أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس خالد - فيروز.. ورحيل زياد














المزيد.....

فيروز.. ورحيل زياد


بلقيس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 22:15
المحور: الادب والفن
    


فيروز والحزن الجنوبي...
في بصرة النخيل والماء، فتحتُ عينيّ على مشهد لا يغادر الذاكرة، ولا تمحى تفاصيلهُ: حزن النساء الجنوبيات
حين يحلُ الفقد، تتحول المرأة الجنوبية إلى سِفر مفتوحٍ من الألم. تعبّرُ عن حزنها بطقوس لا أعرف من أي كتاب مصدرها، بدءا، تشق ثوبها، وتهّيلُ على رأسها ووجهها التراب والطين، كما لو أنها تود أن تعود إلى أصلها، أو تتشابه مع الميت في ترابه، أو ربما لتخفي ملامح الجمال التي باتت عبئا في حضرة المصاب الجلل.
ثم يأتي اللطم، بأصوات تدوّي، وضربات تظهرُ الكدمات على الجسد، وتخلف الخدوش على الخدود. تستمر النساء في اللطمِ والنحيب مدة من الزمن، وتشاركهن في هذا العزاء والمواساة نساء العشيرة والجارات والصديقات.
ولا يقتصر الحزن على لحظة المصاب، بل يتمدد في الزمن.. إذ تبقى النساء متشحات بالسواد، ويصبح التزين محرما، وإزالة الشعر من الجسد أو الحواجب أو الوجه تعد خروجا عن مقتضى الحزنِ. حتى العطر يصبح من المحظورات. لا يخلعن السواد إلا بعد مرور أعوام لا تقل عن السنتين أو الثلاث. أما إذا كان الميت هو الزوج أو الابن، فإن المرأة تبقى مرتدية السواد مدى الحياة.
اتذكر تلك اللحظة التي فقدتُ فيها أخي الأكبر في الحرب، وأنا صبية في السادسة عشر، لم أكن أعرف أو افهم معنى الحزن، وقتها انتابني شعور بالضيق، شعور بالقيد، وعدمِ القدرة على البكاء أو الخروجِ من قيد الألم، بل حتى دموعي لم تنزل، ربما هو الرفض.. عدم نزول الدمع، الصمت، ربما رفض الوعي الاعتراف بحجم الفاجعة.
فيما بعد هذا الحزن المكبوت الذي لم يجد متنفسه في البكاء واللطمِ، أخذ شكلا جسديا ونفسيا، فصرتُ شاحبة، هزيلة، وكئيبة. حينها أخذني أبي الى الطبيب، وبعد اجراء الفحوصات ومناقشة أبي.. قال الطبيب أن العلاج هو: مساعدتها على البكاء بأعلى صوتها واللطم.. فمن منظور نفسي، يعتبر التعبير عن الحزن، بكل أشكاله، آلية صحية لتفريغِ الشحنات السلبية والبدء بعملية الشفاء والتكيّف مع الفقد.عندما يكبت الحزن، يمكن أن يتجلى في أعراض جسدية أو نفسية أشد تعقيدا. تلك الطقوس اصبحت من منظوري كامرأة جنوبية وثيقة قدسية ، لا وجود للحزن دونها. تتماهى صورة الحزن العراقي الجنوبي مع مشهد آخر، مشهد عزاء المرحوم زياد الرحباني، وظهور السيدة فيروز. تظهر بثياب أنيقة، وشعر مرتب يزينه منديل من الدانتيل الفاخر، وترتدي النظارة، وتجلس بكل هدوء وطمأنينة. حتى أنها حين رفعت يدها بمنديل أبيض ورفعت نظارتها قليلا، ظننتُ أنها ستمسحُ دمعةً، إلا أنها مسحت برقة أنفها، موضع جسر النظارة، ربما بسبب تعرق أنفها أو ثقل النظارة. وهناك، يثور التساؤل هل تختلف المشاعر بين البشرِ حسب الطبقات والمنازل والثقافات؟ هل يختلف شعور الأم من دولة لأخرى أو من أسرة لأخرى؟ أو من ثقافة لأخرى؟.
الألم على الفقد، واحد، وحجم الفراغِ الذي يخلفهُ الغياب متشابه في كل قلب. والأمومة، شعور عابر للحدود، حزن الأم على فقد ولدها لا يمكن أن يقاس بثقافة أو موروث.
لكن التعبير عن الحزن هو ما يختلف، فبينما يجد البعض سلوته في الصمت والاحتساب، يجد آخرون التنفيس في التعبير الجسدي.
والسؤال يظل معلقا في فضاء الذاكرة الجماعية، يهمس مع كل لطمة وكل شقة ثوب وكل دمعة: من أين جئنا نحن العراقيين، بطقوس حزننا؟!



#بلقيس_خالد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا عذر للفرات
- أمسية بحجم مهرجان
- صاروخ .. هايكو عراقي
- أديبات البصرة .. في انتخابات بغداد
- شكر وتقدير
- هجير الروح
- في نهار بارد
- ليلة ٌ بيضاء
- صقيع هذا الشتاء
- بقية رنين أجراس المعابد
- الناقد علوان سلمان.. و(مزاج المفاتيح) للشاعرة بلقيس خالد
- (العبور نحو غيوم الربيع) للروائي ناظم المناصير
- حكايتي الشتوية
- الدكتور الشاعر علاء العبادي يترجم قصيدة (مسرح.. مدفأة) للشاع ...
- شاي الشتاء
- تمتد إلى النار أيادينا
- رضاب
- الغصن الذهبي
- منديل الخيال
- كون آخر


المزيد.....




- تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي ...
- المتحف المصري الكبير.. هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم ...
- سميرة توفيق في أبوظبي: الفن الأصيل ورمز الوفاء للمبدعين العر ...
- -الخارجية- ترحب بانضمام الخليل إلى شبكة اليونسكو للمدن الإبد ...
- جمعية الصحفيين والكتاب العرب في إسبانيا تمنح ‏جائزتها السنوي ...
- فيلم -Scream 7- ومسلسل -Stranger Things 5- يعدان بجرعة مضاعف ...
- طبيبة نرويجية: ما شاهدته في غزة أفظع من أفلام الرعب
- -ذي إيكونومست- تفسر -وصفة- فنلندا لبناء أمة مستعدة لقتال بوت ...
- لن تتوقع الإجابة.. تفسير صادم من شركة أمازون عن سبب تسريح نح ...
- حزب الوحدة ينعى الكاتب والشاعر اسكندر جبران حبش


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس خالد - فيروز.. ورحيل زياد