أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العلاوي - شمس ليلية














المزيد.....

شمس ليلية


عبد الرحيم العلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 19:40
المحور: الادب والفن
    


مَعَ حُلُولِ اللَّيْلِ، بَعْدَمَا انْسَحَبَ النَّاسُ إِلَى مَآوِيهِمْ، قَعَدَا جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ، قُرْبَ عَمُودِ الْإِنَارَةِ، الَّذِي عَشَّشَ اللِّقْلَاقُ فَوْقَهُ.

كَمَا يَعْشَقُهُ اللِّقْلَاقُ، يَعْشَقَانِهُ أَيْضًا، وَيَعْشَقُهُ الذُّبَابُ الَّذِي يَحُومُ حَوْلَ مِصْبَاحِهِ، وَبَعْضُ الْكِلَابِ الَّتِي تَجِدُ الدِّفْءَ مَعَ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ.
لَا يُحِبَّانِ النَّهَارَ، فَفِيهِ حَرَكَةٌ بَائِسَةٌ، فِي أَغْلَبِهَا، إِلَّا مِنْ بِسَاطٍ أَحْمَرَ طَوِيلٍ، آخِرُهُ بُيُوتٌ مُنِيرَةٌ، أَمَّا دُونَ ذَلِكَ دُخَانٌ كَثِيفٌ يُلَوِّثُ الْجَوَّ، الْوُجُوهَ، وَلَا يُعْلَمُ تَلْوِيثُهُ لِلْقُلُوبِ، لَا أَحَدَ يَعْلَمُ.
لَا يُحِبَّانِ النَّهَارَ لِأَنَّهُمَا يُكْثِرَانِ فِيهِ الرَّكْضَ، لَا يَتَوَقَّفَانِ، يَتْبَعُهُمَا أُنَاسٌ أَيَادِيهِمْ مَمْدُودَةٌ، أَنْيَابُهُمْ طَوِيلَةٌ حَادَّةٌ، أَظْفَارُهُمْ إِذَا خَمَشُوا بِهَا أَسَالُوا الدَّمَ، وَأَظْهَرُوا الشَّحْمَ.
لَمَّا يَصْمُتُ النَّهَارُ، يَتَحَدَّثُ اللَّيْلُ، فَلِكُلِّ صَوْتٌ، إِلَّا أَنَّ صَوْتَ النَّهَارِ يَكَادُ لَا يُسْمَعُ، يَمْنَعُهُ صَوْتُ السَّيَّارَاتِ وَالشَّاحِنَاتِ وَالدَّرَّاجَاتِ النَّارِيَّةِ، وَأَفْوَاهٌ بَشَرِيَّةٌ بِالسِّبَابِ وَالشَّتَائِمِ، وَأُخْرَى بِالْقَسَمِ وَالْكَذِبِ، مُشَوِّشَاتٌ نَهَارِيَّةٌ.
لَكِنَّ اللَّيْلَ شَاعِرِيٌّ، يَسْتَوْعِبُ كُلَّ صَوْتٍ، لَيْسَ كَالنَّهَارِ، يَقْبَلُ نَعِيقَ الْغِرْبَانِ، وَنَهِيقَ الْحَمِيرِ، صَوْتَ الصَّرَّارِ، وَمُحَرِّكَاتِ السَّيَّارَاتِ اللَّيْلِيَّةِ، هُوَ شَاعِرِيٌّ لَا يَسْتَطِيعُونَ سَلْبَ شَاعِرِيَّتِهِ مَهْمَا فَعَلُوا، كَرِئِيسِ الْفِرْقَةِ الْمُوسِيقِيَّةِ يُنَظِّمُهُمْ انْتِظَامًا، يَدْمِجُهُمْ فِي "السِّمْفُونِيَةِ".

لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْجَمَاعَةِ الْمُخْتَلِفَةِ، الْمُجْتَمِعَةِ قُرْبَ الْعَمُودِ غَيْرَ بَعْضِهِمْ، فَقَدْ تَكَوَّنَتْ بَيْنَهُمْ صَدَاقَةٌ عَجِيبَةٌ، نَفْسُ الْخُبْزِ يَأْكُلُونَ مِنْهُ، الْفُتَاتُ لِلذُّبَابِ، وَاللُّبَابُ لِلْكِلَابِ، وَهُمَا يَمْلَآنِ الْخُبْزَ بِالسَّمَكِ الْمُعَلَّبِ، وَلَا يُعْطِيَانِ الْبَقِيَّةَ مِنْهُ، كَانَا أَنَانِيَّيْنِ فِيمَا دُونَ الْخُبْزِ.
فِي نَفْسِ الْوَقْتِ يَتَغَذَّوْنَ، يَهْوِي الذُّبَابُ إِلَى الْأَرْضِ لِيَحْمِلَ الْفُتَاتَ، وَيَرْجِعَ إِلَى الِاجْتِمَاعِ حَوْلَ الْمِصْبَاحِ، وَيَلْتَقِمُ الْكِلَابُ اللُّبَابَ الَّذِي قَسَمَاهُ لَهُمْ حَسَبَ عَدَدِهِمْ لِقِطَعٍ صَغِيرَةٍ، وَيَلْتَهِمَانِ خُبْزَهُمَا، لَمْ يَكُنْ سَمَكًا مُعَلَّبًا، بَلْ فَقَطْ زَيْتُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُمَا أَنَانِيَّانِ، لَمْ يَدْهَنَا الْفُتَاتَ لِلذُّبَابِ، وَلَا اللُّبَابَ لِلْكِلَابِ.

كَانَ اللِّقْلَاقُ غَارِقًا فِي نَوْمِهِ، غَيْرَ آبِهٍ بِمَا يَجْرِي أَسْفَلَ الْمِصْبَاحِ، وَهُمْ كَأَنَّهُمْ حُرَّاسُهُ، هَادِئُونَ جِدًّا، وَلَا يُحْدِثُونَ جَلَبَةً، إِلَّا حَدِيثٌ ثُنَائِيٌّ بَسِيطٌ قَلِيلُ الْكَلِمَاتِ، مُسْتَغْرِقُ الْإِيمَاءَاتِ، كَثِيرُ النَّظَرَاتِ، وَلَا يُسْمَعُ لِلْكِلَابِ نُبَاحٌ، حَتَّى طَنِينُ أَجْنِحَةِ الذُّبَابِ كَانَ صَامِتًا، كَأَنَّهُمْ أَيْضًا يَبْحَثُونَ عَنِ السَّكِينَةِ.

لَمْ يَشْبَعِ الصَّدِيقَانِ مِنَ الْخُبْزِ، لَا يَهْتَمَّانِ بِالشَّبَعِ، يَهُمُّهُمَا جُلُوسُهُمَا، الْهُدُوءُ الَّذِي يُحْيِيهِمَا، أَرْضٌ عَلَى صَلَابَتِهَا مُرِيحَةٌ، صَرِيرُ رِيحٍ رَغْمَ بُرُودَتِهِ رَحِيمٌ، كَأَنَّهُ يَنْفُذُ إِلَى الْقَلْبِ يُهَوِّيهِ.
لَكِنْ بَلْسَمُ الرُّوحِ لَمْ يَشْبَعَا مِنْهُ، مَا يُدَاوِي جِرَاحَاتٍ خَلَّفَهَا النَّهَارُ، كُلُّ كَلِمَةٍ كَأَنَّهَا سِحْرِيَّةٌ تَدْفَعُ قُبْحَ مَا سَمِعَا، كُلُّ ضَحْكَةٍ، كُلُّ تَمْرِيرِ يَدٍ بِحُنُوٍّ عَلَى الشَّعْرِ، كُلُّ نَظَرٍ لِلذُّبَابِ السَّعِيدِ الَّذِي لَا يَهْدَأُ مِنَ الطَّوَافِ، وَآذَانِ الْكِلَابِ الَّتِي تَدَلَّتْ، وَهِيَ بَاسِطَةٌ ذِرَاعَيْهَا فِي ارْتِيَاحٍ، انْقِضَاءُ هَذَا مَا يَسُوءُهُمَا.

وَيُطْوَى اللَّيْلُ طَيًّا، كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الدُّنْيَا، كَأَنَّهُ عَالَمٌ مُسْتَقِلٌّ.
يَتَأَمَّلَانِ فِي السَّمَاءِ، يَرَيَانِ النُّقْطَةَ الْبَيْضَاءَ وَهِيَ تَخْفُتُ شَيْئًا فَشَيْئًا، يَبْتَعِدُ الذُّبَابُ، وَيَنْزَوِي الْكِلَابُ تَحْتَ الشَّاحِنَاتِ، يُرَفْرِفُ جَنَاحُ اللِّقْلَاقِ، فَتَنْطَفِئُ فَجْأَةً، تِلْكَ النُّقْطَةُ الْبَيْضَاءُ، الَّتِي أَضَاءَتْ لَيْلَهُمْ.

وَيَنْسَحِبَانِ فِي صَمْتٍ، بَعْدَمَا لَقْلَقَ اللِّقْلَاقُ، مُرْسِلًا تَحِيَّتَهُ الصَّبَاحِيَّةَ فَوْقَ رَأْسَيْهِمَا.



#عبد_الرحيم_العلاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليست مجرد مزهرية
- رسالة سفلية
- النمرود
- مجازر المدينة
- أسطورة الداما
- ورقة جموح
- العملة واحدة
- فرصة العمر
- نائم ومستيقظ
- مفارقات
- في عيد الحب.. وما الحب؟
- البغل
- نهيق


المزيد.....




- أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في سراييفو
- الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي يفوز بجائزة نوبل للأدب
- تامر حسني يعيد رموز المسرح بالذكاء الاصطناعي
- رئيس منظمة الاعلام الاسلامي: الحرب اليوم هي معركة الروايات و ...
- الدكتور حسن وجيه: قراءة العقول بين الأساطير والمخاطر الحقيقي ...
- مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفني ...
- مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفني ...
- صدور كتاب تكريمي لمحمد بن عيسى -رجل الدولة وأيقونة الثقافة- ...
- انطلاق مهرجان زاكورا السينمائي في المغرب
- كل ما تحتاج معرفته عن جوائز نوبل للعام 2025


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العلاوي - شمس ليلية