سناء عليبات
الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 23:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس ما جرى في شوارع غزة سوى انكشافٍ فاضحٍ لِما استتر طويلًا تحت رماد الشعارات: سقوطُ الوعي لا في خطيئة السياسة فحسب، بل في انحطاط المعنى ذاته. إنّ مشهد الإعدامات العلنية التي نفّذتها حماس ليس فعلَ مقاومةٍ، بل نوبةُ تَوحّشٍ تستعيدُ بدائية الغريزة حين تُصادر العقل وتُعلي شأن الرصاصة على الكلمة. هنا تنحلّ الفكرة في دمها، ويغدو السلاحُ سيّدَ العقل، لا أداته.
ما حدث لا يُقاس بالدم المسفوك، بل بما أُريق من المعنى في وجدان الناس. لقد تلاشت العدالة في لحظة استعراضٍ جماعيٍّ للغريزة، واستُبدلت سلطةُ القانون بسحر المشهد. فالمشهد حين يُنتج الرهبة لا الوعي، يغدو أخطر من الجريمة ذاتها، لأنّه يؤسّس لعبودية جديدة: عبودية البندقية وقد تُوّجت صنمًا مقدّسًا باسم الوطن.
في عمق البنية الاجتماعية الغزّاوية، المشبعة بروح العشيرة، يتحوّل الدم المراق في الفضاء العام إلى دعوةٍ للثأر لا إلى خلاصٍ وطني. حينها تتفتّت الجماعة وتنكشف هشاشة النسيج الوطني، إذ تغدو السلطةُ غنيمةً تتقاسمها العصبيات تحت أقنعة العقيدة والمقاومة. وما تفعله حماس اليوم ليس سوى إعادة إنتاجٍ للاستبداد داخل لغة التحرير، وتكريسٍ لطغيانٍ يتغذّى من دمائه.
إنّ الأثر الأخطر لا يُقاس في الداخل وحده، بل في ذلك الفقدان الفادح لصورة الفلسطيني في الوعي الإنساني. العالم الذي انحاز إلى غزة باسم المظلومية، يرى اليوم سلطةً تُطلِق النار على ذاتها، فيتراجع التعاطف وتُمنح إسرائيل، بدمٍ فلسطينيٍّ، شرعيةَ الدفاع عن ذاتها التي كانت فقدتها.
هكذا ينقلب معنى المقاومة على نفسه: من وعدٍ بالتحرّر إلى جرحٍ يُغذّي العنفَ بالعنف. حين تُرفع البندقية فوق الفكرة، ينكسر المعنى، ويُطفأ الوعي، وتُختزل البطولة في طقس دمويٍّ يبحث عن خلاصٍ زائف في جثث الأبرياء. إنّ عبادة السلاح ليست مقاومة، بل سقوطٌ ميتافيزيقيّ في هوّة الغريزة، حيث يتلاشى الإنسان وتبقى البندقية وحدها تتكلّم بلغة العدم.
#سناء_عليبات (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟