|
هل سلّمت سياسات ترامب الصين مفاتيح النظام العالمي الجديد؟
رشيد غويلب
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 01:43
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
في نهاية الأسبوع الفائت، عقدت في مدينة تانجين الصينية قمة بلدان منظمة شنغهاي للتعاون. وهي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية، تأسست عام 2001 في مدينة شنغهاي الصينية، وتضم 10 دول أعضاء هي الصين والهند وروسيا وباكستان وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وبيلاروسيا، و16 دولة أخرى بصفة مراقب أو شريك، وتمثل قرابة نصف سكان العالم و23,5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي العالمي.
تسعى منظمة شنغهاي للتعاون، التي وصفها الرئيس الصيني بالأداة المُفضّلة "لإضفاء طابع ديمقراطي على العلاقات الدولية" ومحرك "التعددية القطبية الحقيقية". ووصفها الرئيس الروسي بوتين بـ "الأغلبية العالمية". وقالت فيها وسائل الإعلام الصينية: "لم تعد أغلبية صامتة، بل قوة جديدة تُسمِع صوتها" لترسيخ مكانتها كبديل موثوق لتطور النظام العالمي، مدفوعةً باستياء واسع النطاق من رسوم دونالد ترامب الكمركية وعدم اليقين بشأن الموقف الدولي للولايات المتحدة. في القمة، دعت الصين إلى توحيد جهود الجنوب العالمي، وهو مصطلح يشمل العديد من الدول التي لا تتشارك دائمًا في الأهداف والاحتياجات، وتضم حتى دول متنافسة إقليميا مثل الهند وباكستان. حضر القمة قرابة 20 دولة من دول من آسيا الوسطى، بالإضافة إلى إيران وتركيا وفيتنام..
التنين الصيني والفيل الهندي رقصا معا يُقرّب النزاع الكمركي مع الولايات المتحدة الهند من الصين وروسيا. وفي تيانجين، لوحظ انفراج في العلاقات بين الهند والصين، مما قد يتطور إلى تحالف يجمع بلدين مختلفين تمامًا، يُشكلان معًا ثلث سكان العالم.
قال الرئيس الصيني في خطاب الافتتاح: "الصين والهند هما الدولتان الأكثر سكانًا في العالم، وتنتميان إلى الجنوب العالمي. ومن الضروري أن تكونا صديقتين وجارين جيدين، وأن يتحد التنين والفيل". لم تُنفِ الحكومة الهندية هذه الكلمات، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، واصفةً حوارًا ناقش فيه "شريكا التنمية، لا المتنافسان"، كيفية تحسين العلاقات التجارية الثنائية في ظلّ "عدم اليقين العالمي بشأن التعريفات الكمركية".
الصين صوتا للدول النامية في خطابه الرئيسي، دعا شي إلى تعددية أطراف "أكثر عدلاً وإنصافاً"، ورفض "منطق الهيمنة والتنمر وعقلية الحرب الباردة" القائمة على المواجهة بين الكتل. تُقدم بكين نفسها صوتاً للدول النامية، وشريكاً للتضامن، قادراً على طرح ليس فقط الكلمات، بل أيضاً الموارد المتنوعة.
ترغب بكين في توسيع نطاق عمل منظمة شنغهاي للتعاون من خلال مفهوم للأمن يشمل التجارة والدبلوماسية. ويساهم في تحسن العلاقات مع الهند. وأزال وجود ناريندرا مودي وفلاديمير بوتين العديد من العقبات أمام إنشاء محور أوراسي. وفي أول اجتماع ثنائي يُعقد على الأراضي الصينية منذ سبع سنوات، أعرب شي ورئيس الوزراء الهندي عن أملهما في أن يرقص "التنين والفيل" معًا كـ "شريكين لا متنافسين".
ودعت الوثيقة الختامية المشتركة (إعلان تيانجين، الذي يُمثل منصة سياسية حقيقية)، ورؤية للتنمية الاستراتيجية لمنظمة شنغهاي للتعاون للسنوات العشر المقبلة، إلى الإسراع في إنشاء بنك تنمية للمجموعة. وترى بكين أن هذا يُعد أداةً حاسمةً لتعزيز تبادل العملات الوطنية واستخدامها في المعاملات التجارية بدلاً من الدولار الأمريكي. وتهدف الصين من خلال هذه الأدوات إلى ترسيخ صورتها كمزود عالمي للسلع العامة، معارضةً ضمنيًا للغرب، الذي غالبًا ما تعتبره الاقتصادات الناشئة متعاليًا.
خلال الاجتماع بين شي جين بينغ وبوتين، وقّع الزعيمان أكثر من 20 اتفاقية تعاون، شملت مجالات الطاقة والطيران والذكاء الاصطناعي والزراعة. استغل شي وبوتين الاجتماع للتأكيد على علاقاتهما الطيبة. وقال شي، إن العلاقات صمدت أمام اختبار التغيير الدولي، وهناك إمكانية لتعزيزها. وبينما وصف شي بوتين بـ "الصديق القديم"، وصفه بوتين بـ "الصديق العزيز".
أكبر منظمة إقليمية في العالم عززت القمة صورة منظمة شنغهاي للتعاون كمنتدى سياسي متنامٍ: من ست دول أصلية إلى عشر دول دائمة العضوية وستة عشر شريكًا، مع إتاحة الفرصة لأرمينيا وأذربيجان للانضمام للمنظمة.
يبدو الاتفاق قويًا بشكل خاص فيما يتعلق بالتجارة ومعارضة التعريفات الكمركية والعقوبات. ولكن المفقود هو التصور المشترك بشأن الأزمات الأكثر إلحاحًا، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، كما يتضح من الحذر الذي عبر عنه البيان المشترك بشأن غزة مقارنةً بالتصريحات الأكثر انتقادًا لإسرائيل التي أدلى بها الرئيس التركي أردوغان، الذي حضر اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون مع الدول الشريكة.
يعتقد العديد من المحللين أن الأهمية الرمزية قد تستمر في التغلب على الأهمية الملموسة والعملية. لكن المؤكد هو أن الصين تسعى إلى استغلال الاستياء الواسع النطاق من النظام الدولي الحالي، الذي يراه الكثيرون غير متوازن وغير مواتٍ. ولكن من أجل خلق نظام متعدد الأطراف جديد، من الضروري إشراك الاتحاد الأوروبي بطريقة أو بأخرى، والذي يلعب حالياً دور الخادم الأحمق للولايات المتحدة، ولكنه مع ذلك كيان يمثل 450 مليون مستهلك و15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
الهيمنة الأمريكية شيء من التاريخ استندت هيمنة الولايات المتحدة بعد عام ١٩٤٥ إلى أربعة عوامل: ناتج إجمالي محلي شكّل في البداية حوالي ٥٠ في المائة من الناتج ا الإجمالي لمحلي العالمي؛ الدولار كعملة احتياطية للعالم أجمع، التفوق النووي؛ والقوة الناعمة في جميع المجالات: الاستهلاك والموسيقى والسينما..
تم الحفاظ على هذه المكانة الرائدة وتعززت بفضل تحالف امتدّ حول العالم من القطب الشمالي إلى أستراليا (حلف الناتو في أوروبا، وحلف جنوب شرق آسيا في آسيا).
أثبتت قمة تيانجين أن تلك الأيام قد ولت. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة اليوم حوالي نصف ما كان عليه آنذاك، قرابة ٢٦ في المائة، بينما تُشكّل الصين والهند معًا ٢٤ في المائة، دون احتساب الدول الأخرى (روسيا، تركيا، إيران، باكستان، وغيرها). لم يعد الدولار عملة الاحتياطي المُسلّم بها، وإن كان لا يزال يلعب دورًا مهيمنًا: فاليوم، يُدار قرابة 54 في المائة من التجارة العالمية بالدولار، بينما يُدار 30 في المائة منها باليورو، و4 في المائة باليوان الصيني، و4 في المائة أخرى بالين الياباني، والباقي بعملات أخرى.
في عام 1945، كانت هناك قوة نووية واحدة (الولايات المتحدة)؛ وفي عام 1948، كانت هناك قوتان نوويتان (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي)؛ واليوم هناك تسع دول نووية: الصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية وفرنسا وبريطانيا العظمى
انتشر الانبهار بـ "أسلوب الحياة الأمريكي" (الاستهلاك الجامح، والسعي وراء الثروة، وتجاهل البيئة) ليشمل العالم بأسره تقريبًا، ولكن لهذا السبب تحديدًا، لم يعد نموذجًا يُحتذى به، بل أصبح ببساطة النمط السائد في القرن الحادي والعشرين، وهو محط تشكيك متزايد.
في هذا الوضع المختلف تمامًا، قد يفترض المرء أن الولايات المتحدة بحاجة إلى حلفاء أكثر اليوم مما كانت عليه قبل 80 عامًا، أو حتى قبل 40 عامًا. على العكس من ذلك، بعد توليها السلطة في 20 يناير، لم تستغرق حكومة ترامب سوى أقل من أسبوعين لإثبات أن شعار "أمريكا أولاً" يعني في الواقع "أمريكا بمفردها" - سنفعل ذلك بمفردنا؛ لسنا بحاجة إلى حلفاء: ادفعوا الثمن!
إن الوحشية التي يبتز بها ترامب الأموال من أوروبا واليابان وكندا وغيرها من الدول "الصديقة" كان لها أثر متناقض، إذ حوّلت الصين إلى مناصرة للتجارة الحرة، والامتثال للقواعد الدولية، والتفاوض بدلاً من الابتزاز. وقد أسر هذا دولاً لا علاقة لها بـ "الاشتراكية على الطريقة الصينية"، لكنها كبيرة وذات نزعة قومية كافية لرفض مزاعم واشنطن الاستعمارية الجديدة.
بعبارة أخرى، لم تكن نتائج القمة ممكنة، إلا لأن إدارة ترامب سلّمت شي جين بينغ مفاتيح النظام العالمي الجديد.
المشكلة هي أن الإمبراطورية المتدهورة قادرة على إلحاق قدر كبير من الضرر ببقية العالم، وتريد ذلك: ومن غير الواضح إلى أي مدى تستطيع بلدان منظمة شنغهاي للتعاون إيجاد نهج مشترك للتعامل مع مشاكل مثل إنهاء الحرب في أوكرانيا، والتوترات بين الصين وتايوان، وإدخال بديل للدولار، والتعاون التجاري فيما بينها.
#رشيد_غويلب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة تحليلية لخسارة اليسار التاريخية في بوليفيا
-
على طريق تعزيز الاستبداد والعنصرية / ترامب يصعّد ضد البنك ال
...
-
فضيحة فساد في الأرجنتين تُشعل أزمة والمعارضة تطالب بعزل الرئ
...
-
رؤية ليسارٍ معاصر: في سُبل استنهاض اليسار العراقي
-
رداً على عنف السلطة.. محتجو صربيا يدافعون عن أنفسهم
-
بعد عسكرة ترامب للعاصمة.. الشيوعي الأمريكي يحذر: {مدينتكم قد
...
-
بسبب صراعات اليسار الداخلية / بعد 19 عاماً.. هزيمة تاريخية ل
...
-
الشرق الأوسط الجديد وتصفية القضية الفلسطينية
-
أمن زائف وصفقات سرية.. الدكتاتورية في السلفادور تكشر عن أنيا
...
-
ماركس يرد على عنف اليمين الشعبوي
-
في الذكرى الـ80 لمأساة هيروشيما وناغازاكي يتزايد خطر الحرب ا
...
-
العقوبات الاقتصادية والجوع أشد فتكا من الحروب
-
قراءة اليسار الإسباني المتحد لراهن إسبانيا
-
حزبا اليسار الأوروبي: مسارات منفصلة واتجاه واحد
-
التشيك.. معاداة الشيوعية بداية للأستبداد
-
راهن الولايات المتحدة يذكر ببواكير العهد النازي!
-
أيدي قادة الاتحاد الأوربي ملطخة بدماء ضحايا الشعب الفلسطيني
-
كولومبيا.. مصادرة أصول شركة النفط البريطانية - الفرنسية لدعم
...
-
من أجل تعزيز دور اليسار.. مشروع حزب جديد في بريطانيا
-
قوى اليسار والاقتصاد المخطط
المزيد.....
-
مسار الأحداث يسأل ماذا وراء فشل عمليات -جدعون- المتتالية؟
-
أوتشا: تكثيف الهجوم على مدينة غزة سيؤدي إلى كارثة أعمق
-
-لم نهزم حماس-.. وثيقة مسرّبة تُقر بفشل نتنياهو
-
هل تنذر الخلافات الإسرائيلية بانهيار إستراتيجية الاحتلال الع
...
-
ترامب محذرا بوتين: -سترى ما سيحدث- إذا لم تكن أمريكا راضية ب
...
-
بعد استهداف قارب فنزويلي.. وزير الدفاع الأميركي يؤكد استمرار
...
-
نائب ندّد بـ-سياسة الغرب الابتزازية- يتسلم قيادة جهاز الأمن
...
-
محاكمة بولسونارو في البرازيل تثير الجدل.. محاموه يؤكدون تقيي
...
-
أردوغان: لا يمكن أن نبقى متفرجين أمام جرائم نتنياهو
-
محللون: مواجهة -ضم الضفة الغربية- المحتلة يتطلب تعاونا فلسطي
...
المزيد.....
-
نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي
...
/ زهير الخويلدي
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
المزيد.....
|