أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسمة الصباح - سطر يتيم














المزيد.....

سطر يتيم


بسمة الصباح

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 03:11
المحور: الادب والفن
    


جلستُ أمام طاولتي، والظلال تحوم حولي كأفكار تائهة .
لم أفتح الدفتر بعد، لكن الورق بدأ يكتبني ؛ويسحبني إلى داخله، ويملأ عروقي بحبرٍ يشبه أصواتًا بلا لسان، ويجعلني أشعر أنّ جسدي صفحةٌ تنتظر السطر القادم.

يديّ لم تعد طوع أمري؛ ترتعشان كأوراق خريفٍ في كتابٍ قديم، وكأنّهما تعرفان ما ستكتبان قبل أن أعرف أنا.
والهواء نفسه صار يوشوش وجهي بكلماتٍ لم أنطقها ولا أعرفها، ويحوّل الحروف إلى قيودٍ تلتفّ على معصمي.

غرفتي تغيّرت؛ فالجدران تهمس، والأثاث يتململ، والسقف يلمع كصفحةٍ مقلوبة.
حتى الجوع بداخلي لم يعد جوعًا كالسابق،وأصبح كتابةً تنهشني من الداخل، وأقلامي المتناثرة صارت رئاتٍ تتنفّس الفراغ من حوالي.

أنظر باستغراب إلى مرآة غرفتي الكبيرة فإذا بها لم تعد ثابتة؛ تتحرك، تبتلعني شيئًا فشيئًا، وتلتهم حدود جسدي، وتعكس وجهي في طبقاتٍ متراكبة تتصارع على تعريف من أكون؟!
كل طبقة تمحو الأخرى، وكل انعكاس ينجو جزئيًا ويختفي في فمها اللامتناهي.
لأصبح كصفحاتٍ تتلاشى، وحروف تتشظى.
وأنا أرى نفسي أذوب بين صمتها المتحرك ونُسخي المتصارعة.

قلمي لم يعد أداةً بيدي؛ فهو الذي يمسكني، ويقودني إلى كلماتٍ تنحتني من الداخل.
وأصابعي تتحوّل إلى أبوابٍ صغيرة، وكل باب يئنّ حين يُفتح.
أما أوراقي فتضحك بصمت حين أغلق عيني عليها، وتبتسم للفراغ كما لو كان الامتلاء مجرد وهم.

دوائر كثيرة من صمت تحيط بقلبي؛ تكبر، وتنفجر، ثم تعود لبداياتها.
وكل نبضة تبدو علامةً مكسورة، وكل نَفَس يذكّرني بأنني أذوب بين كلمات لم تُكتب بعد.

أحاول الإمساك بالكتاب، فينفلتُ مثل سراب، تاركًا في يدي فراغًا دافئًا.
أحاول القبض على كلمة منه، فإذا بي أكتشف أنني الكلمة ذاتها، والجملة العالقة بين بدايةٍ لا تنتهي ونهايةٍ لا تُغلق بنقطة في آخر السطر.

وعندها فهمت:
أنا لستُ ورقةً فقط. فالحبر صار دمي، والصفحة روحي، والفراغ جلدي المترفّع عن الزمن.
واكتشفت بأن النهاية هي انصهار وتحولّ:
أن أكون كل الكلمات التي لم تُقل بعد، وصدىً يتردد في صمت الأزمنة، وانعكاسًا يتحرك مع المرآة، لا بداية لي ولا نهاية.
مجرد نبضةٍ تبتلع نفسها وتعيد الولادة في كل صفحة، وسطرٌ يتيمٌ يكتبني بلا توقّف..
وأصبح أنا المكان الذي يقرأني، والظل الذي يظل يلتفّ حولي حتى يغدو الكتابُ نفسي.



#بسمة_الصباح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاء الكلام
- انتقام الصمت
- حواء
- حين تسكنني الغيوم
- العنوان صرخة النص الأولى
- المجاز بين الحقيقة والحنين
- ندم
- مفترق الكرى
- من إلاكَ قصيدة
- محمود البريكان بين العزلة والتأمل الجزء الاول
- الرواية بين القمع والحرية
- نقاء
- سراب
- رؤية نقدية لقصيدة كاظم حسن سعيد ابو مسلم الخرساني الزهروي
- محمود البريكان بين العزلة والتأمل
- حار القصيد
- عربية أنا
- قراءة نقدية لنص روح في علبة سردين
- تراتيل العشق الأزلي
- ربما


المزيد.....




- استقالة مفاجئة لأشرف زكي من نقابة المهن التمثيلية استعدادا ل ...
- سعيد يقطين: أمريكا توجه دفة الإبادة والتطهير العرقي بدعمها ل ...
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- -شومان- تستعيد أمجد ناصر: أنا هنا في لغتكم
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- سطو -سينمائي- بكاليفورنيا.. عصابة تستخدم فؤوسا لسرقة محل مجو ...
- فيلم -ني تشا 2-.. الأسطورة الصينية تعيد تجديد نفسها بالرسوم ...
- تعاطف واسع مع غزة بمهرجان سان سباستيان السينمائي وتنديد بالح ...
- -ضع روحك على يدك وامشي-: فيلم يحكي عن حياة ومقتل الصحفية فاط ...
- رصدته الكاميرا.. سائق سيارة مسروقة يهرب من الشرطة ويقفز على ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسمة الصباح - سطر يتيم