أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد علي سفيح - الفلسفة والدين لعبة العقل والمعنى














المزيد.....

الفلسفة والدين لعبة العقل والمعنى


عبد علي سفيح
باحث اكاديمي


الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 18:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفلسفة منذ نشأتها ارتبطت بالسؤال لا بالجواب، وبالشك لا باليقين، وبالعقل لا بالوحي. وعلى العكس من ذلك، يقوم الدين على مسلّمات كبرى تحدد الغاية والقيم وتفسّر الوجود. وإذا أردنا أن نفهم البنية الفلسفية في عمقها، يمكن تشبيهها بلعبة كرة القدم التي تتأسس على ثلاثة أركان: مكان اللعبة، نظام اللعبة، وغاية اللعبة. هذا النموذج يمكن أن يكون مدخلاً لتفكيك الفرق بين الفلسفة والدين في التصور الإسلامي.
في الفلسفة يمثل مكان اللعبة الوجود، أي سؤال: ما هو الكائن وما طبيعته؟ ويُقابل نظام اللعبة بالقيم والمفاهيم، أي القواعد التي تضعها الفلسفة عبر المنطق والنقد والمفاهيم الأخلاقية والسياسية. أما الغاية فهي المعنى، وهو ليس معطى جاهزًا وإنما موضوع بحث دائم، إذ يسعى الإنسان الفيلسوف إلى اكتشافه أو خلقه.
أما في الدين، فإن المعنى محدد سلفًا: الله هو الخالق، والآخرة هي الغاية النهائية. وبما أن الغاية محسومة، فهي تحدد معها النظام، أي القيم والأحكام. ومن ثم لم يبق أمام الفكر الديني سوى التركيز على مكان اللعبة، أي الوجود وما يرتبط به من أسئلة حول الله، النفس، الروح، والخلود. ولهذا انشغل الفلاسفة المسلمون بالبحث في قضايا مثل واجب الوجود، حدوث العالم، طبيعة النفس، والمعاد.
تختلف الفلسفة عن الدين في أدواتها ومنهجها. فالفلسفة تعتمد على العقل والمنطق والشك بوصفها أدوات أساسية للبحث، بينما يظل المعنى عندها غامضًا أو غير معطى، بل هو أفق يُطلب ولا يُسلَّم به مسبقًا. على العكس من ذلك، يقوم الدين على الإيمان والتسليم، ويعتبر أن الغاية والقيم منزلة من الوحي، فلا حاجة إلى البحث العقلي فيها. ومن هنا تهتم الفلسفة بالسؤال، بينما يهتم الدين بالجواب. ولهذا السبب يصعب الحديث عن فلسفة داخل الدين بالمعنى المنهجي الصارم، بل يمكن وصفها بأنها شروح وتأويلات كلامية تهدف إلى تثبيت العقائد أكثر من انفتاحها على التساؤل الفلسفي الحر.
مع ذلك يمكن القول إن البنية الفلسفية الإسلامية عمومًا تقوم على مركزية الوجود بوصفه المحور الأساس للتفكير، لكنها تتلون بحسب الفيلسوف وظروفه الفكرية. فعند ابن سينا الوجود زائد على الماهية، وواجب الوجود وجود محض بلا ماهية. أما ملا صدرا الشيرازي فقد أكد على أصالة الوجود وتشكيكه، مع القول بالحركة الجوهرية التي تجعل الوجود في صيرورة نحو الكمال. بينما نجد عند الطباطبائي أصالة الوجود أيضًا، لكن مع تأصيله وربطه بالنص القرآني والوحي، في محاولة لإعطاء الفلسفة الإسلامية بعدًا نصيًا–أنطولوجيًا. وعليه فإن الخيط المشترك بين هؤلاء جميعًا هو المركزية الأنطولوجية: أي أن الفلسفة الإسلامية في عمقها ليست بحثًا في القيم أو في المعنى، بل في طبيعة الوجود ومراتبه وعلاقته بالله والعالم.
الخيط المشترك بين البنية الدينية والفلسفية هو المثل. أفضلية السماء على الأرض، والآخرة على الدنيا، والكرامة على الذل. هذه الرؤية لا تقتصر على الديانات السماوية بل التناقض بين المثالي والواقعي هذه البنية تجدها في كل الفلسفات( عند أفلاطون، بين عالم الأفكار والعالم المحسوس)،وديانات الخلاص الأرضي. موجودة في الماركسية، والشيوعية، والاشتراكية، والتقدمية، وفي حقوق الإنسان. في كل مرة نحن نعيد إنتاج جوهر البنية الدينية السماوية والارضية بمعنى التناقض بين المثالي والواقعي، وعلى سبيل المثال: المثل الشيوعية، مجتمع لا طبقي، بلا شرطة وسجون، بلا ملكية خاصة، بلا استغلال للإنسان، وبين الواقعي المتمثل بالمجتمع الراسمالي، وصراع الطبقات، واستغلال الإنسان، والدولة التي ترعى مصالح الأقوياء.
من هنا يمكن استخلاص أن الفلسفة تتحرك في فضاء مفتوح حيث الوجود والقيم والمعنى جميعها موضوعات بحث، في حين يضيق الدين هذا الفضاء لأن المعنى والقيم محسومة مسبقًا، فلا يبقى سوى النقاش في طبيعة الوجود وحدوده. وهذا ما جعل المفكرين المسلمين ينشغلون أكثر بالشخصيات الكبرى(سيرتهم وارائهم) مثل ابن سينا والغزالي، وإبن عربي، وملا صدرا، وبالمسائل الوجودية والماهية، من دون أن تتشكل مدرسة فلسفية منهجية تهتم بالمفاهيم مستقلة عن الدين.



#عبد_علي_سفيح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارع المتنبي...طقوس جماعية تبحث عن المعنى
- هيئة الأمم المتحدة فكرة عراقية رافدينية بامتياز
- لغز خراسان من خبز الكاموت إلى حضارة الفكر
- قصتان من وادي الرافدين صنعتا الأساطير والمعتقدات والأفكار وا ...
- سورية الكبرى من إرث الامبراطوريات الى افول الدولة القومية
- العراق وطن...وانتماؤنا حكاية لا تنتهي!
- تحولات مفهوم الانسان، من الشخص الى الفرد الى الكائن الحي( ال ...
- تحولات اللغة وتعاقب الأديان


المزيد.....




- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- نيويورك.. يهود يتظاهرون احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعات ...
- يهود يتظاهرون في نيويورك احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعا ...
- القمة العربية الإسلامية في الدوحة.. نجاح مرهون بمراجعة التحا ...
- التعليم كجبهة في الحرب الناعمة: بين الاستخراب الغربي وبناء ا ...
- خليج الجنة في تركيا.. رفاهية خفية على شاطئ لا يقصده سوى الأث ...
- أردوغان يعين صافي أرباجوش رئيسا للشئون الدينية التركية
- مظاهرة يهودية في نيويورك ضد مشاركة نتنياهو في اجتماعات الأمم ...
- نيويورك.. يهود يحتجون على مشاركة نتنياهو في اجتماعات الأمم ا ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد علي سفيح - الفلسفة والدين لعبة العقل والمعنى