أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عائد زقوت - بين التّحديات والمسؤوليّة: نحو تحويل وقف الحرب إلى فرصة وطنيّة














المزيد.....

بين التّحديات والمسؤوليّة: نحو تحويل وقف الحرب إلى فرصة وطنيّة


عائد زقوت

الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 13:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شهد المشروع الوطني الفلسطيني، على امتداد العقود الماضية، تحوّلات بنيوية عميقة شَكّلت محطات فارقة في مسار تطوره السياسي والتاريخي؛ بدءًا من اتفاقية أوسلو التي أرست مسارًا تفاوضيًا باتجاه إقامة الدولة وِفْقَ المفهوم الدولي، مرورًا بتجميد المفاوضات في أعقاب الانتفاضة الثانية وما ترتّب عليه من تحوّل الترتيبات المؤقتة إلى واقع دائم متعثر، وصولًا إلى ما عُرف بـ«صفقة القرن» التي نزعت عن مفهوم الدولة الفلسطينية جوهر السيادة ووحدة الجغرافيا، وانتهاءً بالمقترحات الأخيرة لإنهاء الحرب في غزة، التي عكست أفقًا سياسيًا ضبابيًا وغير ملزم من حيث المضمون والتنفيذ.

في ضوء هذا السياق، يُمثّل وقف الحرب الراهن لحظة مفصلية في التاريخ الوطني الفلسطيني، إذ لا يمكن النظر إليه بوصفه إنجازًا أخلاقيًا أو سياسيًا فحسب، بل باعتباره فرصة استراتيجيّة لإعادة بناء المشروع الوطني على أسس التّجدد والفاعلية.

هذا الهدوء النسبي الذي يُتيحه وقف إطلاق النار يُمَكّن الفلسطينيين من إعادة ترتيب أولوياتهم، والانتقال من منطق الصراع والانقسام البنيوي إلى منطق البناء المؤسسي والاجتماعي.

ويُعبِّرُ هذا التحوّل عن الانتقال من اختبار الإرادة في الصمود والمواجهة، إلى اختبار القدرة على إدارة تبعات ما بعد الحرب، بكل ما تحمله من تعقيدات إنسانيّة واقتصاديّة وسياسيّة، مما يجعل من تجاوز الانقسام هدفًا وطنيًا استراتيجيًا عاجلًا، لا خيارًا تكتيكيًا مؤجّلًا.

إضافة إلى ذلك وحدة الموقف الفلسطيني وتجاوز الانقسام وما رافقه من هرطقاتٍ سياسية واصطفافات فئوية تُمثلان شرطًا بُنيويًا لأي تقدم وطني فعّال؛ فاستمرار التشرذم لا يهدّد فقط موقف ووحدة الكيان السياسي الفلسطيني، بل يقوّض إمكانية إعادة بناء مشروع وطني جامع، ويضع القضية الفلسطينية على حافة التفكّك السياسي والانزلاق في دوائر التصفية، فضلًا عن تحويلها إلى ساحة مفتوحة للتجاذبات الإقليمية والدولية، ومَكبٍّ مُستدامٍ لنفاياتها السياسية.

إزاء ذلك، تبرز الحاجة المُلحّة إلى إعادة توجيه الطاقات المُهدَرة في الصراعات الداخلية نحو مسارات البناء والإصلاح المؤسسي، دون التفريط بمبدأ المساءلة أو التنازل عن مقتضيات العدالة، ولكن ضمن وعيٍ يُحوّل التجارب السابقة من عبءٍ مُثقل بالإخفاقات إلى رصيد تراكمي من الخبرة الوطنية ونضج الاستيعاب السياسي وتحمُّل المسؤولية.

مع ذلك وقف الحرب لا يُمثل نهايةً لمرحلة المعاناة، بل بداية لمرحلة جديدة تتطلب مقاربة شمولية لمعالجة آثارها الممتدة؛ من إعادة الإعمار، وتضميد الجراح الإنسانيّة والنفسيّة العميقة، إلى إصلاح النظامين التعليمي والصحي، وصولًا إلى إعادة تأسيس البنيّة السياسيّة الفلسطينيّة على مرتكزاتٍ من الرؤية المشتركة، والشفافية، والكفاءة، ووحدة التمثيل.

هذه المهام أيضًا لا تقتصر على بعدها الإجرائي أو اللوجستي، بل تنطوي على أبعاد أخلاقيّة وسياسيّة تَمتَحن مدى قدرة الفاعلين الفلسطينيين على صياغة مشروع وطني مُتوافق مع المصلحة العليا، بعيدًا عن الاستقطاب الفصائلي والاعتبارات الفئويّة، أو التوظيف الأيديولوجي للدين في سياقات سياسية مبتورة وضيّقة.

كما تفرض المرحلة المقبلة إعادة هيكلة شاملة للأداءين السياسي والمؤسسي؛ فالشعب الذي قدّم تضحيات جسيمة يستحق قيادة مؤهّلة تتحلّى بالكفاءة والشفافية والمساءلة، وتُؤْمن بأنّ الوحدة الوطنية ليست خيارًا ظرفيًا بل ثابتًا استراتيجيًا لا يقبل المساومة.

من هنا تتطلّب هذه الرؤية إعادة الاعتبار لدور منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الإطار الجامع والقانوني الوحيد للتمثيل السياسي للشعب الفلسطيني، وتجديد مؤسساتها عبر آليات ديمقراطية وانتخابية، تُعيد بناء الثقة الداخليّة، وتُعزّز الموقف السياسي والتفاوضي الفلسطيني في ظل بيئة إقليمية ودولية آخذة في إعادة تشكيل توازناتها وأولوياتها.

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ الانتقال من ثقافة ردّ الفعل إلى ثقافة الفعل، ومن منطق الصراع إلى منطق البناء، يُشكّل التّحدي الأعمق أمام الفلسطينيين اليوم؛ فوقف الحرب على أهميته، لا يُمثل نهاية المسار، بل مدخلًا إلى مرحلة نوعيّة جديدة، تتطلب وحدة الهدف، ووضوح الرؤية، وجرأة الإصلاح واتخاذ القرار.

في المحصلة تُمثل نهاية الحرب في جوهرها فرصة وطنيّة لإعادة إطلاق المشروع الوطني الفلسطيني بروح متجددة ومسؤولية تاريخيّة، بعيدًا عن إعادة إنتاج الأزمات، أو الارتهان لدوائر العجز والتكرار، أو الاستمرار في الرقص على حافة التاريخ.



#عائد_زقوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين السلطة والضمير: استراحة على شاطئ التاريخ
- الطموح الفلسطيني: بين الوصاية والدولة
- مصر.. سند فلسطين ودرع العروبة
- ناصر القدوة.. في قلب الحسابات الفلسطينية المُقبِلة
- غزة.. بوابة النظام الإقليمي الجديد
- مصر في قلب عاصفة غزة.. ضغوط متجددة ومعادلة إقليمية معقدة
- ورقة التوت الأخيرة: هل تُخفي خطة ترامب نهاية المشروع الوطني ...
- خطة ترامب لغزة.. وقفٌ ممكنٌ للحرب أم سرابٌ سياسيٌّ؟
- كوانتيكو تحتضن اجتماعاً غامضاً للبنتاغون
- -قطر تتحالف مع باكستان… الشرق الأوسط على أبواب معادلة جديدة-
- بين غزة والفضائيات خطاب التضليل وصناعة المأساة
- أَصْلُ الحكاية
- بَسْ الدّجاجة تَفْهَم
- لَفْتُ انتباهة
- الموت بإسم الحقيقة
- لا أَسَفَ على الهَرَج
- على بوابة نهاية الحرب
- إعلاء الذات زمن الحروب جريمة حرب
- ممر غزة المائي الأميركي ولادة للشيطان
- صناعة الفشل ... المُتألهون زورًا


المزيد.....




- الحكم بالسجن على طبيب باع -الكيتامين- لماثيو بيري قبل وفاته ...
- إلهان عمر ترد على تصريحات ترامب عنها: -يحاول إيجاد كبش فداء- ...
- الجيش الإسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله في جنوب لبنان لمنعه ...
- ماذا نعرف عن فنزويلا التي قد تواجه خطر تصعيد عسكري أمريكي؟
- وسائل إعلام إسرائيلية تعلن مقتل أبو شباب زعيم مجموعة مسلحة م ...
- العراق يصحح قائمة الجماعات التي جمد أموالها ويسحب منها حزب ا ...
- العراق يصحح ويحذف حزب الله والحوثيين من قائمة -تجميد أموال ا ...
- اشتباكات رفح بين المقاومة والجيش الإسرائيلي تثير التساؤلات
- الشرطة التونسية تعتقل رئيس جبهة الخلاص الوطني
- حياة الفهد تتعرض لـ-أزمة صحية حادة- بينما تواصل العلاج بلندن ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عائد زقوت - بين التّحديات والمسؤوليّة: نحو تحويل وقف الحرب إلى فرصة وطنيّة