أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لبيب سلطان - لماذا يتراجع اليسار في العالم















المزيد.....

لماذا يتراجع اليسار في العالم


لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)


الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 22:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1. مقدمة للموضوع
يشهد اليسار ومنذ نحو عشرة سنوات على الاقل تراجعا مستمرا في اوربا واميركا بل وفي العالم اجمع،فلم يعد يجذب الجمهور الواسع بطروحاته وبرامجه واحلامه كما تعود وصعد، خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بل بدأ الجمهور الواسع التوجه من الميل لليسار الليبرالي نحو اليمين القومي والديني، بل وحتى للاحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة منهما وكأنه يريد معاقبته بل حتى الاجنحة اليمينية التقليدية القومية المعتدلة، متهما اياها انها اصبحت ذيلا لليبرالية، ومنه فهناك تحول عام لقبول طروحات اليمين القومي والديني المتطرف بمواجهة الليبرالية والقومية المعتدلة التي لعبت دور الوسط والعازل الاجتماعي في المجتمع تجاه التيارات الراديكالية اليسارية منها او اليمينية المتطرفة . ان الموجة اليوم هي موجة صعود اليمين القومي والديني شبه الراديكالي او حتى الراديكالي المتطرف في كل مكان تقريبا ، وصار يحصد اصواتا كثيرة وحتى يفوز في انتخابات عامة او فرعية باغلبية الاصوات او يأتي ثانيا امام احزاب تقليدية ليبرالية او قومية تقليدية ، بينما كان وحتى الامس القريب لايحلم بتجاوز نسبة خمسة بالمئة ليحصل على مجرد تمثيلا في البرلمان ، وها هم اليوم الكتلة الاولى او الثانية فيه . والسؤال هنا ما الذي حدث وما الذي دفع لهذا التحول والمنعطف في الرأي العام الذي طالما مال لليسار ووثق به وبرامجه ومنذ السبعينات تقريبا . لقد ظن الجميع ان اليمين من حركات قومية ودينية منغلقة اجتماعيا ستبقى اقلية في الاقبية وها هي تخرج فجأة لتلحق باليسار الاجتماعي هزائم كبيرة و تحصد لا التمثيل بل حتى الفوز في أغلب وأهم دول اوربا ( فرنسا والمانيا وهولندا وايطاليا والسويد امثلة) واخرها فوز ترامب في معقل الليبرالية في الولايات المتحدة . لم يعد اليمين القومي منحصرا في نظم ديكتاتورية يقودها بوتين وتشي جين بينغ متخصصان بمحاربة الليبرالية خوفا على سلطتهما، بل انضمت لهما اليوم نفس الولايات المتحدة التي طالما قادت ما يدعى بالعالم المتحرر الملئ بالتقاليد والمناهج اللببرالية والبرامج الداعمة للديمقراطية الاجتماعية والسياسية، وها هو ترامب يحاربها كما يحاربها بوتين واوربان وتشينغ وحركة البديل الالماني ولوبان في فرنسا ، وهكذا سلسلة في كل بلدان اوربا وحتى الهند والارجنتين في محور واسع عريض يندهش المرء احيانا كيف امكن قيامه بهذه السرعة واعضاءه بين الدول الاشد تمسكا بالحريات الليبرالية والديمقراطية ودعوة لها كالولايات المتحدة واوربا الغربية.
طبعا لايمكن الاتيان بتفسير واحد يصلح لكل هذه البلدان المختلفة جغرافيا وتاريخا وثقافة وبدرجة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولكن ما يدهش حقا ان الظاهرة هي اليوم شبه عامة ، انها " ظاهرة تراجع اليسار" بكل اصنافه وصعودالتيارات اليمينية بشقيها القومي والديني ليس فقط التقليدي منها والمعتدل، بل المؤدلج المتطرف الذي اعتقد حتى قبل عشرين عاما انه تقريبا انقرض امام صعود القيم والمناهج الليبرالية التحررية خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قبل نهاية القرن الماضي. فالامر في مجابهة قيم التحرر والليبرالية لم يعد يقتصر على الصين وروسيا كحالة نظم متخلفة خاصة بل امتد منها لاوربا واميركا والهند وبلدان اميركا اللاتينية وطبعا الشرق الاوسط حيث تعشعش السلفيات والديكتتوريات المتخلفة. انه امرا مفهوما ان تحارب الليبرالية النظم الديكتاتورية في روسيا البوتينية والصين ولكن انتقل اليوم لاوربا الغربية واميركا وبلدان العالم الثالث كظاهرة عامة ، وهو امرا غريبا حقا ، فهل نموذج بوتين والصين هو حقا ماجذب الناس في اميركا والغرب؟ طبعا كلا ، فكيف نفهم اذن الامر وكيف نفسر هذا الانقلاب على الليبرالية من الليبراليات الغربية؟ ان محاولة فهم الامروتحديد اين اخفقت الليبرالية اذن ولماذا اخفقت هو مايشكل هذه القراءة الممكنة لفهم مايحدث حقا حولنا.
2. تراجع الماركسية كان اول تراجع لليسار
ربما من المفيد ان نراجع اسباب تراجع الماركسية كاحد التيارات اليسارية التي شهدت صعودا سريعا في القرن العشرين وخصوصا بعد انتصار ثورة اكتوبرالاشتراكية وتعاظم الاحلام ان البشرية والانسانية دخلت مرحلة جديدة من التطور بحيث يمكنها الغاء التفاوت الطبقي والغاء الامتيازات للاثرياء وجعل الشعوب تنعم بالمساواة والعدالة الاجتماعية وبممارسة الحريات الحقيقية وبالديمقراطية الشعبية والخ من الاحلام والوعود وذلك بعد القضاء على الطبقة الرأسمالية الحاكمة وفق الماركسية ، فهي صورت الامر وكأن جنة ستقام بغياب الاستغلال الرأسمالي ويصبح الناس احرارا واخوة ( ياعمال العالم اتحدوا) وان روسيا السوفياتية ستبني مجتمعا خال من القمع القيصري ومن المخابرات ومن الخوف من السلطات ومن البذخ الردي للاثرياء ويصبح ابناء الشعب اخوة ويتربون على افضل الاخلاق الملائكية بغياب الاستغلال الطبقي وغيرها من الفرضيات والاقاويل الافلاطونية التي جذبت لها الناس في كل مكان وساندت الاحزاب الماركسية التي انتشرت من المانيا وبريطانيا الى اميركا والهند والصين والعالم العربي وكافة ارجاء المعمورة كحلم قابل للتحقيق اقامة الجنة ونحن على الارض بازالة الرأسمالية . وتعاظم شأن الماركسية كمنهج خصوصا بعد انتصار الاتحاد السوفياتي على النازية القومية العنصرية المتطرفة وكادت اوربا ان تتحول لحكم الاحزاب الشيوعية والماركسية منتصف الخمسينات ومن خلال انتخابات ديمقراطية برلمانية وليس بمخططات انقلابية ليلية كالبلشفية لاقامة جنة ديكتاتورية البروليتاريا وحكم الطبقة العاملة الثورية وغيرها من الطروحات التي اثبتت للناس ومنذ الستينات فشل طروحاتها في الواقع بحوالي عشرة بلدان في الاتحاد السوفياتي والصين الماوية وثمانية بلدان اوربية شرقية حيث اجهزة القمع والمخابرات على اشد واقسى من القيصرية والحرمان من ابسط الحقوق المدنية الحريات الانسانية الاساسية كحرية الرأي والمعتقد وعرف الناس من التجربة مثلما شخصه مثقفيهم من النظرية انه حلم ليلة صيف وان الماركسية تصلح فقط كفكر احتجاجي وتحريضي وتفتقر لادوات بناء دولة عصرية واقتصاد مزدهر وهي شعارات ومقولات احتجاجية لاغير وتفشل عندما تصل للسلطة كونها قائمة على شعارات واحلام طوباوية وشعبوية تفتقر لنموذج دولة بديلة للديمقراطية وادوات تطوير اقتصاد مزدهر دائم النمو كالرأسمالية ومنه افل نجم الماركسية ومنذ السبعينات في العالم وانتهت واقعيا كتيار يساري شعبي منذ فشل تجاربهالاالاقتصادية ونموذج الانظمة الديكتاتورية القامعة التي اقامتها ولم يبق من الماركسية اليوم الا تراثا متحفيا لديكتانوريين قمعيين من قاد تجاربها ودولها، ومادة دسمة لليمين للاساءة لليسار ، كما هي مادة مفيدة لليسار للتحليل ومعرفة اسباب اخفاق الطروحات اليسارية الماركسية وربما الدروس الهامة التي لم يعيها ماركسيونا لليوم في العالم العربي مثلا الماركسية لاتمتلك حقا نموذجا لبناء دول ونظم ديمقراطية عصرية ذات حريات وحقوق مدنية ، كما انها لاتمتلك نموذجا لبناء اقتصاد متطور مزدهر دائم النموكالذي قدمته واقامته بنجاح الرأسمالية ، ومنه فانصرفلت االشعوب غربها وشرقها عن الماركسية واختفت كممثل لليسار فهي لاتشتري يسارا يقمع حرياتها ويجعل اقتصادها متخلفا كما لم تعد تصدق بعد اليوم بمقولات على تخوت من رمال بل على اسس ملموسة واقعية وليست شعارات طوباوية . هذه كانت تجربة اول تراجع فكري لليسار الذي قادته في القرن العشرين الماركسية ويمكن اجمال اسباب التراجع بكلمتين لايقام عيش الناس على طروحات تقام على تخوت من رمال ،بل تطالب اليسار بحلول واقعية لاتمس حرياتهم بل تعمقها ،واقتصاد لا يفقرهم بل يزيدهم رفاها ، وهذا ما راهن عليه الناس عند تحولهم للحماس والتصويت لاحزاب وفكر ومنهج اليسار الليبرالي.


3. اسباب فشل الاجتياح اللببرالي المعاصر
تصوراليسار الليبرالي الذي يتخذ كمنهج له في تعميق الحقوق والحريات ونظم الديمقراطية وتطويرنظم العدالة الاجتماعية الى نظم الرفاه الاجتماعي باقتصاد منفتح ومزدهر ان العالم مقبل على انفتاح كبير خصوصا بعد انهيار الاتحادالسوفياتي ونظم الديكتاتوريات في فلكه في شرق ووسط اوربا ، ان منهج اليسار الليبرالي المتحرر سيسود العالم وحان الوقت لازالة الحدود بين الشعوب وان على الدول الغنية نقل التصنيع والخبرة للدول الفقيرة لمساعدتها على تحسين حياتها وتطوير اقتصادها كما والغاء التمييز القومي والديني والترحيب بملايين الناس من شتى الاصناف الى البلدان المتطورة الغنية، فالعصر هو عصر الانفتاح الانساني والازدهار الاقتصادي قد حل بانتهاء الحرب الباردة التي استنزفت موارد هائلة في الميزانيات العسكرية الضخمة وحان وقت تحويل استخدامها للرفاه داخليا ولمساعدة البلدان النامية وتلك التي خرجت للتو من الديكتاتورية بتطوير اقتصادها وباقامة نظم الديمقراطية وغيرها من الطروحات الحالمة المتفائلة التي يحسن اليساريون صياغتها ( ولكن بنفس الوقت لا يقومون بدراسة اثارها ومترتباتها في الواقع ومنها تأتي حالمة تماما كالماركسية). وهكذا كان، ففي اميركا مثلا كان كل رئيس اميركي ديمقراطي مثل كلينتون واوباما ينهي رئاسته باصدار مرسوم بتجنيس خمسة او سبعة ملايين مهاجر غير شرعي اتهمهم خصومهم القوميون من الحزب الجمهوري انهم يستخدمونهم لزيادة وزنهم الانتخابي لاغير على حساب السكان من اصل اوربي وصاروا يؤلبون عليهم وعلى الليبرالية ، ومثلها استفزوا المتدينين بتشريع زواج المثلية وحق التبني وجعلها ثقافة في المناهج الدراسية باعتبارهم اقلية مظلومة بل وعدم ذكر جنس الطفل المولود رغم ارادة الوالدين وترك الامر لخياره عندما يكبر وهو طفلهما وليس طفل الدولة الليبرالية ، وفي الاقتصاد ولدت في التسعينات نموذج النيوليبرالية حيث تنقل المصانع انتاجها للصين ودول جنوب شرق اسيا وجميعها معفية من الضرائب كونها نامية واقامت منظمة التجارة الدولية التي ازالت الحواجز امام نقل التصنيع والاستثمارات وهو ما اثار الطبقة العاملة المحلية والتي رأت انها مهددة بوجودها وصناعتها وحرفيتها فانحازت لليمين المنغلق ..وهكذا امثلة عديدة وفي كل مجال من ممارسات راديكالية تنطلق عن شعارات طوباوية حالمة وكأن الارض مجتمع ملائكة وليس بشرا ذوي مصالح وعقائد مختلفة وخير ما ينهي اية اطروحة تجربة في الواقع ومهما كانت انسانية الدوافع هو طوبيتها ( أي ابتعادها عن الواقع ) وتطرفها في تطبيقها السريع. نفس الامر حدث في اوربا الغربية حيث استقبلت ميركل الليبرالية التوجه ( رغم قيادتها للحزب الديمقراطي المسيحي) مليون سوري عام 2015 وقبلها وبعدها ملايين من اللاجئين من مختلف بلدان العالم ، ومثلها في فرنسا وبقية البلدان التي تشهد اليوم انتفاضة على الليبرالية واندفاعا نحو القومية اليمينية والمتطرفة .
ان التراجع الليبرالي جاء دون شك نتيجة للتطرف الليبرالي اليساري.‏ وربما حان الوقت ليدرك هذا اليسار، ومن قراءة التجارب التاريخية، ان اي تطرف يساري سيحيي قوى التطرف اليميني القومي والديني المتحالفان معا ويعيد لها الحيوية والنشاط فحجمها التطرفي اعظم واكبر من حجم اليسار المتطرف باضعاف مما يدخرونه من مخزون ديني وتراث قومي قديم طالما يستخدمه اليمين الشعبوي لترويج دعاياته وطروحاته، فها هم يريدون اعادة اميركا لعظمتها قبل هجمة المهاجرين اللاتين على حضارتهم وسرقة الصين لتكنولوحياتهم وصناعتهم وفرنسا لاستعادة مجدها القومي وثقافتها الرفيعة من الاسلامويين والافارقة والمانيا لجرمانيتها التي شوهها السوريون والالبان والافغان وامثالهم وهل تحتاج الطبقة العاملة الغير متعلمة والبروليتاريا الرثة الساخطة من خطاب تحريضي غير وضع تخلفها على المهجرين والمهاجرين وتشويه حضارتهم العريقة ( دخل المهاجرين من الهند الى اميركا يفوق 101 الف دولار سنويا للفرد وجلهم تكنوقراط قياسا بالمتوسط العام 74 الف دولار للفرد الاميركي وهو ضعف دخل البروليتاريا الرثة تقريبا ومنه تجد سواق المتورسيكلات من ماركة هارلي دافيدسون بطبعات التاتو يحملون دوما شعار ماغا " اميركا اولا" وهذا ربما يفسر صعود ترامب والشعبويين من اليمين القومي والديني الانكليكاني المتحالف مع الطبقة العاملة والبروليتاريا الرثة، ومثلها ربما في المانيا وفرنسا وغيرها.
4. التحضر المتسارع يمهد للرجوع للخلف
لايعود تراجع اليسار الليبرالي فقط لتطرف الطروحات ألليبرالية بازالة الحواجز بما فيها القومية والاقتصادية بدفعات سريعة والتي دفعت بطبقات واسعة من الوسط العازل المتضرر المتذمر من هذه الاصلاحات وخصوصا الطبقة العاملة والبروليتاريا والقوميين والمتدينين وجزء واسع من الطبقة الوسطى المعتدلة للميل نحو اليمين بل وحتى للمتطرف منه والتصويت له لمجابهة الانفتاح الليبرالي العابر للحدود والقوميات والامم ،ومنها نقل التصنيع للصين وجنوب شرق اسيا، او الانفتاح الاجتماعي وفتح الحدود امام الملايين مما خلق رعبا ان الثقافة القومية ستذوب وتختفي ( مثلا وصلت نسبة 35 % من سكان كاليفورنيا من اصل لاتيني وقرابة 50 % منهم لايستعمل الانكليزية كونه لايجيدها).
وهناك سببا اخر اكثر عمومية من هذه واكثر اهمية ساهم بتراجع الناس عن الليبلاالية وهو مايمكن تسميته "التسارع التكنولوجي والتغريب الكبير" الذي فاق مايمكن للانسان العادي ابتلاعه وهضمه من التطورات في فترة وجيزة ، فهو قدغير نمط الحياة والعلاقات والاعمال بشكل سريع دفع فئات واسعة من الناس وخاصة متوسطي السن وكباره للاحتجاج بتغير نمط العيش والعمل والحياة التي اعتادوا عليها خلال مئة عام من العمل في الصناعية والحرف والمهن التي اعتادوا عليها ووجدوا انفسهم ان الحضارة الليبرالية المنفتحة على كل شيئ قد لفظتهم وبدأت تظهر نتائجه بالميل والحنين للقديم ، للتراث القومي والروحاني الماضي ويلومون الطروحات الانفتاحية الليبرالية والتكنولوجيا الاكتساحية معها كواحد مترابط ومنه ومع زيادة القدم في السن تزداد اعداد المصوتين للشعارات والطروحات الشعبوية المضادة لليبرالية التي تتبناها الحركات والاحزاب القومية اليمينية المتطرفة بشعبويتها التي تتبنى الرجوع للجذورالعنصرية والدينية وترى فيهم القوة التي تقف بوجه الليبرالية الانفلاتية وترجع مجتمعاتهم لسابق عهدها وتراثها وطريقة حياتها التي اعتادوا عليها. ان هذا الاحتجاج على " التسارع الليبرالي والتكنولوجي" الذي فاق سرعة بلعه وهضمه من الناس هو احد الاسباب الهامة لتأييد طروحات اليمين الشعبوي القومي والديني، وكلما كان اكثر تطرفا في مجابهة الليبرالية كلما كان اكثر دواء لجروحهم ومنه تحولهم من مناصرة الاحزاب والحركات القومية المعتدلة الى اليمين المتطرف واصبحوا اليوم يتهمونها انها غطاء قومي لليبرالية ، وخذ مثالا من صعود حركة البديل الالماني ومثلها حزب لوبان في فرنسا وهي حركات يمين متطرف قياسا للحزب الديمقراطي المسيحي المعتدل او الحزب الديغولي الجمهوري اللذان يصارعان اليوم للبقاء في السلطة او للابقاء على ماتبقى من شعبيتهما تجاه صعود حركات اليمين القومي المتطرف. اما في بلدان اوربا الشرقية فيعود الحنين لنموذج الكسل الاشتراكي ممزوجا بالحقد على اممية الماركسية زمن الاشتراكية مما ولد عنصرية مضاعفة تجاه المهاجرين خاصة ومنه فوز متكرر لاحزاب اليمين القومي والعنصري في جميع بلدان اوربا الشرقية تقريبا.
5. هل تراجع الليبرالية الحالي ربما يؤدي لانهيارها
ان الليبرالية كفلسفة للحكم لايمكن ان تنهار بتراجع الاحزاب الليبرالية كون مبادئها مترسخة في كل دساتير الدول المتحضرة وهي التي شكلت ومنذ عصر التنوير الشكل القانوني واليات عمل ووظائف ممارسة السلطة في الدول المعاصرة انما التراجع الذي نشهده هو مواجهة للتطرف الليبرالي بالتطرف اليميني هو الاقرب للواقع ، وهي اشبه ماتكون دورة صراع " لأعادة التوازن " بعدما قطعت الليبرالية شوطا كبيرا في نهجها التحرري الانفتاحي جعلها مسافة ابعد عما يستوعبه الناس قدرة فانقلبوا عليها احتجاجا . وربما سنشهد وخلال السنوات المتبقية الثلاثة لحكم ترامب تحولات كثيرة نحو اليمين القومي ولكن الاية ستنقلب على ترامب وعلى اليمين بعدما يلمس قطاعا واسعا من الناس ان وعود ترامب واليمين الشعبوي عموما اتت وبالا عليهم وصارت عبئا عليهم اوعلى مستوى معيشتهم اوقيمهم الانسانية فيرجعون لليبرالية بدعوة لانقاذهم من هذا اليمين، هذا اذا احسن الليبراليون استخدام اخطاء اليمين وفشله في تحقيق وعوده وبرامجه كما انهم سيعدون الناس انهم لن يكرروا زيادة الجرعة الليبرالية وخفض درجة تطرف طروحاتها الطوباوية .

سيتم في الجزء القادم مناقشة اسباب تراجع اليسار العربي مناقشة سبل اعادة دور اليسار في المنطقة ويتم طرح قراءة في امكانية اعادة نهوضه اليسار ولكن بمحتوى جديد واسس جديدة تفرض نفسها عليه لاعادة نهوضه واعادة هيبته ودوره في المنطقة وتحضر مجتمعاتها.
يتبع
د. لبيب سلطان
8/10/2025



#لبيب_سلطان (هاشتاغ)       Labib_Sultan#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتاج : مشروع نهضوي لتشغيل الشباب في مشاريع انتاجية
- مستقبل حرب اوكرانيا ستغير صورة العالم
- بعثيو التشيع في العراق
- مداولة حول حرب اية الله وناتنياهو ونتائجها
- مشترك ألحرب الجنونية على اوكرانيا وغزة
- لماذا يخسر اليسار الوطني العراقي في الانتخابات
- انهيارسياسات ترامب بعد مئة يوم في الرئاسة
- فهم حضارة العالم المعاصر-2
- فهم حضارة العالم المعاصر-1
- أين يلتقي الماركسيون العرب ‏والسلفية الاسلاموية
- هل ستقود بريطانيا انقاذ العالم مجددا من الفاشية
- حلول الريفيرا والمناجم وخيال السريالية الفاشية
- شهادة بولادة محور ترامب - بوتين
- قراءة الغرائز السياسية في ترامب شو
- مطالعة في نشأة الديانات الابراهيمية
- عرس لبنان ودلالاته الكثيرة
- دستور جولاني
- أرفع راسك فوق انت سوري حر*
- صورتين للصين
- مداولة في وقائع اسقاط نظام الاسد


المزيد.....




- ماذا كتب في المذكرة التي تسلمها ترامب قبل إعلانه عن قرب التو ...
- ترامب يشيد بتقدم مفاوضات إنهاء حرب غزة ويعلن احتمال زيارته ل ...
- مباشر: البيت الأبيض يستعد لإصدار نص إعلان ترامب حول اتفاق غز ...
- عامان على الإبادة.. ترامب يشير إلى اتفاق وشيك وأنباء عن إصاب ...
- بين التفاؤل الأميركي والمماطلة الإسرائيلية: إلى أين تتجه مفا ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: الاتفاق قيد الصياغة النهائية مع الطرفي ...
- جيل زد يطيح بالحكومات، فهل تستطيع الاحتجاجات عبر مواقع التوا ...
- نيويورك تايمز تعيد تتبع مصير 700 غزي بعد عامين من الحرب: لا ...
- ترامب يلوّح بزيارة الشرق الأوسط نهاية الأسبوع .. هل اقترب ات ...
- إسبانيا: البرلمان يقر قانونا يحظر استيراد الأسلحة وتصديرها م ...


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لبيب سلطان - لماذا يتراجع اليسار في العالم