أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد علي سفيح - الجغرافيا وصناعة الفكر: المعتزلة بين البصرة والبروتستانتية















المزيد.....

الجغرافيا وصناعة الفكر: المعتزلة بين البصرة والبروتستانتية


عبد علي سفيح
باحث اكاديمي


الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 11:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الجغرافيا وصناعة الفكر، المعتزلة بين البصرة والبروتستانتية

لا يهدف هذا المقال إلى إعادة
إنتاج السرد التاريخي للمعتزلة اعتمادا على النصوص والوثائق التقليدية، بل يتجه نحو قراءة انثروبولوجية تحاول مقاربة هذه الظاهرة الفكرية من زاوية مختلفة تتجاوز الحوادث الجزئية إلى البحث في الجذور الاجتماعية والجغرافية والثقافية التي افرزتها. فالمعتزلة لم يظهروا فجأة بفعل نقاش فردي بين واصل ابن عطاء واستاذه الحسن البصري، وإنما جائوا نتيجة سيرورة تاريخية معقدة ارتبطت بالبصرة باعتبارها مدينة ساحلية، متعددة الاعراق والاديان والثقاافت، شكلت نقطة التقاء بين حضارات الهند والسند وبلاد الرافدين وشبه الجزيرة الع،بية.
إن فهم الاعتزال لا يكتمل دون ربطه بالتحولات التي عرفها الموالي في المجتمع الإسلامي المبكر، إذ حملوا في وعيهم الجمعي إحساسًا بالدونية والتمييز الاجتماعي، ما دفعهم إلى إنتاج خطاب عقلاني إصلاحي ينهض على أصول خمسة (العدل، التوحيد، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). ومن هنا، يصبح الاعتزال ليس مجرد فرقة كلامية، بل تعبيرًا عن دينامية اجتماعية-تاريخية ساهمت في تهيئة المناخ الثقافي الذي ازدهرت فيه الحضارة العربية الإسلامية، وهو ما يدفعنا إلى مقارنته بحركات إصلاحية أخرى مثل البروتستانتية في أوروبا أو فلسفة اللاعنف لدى غاندي في جنوب أفريقيا.
يجدر بنا وقبل كل شيء أن نسأل سؤال وهو: لماذا هذه الظاهرة الفكرية الفريدة ظهرت في البصرة ولم تظهر في الكوفة، علما كانت الكوفة عاصمة الخلافة الاسلامية في زمن الامام علي، والحيرة( النجف حاليا) كانت مدينة تمثل مركز إشعاع ثقافي وعاصمة المناذرة قبل الاسلام؟.
الجواب يأتي من الجغرافية. الجغرافيا هي التي تصنع التاريخ؛ البصرة مدينة تقع على رأس الخليج والذي كان يسمى في العهد العثماني بخليج البصرة، وهي مدينة ساحلية حالها حال معظم المدن الساحلية في العالم التي تشهد بالتنوع الثقافي والاثني والديني، ولقد سجل التاريخ تواجد هذا التنوع البشري منذ آلاف السنين لأن البصرة منطقة إتصال بلاد الرافدين بالحضارات الأخرى وصولا إلى الهند والسند.
مع الأسف يجهل الكثير من الناس ماضي البصرة القديم، إذ تقتصر معظم الدراسات على سرد تاريخ البصرة بعد الاسلام ولا تتطرق ذكر تاريخها الغابر.
أكدت البحوث العلمية بأن سر تطور الأمم وتقدمها يكمن في حسن إدارتها لهذه التعددية العرقية والدينية، ولدعم فرضية الجغرافيا في صنع التاريخ ودور البصرة في صنع ظاهرة الاعتزال، نسلك منهج البحث المقارن لدعم فرضيتنا فوجدنا مدينة في جنوب أفريقيا تسمى بيترماريزبورغ pietermaritzburg التي يقطنها اقلية هندية كبيرة، ومن هذه المدينة ولدت فلسفة وثقافة اللاعنف( الساتياغراها) لغاندي والتي أثرت على التطورات السياسية في جنوب أفريقيا ومنها تبناها القائد نيلسون مانديلا في صراعه ضد التمييز العنصري الذي تبناه البيض.
للجغرافيا أثر كبير في صناعة التاريخ، والبصرة نقطة وصل بين الأمم المختلفة لوجود ممر مائي، جعلت من البصرة مركز تنافس وصراع لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا. جاء الاسلام والايمان من الجزيرة العربية إلى العراق عن طريق البصرة، حاملا معه ارثا ثقافية وتاريخيا مليء بالصراعات والتعصب القبلي، وقد تعامل الامويون مع الأمم خارج الجزيرة العربية تعاملا عنصريا ميزوا بين العرب وبين الموالي وهم غير العرب، وعند دراسة ظاهرة الاعتزال وجدنا معظمهم كانوا من تلك الفئة الاجتماعية التي يسمى أفراد ها بالموالي؛ الحسن البصري كان ابوه مولى زيد بن ثابت الانصاري، وواصل بن عطاء من موالي بني مخزوم، وعمر بن عبيد ولد في بلخ(افغانستان)، كذلك ابراهيم النظام، إضافة إلى العلاف ابي الهذيل مولى لعبد القيس، اما الجاحظ فكان أصله من الزنج وجده مولى لأحد رجال بني كنانة.
هؤلاء الموالي كانوا يشعرون بانتقاص في مكانتهم الاجتماعية ، وهذا الشعور الدفين هو الذي دفعهم إلى ولادة الفكر المعتزلي الذي يستند على قاعدة عقائدية وحددوا أصولها الخمسة وهي العدل والوحدانية والوعد والوعيد ومابين المنزلتين، أي أثر هذا الشعور بالدونية في اتجاههم الفكري والعقائدي كما حصل مؤخرا لليهود في العالم فتبنوا الأفكار السياسية العالمية كالشيوعية والاشتراكية، والعلوم العالمية مثل علم النفس عند فرويد، والاجتماع عند كارل ماركس، وعلم وراثة الجينات. فالاصول الخمسة عند الاشاعرة كانت تعبر بوضوح عن اللاوعي الجماعي لهذه الشريحة الاجتماعية من مجتمع البصرة.
بعد أن بينا بأن الجغرافيا هي التي تصنع تاريخ الأمم وتحدد سلوكها وافكارك وتطلعاتها، ننتقل إلى سؤال آخر وهو: هل ممكن أن يلعب الفكر كوسيلة للتحول الحضاري؟، اذا كان الجواب بنعم، فهل ممكن القول بأنه لولا الفكر الاصلاحي المعتزلي لما شهدت بغداد والحضارة العربية الإسلامية هذا التقدم والرقي في جميع المجالات؟، أي بمعنى أدق، هل الاعتزال كان شرطا مسبقا لبناء الحضارة العربية الإسلامية؟.
للإجابة على هذا السؤال أود أن أرصد أوجه الشبه بين الفكر الاصلاحي المعتزلي في القرن الثامن الميلادي والفكر الاصلاحي البروتستانتي في القرن السادس عشر ميلادي.
المعتزلة وعلى رأسهم مؤسس الفرقة واصل بن عطاء، والبروتستانتية وعلى رأسها مؤسسه الراهب مارتن لوثر، انشاوا حركات تنويرية ربطت الدين بالفلسفة، وتصالح العقل الديني مع العقل الفلسفي، وهذا التصالح أفضى إلى التزاوج مع السياسة. المعتزلة والبروتستانتية كانت حركات قائمة على اخضاع النصوص الدينية للسلطة العقل، وهذا ما انقذ المجتمع العربي الاسلامي من استمرار الانشقاق والصراع، كذلك انقضت البروتستانت المجتمع الأوربي المسيحي آنذاك من التدهور.
شجعت الحركتان الاصلاحيتان المجتمع على الانخراط في الاوساط الفكرية وأصبح المجتمع يهتم بالمجالات العلمية، وعمل جاهدا لاكتساب مقومات الحضارة.
المناظرة والنقاش والحوار في العقيدة والمفاهيم اللاهوتية مع أبناء نفس الدين أو مع الآخرين لإثبات الحجة والدليل العلمي، كانت نقطة ابتداء المعتزلة والبروتستانتية. في بغداد كان حكام بني العباس ورجال السياسة والأدب والفلسفة والدين يعقدون مجالس للنقاش والحوار، وفي هذه الفترة شكلت الحضارة العربية الإسلامية شعاع فكري عالمي لامع. كذلك رصدنا من ناحية السياسة تشابه بين المعتزلة والبروتستانتية، بنمو الشعور الوطني ولم يكتفوا بكونهم مصدر للشريعة الدينية بل اصبحا سلطة دنيوية تملي خطوات سياسية.



#عبد_علي_سفيح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة والدين لعبة العقل والمعنى
- شارع المتنبي...طقوس جماعية تبحث عن المعنى
- هيئة الأمم المتحدة فكرة عراقية رافدينية بامتياز
- لغز خراسان من خبز الكاموت إلى حضارة الفكر
- قصتان من وادي الرافدين صنعتا الأساطير والمعتقدات والأفكار وا ...
- سورية الكبرى من إرث الامبراطوريات الى افول الدولة القومية
- العراق وطن...وانتماؤنا حكاية لا تنتهي!
- تحولات مفهوم الانسان، من الشخص الى الفرد الى الكائن الحي( ال ...
- تحولات اللغة وتعاقب الأديان


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية سيُلقي كلمةً بمناسبة اسبوع الدفاع المق ...
- ترامب يلتقي بمسؤولين من دول عربية وإسلامية ويقدم خطة جديدة ل ...
- جدل في كينيا بعد إدراج -الإخوان المسلمين- و-حزب التحرير- على ...
- حماس: مساعي الاحتلال لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى ا ...
- الاحتلال يحول منزلا في سلفيت إلى ثكنة عسكرية ويحتجز عائلات  ...
- معلولا السورية.. بلدة تتنفس التاريخ والسياحة وتتكلم -لغة الم ...
- مئات المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى والاحتلال يشدد إجراءات ...
- الاحتلال يحوّل منزلين في سلفيت وكفر الديك إلى ثكنات عسكرية و ...
- ترامب يقدم مقترحا للسلام في غزة لقادة دول عربية وإسلامية
- ماكرون يدعو الدول العربية والإسلامية للاعتراف بكيان الاحتلال ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد علي سفيح - الجغرافيا وصناعة الفكر: المعتزلة بين البصرة والبروتستانتية