أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العلاوي - مجازر المدينة














المزيد.....

مجازر المدينة


عبد الرحيم العلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 14:37
المحور: الادب والفن
    


في المدينة وضع غير اعتيادي، الناس مرعوبة تهرول في اتجاهات مختلفة، الدماء كالسيول الجارية.
سيارات الإسعاف تغيرت، فمن يحمل المرضى سيارات نقل اللحوم، بيضاء كتب فيها بخط عريض بالأحمر المجازر.

كانت هذه السيارات أكثر فاعلية من الإسعاف، لا تتأخر، طريقها إلى المجازر معبدة، تستقبلها مساعدة الجزار؛ كانت مكتنزة اللحم، ثقيلة المشية، لا تقبل أحدا إلا بعد الدفع، وما يزيد الغرابة أن الدفع ليس مالا، إنما قطع ينتقونها كما شاؤوا من أجساد مرافقي المريض.
وبعد المساعدة رجل هرم، السيجارة لا تفارق شفتيه، أمامه حجر الشحذ يسُنُّ به السكاكين، التي يضعها في سطل الماء، ثم يرفعها مقتربا بوجهه، ليمرر ظفر إبهامه برفق عليها.
هذا الرجل هو المسؤول على تقطيع الأعضاء التي يبتغي الجزار أن يجازى بها، خلفه غرفة مكتوب على بابها "غرفة الأداء".
أما الجزار فأصلع، عظيم البطن، منفوخ الوجه، أحمر البشرة، قصير القامة، مشيته سريعة، يلبس سروالا أسود، سترة سوداء، قبعته سوداء، قفازاته سوداء، نظارته سوداء أيضا، إذا نظرت إلى فمه تتجلى وحشيته.

المجازر تفوح منها رائحة نتنة، هي لجثث مرمية، لم يأت معها أحد ليدفع المقابل.

كان الشاب الذي وصل للتو يحتاج عملية طارئة، يرافقه والده، وبالرغم من أن الحالة مستعجلة قد حبستهما عن المرور المساعدة، وأخبرتهما بحتمية التوقيع على الدفع قبل إجراء العملية.

أب الشاب شيخ، منحول الجسم، ما يتحمل جسمه ملمس اليد فما بالك بالسواطير والسكاكين، إلا أنه وقع على ورقة ما يدري ما فيها، فقد أفقده حال ابنه وإرادة إنقاذه عقلَه، يرجو أن يراه بخير، هو في الأصل قد توهم أن وضعه حرجٌ.

خارج المجازر أهالي المرضى، جموع غفيرة لباسها أبيض، يمنعهم من الدخول الأبواب التي توصد بعد دخول سيارات نقل اللحوم.

الشاب مدده معاونو الجزار فوق سرير مهترئ ملطخ بالدماء ، لم يكن به أذى بالغ الخطورة، هو جرح صغير جدا في أصبعه، تقاطر منه الدم ليجد السيارة تحمله، وتقله إلى المجازر، اقترب منه الجزار، وضع الأصبع في فمه، ليحس الشاب بانسحاب الدم من سائر عروقه، وصداع شديد بدأ يفقده الوعي.

أما في غرفة الأداء فوالده ينتظر دفع المقابل، الذي كان الكبد والكلى، ففي المجازر يخرج واحد حيا.

صرخة الوالد كانت كفيلة أن تعيد الشاب إلى كامل وعيه، أفلت من الجزار، الذي أمر معاونيه أن يحكموا قبضته، لكنه سارع لسكين الجزار فسحبه، وبعد التهديد تراجعوا.

أسرع الخطى لغرفة الأداء، مع فتحه للباب وجد والده في جدال مع مسؤول التقطيع، الذي يحمل سكينا ينوي شقَّ بطنه من أجل الكبد والكلى، ووالده يصرخ قائلا: كبدي وكلاي لجرح صغير في الأصبع، أنتم أوغاد، كلاب.
بعد محاولات مستميتة لم تنجح لإسكاته، رمى المسؤول عن التقطيع السكين، رافعا يديه، فارا مذعورا، كأنها المرة الأولى التي سمع فيها من يوبخه، ويتهمه في إنسانيته، فقد بدا كأن بداخله صدى أصوات كصوت الشيخ تزيد حدتها شيئا فشيئا، لوما وتوبيخا.

صرخات من داخل المجازر تتعالى، تتجاوز المدى، صرخات المرضى، الثكالى، صرخات الحيارى، حتى الحيطان تصرخ، السكاكين والسواطير، الأسرة الملوثة بالدماء، المنشفات، الإزار، كأنهم شهود على جرائم ما وجدوا أذنا واعية صاغية، كأنهم انتظروا صرخة الشيخ الهرم.

الصراخ بلغ مداه الجموع، فكسرت الأقفال، هائجة تبحث عن الجزار، وقد رأى العديد منهم أقرباءهم جثثا هنا وهناك، أعضاء بشرية مبتورة، قلوب تُداس بالأقدام، أكباد ذائبة، جماجم يرتع فيها الدود، عيون شاخصة لا ترى.
انهالت الأيادي على الجزار ومعاونيه، تنغرس الأظافر في لحومهم، تُطبع الأسنان في كل مكان من أجسادهم، حتى حملوهم ليلقوا بهم في حاويات القمامة، وقد قرروا أن يمروا بكل المجازر لينظفوها من ٱثار الجزارة.

لحق بهما الشاب ووالده، يريان ذاك الجمع وقد صار لونهم أحمر، يتمرغون في الشوارع ليتشرب لباسهم الدماء السائلة، ثم يقومون ليكملوا المسير، تتبعهم شاحنات النظافة محملة بحاويات القمامة.



#عبد_الرحيم_العلاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسطورة الداما
- ورقة جموح
- العملة واحدة
- فرصة العمر
- نائم ومستيقظ
- مفارقات
- في عيد الحب.. وما الحب؟
- البغل
- نهيق


المزيد.....




- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العلاوي - مجازر المدينة