أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس خالد - رؤية رينا














المزيد.....

رؤية رينا


بلقيس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 21:30
المحور: الادب والفن
    


ما لا تدركهُ عين الشاعرة
بعد أن أهدتني الحياة ضحكة حفيدتي (رينا) التي عبرت عتبة امتحانات الرابع الاعدادي بسلام. قرار النزهة كان أمرا حتميا.. كورنيش شط العرب، الجديد الذي نراه ( كشخة البصرة).
تتمايل الأمواج كأَذرع الراقصات الصينيات ، والكورنيش يضيء بمصابيح ترسم خيوط الذهب على صفحة الماء. والنسمات العليلة تُقبّلُ وجوهنا بين الحين والآخر، حاملة شذا البساتين.
على الضفة الأخرى من الكورنيش، تصطف أكشاك الباعة، لوحة صاخبة من الألوان والأطعمة: آيس كريم، عصائر، دولمة، همبركر..، ودلة القهوة الجكليتية التي يحملها بائعها بصبر.
فوق رأس بائع آخر، تعلو بالونات ملونة بأحلام ديزني، وتجوب الممشى شخصيات كرتونية تبيع الوهم للأطفال بألف دينار للقطة. وفنان تشكيلي يغوص في عدة ألوانه، يرسم على وجوه الصغار لوحات تحاكي بريق أحلامهم. وعلى متن الشط، الزوارق تتثنى، وأصوات سائقيها تصيح في الفراغ: جولة نهرية بألفين النفر.
وفي لحظة استغراق، جر انتباهي خيط نحيل من الهمس: جدتي، ألستِ أنتِ شاعرة؟
ابتسمتُ، واجبتها متسائلة: لماذا هذا السؤال؟ هل نسيم الليل وصوت الأمواج جعلك ترغبين بسماع الشعر؟.
قاطعتني: لا، ولكني أتساءلُ كيف لشاعرة أن تحتمل رؤية كل هذه الطاقة السلبية في هذا المكان؟
استغربتُ! طاقة سلبية! لماذا؟ ألا تحبين صوت الأمواج، وألوان الزوارق، وصورة القمر المنعكسة في الشط؟
أشاحت بوجهها نحو المارة، وبصوت خفيض قالت: بل انظري إلى الناس كيف يسيرون بصمت، كأنهم ينتظرون كارثة ستحدث! انظري إلى تلك الزوجة التي لا تنظر إلى شيء وفي قلبها غصة، بينما زوجها منشغل عن عينيها بهاتفه؛ عراكها معه قبل المجيء ما زال محفوراً في قسمات وجهها، وها هي بين الحين والاخر تزجر أبناءها لتفرغ غضبها. انظري إلى تلك العائلة، يسيرون واحدا خلف الآخر كأنهم موكب جنازة صامت، والنسوة الجالسات هناك، عيونهن مراقب قاس يتصفح وجوه النساء بغيرة وحسد.
ثم أشارت إلى شاب وسيم: حتى هذا الشاب، ملامحهُ تنكمش وتنفرج، وهو يحاول إقناع فتاته بأمر يخص مستقبلهما، ربما ترفض أن تكون كنَّة لأسرة كبيرة، وتطلبُ بيتا صغيرا خاصا بهما!
حتى الباعة هنا يخيم عليهم صمت مريب، ربما يتساءلون في دواخلهم: لِمَ لم أكن أنا وأسرتي مثل هؤلاء المتنزهين؟ لِمَ أنا هنا أحاول جاهدا بيع بضاعتي لأعود بمال لا يكاد يسد حاجة زوجتي وأبنائي، بينما هم ينتظرونني بفارغ الصبر؟
صمتُ، والصمت فرض فراغا، كأنه زمن بين زمنين، قبل أن تضيف هي بهمس توضيحي:
أتدرين يا جدتي أين تكون النزهة الحقيقية والمكان المشع بالطاقة الإيجابية؟ في الأسواق، في الأسواق تختلف وجوه الناس، تشع فيها مسرات الاقتناء، والباعة ترتفع أصواتهم بالمباهج، وأيادي الناس محملة بأكياس ألوان الأفراح. حتى الألوان التي تبدو باهتة على فرشاة ذلك الفنان الحزين، تختلف في الأسواق، تبدو أكثر إشراقا وبهجة.
اصغي لهمس حفيدتي.. وثمة سؤال يهاجم روحي:
هل الأماكن تلبس ثوبها من طبيعتها، من الماء والخضرة وضياء الشمس ونور القمر... أمْ تُعرّى وتُكسى من نفوس العابرين؟.



#بلقيس_خالد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ملتقى البريكان الأدبي
- شال ذهبي
- فيروز.. ورحيل زياد
- لا عذر للفرات
- أمسية بحجم مهرجان
- صاروخ .. هايكو عراقي
- أديبات البصرة .. في انتخابات بغداد
- شكر وتقدير
- هجير الروح
- في نهار بارد
- ليلة ٌ بيضاء
- صقيع هذا الشتاء
- بقية رنين أجراس المعابد
- الناقد علوان سلمان.. و(مزاج المفاتيح) للشاعرة بلقيس خالد
- (العبور نحو غيوم الربيع) للروائي ناظم المناصير
- حكايتي الشتوية
- الدكتور الشاعر علاء العبادي يترجم قصيدة (مسرح.. مدفأة) للشاع ...
- شاي الشتاء
- تمتد إلى النار أيادينا
- رضاب


المزيد.....




- -بطلة الإنسانية-.. -الجونة السينمائي- يحتفي بالنجمة كيت بلان ...
- اللورد فايزي: السعودية تُعلّم الغرب فنون الابتكار
- يُعرض في صالات السينما منذ 30 عاما.. فيلم هندي يكسر رقما قيا ...
- -لا تقدر بثمن-.. سرقة مجوهرات ملكية من متحف اللوفر في باريس ...
- رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت ...
- عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
- كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
- نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
- صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
- اللحظة التي تغير كل شيء


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس خالد - رؤية رينا