أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسمة الصباح - الرواية بين القمع والحرية














المزيد.....

الرواية بين القمع والحرية


بسمة الصباح

الحوار المتمدن-العدد: 8295 - 2025 / 3 / 28 - 19:38
المحور: الادب والفن
    


أدبٌ يُراقب ولا يُقيّد

إنّ الرواية، منذ أن خطّت أولى صفحاتها، لم تكن مجرّد كلمات تُنثر على الورق، بل كانت دائماً مرآةً تنعكس عليها وجوه المجتمعات، وميداناً يُصارع فيه الفكر قيود الاستبداد.

ولعلّ أغرب ما في هذا الأدب أنه يُطارد في أكثر بقاع الأرض، فيُحظر، ويُراقب، ويُصادر، بينما تبقى الأشكال الأخرى من التعبير، كالشعر والمسرح، بعيدةً عن ذات الدرجة من القمع، وإن لم تكن بمنأى عنه.

لقد دأب الروائيّون على التمهيد لرواياتهم بعبارة تبرئةٍ معلومة: إنّ جميع الأحداث والشخصيات في هذه الرواية من صنع الخيال، وأي تشابه بينها وبين الواقع هو محض مصادفة.
فهل حقاً يسعون إلى النأي بأنفسهم عن نصوصهم، أم أنّ هذه العبارة ليست سوى درعٍ يحتمون به من سيف الرقابة المسلط؟ إنّ السلطة، في جوهرها، لا تخشى الكلمة، بل تخشى الحقيقة التي تلبسها الكلمة، وحين تكون الرواية زجاجاً شفافاً يعكس عيوب الواقع، تصبح بذلك في مرمى نيران المستبدين، فيسعون إلى تكميم أفواه الحروف كما يُكمّمون أفواه أصحابها.

كانت ومازالت الرواية تحت وطأة الاستبداد:
ليس غريباً إذن أن تكون الرواية الفنّ الأكثر ملاحقةً من قبل الأنظمة القمعيّة، فالتاريخ حافلٌ بالأمثلة: مدام بوفاري في فرنسا، التي وُجّهت إليها تهمة الإساءة إلى الأخلاق العامة.
أو الأعمال التي لم تجد طريقها للنشر إلا سرّا ً في القرن الثامن عشر، حين كانت القوانين الفرنسية تضيق على حرية التعبير.
وإن كان الغرب قد شهد تحوّلات مكّنته، في نهاية المطاف، من تقنين حرية الأدب، فإنّ الشرق ظلّ أكثر التصاقاً بالعسف السلطوي، حيث تغدو الكلمة جرماً، والجملة سيفاً، والكاتب عدوّاً للدولة.

في الشرق كما في الغرب، في الصين كما في أمريكا اللاتينية، يهرب الروائي من وطنه، لا طلباً للراحة، بل فراراً من السجن أو الملاحقة القضائية، أو الموت، أو ربما محارق الكتب.
وكأمثلة على هؤلاء الأدباء:
غائب طعمة فرمان، عبد الرحمن منيف، إيزابيل الليندي، أوغسطو روا باسطوس، وماريو بينديتي…
أسماءٌ حملت معها أقلامها إلى المنافي، لا لتتخلص من أوطانها، بل لتستطيع أن تكتب عنها بحرية.

وعلى سبيل المثال :
مثّلت رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ..
نقطة جدل بين الأدب والدين، حيث اعترض الأزهر عليها لما اعتبره مساساً بالأنبياء والمقدسات، دون إصدار فتوى رسمية بتحريمها.
رأى نجيب محفوظ فيها عملاً فلسفياً رمزياً، بينما نظر الأزهر إليها بحذر خشية التأويلات الخاطئة. أدى ذلك إلى حجب نشرها داخل مصر لعقود، لكنها ظلت رمزاً لصراع دائم بين حرية الفكر وسلطة المؤسسة الدينية، حيث يقف الأديب مفككاً للمسلّمات، بينما ترى المؤسسة نفسها حارسةً على الثوابت.

وإن كان الشعراء والمسرحيّون قد ذاقوا مرارة القمع، فإنّ الرقابة، بعينها المفتوحة وقبضتها الغليظة، كانت موجهةً دوماً نحو الرواية، لأنها تملك من الزمن والسرد والتفاصيل ما يجعلها قادرةً على تفكيك الأنظمة، وفضح خفاياها. فالرواية ليست مقطعاً عابراً كقصيدة، ولا صرخةً منفردة كمسرحية، بل هي حياةٌ كاملة تمتدّ بين دفّتين، تتوغل في الوعي الجمعي، وتزرع بذور الشك والرفض.

ورغم كلّ هذا القمع، فإنّ الرواية ظلّت الأكثر حضوراً في تاريخ القراءة، وكأنّها بقدر ما تُحاصَر، بقدر ما تتجذّر في نفوس القرّاء.
ولعلّ هذا دليلٌ على أنّ الإنسان، بفطرته، ينحاز إلى الحقيقة، حتى لو كانت تلك الحقيقة ممنوعةً، ومختبئةً بين صفحات كتاب، تتداولها الأيدي خلسةً، وتُقرأ في العتمة بعيداً عن العيون.

والعجب كلّ العجب، أن يتجلى صراع الرواية والسلطة بهذا الشكل الواضح عالمياً، وكأنّ جميع الأنظمة الاستبدادية قد اتفقت، بغير اتفاق، على أن الرواية هي عدوّها الأول، وأنّها إن تُركت حرّةً، فقد تكون أوّل مسمارٍ يُدقّ في نعش الاستبداد.
لكنها، رغم ذلك، لم تستطع أن تنتصر عليها، فكم من كتابٍ حُظِر، فإذا به يصبح أيقونةً في تاريخ الأدب؟
وكم من روائيّ نُفي، فإذا بأعماله تتصدّر وجدان الأجيال التالية؟

إنّ القارئ، على الدوام، يثق بالرواية أكثر من ثقته بالسلطة، لأنه يعلم أنّ الرواية تُحاكَم، أما السلطة فلا تُحاكِم إلا لتُخيف.

ومن هنا، فإنّ الرواية ليست مجرّد عملٍ أدبيّ، بل هي مقاومةٌ مكتوبة، تُنازل القمع بالكلمة، وتنتصر عليه بالبقاء.



#بسمة_الصباح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقاء
- سراب
- رؤية نقدية لقصيدة كاظم حسن سعيد ابو مسلم الخرساني الزهروي
- محمود البريكان بين العزلة والتأمل
- حار القصيد
- عربية أنا
- قراءة نقدية لنص روح في علبة سردين
- تراتيل العشق الأزلي
- ربما
- آيات الحب
- عناقيد الأماني
- صغيرة مشاغبة
- العشق البدائي
- حلم جميل
- سلطان الحب
- ضفاف قصيدة
- طقوس الفراق
- عبق الذكريات
- العلاقة بين الفلسفة والادب
- جمان


المزيد.....




- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...
- فيلم -ساحر الكرملين-...الممثل البريطاني جود لو لم يخشَ -عواق ...
- معبر رفح بين الرواية المصرية الرسمية والاتهامات الحقوقية: قر ...
- رواية -رجل تتعقّبه الغربان- ليوسف المحيميد: جدليّة الفرد وال ...
- وحش الطفولة الذي تحوّل إلى فيلم العمر.. ديل تورو يُطلق -فران ...
- جود لو يجسّد شخصية بوتين.. عرض فيلم -ساحر الكرملين- في فينيس ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسمة الصباح - الرواية بين القمع والحرية