوميات الأخرى التي بالمنطقة الناطقة رسميا باللغة العربية؛ الكردية والامازيغية ... وغيرهما، استطاعوا إنشاء تنسيق عبر وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية التي يتقنونها حسب المستويات والتكوين، ويخرجون إلى الساحات العمومية للاحتجاج على السياسات المتبعة من طرف الدول الرأسمالية التي تحكمهم/ن بالقوة : بالجيش والشرطة والمؤسسات الرسمية التابعة لهم. ففي 2018 و 2019 اندلعت بالسودان، والجزائر، والعراق، ولبنان، وفي 2025 بالمغرب من اجل الصحة والتعليم ومحاربة اختلاس الأموال والرشوة ...الخ، وفي تونس بمدينة قابس ضد التلوث وتهديد الحياة، لكن نسبة القمع الشديد والاعتقالات واستعمال الذخيرة الحية ضد المدنيين اختلفت بكل بلد، وأفظعها حصل بكل من العراق، والسودان، وقد تطور الأمر بهذه الأخيرة إلى حرب أهلية مدمرة خلفت مأساة إنسانية كبرى، ولا زالت تحصد أرواح السودانيين/ات إلى الآن. لقد حصلت كل تلك الجرائم الفظيعة ضد طموحات الشباب الحالمين/ات ببناء بلدانهم/ن، وإنشاء أنظمة ديمقراطية، والاستفادة من ثرواتها، لأن الأنظمة الاستبدادية التي تحكمهم بقوة الجيوش والشرطة والأجهزة المسلحة، والمديريات العامة لحماية الدولة وأجهزة المخابرات، وكلها تعد شرطة سياسية تحمي الأنظمة الاستبدادية من كل معارضة فكرية وإيديولوجية وأشكال تنظيمية، تهدف إلى إخضاع الشباب للسياسات المتبعة. ولذلك تعد هذه الدول بيد مجموعات صغيرة رأسمالية كبرى مرتبطة بالامبريالية وتسهر على خدمتها بكل طاعة وخشوع، وهي مصالح متبادلة بينهم، مجهزين وموحدين ومسيطرين على كل السلطات، وعلى الأموال والمصاريف والسلاح، والدولة دولتهم/ن، وهي دائما جهاز يخدم طبقة اجتماعية معينة، ولم ولن تكن محايدة، ومن يسعى لكي يجعل الدولة الرأسمالية" عادلة" بين الفقراء والأثرياء، فهو يركض وراء السراب ليمسكه، ومن يناضل ويكافح بصدق وحسن نية من اجل ذلك فانه يعيش في الأوهام. الرأسماليين يوظفون كل الإيديولوجيات في المعارك والمناوشات والصراعات لإخفاء من هو العدو الحقيقي لأغلبية الكادحين/ات: الدينية والمذهبية والعقائدية والقوميات واللغات واللهجات العامية، وبما أنهم مسيطرين على الأقمار الاصطناعية ووسائل الإعلام والقنوات الفضائية، وتخصيص الأموال الضخمة لهذه الخدمات الإيديولوجية، وتشغيل جيوش من الإعلاميين/ات الباحثين/ات على تحسين أوضاعهم/ن الاجتماعية في هذه المعارك الفكرية والسياسية، ودائما تكون هذه القنوات الإعلامية الفضائية مرتبطة بالخارجية والمخابرات في خدمة مصالح الدولة التابعة لها. وإذا كان هذا هو الواقع بينما الشباب العربي بدون جمعيات نسائية ومنظمات شبابية ونقابات عمالية قوية وديمقراطية حقيقية، ولجان أحياء سكنية، وهيئات بالبوادي والأرياف، وبدون أحزاب سياسية ثورية تعمل من اجل وحدة النضال العربي ضد الرأسمالية والامبريالية والرجعية، فكيف سيحقق الشباب وغيره انتصارات على عدو طبقي منظم في دول رأسمالية وأنظمة استبدادية؟ إذن المطلوب من جيل زد من كلا الجنسين الذي يعيش في فترة الأزمة المتعددة والمركبة للرأسمالية أن يبدل جهود جبارة، ويشتغل جيدا لبناء أدوات أساسية لخوض المعارك ضد الأعداء الطبقيين، ووحده النضال القومي العربي الذي يحترم ويقدر ويدافع بكل قوة وشراسة على حقوق كل القوميات المضطهدة بمنطقتنا، وربط ذلك بالنضال الاممي في العالم مع كافة الشعوب من اجل تقرير المصير، وضمان النصر وتوطيده. لقد قامت النساء العربيات أو من قوميات مضطهدة بالمنطقة بكفاح عنيد ومقدام وشجاع بكل هذه الاحتجاجات والانتفاضات والثورات، وتعرضن لأبشع أساليب القمع والاعتقال، ويستوجب دعمهن ومساندتهن والتعامل معهن بالإيجاب والتقدير والاحترام في ميادين الصراع والنضال والاحتجاج، لأنهن تحت الاستغلال المتعدد: الرأسمالية والاستغلال والاستبداد والبطريركية، ففي منطقتنا التي تشهد كل الإيديولوجيات الرجعية وأنظمة الاستبداد والاستغلال والقهر، ومع كل ذلك تخرج الشابات إلى معارك النضال من اجل الديمقراطية والمساواة، ولهذا سيكون القادم من الأيام أفضل بكثير مما سبق، إن التغيير مع نضال النساء يضمن النصر ويعززه.
#بن_حلمي_حاليم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهداء كفاح التحرر الوطني والسيادة الشعبية وتقرير المصير من ا
...
-
الجوع والعطش بكل مكان في العالم تحت سيطرة النظام الرأسمالي و
...
-
ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا
...
-
تركيا، الإسلام السياسي يهدف للسيطرة الأبدية على جهاز الدولة
-
سوريا صوب تغيير عميق بالمنطقة العربية
-
انتخابات المجالس النيابية والديمقراطية البرجوازية وديكتاتوري
...
-
الإسلام السياسي والعمل من اجل الديمقراطية وانتخاب الجمعية ال
...
-
المجالس النيابية في الدول الرأسمالية وسائل لديمومة سلطة الأغ
...
-
المغرب، رتب لنقل الحكم صوب ترسيخ الاستبداد والعبودية الجديدة
-
تونس، من أين؟ والى أين؟
-
جوليان اسانج كشف عن حقيقة الديمقراطية البرجوازية وحدود حرية
...
-
فرنسا، مناضلي/ات الشعب الفرنسي يتصدون للقوى اليمينية الرجعية
...
-
إيران بلد شاسع وغني والطبقة العاملة فيه مسحوقة
-
إيران دولة دينية تطحن شعبها وتساند على قهر شعوب المنطقة العر
...
-
التضامن الاممي واجب ضد التيارات الرجعية والعنصرية
-
الأمم المتحدة اسما مضللا عن دول غير متحدة ولن تتحد لمصلحة ال
...
-
الرأسمالية والامبريالية قادتا البشر للهلاك وتهدد الكوكب بالد
...
-
فلسطين لن تحل قضيتها إلا الثورة
-
المغرب تطبيعا علنيا مع العدو وبعث معونات إلى الفلسطينيين
-
فلسطين تقاوم أفظع احتلال في التاريخ ببسالة وصمود
المزيد.....
-
فوز اليسارية كاثرين كونولي بالانتخابات الرئاسية في أيرلندا
-
بيان تضامن مع الانتفاضة المغربية: لا خلاص بدون قيادة ثورية
-
قائمة سرّية من عام 1962: السفارة الأميركية ترصد أبرز المثقفي
...
-
بيان حزب النهج الديمقراطي العمالي – جهة الشمال/ الريف
-
اليسارية كونولي تفوز في الانتخابات الرئاسية الأيرلندية
-
مؤشرات على فوز كاسح لمرشحة اليسار لرئاسة أيرلندا
-
مقابلة مع سمير عادل سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الع
...
-
فم الحصن:جيل وراء جيل والنضال مستمر
-
فيديو.. فتح: لم نشارك في اجتماع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة
...
-
رؤيتنا.. دروس معركة غزة.. ومهام الثوريين
المزيد.....
-
ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا
...
/ بن حلمي حاليم
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|