أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - رشيد غويلب - اسطورة التقشف اختراع أيديولوجي ضد الطبقة العاملة















المزيد.....

اسطورة التقشف اختراع أيديولوجي ضد الطبقة العاملة


رشيد غويلب

الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 23:43
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مارين رومشتيت
ترجمه

كل هذا قد يُمهّد الطريق لحكومة بقيادة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف في عام ٢٠٢٩. قدّمت Clara E. Mattei (كلارا إي. ماتي)، أستاذة الاقتصاد في جامعة تولسا، إجابةً واضحةً ومُقلقةً على سؤال: كيفية ارتباط إجراءات التقشف بصعود قوى اليمين المتطرف. يُظهر كتابها "نظام رأس المال"، الصادر عام ٢٠٢٢، بوضوح "كيف اخترع الاقتصاديون التقشف ومهّدوا الطريق للفاشية.

الرأسمالية تدخل نهايتها
تقدم ماتي دراسةً معمقةً لأصول أيديولوجية التقشف، وتحذيرًا من عواقبها السياسية. وتدحض الخبيرة الاقتصادية الإيطالية خرافةً شكّلت السياسة الاقتصادية لقرنٍ من الزمان، وهي لا بديل، في أوقات الازمات، للتقشف الحكومي. لا يخدم التقشف العقلانية الاقتصادية، بل يهدف إلى حماية علاقات السلطة الرأسمالية. تتبع التخفيضات في الخدمات الاجتماعية: من التعليم وإعانات البطالة إلى البنية التحتية، نمطًا يعود تاريخه إلى إيطاليا في عشرينيات القرن الماضي (سنوات صعود الفاشية الإيطالية- المترجم)، وصولًا إلى اليونان خلال الأزمة المالية عام ٢٠١٠. والعواقب هي الفقر والبطالة للكثيرين، بينما تزداد ثروة الأثرياء.
تعود أطروحة ماتي حول هذا الارتباط إلى أصول أيديولوجية التقشف بعد الحرب العالمية الأولى. في ذلك الوقت، لم يقتصر الأمر على انزلاق الاقتصاد إلى أزمة، بل كانت الرأسمالية نفسها في حالة تدهور. في بريطانيا العظمى وإيطاليا، تمكن العمال من إدراك حقيقة أن النظام قابل للتغيير. لقد أثبت اقتصاد الحرب الحكومي ذلك: ففي حين كان النظام الرأسمالي قبل الحرب ما يزال يعمل بنمطه المعتاد، دون تدخل الدولة، أظهر تدخل الدولة في الإنتاج مرونة الظروف الاقتصادية.
لم تعد الكارثة الإنسانية والاقتصادية للحرب العالمية، وما نتج عنها من فقر، قدرًا حتميًا، بل عواقبَ النظام الرأسمالي. بدت نهاية الرأسمالية أقرب من أي وقت مضى. بلغت الأجور الحقيقية مستوياتٍ تاريخية في كلا البلدين (إيطاليا وبريطانيا) في عامي 1921/1922، وتزايدت المطالبات بتأميم الصناعات، وأظهرت الطبقة العاملة من خلال الإضرابات قدرتها على قلب موازين السلطة.

التقشف كثورة مضادة
في هذا الجو المتفجر، الذي تعيده ماتي الى الحياة من خلال مصادر صحفية لطيف سياسي واسع، لا سيما صحيفة "لوردن نوفو" الأسبوعية التي أسسها أنطونيو غرامشي وآخرين: لم يظهر التقشف صدفة. بل تزامن مع أكبر احتجاجات عمالية في تاريخ بريطانيا وإيطاليا، وبسبب هذه الاحتجاجات، واختُرع كأداة سياسية مضادة.
كان رد فعل الطبقات الحاكمة أنيقًا بقدر ما كان ساخرًا: فقد استخدموا التقشف كأداة سياسية. لكن لم يكن السياسيون أو الحكومات وحدهم مسؤولين عن ذلك، بل كان الاقتصاديون هم من ابتكروا التقشف. استنادًا إلى مواد أرشيفية من بنك إيطاليا، وأرشيف دي ستيفاني، وبنك إنكلترا، ومركز أرشيف تشرشل، تُعيد ماتي بدقة بناء الكيفية التي صوّر بواسطتها اقتصاديون مثل رالف هوتري ولويجي إينودي التقشف كضرورة لا بدائل لها.
الصورة التي عكستها المصادر صادمة: كان الهدف الحقيقي من التقشف هو تأديب الطبقة العاملة واستقرار العلاقات الطبقية تحت ستار العقلانية العلمية. ان افتراض "نزع الطابع السياسي" عن القضايا الاقتصادية ومعالجتها دون أيديولوجية، هو مغالطة، لأن وراء العقل الاقتصادي الموضوعي المزعوم تكمن أيديولوجية رأس المال.
تبين ماتي بشكلٍ مُلفت للنظر الصورة النمطية السائدة للطبقة العاملة في أذهان هؤلاء الاقتصاديين: الكسل العام والمسؤولية الشخصية عن البؤس الاقتصادي الناجم عن العمل غير المُنتج. تبدو هذه الروايات مألوفة بشكلٍ مُخيف، فهي تُذكرنا بالخطاب السياسي حول أزمة اليونان في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أو بالنقاشات الراهنة في المانيا حول من يستحق المساعدات الاجتماعية.
يكشف التاريخ وجه التقشف الحقيقي بلا هوادة: لم يكن الهدف منه مكافحة التضخم أو استقرار الميزانيات، بل ضمان الأرباح من خلال تقييد الاستهلاك المحلي وقمع الأجور بشكل منهجي. كان الهدف من ذلك تمكين الصادرات الرخيصة وتحقيق أرباح سريعة. وُصفت البطالة مرارًا في الوثائق بأنها "شر لا بد منه"، أداة تُلزم العمال بقبول أي أجر، وتعرقل المقاومة بفعالية.

حين يسود رأس المال
تُعدّ مقارنة ماتي بين بريطانيا الديمقراطية وإيطاليا الفاشية مضيئة للغاية. فمن يتساءل كيف يُمكن مقارنة هذين النظامين السياسيين، اللذين كانا مختلفين تمامًا في عشرينيات القرن الماضي، سيُفاجأ بأوجه التشابه والإلهام المتبادل. فقد اتبع كلاهما سياسات التقشف نفسها، ولكن بوسائل مختلفة.
كان الاختلاف الجوهري يكمن ببساطة في التطبيق: فبينما لجأت بريطانيا العظمى إلى التخفيض، إجراءات التقشف، وإلى إجراءات داخلية في المصانع، بواسطة الإصلاحات والتخفيضات وفرض قيود على حق الإضراب النقابي، استطاعت سياسات موسوليني الفاشية فرض إجراءات التقشف بتدخل استبدادي مباشر. ووفقًا لماتي، إن التقشف يُطبّق في أي نظام سياسي طالما أن الرأسمالية تُحدد النظام الاجتماعي السائد.
تكتسب هذه الرؤية أهمية أكبر عند النظر إليها في الوقت الحاضر. فما فرضته الحكومات القومية آنذاك، تتولى تنفيذه الآن مؤسسات فوق قومية، مثل صندوق النقد الدولي أو البنك المركزي الأوروبي. ويتضح دور نزع الطابع السياسي عن الاقتصاد في هذه الأشكال من الحكم غير الشخصي، الذي يُملي على الدول، من خلال قواعد الديون، حجم عجزها للحفاظ على جدارتها الائتمانية. وهذا يعني خصخصة البنية التحتية الحكومية لخفض الإنفاق الاجتماعي، والحفاظ على أجور منخفضة لزيادة هوامش الربح، على الأقل في المدى القصير. ولذلك، تُعرّف ماتي، بدقة، حرية السوق بأنها "التحرر من مطالب الطبقة العاملة" امتثالاً لنظام رأس المال.
إن الرابحين من هذه السياسة معروفين اليوم أكثر من أي وقت مضى. فخلال جائحة كورونا، زادت ثروات المليارديرات حول العالم بنسبة 54 في المائة، بينما خشي ملايين الناس على وجودهم، ودفعوا في الوقت نفسه الى الادخار. إنه نظامٌ غادر يستغل الأزمات بشكلٍ منهجي لإعادة توزيع الثروة من الأدنى الى الأعلى، وبذلك يُسهم في تراكم ثروة الأثرياء.
بالتأكيد، قد يبدو تحليل ماتي التاريخي ضيق الأفق أحيانًا، نظرًا لأن الوضع الاقتصادي، لم يلعب دورا بمفرده، في صعود موسوليني إلى السلطة أو في التحول الأوروبي الحالي نحو اليمين. لكن أطروحتها الأساسية لا تزال مقنعة: ما دام "نظام رأس المال" يُحدد طابع الحياة الاجتماعية، فإن كل أزمة اقتصادية تُفضي إلى نفس الحل المفترض، التقشف على حساب الأغلبية الأضعف.

القيود صناعة بشرية
يُمثل كتاب ماتي دراسةً علمية متميزة، ويُمثل في الوقت نفسه تحذيرًا سياسيًا قويًا بشأن المعنى الحقيقي لما يُسمى بالتقشف: بطالة، وفقر، وانخفاض الأجور، وتهديد استبدادي للهياكل الديمقراطية. إنه استفزازٌ مُبرَّرٌ وفي الوقت المناسب، يُذكرنا بأن وراء اللغة "الموضوعية" للاقتصاد تكمن أيديولوجياتٌ ملموسة.
يُذكرنا تحذير ماتي بمقولة ماكس هوركهايمر عام ١٩٣٩(أحد مؤسسي مدرسة فرانكفورت – المترجم): "من لا يريد الحديث عن الرأسمالية عليه أيضًا الصمت بشأن الفاشية". في وقتٍ تتصاعد فيه الحركات اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا، ويُشاد فيه بسياسات التقشف باعتبارها البديل الوحيد، يُصبح هذا الدرس التاريخي ذا أهمية مُقلقة. ويدحض بفكرة أن سياسات التقشف قرار سياسي ذو عواقب وخيمة. توضح إعادة ماتي الدقيقة لأصول هذه السياسات أن ما يبدو حتميًا هو من صنع الإنسان، وبالتالي قابل للتغيير أيضًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن صحيفة "نويز دويجلاند" الألمانية – 14 آب 2025



#رشيد_غويلب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية الفلسطينية والأزمة الفرنسية تُهيمنان على أجواء مهرجان ...
- أمميةٌ فاشية تتشكّل ومركزُها نظام ترامب
- الرئيس الكولومبي يُعرّي فاشية نتنياهو
- مع القائد العمالي المخضرم جريمي كوربين حوار ضافٍ عن حزب اليس ...
- مهرجان جريدة الشيوعي النمساوي.. مشاركة واسعة ورؤية مشتركة لل ...
- هل سلّمت سياسات ترامب الصين مفاتيح النظام العالمي الجديد؟
- قراءة تحليلية لخسارة اليسار التاريخية في بوليفيا
- على طريق تعزيز الاستبداد والعنصرية / ترامب يصعّد ضد البنك ال ...
- فضيحة فساد في الأرجنتين تُشعل أزمة والمعارضة تطالب بعزل الرئ ...
- رؤية ليسارٍ معاصر: في سُبل استنهاض اليسار العراقي
- رداً على عنف السلطة.. محتجو صربيا يدافعون عن أنفسهم
- بعد عسكرة ترامب للعاصمة.. الشيوعي الأمريكي يحذر: {مدينتكم قد ...
- بسبب صراعات اليسار الداخلية / بعد 19 عاماً.. هزيمة تاريخية ل ...
- الشرق الأوسط الجديد وتصفية القضية الفلسطينية
- أمن زائف وصفقات سرية.. الدكتاتورية في السلفادور تكشر عن أنيا ...
- ماركس يرد على عنف اليمين الشعبوي
- في الذكرى الـ80 لمأساة هيروشيما وناغازاكي يتزايد خطر الحرب ا ...
- العقوبات الاقتصادية والجوع أشد فتكا من الحروب
- قراءة اليسار الإسباني المتحد لراهن إسبانيا
- حزبا اليسار الأوروبي: مسارات منفصلة واتجاه واحد


المزيد.....




- بكل تأكيد الشعوب تتبادل الرسائل والدروس فلترتعد فرائص الحكام ...
- راهنية تأسيس منظمة إلى الأمام في ذكراها ال55. بناء جبهة الطب ...
- بيان حول واقع قطاعي الصحة والتعليم والخدمات العمومية بسلا
- عندما تصبح المستشفيات ساحات للقتال..
- نداء مبادرة “2030…نربحو كاملين” عن حزب التقدم والاشتراكية
- البرتغال تعاني مجددًا من الحرائق..مئات رجال الإطفاء يكافحون ...
- -أرسلوهم إلى بلادهم-: هل يهدد صعود اليمين المتطرف مستقبل بري ...
- بيان اللجنة التحضيرية للنهج الديمقراطي العمالي بمرتيلفرع مرت ...
- الاشتراكي الديمقراطي والمحافظين في مناظرة حول كيفية كسر العز ...
- وزيرة داخلية بريطانيا.. باكستانية حائرة بين اليمين المتطرف و ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - رشيد غويلب - اسطورة التقشف اختراع أيديولوجي ضد الطبقة العاملة