سليم نزال
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 04:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحاول هذه المقالة فهم انتشار ظاهرة التركيز على الأصول البعيدة في التاريخ، وصياغة هويات بديلة مثل الأصل الفينيقي أو السرياني أو الفرعوني أو البابلي. هذه الظاهرة تبدو أكثر وضوحًا في النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تُخصص صفحات كاملة لإثبات أن نحن لسنا عربًا بل سريان أو لسنا عربًا بل فينيقيين، الأمر الذي يعزز ذهنية انعزالية تُفكك النسيج الاجتماعي بدل أن تبنيه.
لا يمكن قراءة هذه الظاهرة بمعزل عن سياقها التاريخي؛ فهي وليدة عقود طويلة من الإحباط، جاءت بعد شعارات قومية أو دينية لم تحقق العدالة ولا التنمية ولا التحرير. وفي ظل غياب ثمار ملموسة، بدأ كثيرون يبحثون عن هوية بديلة.
لقد كان من الممكن لهذه الظاهرة ألّا تجد أرضًا خصبة لو وُجد مشروع نهضوي عربي حقيقي جامع، ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا. لكن للأسف، تم إجهاض النهضة العربية في مهدها، إذ ظلت مقتصرة على النخب، ولم تتحول إلى ثقافة مجتمعية راسخة. كما أن النهضة لم تشمل جميع البلدان العربية بالتساوي، ثم جاءت مرحلة الحكم العسكري والحزب الواحد الذي اختزل الحقيقة في أيديولوجيته الخاصة، فأغلق باب التنوير أكثر مما فتحه.
مع ذلك، ينبغي التمييز بين الاعتزاز بالأصول التاريخية باعتباره أمرًا
مشروعًا وغنيًا، وبين تحويلها إلى جدار عازل
. فالتنوع الحضاري في منطقتنا ثروة كبرى: العرب والسريان والأكراد والأمازيغ وغيرهم جميعًا جزء لا يتجزأ من النسيج التاريخي والإنساني لهذه الأرض. المشكلة لا تكمن في استدعاء الماضي، بل في استخدامه أداة للانقسام بدل أن يكون جسرًا للتواصل.
إن قسوة الأوضاع الراهنة، من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، تدفع كثيرين إلى الهروب إلى ماضٍ غالبًا ما يكون متخيَّلًا، بدل مواجهة تحديات الواقع. لكن الحل لا يمكن أن يكون في الاحتماء بالهويات الضيقة، بل في إحياء مشروع نهضوي جامع، يعترف بالتنوع ويحتفي به، ويمنحه إطارًا يفتح المستقبل بدل أن يغلقه.
باحث و كاتب فلسطينى له عشرات الكتب فى الفكر و الثقافة
#سليم_نزال (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟