أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العلاوي - رسالة سفلية














المزيد.....

رسالة سفلية


عبد الرحيم العلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 08:23
المحور: الادب والفن
    


طفت حول المنازل البسيطة العادية، محاولا استجلاء بعض ما حوَت، وقد كانت روحانية الحاضرين تضفي على الجو خشوعا، حتى تساءلت : كيف يعيش أهل هذه المنازل؟
وإذا بي كأنني محاط بجدران أراها تقترب حتى لمست جبهتي، وأصابع أقدامي، وجانبي كتفي، ومن الخلف عظمة القذال، وأعقاب قدمي، لأسمع صوتا لا علم لي بصاحبه.
ويأخذني الصوت، تزداد حدته، ويقوى عناق الحيطان لي، وما عدت أستوعب هل أسمع بأذني أم بقلبي.

تبدأ الكائنات البسيطة جدا في أداء مهامها، لقد كنت قبل ذلك متمكنا من إبعادها، بل لا تقوى على الاقتراب، أما وقد صرت بلا حراك فأنا لها، وقد ظننت أني قوي، فها هو الجسد كما هو، فما لي لا أنهض! وما لي لا أقدر دفع ضر دود ينتشر فوق الجلد ليخترقه، ليتلذذ بكل عضو فيَّ.

ليس يسد بيتي غير لبنات " إسمنتية" ، سهلة الرفع، وتراب هين إزالته، ويلف جسدي لباس إزالته كإزالة قشرة موز، فكيف لا أقوى على مغادرة منزل ضيق كهذا!
وأسمع صوت نعال، وتنفذ إلي دموع ندم وحسرة، وأدعية صادقة، فكيف لا أشير بيدي، وهذا فمي لا ينطق، وعيني لا تستفيق.
لا الليل أعرفه ولا النهار، ولا زارتني أشعة شمس ولا ضياء قمر، ولا حتى شمعة تضحي بذبالتها لتنير ظلمتي، ولا طائر يغرد يؤنس وحشتي.

لا أدري لم حياتي أشاهدها بأدق التفاصيل، من أول شهقة إلى ٱخرها، أبدو جنينا تتصل بي المشيمة، ووليدا بكاؤه أكثر من ضحكه، وطفلا فغلاما فشابا، بعدها تبدأ الأمواج تتلاطم وأنا وسطها، أنجو وأغرق، تمد الأيادي تنجدني، وأخرى تعين الموج علي، وأنا أسبح عكس التيار، ولا علم لي باتجاه الشاطئ، ترفرف من بعيد الرايات، يدوي صوت الصافرات، تمر بجانبي الباخرات.

ومن موج لموج، ومن غرق لنجاة، ومن استقامة لضلال، ومن سخط لرضى، ومن هلاك لنجاة، ومن ذنب لتوبة، ومن توبة لذنب، ومن عداوة لصحبة، ومع كل تجاربي ما عرفت عدوي، فقد انقضت الحياة في نصحه لي، فكم نصحني بكره من يكرهني، والانتقام ممن أساء لي، وأعانني على الركض خلف الكلاب الضالة لأعضها كما عضتني، من أفسد لحظتي بتذكيري بأمسي، وتملكني خوفا لأيأس من مستقبلي، هو الذي إن أراد إشباع حاجاته ضيق علي لألبي رغباته، من ذكرني بالمعصية لأرجع إليها.

يا محظوظ، انتبه فعدوك فيك، يحب السبابة، ولا يحب الإبهام، وما دمت سألت عن الحياة هنا، فلا حياة هنية ستجد إن لم تكن لله عابدا، له وحده راكعا ساجدا.

حين عدت لرشدي بدا المكان خاليا، وقد تباعدت الجدران، وما أذكر شيئا غير قولي: كيف يعيش أهل هذه المنازل؟

فكيف لم أحس بمغادرة الزائرين، وكيف أقف وحدي بين كل هذه البيوت المتشابهة، التي لا يمكن التفضيل بينها، التي لو زينت بما زينت، لا أحد يرجو أن يسكنها، ولو كانت بالمجان.

وتحدثت بصوت مسموع أسأل: من هو عدوي؟

أعدتها فلم يعرني أحد اهتماما، ومن بعيد يرمقني حاملو المعاول، ثم يحركون رؤوسهم تعجبا، ولا زلت أعيد سؤالي، وأنتظر جوابا.



#عبد_الرحيم_العلاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النمرود
- مجازر المدينة
- أسطورة الداما
- ورقة جموح
- العملة واحدة
- فرصة العمر
- نائم ومستيقظ
- مفارقات
- في عيد الحب.. وما الحب؟
- البغل
- نهيق


المزيد.....




- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...
- بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا ...
- ظهور جاستن ببير مع ابنه وزوجته في كليب أغنية Yukon من ألبومه ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العلاوي - رسالة سفلية