صليبا جبرا طويل
الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 22:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"لا تتصنعوا العماء فكراً أو بصيرة، عالم اليوم يسير حضارياً علماً وتقنية وفكراً وتقدماً بوتيرة سريعة".
قبل الشروع بتقديم الحلول تخلصوا أولاً من مصالحكم الذاتية، الشخصية و ابتعدوا عن الأنانية ثم بجد واجتهاد اسعوا لتحرير العقول. الحاجة الملحة والضرورية في زمننا هذا هي ثورة فكرية تستنهض القدرات والطاقات المهمشة بشكل خاص، حتى لو كانت من خارج صندوق العادات والتقاليد، لا تغتالوا الأفكار ادرسوها افهموها استوعبوها،. تهميشها دليل هشاشة وخلل وإضطراب فكري ومعرفي للعصر الذي تنتمون اليه. عالم اليوم يزداد انفتاحاً وتطوراً ومعرفة يوم بعد يوم. شئنا أم ابينا اجهزة التواصل الإجتماعي غزت الأسواق وباتت في متناول الجميع ولا يمكن تحريمها ولا منعها وهي ظاهرة مقلقة في مجتمع متخلف ثقافياً ومعرفياً وعلمياً، ظاهرة لا يمكن حصرها بضوابط وقوانين، انها سيل جارف، باتت تؤسس بنية من فوضى وإنفلات مجتمعي وتحريمها غير ممكن... إذن أين نبدأ؟
ابدأوا من المواطنة... الوطن أسرتكم الكبيرة، بأحاسيسكم بعقولكم بقلوبكم تشعرون بإنتمائكم بوطنيتكم بحريتكم بوجودكم، منطلقين من مساواة كاملة دون فوارق او قيود أوحدود أو تمييز، الوطن هو انتم مجتمعين لا منفردين، موحدين لا ممزقين، متكاتفين متعاضدين لا متفرقين، هو انتم جميعكم نساؤه ورجاله واطفاله وشيوخه تحتضنكم إنسانيته بهوائه بترابه، كونوا له ومن اجله ومن اجل ابناء المستقبل متماسكين لا يفرقكم فكر او رأي أو معتقد أو دين، تحرروا من كل الحواجز مزقوها كونوا موحدين بالصراء والضراء، إدعوا سراً وعلانية للعدالة للحق للمساواة وجاهروا: "بلا للتميز ونعم لسيادة القانون".
منذ عصور دون ادراك نردد كببغاوات تقودنا حركة من أنامل مدربنا راعينا " العقل زينة بني آدم" لنكتشف لاحقا بعد تعاظم الأمور وتفاقمها أن سبب مآسينا وجل مصائبا العظيمة قد جأت من قانينا المسبب الرئيسي والأول لفشلنا الفكري... أتسأل: لماذا؟ أين شطح عقلنا العربي وغفى بعيداً عن ومن زينته الفخيمة؟
هل فشلنا في الدراسات الاقتصادية والعلمية؟ هل تسالنا لماذا كان فشلنا؟ هل بحثنا عن أسباب الفشل؟ عن مصادرها؟ من أين أتت؟ هل الدارسون يتمتعون بالثقة والكفاءة؟ هل الدارسون يتمتعون بالحرية والإستقلالية في إتخاذ القرار؟
فشل فكري سببه تحييد العقل وتقييده ومنعه من الخروج من زنزانته الخاضعة للرقابة المشددة، المحصلة المؤلمة لحصاره تتبلور في نتيجة لا تفترض بل تؤكد "ان يتبعه فشل ثقافي وأقتصادي وعلمى وتقني وسياسي". بقصد مدروس نتخبط كأننا لا ندري سبب بؤسنا، مسرحيات يهتك فيها الممثلون المعنييون عقول المشاهدين المغيبة ويسخرون منها .الفجوة بيننا وبين العالم المتحضر تتسع، هم في القمة ونحن في واد فجوته سحيقة تزداد اتساعا مع مرور الزمن... هل وئدتنا الحضارة؟ أم نحن من وئدها؟ لقد سحبنا اخر صنارة من بحر المعرفة فلم نعد نلتقط سمكة أو محارة، لقد اصبحنا كعشيقة للحياة هجرها عشيقها فعاشت متهالكة ضعيقة... أخشى من نزاعها.
الواقع يصرخ: " في غياب التنمية لم ولن يتحسن واقعنا". أين تكمن المعضلة؟ كيف يأتي الحل؟"...لا تنمية دون حلول منطقية، لا تنمية دون حلول إستراتيجية، المنطق وألإستراتجيات تحتاج الى دراسات جادة مستقلة ديمقراطياً تقوم على أسس علمية من أصحاب كفاءات وليس محسوبيات ومراكز دراسات علمية وليس ادبيات عاطفية شعرية، دون ذلك سيبقى التخلف والتراجع العلمي مستدام يعانقنا يلتف حولنا كشرنقة تخنقنا، لتلازمنا وتلتصق بنا صفة التخلف والجهل والفقر ليتبعها صراعات دموية لا حصر ولا نهاية لها تقودنا نحو التهلكة تعاود وتكرر ظهورها جيلاً بعد جيل.
ألأنظمة الجامدة لا تلد إلا ذاتها، وأن شطحت وخرجت من ذاتها تعيد فرز ذاتها بصيغ وألوان متعددة أسوأ، لأن مقياسها يعتمد على المحسوبية والقبلية والأفكار البالية العاشقة للماضي السحيق في تمكين وتعيين الكوادر الموالية لها. فكيف لا تنكفىء الكفاءات وتهجر أو تعيش مغتربة في عقر دارها؟ فكل منصب لا يحتله رجل أو امرأة يناسب قدراته/تها يخل بالتوازن وتكون النتائج وخيمة. الوطن ليس إرث يورث ولا تركة يوصى بها من الأباء الى الأبناء. الاعتماد على هذه المنهجية يختزل الوطن بطبقة لا تأخذ شرعيتها من الشعب، والشعب المقيد فكريا لا طاقة له على تحمل المسؤولية لأن عقله مكمم وفمه لا يقوى على البوح بالحقيقة مغلق موصد امامها. فكيف يمكننا أن نقارع العالم في عصرنا؟
مثلكم اعتز بعاداتنا وتقاليدنا وأفتخر بها وهي ارث اصيل وصلنا عبر الزمن بتاريخه الجميل والقبيح. لكن اتسائل كيف يمكننا المحافظة عليه دون ترميم واعادة بناءه ليلائم عصرنا الحالي؟ في أي إتجاه ان نظرنا وحاولنا تكون نقطة الخلاف وجوهره المرأة، ذلك الكائن الذي من رحمها خرج انبياء وقديسين وفلاسفة وكتبة ومفكرين الخ... كانت هي معلمهم ومرشدهم الأول في الحياة... للأسف لقد اسقطنا كل فشل منينا به على المرأة وباتت تمثل كل مركزية صعودنا أو هبوطنا. المرأة التي تعتل – تحمل - همومنا نستقوى عليها ونفوم بإزاحتها من الطريق لنتخلص من نصف المجتمع وتحييده. هذه التصرفات جعلت التخلف ديمومة وصفة ملاصقة لنا.
دولنا معظمها يستورد لا يصنع، معظم ما يستهلكه حتى الأسلحة التي نحارب بها اعداؤنا مستوردة. لذلك نعاني من مديونيات عالية أدت لصراعات على السلطة في العديد من دولنا العربية ، لتسقط بالتالي قراراتها امام الدول المانحة التي نتعهد لها بالتبعية والدوران في فلكها, لذلك تخلفنا. دول الأخر المدعو بالغرب له رغبت في ابقائنا في اسفل السلم الحضاري عصر لا دور لنا فيه لا تقدم علمي، ولا تقني، ولاعقلي ايضاً، لا مشاريع جديدة، لا مصانع سوى اذلال واطفاء شعلت العقل في الإنسان لتكون الغلبة للتحارب والإقتتال الخ... فكيف لكسيح ان يقفز وينمو حضارايا .
ليس انجرافا ان عرجنا على الكتب المدرسية وتسائلنا :هل تحمل روح العصر وافكاره؟ هل تحتاج الى تجديد؟... نعرف ان وراء كل تجديد باب موصد لا تفتح اختامه الا من قبل اشخاص معيين. هل هم الكهنة يحرمون ويحللون؟ أم سدنة العادات والتقاليد الجامدة المحافظون على طهارة الماضي ومشككين في نقاوة الحاضر لان السلوك في عرفهم لا يستقيم الا على بينات يضعونها للتسلط على الأنسان؟ أن تصبح العادات والتقاليد هي القانون والمحكمة والقرار فذاك نزوع الى الماضي . من عاش الماضي في زمانه ادرك جماله ومن عاشه اليوم بحسب معايير وظروف العصر ادرك كم هو منفر وغير جذاب.
لا لتهميش الكفاءات، إن احترام الفرد المواطن مهما كان انتماءه الفكري والعقائدة والمذهبي والسياسي الخ... يجب ان ينبع من ابداعه فقط بعيدا عن التمييز والتفضيل. الاهتمام بالإنسان كإنسان يضعه في محور الأشواق الراغبة في الحياة المعاصرة. البشر ليس بعددهم وكثرتهم بل بإنتاجيتهم واهتمامهم لمواطنيهم ووطنهم حيث الرخاء والصحة والسعادة والرعاية الصحية والإجتماعية متوفرة. والاهتمام بالإنسان كإنسان يعيش مواطنته في سلام ووئام.
التغيير لن يأتي دون عقول، لا يأتي بالكلمات الموئطرة المنمقة الممنكرة بالمساحيق لتوريتها، ولا بالكلمات الخداعة الجذابة، بل بتلك التي تخاطب الوعي المتفتح المستنير وادراك عمقه المعرفي بالعقل والحواس على المستويين المحلي والعالمي دونها سنبقى مغيبون عن وعلى ومن سلم الحضارة....جل قضايا البشر تنبع من أفكارهم، الويل كل الويل ان كانت هدامة، النشوة والسعادة والفرح والنعمة إن كانت بناءة.
#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟