أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - سليم نزال - زياد الذى غنى اوجاعنا














المزيد.....

زياد الذى غنى اوجاعنا


سليم نزال

الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 07:53
المحور: قضايا ثقافية
    


بقلم. سليم نزال
رئيس المنتدى الثقافي الأوروبي الفلسطيني



لم تكن خسارة زياد الرحباني، بالنسبة لنا نحن أبناء اليسار الحالم في بيروت السبعينات، مجرّد رحيل فنان لامع. كانت أشبه بانطفاء ضوءٍ رافق خطانا في العتمات. كأننا فقدنا صديقًا عرفنا روحه قبل أن نصافحه، وسرنا معه في الشوارع ذاتها، نحمل الحلم ذاته، ونؤمن كما كان يؤمن أن الفنّ قادر أن يهزّ أركان هذا العالم المتداعي.
ربما أُبالغ، وربما لا. فزياد لم يكن حكرًا على جيلٍ أو تيار، لكننا كنّا نشعر أنه "واحد منّا"، من أولئك الذين صدّقوا أن الأغنية يمكن أن تكون بيانًا سياسيًا، وأن المسرح ساحة نزال، لا ترفًا.
أتذكّره في بداياته، يوم رأيته صدفةً في أحد مقاهي الحمرا، وحيدًا، غارقًا في شروده كأنما يسافر في داخله. قال لي صديقي: "هذا زياد، ابن فيروز". اقتربنا منه، حيّيناه، فبادلنا بابتسامة خفيفة.

بعدها بوقت قصير، حضرت مسرحيته نزل السرور. خرجت من القاعة كأنني عدت من سفر ثورى . التفتّ إلى صديقة كانت ترافقني وقلت بحماسة: "هذا الشاب عبقري". لا أدري أين هي الآن، فالحياة التي تجمع، تفرّق أيضًا. لكن، لو قرأت هذه السطور، فربما تذكّرت انبهاري يومها، وأنا أُحدّثها عن تلك الليلة كما لو كانت نبوءة.
كان ذلك قبيل اشتعال الحرب الأهلية، حين كانت بيروت لا تزال بيروت: مدينة الثقافة والضجيج الجميل. في تلك الأيام، قرأت رواية طواحين بيروت لتوفيق يوسف عواد، اشتريتها من مكتبة الجامعة اللبنانية في الأونيسكو، وشعرت، كما شعرت مع نزل السرور، أن ثمة شيئًا يتكسر تحت السطح. كأنّ الرواية والمسرحية كانتا إنذارًا مبكرًا لعاصفة قادمة.
كنت أعيش في سنّ الفيل، في غرفة صغيرة لها حديقة، ونقضي أمسياتنا نستمع إلى أغاني جوزيف صقر. أتذكّر جيدًا حين استمعنا، أنا وتلك الصديقة، إلى "الحالة تعبانة يا ليلى"، قبل أن يغنيها زياد لاحقًا بصوته الغاضب العذب. كان الصوت، والنص، واللحن، صرخةً ناعمة ضد كل شيء.
في تلك المرحلة، كانت خشبة شوشو تتألّق، وكنت أضحك من قلبٍ مثقلٍ وأنا أشاهد مسرحياته. لكن قلبي ظلّ معلقًا بـنزل السرور. ربما لأن المسرحية كانت عن شلّة من الأصدقاء يحلمون بالثورة، وأنا كنت منهم لا على الخشبة، بل في الحياة. كنت شيوعيًا حالِمًا، أؤمن أن التغيير حتميّ، وأن بيروت يمكن أن تُولد من جديد على وقع الأغاني والبيانات والكتابة.
لكن الزمن لا يرحم، وها هو يشذّب يقيننا شيئًا فشيئًا. زرت الاتحاد السوفييتي لاحقًا، وكان ذلك بداية انكسار اليقين. هناك، بدأت أُعيد تركيب ذاتي. لم أتخلَّ عن الحلم تمامًا، لكنني لم أعد أراه بنفس البراءة.
رغم ذلك، ظل زياد حاضرًا في وجداني. تابعت أعماله من فيلم أمريكي طويل إلى بالنسبة لبكرا شو، وظلّ بالنسبة لي تلك الحالة النادرة التي تمشي على الحافة: ثائرٌ لا يرفع الشعارات، وفنانٌ لا يهادن.
زياد كان تمردًا في هيئة موسيقى، ورفضًا بلغة ساخرة موجعة. عاش في زمن الهزائم العربية الكبرى، وحاول أن يعيد تعريف النبض. لم يكن خطيبًا، بل عاشقًا للعبارة الصادقة، وللنغمة التي تقول ما تعجز عنه الصحف.
ورغم خلفيته الشيوعية، لم يكن أسيرًا لأيديولوجيا. كنت أراه ليبراليًا بالفطرة، حرّ المزاج والتفكير، يتنقّل بين الأفكار بحرية العصفور، لا يسكن قفصًا، ولا يكرّر نفسه. وهذا ما جعل فنه واسع الأفق، متجدّد النبض.
أما ألحانه لفيروز، فهي ذاكرة جماعية. ليست مجرد موسيقى، بل نوافذ نفتحها على أنفسنا، وعلى أيامٍ لم تكن مثالية، لكنها كانت حقيقية. فيها من الألم قدر ما فيها من الحنين، وفيها من الحلم ما يكفي لنصمد امام القادم من الايام .
رئيس المنتدى الثقافي الأوروبي الفلسطيني



#سليم_نزال (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن اسعد و ابو سليم و فهمان .عن تلك الازمان !
- عندما كانت منظمة الهاغاناه الارهابية تراقب المقاهى الفلسطيني ...
- من زمن الحوارات !
- بين الانثروبولوجيا و الايديولوجيا !
- طقس مزعج!
- حول ثقافة الاسئلة !
- • أهكذا أبداً تمضي أمانينا • عن لامارتين و العصر الرومانسى!
- فى ذكرى استشهاد الشاعر على فودة صاحب ديوان (فلسطينى كحد السي ...
- مطر يهطل فوق المدينة
- الوقت يطير!
- زمن القلق
- حول الديموغرافيا السياسية فى فلسطين !
- اغانى البوب الهندوسية دعوة للحرب و الموت !
- ماذا ستفعل امريكا؟
- لا بد من اعادة التفكير فى ما وصلنا اليه فى المشرق
- سنبلة القمح!
- حول ايلون ماسك
- هل تراجع دور المثقف العربى
- هل فعلا تراجع دور المثقف العربى
- ضور قديمة


المزيد.....




- قيادي في -حماس- لـCNN: الحركة تضع شرطا للعودة إلى المفاوضات ...
- واشنطن: ترامب يريد اتفاق سلام في أوكرانيا قبل 8 أغسطس
- أول صبي من غزة يتلقى العلاج في بريطانيا نتيجة إصابته في الحر ...
- غزة: واشنطن تفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية وويتكوف يلتقي ...
- هجوم روسي مركب على كييف يخلف قتلى ودمارا واسعا
- بوتين يستقبل الشيباني ودمشق وموسكو يعيدان صياغة علاقاتهما بع ...
- إلى أين قد تنقل زيارة الشيباني العلاقات بين دمشق وموسكو؟
- جنود إسرائيليون اعتدوا على آخر المتضامنين المفرج عنهم من طاق ...
- موقع إيطالي: تسريب معلومات خطيرة بعد قرصنة شركة فرنسية عملاق ...
- 60 قتيلًا في فيضانات مدمّرة شمال الصين.. ودار للمسنين تتحول ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - سليم نزال - زياد الذى غنى اوجاعنا