|
فى فلسفة -الوجدان الدولى الجديد- .. ومستلزماته (3/2) [الملائكية الفكرية والنبوة الجديدة - مكانة بلدان الشمال والجنوب]
محمد رؤوف حامد
الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 22:47
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
فيما سبق، وعلى مدى أسابيع، بدءا من العاشر من يوليو 2025 ، صدرت أربع مقالات تشير إلى وجودية "الوجدان الدولى الجديد" وإلى بعض أبعاده. المقال الأخير (أى الرابع) إختص بفلسفة هذا الوجدان. ونظرا للطول النسبى لهذا المقال (الأخير) فقد جرت تجزئته إلى ثلاثة أجزاء. كان المقال الأخير قد حمل العنوان التالى: [فى فلسفة "الوجدان الدولى الجديد" .. ومستلزماته (1/3)]. لقد تضمن هذا المقال إشارة توثيقية للمقالات الثلاثة الأسبق، وبعدها تمهيد، ثم معالجة للموضوعين التاليين: أولا - الظواهر العالمية الغالبة فى زمن بزوغ الوجدان الدولى الجديد. ثانيا – تاريخية عراقة وضخامة عُهر التظام الدولى.
وهكذا، الآن، فى التناول الحالى، والذى يمثل الجزء الثانى من المقال الرابع، يجرى الطرح لموضوعين يختصا بكل من "الملائكية الفكرية والنبوة الجديدة"، و"مكانة بلدان الشمال والجنوب"، وذلك كمايلى:
ثالثا – الوجدان الدولى مابين "الملائكية" الفكرية و"النبوة" الجديدة:
لم ينشأ الوجدان الدولى الجديد بالمصادفة، ولابسهولة. لقد تصاعدت بشدة معانات سكان المعمورة من سؤات النظام الدولى على مدى عقود. كان الحس الثقافى العام عند شعوب بلدان الشمال مصدقا، أو - على الأقل - غير معاديا، لتوجهات الأنظمة السياسية التى تحكم هذه البلدان، الوضع الذى تصدع على إيقاع أحداث غزة.
المفكرون الملائكة: واقعيا، منذ النكبة (1948)، وخاصة فيمابعد 1967 ، لم يكن الحق الفلسطينى، وبرغم التعتيمات والإلتفافات الإعلامية / السياسية، بواسطة التضافريات الغربية مع الصهيونية، غائبا عن عديد من المفكرين والخبراء، من الكتاب والأكاديميين المرموقين، خاصة فى الشمال. ذلك أنه، من منصات التخصص والمنطق الفلسفى / الإنسانى، واعتمادا على الوعى بالمعارف التاريخية والسياسية، كان قد ظهر فى العالم مفكرون وخبراء يجتهدون فى إلقاء الضوء على التوجهات والممارسات العنصرية للكيان الإسرائيلى ضد فلسطين وأهلها. من هؤلاء المفكرون العظماء يهود (بعضهم من إسرائيليي الجنسية)، وأيضا منهم آخرين من غير اليهود.
من أبرز الأسماء فى هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى أستاذ المنطق الرياضى والفلسفة برتراند رسل Bertrand Russel / بريطانى (1872 - 1970) – الفيلسوف والكاتب روجيه جارودى Roger Garaudy / فرنسى (1913 - 2002) – أستاذ اللغويات ناعوم تشومسكى Naom Chomsky / أمريكى (1928 - ...) – أستاذ القانون الدولى ريتشارد فالك Richard Falk / أمريكى (1930 - ...) – الفنانة السينيمائية فانيسا ريدجريف Vanessa Redgrav / إنجليزية (1937 - ...) - أستاذ العلوم السياسية جون ميرشينمايرJohn Mearsheimer / أمريكى (1947 - ...) - الباحث والكاتب فى العلوم السياسية نورمان فنكليشتين Norman Finkelstein/ أمريكى (1953 - ...) – الصحفى والإعلامى جيديون ليفى Gideon Levy / إسرائيلى (1953) - أستاذ الإقتصاد (وخبير الشأن العام الدولى) جيفرى ساكس Jeffry Sachs / أمريكى (1954 - ...) – أستاذ التاريخ إيلان بابيه Ilan Pappe / إسرائيلى (1954 - ...) - الصحفى والمعلق كريس هيدجر Chris Hedger / أمريكى (1956 - ...). هذا، وتجدر هنا الإشارة أيضا إلى مفكرين مصريين كان لكل منهما مساهماته فى نفس الإتجاه، وهما جمال حمدان (1928 – 1993)، وعبدالوهاب المسيرى (1938 - 2008).
كافة هؤلاء المفكرون والخبراء، وآخرين من أمثالهم، ترفع لهم القبعات. لقد قاموا (ولازال الأحياء منهم يقومون) بواجباتهم الفكرية، من منصة ما تمليه عليهم ضمائرهم، وفى تحد عظيم للظروف المعادية لهم ولأمانتهم. هذا، وبرغم الإجتهادات المعرفية / الفكرية والمواقف الرصينة المتعددة التى صدرت عنهم إلا أنها لم تكن، خاصة فى ضوء الهيمنات الصهيونية على الإعلام الغربى، بالكافية للتأثيرفى الرأى العام الدولى بالقدر الذى يُنشىء مطلبا عالميا بردع أصحاب المصالح الإستعمارية وتآمراتياهم على الحق الفلسطسنى.
كان هؤلاء المفكرون والخبراء (ولازال الأحياء منهم) يحلقون فى سماء الحق برؤاهم ومواقفهم، ولايأبهون إلا بصدقية المعرفة، متحملين،وغير عابئين، لما يلقون من عنت، والذى وصل إلى حد عرقلة المسارات الحياتية لبعضهم. باختصار هم كالملائكة فى اعتمادهم الأساسى على الحق والحقيقة، الأمر الذى تجلى فى الموقف المعرفى المستقيم، الصريح (والعملى أحيانا) فى التصدى، والكشف، للجرائم الصهيونية.
لذا، كان - ولازال - لرؤى ومواقف وممارسات هؤلاء المفكرون الملائكيين تأثيراتها فى المسارات المعرفية بخصوص استكشاف وتأصيل الحقيقة.
الإلتزام الفكرى الإنسانى / الملائكى الراق لهؤلاء المفكرين يُعد، فى كل الأوقات والظروف، بمثابة شعاع ضوء ينير الطريق للآخرين. من هذا المنظور، وبالإعتبار لجداراتهم، فكريا وإنسانيا، يستحق الأمر أن تصدر بشأن أدوارهم ومساهماتهم أعمال توثيقية (أفلام و/ أو كتب)، والتى يمكن ان يكون لها تأثيرا عميقا فى دعم ثقافة الشأن العام العالمى.
الأنبياء الجدد: من جانب آخر، فقط، كانت أحداث غزة بمثابة الجرس الأكبر، المُنبه لكافة الشعوب، بأن الجميع فى خطر، وأن اللاإنسانية (أو الشيطانية) المطلقة التى تمارس ضد غزة كاشفة لعهر النظام الدولى، والذى، فى حال استمراره، ستصل تبعاته إلى الجميع، بل وسيحطم الكرة الأرضية من خلال أنانية المهيمنين على أحوالها.
بزوغ هذه الإدراكات، عند عموم الناس، فى جميع أنحاء العالم، أدى إلى تحرر الوعى، وتحريك الضمير، الأمر الذى قاد إلى تصاعد حمية الضمير الإنسانى الشعبى العالمى، وبزوغ صحوته. لقد جرى ذلك (ولازال يجرى) بقدر يكاد لم يحدث على مدى التاريخ . تلقائيا، صاغت هذه الحركيات مسارا لنشأة الوجدان الدولى الجديد (الوجدان الدولى الجديد .. تضاريسه ومجالاته – الشروق 10 يوليو 2025).
معنى نشأة هذا الوجدان، واستمراره، وتجدده، وتعاظمه، أن عموم الناس صاروا يدركون "معا" أن لديهم "معا" واجبات عليهم القيام بها "معا".
رؤى ومواقف إنسانية عديدة ساهمت فى نشأة نقطة التحول "الإنطلاقى" العالمى إلى هذا الوجدان. هذه الرؤى والمواقف الإنسانية ترقى إلى مستوى ممارسات النبوة. إنها لم تنجم عن تكليفات مباشرة من ديانات سماوية أو أرضية معينة، أو من معتقدات فلسفية بعينها، وإنما قد وُلّدت من "ضمائر" نمت وترعرعت فى ظل التراث الإنسانى العام، والمحمل بالجوهر الإيمانى الإنسانى المشترك، والعابر لكافة الأديان والمعتقدات والخبرات.
بدأت هذه النبوة الجديدة ببزوغ الرواد من الأنبياء الجدد، وبما صدر عنهم من رؤى، وما مارسوه من مواقف. كانت نشأتهم كأنبياء جُدَد نشأة فردية، تعتمد على فاعليات الأحاسيس والإدراكات والخبرات، فى إطار مالدى كل منهم من معلومات، وحقائق. كانت ضمائرهم تدفعهم إلى تحمل المسؤلية، مهما استفحلت العواقب.
لهؤلاء الأنبياء الأفراد "الرواد" فضل دفع عجلة الوجدان الدولى، الأمر الذى قاد إلى توالد سلاسل من الأنبياء الجدد، والتى صارت بمثابة "جماعات نبوة" إنسانية، يأتى تجمعها فى عمل إنسانى محض، يقومون به معا، وبصرف النظر عن أية خلفيات، دينية أو عقائدية أو جنسية أو جندرية أو عمرية ..إلخ. ذلك أن المصلحة الرئيسية الوحيدة التى تجمعهم تتمثل فى حماية الإنسانية من شيطانية أعدائها، وتحديدا شيطانية صناع ورعاة سرقة فلسطين، وتدمير غزة، وإبادتها، شعبا وكيانات. الأعمال الإنسانية لجماعات النبوة الجديدة غاية فى التنوع. من أكثرها شيوعا التظاهرات، والوقفات الإحتجاجية، وقوافل الإغاثة، والقوافل البحرية والتى تتكرر محاولاتها تصميما على المساهمة فى الدفاع عن غزة وحمايتها.
هذه النبوات الجماعية المتواصلة، والمتزايدة، وبرغم كل الموانع التى تمارسها إسرائيل وحلفائها من أنظمة الغرب، تسطر حروفا عملية جديدة لأكثر لغات الأرض (أو العالم) إرتقاءا وشرفا، وهى " لغة الإنسانية "، الأمر الذى يُنشىء ثقافة عالمية جديدة.
فيمايلى إشارة إلى بعض الشخصيات الأيقونية كنماذج للأنبياء (الأفراد) الرواد، والذين ساهموا بمواقفهم فى إشعال جذوة التضامن الإنسانى العظيم:
بداية تجدر الإشارة إلى فرانتسيسكا ألبانيز Frannccesca Albanese الشخصية القانونية الأكاديمية، التى بدأت علاقتها بالقضية الفلسطينية مع تعيينها كمقرر الأمم المتحدة لشؤن الأراضى الفلسطينية المحتلة، مايو 2022 .
فى أول تقرير لها، بعد اضطلاعها بمهامها، أوصت المقررة الجديدة الحكومات الأعضاء فى الأمم المتحدة بوضع نهاية للإحتلال الإسرائيلى وما يمارسه من اضطهاد وعنصرية.
لاحقا، بعد طوفان الأقصى، ومع افتضاح شراسة الحرب الإسرائيلية على غزة، ضمّنت ألبانيز تقريرها، المرفوع إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (26 مارس 2024)، الإشارة إلى أن ماتفعله إسرائيل فى غزة هو "إبادة عرقية"، طبقا للقانون الدولى. كان تقريرها يحمل عنوانا بالغ الدلالة والأهمية، Anatomy of the genocide "تشريح الإبادة العرقية". أدت مواقفها فى كشف الجرائم الإسرائيلية إلى تتالى الإنتقادات والإتهامات ضدها، من كل من إسرائيل والإدارة الأمريكية. لم يثنها ذلك عن موقفها، حتى أنها بادرت بإعلان ضلوع أكثر من 48 شركة كبرى فى منافع "بزنسة" من الحرب على غزة، الأمر الذى دفع بإدارة الرئيس ترامب إلى المطالبة بتوقيع العقوبات عليها.
بشأن تصريح الرئيس الفرنسى ماكرون، فى فبراير 2024، بأن 7 أكتوبر يمثل أكبر مذبحة معادية للسامية فى القرن الحالى، عقبت ألبانيز قائلة: لقد قُتل ضحايا 7 أكتوبر ليس بسبب أنهم يهود، ولكن كرد فعل على الإضطهاد الإسرائيلى المزمن للفلسطينيين.
عديدون من أساتذة الدراسات اليهودية فى العالم أشاروا إلى أن ماتتلقاه ألبانيز من انتقادات وتهديدات إسرائيلية / أمريكية إنما يمثل محاولات لدفعها للصمت. فى نفس الوقت، لم تصمت ألبانيز حيث لازالت تواصل الثبات على مواقفها فى كشف وإدانة الإبادات الإسرائيلية لغزة، شعبا ومكانا. إنها لازالت لا تتوانى عن أداء دورها فى هذا الخصوص فى كافة المحافل المعنية.
أيضا تجدر الإشارة إلى بعض الشخصيات الأمريكية، من القيادات الحكومية، التى لم تتقاعس عن الكشف والمواجهة وعدم الرضا بشأن الدور الأمريكى فى ممارسات إبادة غزة وأهلها، مما أدى بكل منهم إلى الإقالة أو الإستقالة.
من هؤلاء جوش بول Josh Paul ، والذى اتهم الرئيس الأمريكى باتباعه سياسة منحازة، قصيرة النظر، غير عادلة، ولاتخدم المصالح الأمريكية.
ومن بينهم ألكسندر سميث Alexander Smith ، والذى أعلن عدم استطاعته ممارسة مهامه فى بيئة يكون فيها بعض الناس غير معترف بهم كبشر كاملين. لقد توصل سميث إلى ذلك الموقف على أثر اكتشافه أن هيئة المعونة الأمريكية اتخذت موقفا معاديا لتقريره المرفوع إليها عن وفيات الأطفال والأمهات فى غزة، مما أدى به إلى الإستقالة. أما عن هاريسون مان Harrison Mann، ضابط المخابرات العسكرية الأمريكية، اليهودى الديانة، فقد اتخذ موقفا بعدم قبول ماتقوم به المؤسسة التى يعمل بها فى دعم إسرائيل. معبرا عن شعوره بالعار لأنه كان قد ساعد من خلال عمله فى تطوير السياسات الأمريكية التى ساهمت فى قتل عمومى للفلسطينيين Mass killing of Palastinians ، الأمر الذى حدث ويحدث فى غزة، حسب قوله.
وبخصوص كبيرة المستشارين فى مكتب الهجرة بوزارة الخارجية الأمريكية ستاسى جيلبرت Stacy Gilbert ، فقد أشارت فى تقرير رسمى، كان قد طُلب منها بواسطة البيت الأبيض، إلى أن "استخدام الأسلحة الأمريكية فى غزة يتناقض مع القانون الدولى الإنسانى". لاحقا، فوجئت ستاسى بحذف هذه العبارة من التقرير، الأمر الذى دفعها إلى الإستقالة.
من جانب آخر، كانت لِيلي جرينبرج كال Lily Greenberg Call أول المستقيلين من اليهود العاملين فى الحكومة، وذلك إعلانا لرفضها الدعم الأمريكى لإسرائيل. لقد وجهت اتهاما للرئيس بايدن باتخاذه اليهود وجها لماكينة الحرب الأمريكية.
وعن استقالتها، أنيللى شيلاين Annelle Sheline ، من العمل فى وزارة الخارجية، فقد أرجعتها إلى أن الرئيس "خرق" القانون الأمريكى بتبنىيه لتسليح اسرائيل، وأنها لاتستطيع خدمة حكومة تدعم الشيطنة. أما هاله راريت Halle Rharrit ، المتخصصة فى شؤن الشرق الأوسط، فقد رفضت العمل فى وزارة الخارجية الأمريكية مشيرة إلى أن " قنابل أكثر تعنى قتل أكثر، ولاتقدم إجابة بشأن ماينبغى أن يكون"، مما يجعلها تدين ذلك.
هذا، وقد كانت أنّا كاستيللو Anna Dil Castillo ، المديرة بالنيابة لمكتب الإدارة والتمويل فى البيت الأبيض، أول العاملين فيه تركا للخدمة بسبب السياسة الأمريكية فى غزة (ابريل 2024).
أيضا، من المستقيلين من وزارة الخارجية كان مايك كاسي Mike Casey ، والذى أرجع سبب استقالته إلى أن الحكومة الأمريكية تدعم مصالح إسرائيل أكثر من تدعيم أمريكا لمصالحها.
وعن ريلي ليفرمور Riley livermore ، المهندس بالقوات الجوية الأمريكية، فقد برر استقالته بأنه لايريد العمل فى شىء يستخدم فى ذبح ناس أبرياء.
هذا، وكان من أبرز من استقالوا من وزارة الخارجية أندرو ميللر Andrew Killer ، مساعد الوزير للشؤن الإسرائيلية الفلسطينية، والذى صرح برفضه لعلاقة الرئيس بايدن بإسرائيل. لقد شبه ميللر هذه العلاقة بعناق الدب Bear hug ، حيث بينما تظهر هذه العلاقة فى شكل ارتباط عاطفى عنيف فإنها قد "تكبس" على الآخر ضغطا بحيث تقضى عليه.
معالم فكرية/إنسانية جديدة: ربما من منظور مكانة النبوة الجديدة، فى الوجدان الدولى الجديد، بأشكالها الفردية والجماعية، وبالأخذ فى الإعتبار لتباين الإنتماءات العقائدية (دينية وغير دينية) للمساهمين فيها، وكذلك تنوع تخصصاتهم فى المهام والإنشغالات الحياتية (طلبة – عمال – موظفين – أكاديميين – إعلاميين – فنانين ..إلخ) فإنه يمكن الإنتباه إلى بعض المعالم الفكرية الإنسانية التى يفصح عنها هذا الوجدان، والتى منها:
أ) أن توَحُد "الناس"، برغم تباين خلفياتهم الحياتية / الثقافية، فى وجدان أساسى مشترك يتعلق بحماية الحق الإنسانى، إنما يعد سلوكا أقرب إلى "الفطرة" التى خُلقوا عليها. ذلك بمعنى أن هذا النضج، فى الرؤية والموقف، يُظهر توحد الناس، وبحيث يمكن القول أنه توحد بين النضج والفطرة، أو أنه " نضج فطرى"، لم تتمكن المصالح الخاصة من تشويهه.
ب) أن هذه الوضعية، عند أهل الوجدان الدولى الجديد، معنى عدم قبول الناس أن يكونوا عبيدا لأية تضافرات و/أو توجهات ضد الإنسانية (من النيوليبرالية و/أو الصهيونية، و/أو غيرهما). هكذا موقف، أو هكذا اتجاه، يعنى بداية نوعية جديدة لمسار تصحيح الشأن العام العالمى.
ج) مع فكر الوجدان الدولى الجديد يمكن أن تتلاشى (أو تخمد) تعصبات الأيديولوجيات السياسية التقليدية. ذلك يجذب الإنتباه إلى أهمية مايمكن أن يمثله (أو يبنيه) الوجدان الدولى الجديد من قيم ومعايير إيجابية، خاصة بشأن قبول الآخر والتفاعل معه.
د) إضافة إلى ماسبقت الإشارة إليه أعلاه، يمكن القول بأن تواصل الوجدان الدولى الجديد وتجدد فاعلياته يفتح الأذهان للحاجة إلى متطلبات فكرية وإجرائية (أو تنظيمية) أكثر أصالة بخصوص قضايا "الأمن البشرى".
رابعا – مكانة بلدان الشمال والجنوب من الوجدان الدولى الجديد:
من الواضح أن حركيات الوجدان الدولى الجديد توحد بين شعوب بلدان الشمال والجنوب من حيث وجودية مظاهر وتبعات جديدة فى كل منهما، حتى وكأن هذا الوجدان أشبه بالترمومتر الذى يقيس، ويشير إلى المظاهر والتبعات.
من جانب آخر، نسبة ملحوظة من سكان بلدان الشمال تَولّدَ لديهم اهتماما عميقا بأحداث غزة، بحيث تحولت إدراكاتهم ورؤاهم إلى اتجاه الإيمان بالحق الفلسطينى والعمل على وقف أعمال الإبادة فى غزة.
وهكذا، فى ضوء المعالم الديمقراطية التقليدية للحياة السياسية فى بلدان الشمال بزغت وانتشرت حركيات، شعبية فى طبيعتها ( من عموم المواطنين – طلبة وأكاديميين وفنانين ..إلخ) تعادى وتشجب التحالفات بين الإدارة الأمريكية وحلفائها من أنظمة الغرب من ناحية، مع الكيان الإسرائيلى من ناحية أخرى.
هنا، تفاجأ أهل الشارع السياسى الغربى (الديمقراطى الشكل) بممارسات عنف غير متوقع، من أنظمة الحكومات القائمة، ضد مواقف وحركيات الأفراد والجماعات والكيانات المنادية بالحق الفلسطينى، والمنددة بالإبادة العرقية فى غزة. إلى حد كبير، صارت هذه المواقف كاشفة لعنصرية سلوكيات الحكومات الغربية، ولقدر من الزيف بشأن الإيمان بالديمقراطية كمنهج.
بالتوازى، فى بلدان الجنوب، تكررت نفس الظاهرة من جانب الحكومات، حيث جهودا مباشرة ومكثفة لإسكات ولجم تعبيرات الناس و احتجاجاتهم فيما يتعلق بالحق الفلسطينى وبشجب ممارسات الإبادة لغزة، بشرا ومؤسساتا وإمكانات حياة.
وهكذا، يمكن الإستنتاج بأن حكومات بلدان الشمال والجنوب، على السواء، قد تميزت بحساسيتها لممارسة جماهير شعوبها لرؤاها ولمواقفها فى الإصطفاف المدعم للحق الفلسطينى والرافض لإبادة غزة.
هذه الوضعية وحّدت (وقرّبت من) عزم التحولات الوجدانية عند شعوب الشمال والجنوب فى آن. ذلك بمعنى تشاركهما معا فى المعاناة من سلوكيات الأنظمة الحاكمة واتباعياتها للإنحرافات النيوليبرالية / الصهيونية.
ربما هنا يمكن القول بأن الإتباعية فى أنظمة الشمال تأتى - إلى حد كبير- نتاجا لتشاركات فى التعصبات المؤدية إلى التطرف والإرهاب ضد الآخرين، وهو تعصب ناجم عن مصالح استعمارية تقوم على الهيمنة.
وأما، فى الجانب الآخر، عن الإتباعية فى أنظمة الجنوب فتنتج -عادة- من أنانيات سلطات هذه الأنظمة، والتى تتمثل فى الرغبة فى استمرارية تبؤها للسلطة لأطول فترة زمنية ممكنة، استهدافا لإستمرارية المصالح الخاصة والتغطية على فسادها.
وهكذا، كشفت تطورات الشارع السياسى فى العالم بأسره عن ديكتاتوريات واتباعيات الأنظمة الحاكمة، الأمر الذى يعيد تأكيد دور هذه الديكتاتوريات فى "خنق" الممارسات الديمقراطية. إنها الوضعية التى أدت، وبتلقائية كبيرة، إلى تشاركات شعبية شمالية / جنوبية فى بزوغ الوجدان الدولى الجديد.
ربما يكمن فى مستقبليات هذه التشاركيات مايدعم التعاون بين شعوب الشمال والجنوب لتحقيق المصالح الإنسانية الكلية Global ، خاصة فى المجالات المساعدة على إنجاز التنمية الإنسانية، مثل الصحة والتعليم ونقل التكنولوجيا ودعم البحث العلمى.
هذا، ومما يؤكد على تشارك الشمال والجنوب فى الحاجة إلى إنجاز مهام التنمية الإنسانية (عالميا وليس عولميا) مايجرى الآن فى اتجاه تسليط الهيمنات الأمنية على الجامعات شمالا وجنوبا، الأمر الذى ينجم عن تخوفات وتحسبات الأنظمة من الدور الموضوعى للتعليم والعلم فى تعميق الوعى والممارسة بشأن التنمية (والتواصلات) الإنسانية. ذلك أن الدور الموضوعى للتعليم والعلم يتناقض، وبشكل مطلق، مع إتباعيات وأنانيات السلطات الحاكمة، وما يكون لدى بعضها من مصالح غير شرعية. وهكذا، يبقى تناول مسألة "ضرورات فكرية لم تطرأ على العالم من قبل"، فى الجزء الثالث (3/3)، ان شاء الله.
#محمد_رؤوف_حامد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فى فلسفة -الوجدان الدولى الجديد- .. ومستلزماته (3/1)
-
التحولات الوجدانية المجتمعية - خصائص ومحاذير
-
مكانة المؤامراتية من المستقبليات [الجزءالسابع والأخير]: وفى
...
-
مكانة المؤامراتية من المستقبليات [الجزءالسادس]
-
مكانة المؤامراتية من المستقبليات [الجزءالخامس]
-
مكانة المؤامراتية من المستقبليات [الجزءالرابع]
-
مكانة المؤامراتية من المستقبليات [الجزءالثالث]
-
مكانة المؤامراتية من المستقبليات [الجزء الثانى]
-
مكانة المؤامراتية من المستقبليات [الجزء الأول]
-
النظام العالمى واحترام الآخر .. حماية أَم إجهاض ؟
-
تضاريس المسافة بين النظرية والممارسة: رابعا – -خلاصات- من مع
...
-
تضاريس المسافة بين النظرية والممارسة: ثالثا – الإجتهادات الف
...
-
تضاريس المسافة بين النظرية والممارسة: ثالثا – الإجتهادات الف
...
-
تضاريس المسافة بين النظرية والممارسة: ثالثا – الإجتهادات الف
...
-
تضاريس المسافة بين النظرية والممارسة: ثانيا – إعتبارات تاريخ
...
-
تضاريس المسافة بين النظرية والممارسة أولا – هذا التناول .. ل
...
-
هل ستستطيع البلدان العربية اللحاق بالمستقبل الجديد للثورات؟
...
-
هل ستستطيع البلدان العربية اللحاق بالمستقبل الجديد للثورات؟
...
-
هل ستستطيع البلدان العربية اللحاق بالمستقبل الجديد للثورات ؟
...
-
هل ستستطيع البلدان العربية اللحاق بالمستقبل الجديد للثورات ؟
...
المزيد.....
-
ملك الأردن: خطاب إسرائيل حول الأقصى سيُشعل حربًا دينية تتجاو
...
-
الأردن: تهم جنائية جديدة بغسل أموال لنائب في حزب جبهة العمل
...
-
نازحو غزة: الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يغيّر واقع الجوع و
...
-
من أجل ربط المقاومات الاجتماعية بمناهضة التطبيع والاستبداد
-
دولـة فـلـسـطـيـن: أتيحت الفرص فهل تحضر المسؤوليات؟
-
إسرائيل تغلق معبر الكرامة بين الضفة الغربية والأردن حتى إشعا
...
-
حماس ترفض اتهامات ترامب وتشيد بمخرجات مؤتمر حل الدولتين
-
خامنئي: لسنا بحاجة لصنع أسلحة نووية.. ودفعنا ثمنًا باهظًا لت
...
-
هل اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية قرار يملكه ماكرون وحده؟ -مقال
...
-
منعوه من عبور الشارع بسبب موكب ترامب.. ماكرون يردّ باتصال مب
...
المزيد.....
-
نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي
...
/ زهير الخويلدي
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
المزيد.....
|