أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم خليل - سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة البناء السياسي والاجتماعي














المزيد.....

سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة البناء السياسي والاجتماعي


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 08:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على مدار أكثر من عقد، مثّلت الأزمة السورية واحدة من أعقد القضايا السياسية والاجتماعية في العالم العربي، حيث تداخلت الأطراف المحلية مع القوى الإقليمية والدولية، في مشهد غارق في الدمار والفوضى، لكنه يعكس كذلك تحولات عميقة في بنية المجتمع والسياسة في سوريا. وبينما يعاني الواقع السوري من تحديات إعادة البناء، لا يزال الخطاب المركزي القائم حبيس نسق كلاسيكي يعجز عن استيعاب الانهيار الشامل للصيغة العقدية القديمة التي حكمت البلاد لعقود طويلة.

يكمن جوهر الأزمة في استمرار هذا الخطاب المركزي بإنكار التحولات العميقة التي طرأت على بنية الدولة والمجتمع، وإصراره على التشبث بسردية مثالية ترى أن الأفكار والنماذج الرمزية وحدها تُعد المحرك الأساسي للتاريخ. هذا الطرح يتجاهل واقعًا أكثر تعقيدًا، حيث أن البنى التحتية من طوائف وتشكيلات ثقافية وسياسية، بمصالحها وصراعاتها وهوياتها، هي التي تتحكم اليوم في إعادة تشكيل الخارطة السورية.

انهيار المفهوم التقليدي للوحدة الوطنية
لطالما اعتمد الخطاب المركزي في سوريا على مفهوم "الوحدة الوطنية" بوصفه ركيزة أساسية للنظام السياسي والاجتماعي. غير أن هذا المفهوم، الذي يوحي بوجود تماسك تلقائي بين مختلف المكوّنات، قد أثبت أنه هش في وجه التحديات التي أفرزها الواقع على الأرض. فالوحدة التي كانت تسوّق بوصفها حجر الزاوية، أصبحت أقرب إلى وهمٍ رمزي أكثر منها إلى حقيقة اجتماعية واقتصادية متجذّرة.

إصرار المركز على اختزال الهوية السورية في إطار ضيق مُتعلّق بنمط معين من الحكم أو برؤية أحادية للتاريخ، ساهم في تفاقم الأزمة بدلًا من معالجتها. فعلاقة الدولة بالطوائف، على سبيل المثال، لم تخرج عن ثنائية الإقصاء والاستيعاب المشروط، ما أدى إلى تعميق الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. هنا، تظهر المفارقة الكبرى: بينما يدّعي الخطاب المركزي الدعوة إلى الوحدة، يمارس في جوهره سياسات الإقصاء والتفكيك، وهو ما عزز نزعات الأطراف للابتعاد عن المركز وخلق مسارات ذاتية منفصلة.

في ظل استمرار انكشاف أوجه القصور في الخطاب المركزي، لابد من إعادة بناء النموذج السياسي والاجتماعي في سوريا انطلاقًا من الأطراف، وليس المركز. الأطراف السورية، التي تشمل الطوائف والإثنيات والتشكيلات السياسية والثقافية المتنوعة، هي التي تحمل اليوم روافع سردياتها ومصالحها. وهذه الأطراف ليست مجرد مكونات هامشية ضمن بنية الدولة، بل هي فاعل رئيسي يجب التعامل معه كعنصر مؤسساتي يُساهم في صياغة مستقبل البلاد.

ما يجعل هذه الأطراف مستحقّة للتركيز عليها، هو كونها العنصر الفاعل الأكبر في إعادة تشكيل واقع ما بعد الحرب. فبينما أصرّ الخطاب المركزي على تمييع الهويات المحلية تحت مظلة جامعة زائفة، قدّمت التشكيلات الفرعية نموذجًا متماسكًا نسبيًا لمعنى "الفاعلية السياسية". الأطراف هي التي تمكنت من تأمين الحد الأدنى من الخدمات واستمرار الحياة في المناطق التي خرجت عن سيطرة المركز، وهي التي طورت منظومات سردية تفسّر الصراع بناءً على رؤيتها المحلية ورهاناتها السياسية والاجتماعية.

من أجل إعادة الاستقرار إلى سوريا، تحتاج البلاد إلى اعتماد نهج سياسي جديد يقترب مما يمكن أن نسميه بـ"اللامركزية العقلانية". هذا المشروع يعتمد بالضرورة على إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد، يعترف بالتنوع الإثني والطائفي، وينطلق من الواقع البنيوي الذي أفرزته سنوات الحرب.

العقد الجديد يجب أن يوازن بين الحاجة إلى مركز سياسي قادر على حماية الحدود والتمثيل الدولي، وبين منح الأطراف حرية إدارة شؤونها الداخلية بما يحترم خصوصياتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. مثل هذا النظام يمكن أن يكون أساسًا لتخفيف التوترات والانقسامات الداخلية التي غذّتها سنوات الحرب.
التاريخ مليء بالدروس حول صعوبة فرض مركزية صارمة في مجتمع متنوع كالذي تمثله سوريا. الأمثلة عديدة وتتراوح من الانهيارات المتكررة للنظام السياسي في المشرق العربي خلال التاريخ الحديث إلى نماذج عالمية عجزت عن توحيد التنوع الداخلي تحت مظلة شمولية واحدة. لهذا، فإن سوريا اليوم بحاجة إلى نموذج مرن يحترم التنوع كجزء من الهوية الوطنية، بدلًا من أن يُعتبر تهديدًا لها.

إن مستقبل سوريا مرهون بقدرتها على تحويل المأساة التاريخية التي تمر بها إلى فرصة لإعادة البناء، ليس فقط على مستوى البنى التحتية، ولكن أيضًا على مستوى الخطاب السياسي والثقافي. هذه العملية تتطلب عقلية جديدة تدرك أن الوحدة الحقيقية لا تأتي من الإقصاء أو التهميش، بل من التعاون والانفتاح على جميع المكونات.
لا يمكن لسوريا أن تستعيد استقرارها دون مراجعة شاملة لخطابها المركزي وآليات عمله. إعادة البناء السياسي والاجتماعي تبدأ من الاعتراف بأن عالم ما قبل الحرب قد انتهى، وأن المرحلة القادمة بحاجة إلى مقاربات جديدة تُنهي الخطاب الوهمي عن "المركز القوي" لصالح منظومة متوازنة تستمد شرعيتها من الواقع وليس من التصورات المثالية. الأطراف لم تعد مجرد هامش، بل أصبحت قلب المعادلة، والمستقبل السوري لن يُكتب إلا بالتفاعل مع هذا الواقع الجديد، لا بإنكاره.



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا في معترك المواجهة: الخطة الوطنية للتصدي لهيمنة الإحتلا ...
- من بوق الحدث إلى عقل الأمة: الإعلام ودوره في بناء الثقة والو ...
- بسّام العدل: من بريق الطائرة إلى ظلام القمامة قصة خيانة تكشف ...
- بين الموعظة والقانون: رحلة الإنسان بين خلود الفكرة وفناء الج ...
- قانون قتل الإخوة في الدولة العثمانية: بين السلطة والفوضى
- التحول السوري: قراءة في المرحلة الراهنة وتوصيات لبناء الدولة ...
- أهمية العلاقات السورية الأمريكية في هذه المرحلة الحساسة
- تجاذبات وإعادة رسم للخارطة الجيوسياسية في سوريا
- الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو ...
- وسائل الإعلام في مجتمعات ما بعد النزاع: بين الهيمنة والتحرر
- ظاهرة التكويع وسلطة الأمر الواقع
- العدالة الانتقالية والية الاصلاح
- الجهاز الأمني السوري الجديد
- الجيش السوري: أزمة هوية واستجابة للثورة
- تحديات النصر السوري ومستقبله
- مواقع التواصل الاجتماعي حديث في الإيجابيات والسلبيات
- المرأة ثورة روحية لا تخمد ولغز لا ينتهي
- كساندرا التي فرضت حظر التجول في سورية لسبعة أشهر
- زلزال أنطاكيا جرح غائر في صفحات التاريخ الإنساني
- التطرف الديني بين الخرافة والبدعة


المزيد.....




- كيف تصف انتهاكات إسرائيل خلال وقف إطلاق النار في غزة؟ رئيس و ...
- حماس: إسرائيل تسلّمت رفات ثلاثة رهائن متوفين آخرين من غزة
- روسيا تقتل 6 أشخاص على الأقل في أوكرانيا.. وكييف ترد بضرب من ...
- البابا يؤكد على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسان ...
- الوحدة العربية.. درع يحمي العرب أم وهم يعمق الانقسام؟
- كيف تعتنين بصحة الشعر الجاف؟
- رئيسة اللجنة الدولية لحماية الصحفيين: واشنطن مارست ازدواجية ...
- الأردن على حافة العطش وسط أزمة مياه وسدود شبه خاوية
- كاتب إيطالي: هل تحقق القاعدة سابقة وتسيطر على دولة مالي؟
- بلجيكا تحقق في رصد طائرة مسيرة فوق قاعدة عسكرية


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم خليل - سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة البناء السياسي والاجتماعي